مسئول أمريكي يشيد بجهود مصر لدمج ذوي الاحتياجات الخاصة وإعادة تأهيلهم    البابا تواضروس الثاني يهنئ شيخ الأزهر بقرب حلول عيد الأضحى المبارك    الوفد: تنسيقية شباب الأحزاب نموذج ملهم للممارسة السياسية المتوازنة    القايم ب200 جنيه.. ارتفاع أسعار الخرفان والماعز في بني سويف (فيديو)    بوليتيكو: الإدارة الأمريكية تخطط لإنشاء قوة متعددة الجنسيات في غزة بعد الحرب    بلينكن: نؤكد استمرار العمل على وقف إطلاق النار في قطاع غزة    بافلوفيتش يغيب رسمياً عن ألمانيا فى يورو 2024 وإيمرى تشان بدلاً منه    مصدر ببيراميدز ليلا كورة: ننتظر قرار الاستئناف بشأن شكوى النجوم في قضية محمود صابر    أخبار الأهلي : أفشة يبحث عن عرض سعودي للرحيل عن الأهلي    الاتحاد السعودي يرصد رقمًا فلكيًا للتعاقد مع محمد صلاح    حدث في اليورو.. كتيبة "قصار القامة" تبدأ رحلة المجد بلقب 2008    طقس العيد حر نار..ذروة الموجة الحارة يومي الجمعة والسبت    عامل يتسبب فى حرق زوجته خلال مشاجرة بكرداسة    وزارة الثقافة: افتتاح 6 عروض جديدة على مسارح الدولة في عيد الأضحى    بلينكن: نعمل مع شركائنا فى مصر وقطر للتوصل لاتفاق بشأن الصفقة الجديدة    عاجل.. حقيقة وفاة طفل صغير أثناء فريضة الحج    أُعيد البناء 12 مرة.. كيف تغير شكل الكعبة عبر التاريخ؟    برنامج تدريبي توعوي لقيادات وزارة قطاع الأعمال العام والشركات التابعة لها    بدون زيادة.. «التعليم» تحدد المصروفات الدراسية بالمدارس الحكومية للعام الدراسي الجديد    مصرع طالب تمريض صدمه قطار عند مزلقان كفر المنصورة القديم بالمنيا    البورصة تستقبل أوراق قيد شركة بالسوق الرئيسى تعمل بقطاع الاستثمار الزراعى    مراسل القاهرة الإخبارية من معبر رفح: إسرائيل تواصل تعنتها وتمنع دخول المساعدات لغزة    أيمن الشريعي: نعمل على حفظ حقوق إنبي وتنظيم اللوائح الرياضية    ل برج الأسد والحمل والقوس.. ماذا يخبئ شهر يونيو 2024 لمواليد الأبراج الترابية؟    الرئيس السيسى يهنئ الملك تشارلز الثالث بذكرى العيد القومى    محافظ المنيا يشدد على تكثيف المرور ومتابعة الوحدات الصحية بالمراكز لضبط منظومة العمل وتحسين الأداء    رئيس الأركان يشهد مشروع مراكز القيادة الاستراتيجى التعبوي بالمنطقة الشمالية    أبرزهم راقصي السامبا.. مواعيد مباريات اليوم الأربعاء    ارتفاع درجات الحرارة ورفع الرايات الخضراء على شواطئ الإسكندرية    جهود لضبط المتهمين بقتل سيدة مسنة بشبرا الخيمة    ما هي أسعار أضاحي الجمال في عيد الأضحى ومواصفات اختيارها؟ (فيديو)    «الصحة» تنظم ورشة عمل لتعزيز قدرات الإتصال المعنية باللوائح الصحية الدولية    الاستخبارات الداخلية الألمانية ترصد تزايدا في عدد المنتمين لليمين المتطرف    عاشور يشارك في اجتماع وزراء التعليم لدول البريكس بروسيا    بتوجيهات رئاسية.. القوات المسلحة توزع عددا كبيرا من الحصص الغذائية بنصف الثمن    في ذكرى ميلاد شرارة الكوميديا.. محطات في حياة محمد عوض الفنية والأسرية    عزيز الشافعي: أغاني الهضبة سبب من أسباب نجاحي و"الطعامة" تحد جديد    "لا أفوت أي مباراة".. تريزيجية يكشف حقيقة مفاوضات الأهلي    بيان الأولوية بين شعيرة الأضحية والعقيقة    آيفون يساعد على الخيانة.. موجة سخرية من نظام التشغيل iOS 18    وزير الدفاع الألماني يعتزم الكشف عن مقترح للخدمة العسكرية الإلزامية    5 نصائح من «الصحة» لتقوية مناعة الطلاب خلال فترة امتحانات الثانوية العامة    «متحدث الصحة» يكشف تفاصيل نجاح العمليات الجراحية الأخيرة ضمن «قوائم الانتظار»    شبانة: حسام حسن عليه تقديم خطة عمله إلى اتحاد الكرة    «أوقاف شمال سيناء» تقيم نموذج محاكاه لتعليم الأطفال مناسك الحج    وزيرة الهجرة تستقبل سفير الاتحاد الأوروبي لدى مصر لبحث التعاون في ملف التدريب من أجل التوظيف    "مواجهة الأفكار الهدامة الدخيلة على المجتمع" ندوة بأكاديمية الشرطة    «الإسكان» تتابع الموقف التنفيذي لمشروعات المرافق والطرق في العبور الجديدة    أفضل أدعية يوم عرفة.. تغفر ذنوب عامين    إي اف چي هيرميس تنجح في إتمام خدماتها الاستشارية لصفقة الطرح العام الأولي لشركة «ألف للتعليم القابضة» بقيمة 515 مليون دولار في سوق أبو ظبي للأوراق المالية    يونيسف: نحو 3 آلاف طفل في غزة معرضون لخطر الموت    السكة الحديد: إجراء بعض التعديلات على القطارات الإضافية خلال عيد الأضحى    الجنائية الدولية تطلق حملة لتقديم معلومات حول جرائم الحرب فى دارفور    بطل ولاد رزق 3.. ماذا قال أحمد عز عن الأفلام المتنافسة معه في موسم عيد الأضحى؟    وزير الأوقاف يهنئ الرئيس السيسي بعيد الأضحى المبارك    تفاصيل مشاجرة شقيق كهربا مع رضا البحراوي    نصائح لمرضى الكوليسترول المرتفع عند تناول اللحوم خلال عيد الأضحى    أول تعليق من حسام حبيب على خطوبة شيرين عبد الوهاب (فيديو)    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



الأسباب التى قام عليها الحكم
نشر في اليوم السابع يوم 13 - 06 - 2009

أولاً: إن حرية العقيدة ضمن المنظور الدستورى يتعين فهمها فى ضوء أمرين مهمين، أولهما أن جمهورية مصر العربية ليست دولة مدنية تماماً، وإنما هى دولة مدنية ديمقراطية، والإسلام فيها دين الدولة ومبادئ الشرعية الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع وفقاً لحكم المادة "2" من الدستور، وثانيهما أن مبدأ المواطنة المقرر بالمادة (1) من الدستور هو مبدأ حاكم للنسيج الوطنى للعقائد والأديان السماوية بما يعنيه من العضوية الكاملة والمتساوية فى المجتمع لجميع المواطنين الذين يعيشون فوق تراب الوطن فى الحقوق والواجبات دون أدنى تمييز قائم على أى معايير تحكمية مثل الدين أو الجنس أو اللون أو المستوى الاقتصادى أو الانتماء السياسى والموقف الفكرى، وبما يترتب على التمتع بالمواطنة من سلسلة من الحقوق والواجبات ترتكز على قيم أربع محورية هى: قيم المساواة والحرية والمشاركة والمسئولية الاجتماعية، ومن ثم فإن تغيير الديانة ضمن نطاق حرية العقيدة، ولأن كان لا يثير مشكلة فى الدول ذات الطابع المدنى الكامل، فإن الأمر جد مغاير فى مصر لما يترتب عل تغيير الديانة من آثار قانونية مهمة فى مسائل الأسرة كالزواج والطلاق والميراث وهى آثار تختلف حسب الديانة أو الملة.
ثانياً: أن الاتفاقيات الدولية المنظمة للحقوق والحريات ولأن كانت تعد جزءاً لا يتجزأ من النظام القانونى المصرى لدى إبرامها والتصديق عليها ونشرها، إلا أن نفاذها وأعمال كامل مقتضاها منط بمراعاة ما ورد بها من قيود وضوابط من جهة، وبمدى وحدود الموافقة والتصديق عليها من الدولة من جهة ثانية، وبمضمون ومدى تحفظها على ما تضمنته من أحكام من جهة ثالثة، ولذلك فإن الاتفاقية الدولية للحقوق المدنية والسياسية التى أقرتها الجمعية العامة للأمم المتحدة فى 16/12/1966، والتى وقعت عليها جمهورية مصر العربية فى 4/8/1967 حين أتاحت المادة 18 منها لكل فرد الحق فى حرية الفكر والوجدان والدين، وحريته فى الانتماء إلى أحد الأديان أو العقائد باختياره وحريته فى إظهار دينه أو معتقده بالتعبد وإقامة الشعائر والممارسة والتعليم، بمفرده أو مع جماعة، وأمام الملأ أو على حده، قد اعترفت فى البند 3 من المادة ذاتها بعدم جواز إخضاع حرية الإنسان فى إظهار دينه أو معتقده، إلا للقيود التى يفرضها القانون والتى تكون ضرورية لحماية السلامة العامة أو النظام العام أو الصحة العامة أو الآداب العامة أو حقوق الآخرين وحرياتهم الأساسية، كما أن قرار رئيس جمهورية مصر العربية رقم 536 لسنة 1981 بالموافقة على الاتفاقية المشار إليها لم يطلق الموافقة بلا قيد أو شرط، وإنما أكد فى المادة 1 منه على أن الموافقة على تلك الاتفاقية الدولية يكون مع الأخذ فى الاعتبار أحكام الشريعة الإسلامية وعدم تعارضها معها وذلك مع التحفظ بشرط التصديق.
ثالثاً: أنه وفقاً للتصور الإسلامى لحرية العقيدة فى ضوء ما قررته المادة الثانية من الدستور من أن مبادئ الشريعة الإسلامية هى المصدر الرئيسى للتشريع، فقد كانت حرية الفكر هى الطريق إلى الحق، ومن ثم استبعد الإسلام صور القيود المختلفة عن حرية الفكر، فكان قوله سبحانه وتعالى: "قل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر"، الكهف 29، كما افترض وجود الحرية كجزء لا يتجزأ من بنية المجتمع، ليس فحسب لأن الإيمان بالعقيدة لا يمكن أن يتم إلا فى بيئة حرة، وبعد اقتناع كامل، ولكن أيضا لأن الإسلام يبنى الحياة الإنسانية بصفة عامة على أساس أنها اختبار واختيار بين الخير والشر، وهذا بدوره يفترض ويتطلب وجود قوى الشر والغواية، وحرية الإنسان فى الانسياق أو المقاومة، لذلك فقد ذكر القرآن الكريم قوله تعالى لإبليس: "قال اذهب فمن تبعك منهم فإن جهنم جزاؤكم جزاء موفورا * واستفزز من استطعت منهم بصوتك وأجلب عليهم بخيلك ورجلك وشاركهم فى الأموال والأولاد وعدهم وما يعدهم الشيطان إلا غروراً * إن عبادى ليس لك عليهم سلطان وكفى بربك وكيلاً" صدق الله العظيم. ومن جهة أخرى فإن كفالة حرية العقيدة فى الشريعة الإسلامية قد سبقت الدساتير جميعها منذ أربعة عشر قرناً ونيف، فهذا قوله تعالى: "ولو شاء ربك لآمن من فى الأرض كلهم جميعاً" صدق الله العظيم. يونس 99، وقوله تعالى لرسوله الكريم: "ليس لك من الأمر شىء أو يتوب عليهم أو يعذبهم فإنهم ظالمون" صدق الله العظيم، آل عمران 128، وقوله تعالى: "وإن كان كبر عليك إعراضهم فإن استطعت أن تبتغى نفقاً فى الأرض أو سلما فى السماء فتأتيهم بآية ولو شاء الله لجمعهم على الهدى فلا تكونن من الجاهلين" صدق الله العظيم، الأنعام 35. كما قال تعالى: "إن تحرص على هداهم فإن الله لا يهدى من يضل وما لهم من ناصرين" صدق الله العظيم، النحل 37. وكذا قوله تعالى: "إنك لا تهدى من أحببت ولكن الله يهدى من يشاء" صدق الله العظيم، القصص 56. وأكدت الآيات الكريمة فى مجال حرية الاعتقاد أن الإيمان هداية والاختلاف قضاء وأن جميعه من عند الله، لذلك فقد أمر الله تعالى نبيه بأن "يعرض" عن المشركين والجاهلين لأنه لا إكراه فى الدين فمن آمن فلنفسه، ومن ضل فعليها، وأن الله تعالى وحده هو الذى سيحكم بين الناس فيما كانوا فيه يختلفون، كما وجه الله تعالى نبيه بقوله "لست عليهم بمسيطر" الغاشية 22، وقوله تعالى: "وما أنت عليهم بوكيل" الأنعام 107، وقوله تعالى: "أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين" يونس 99. وكذلك قوله تعالى: "لا إكراه فى الدين قد تبين الرشد من الغى" البقرة 256. إلا أنه ومن وجهة أخرى فإن القرآن الكريم لا يقبل أن يكون الدين ألعوبة يدخل فيها اليوم من يريد الدخول، ثم يخرج منه غدا من يريد على طريقة بعض اليهود الذين قالوا: "آمنوا بالذى أنزل على الذين آمنوا وجه النهار واكفروا آخره لعلهم يرجعون" صدق الله العظيم، آل عمران 72.
رابعاً: أن الوضع التشريعى الحاكم لأمر تغيير بيانات خانة الديانة، وفقاً لحكم المادة الفقرة الثانية من المادة 47 من القانون رقم 143 لسنة 1994 فى شأن الأحوال المدنية ولائحته التنفيذية الصادرة بقرار وزير الداخلية رقم 1121 لسنة 1995 المعدلة بقرار وزير الداخلية رقم 520 لسنة 2009 جعل إجراء التغيير أو التصحيح فى الجنسية أو الديانة أو المهنة أو فى قيود الأحوال المدنية المتعلق بالزواج أو بطلانه أو التصادق أو الطلاق أو التطليق أو التفريق الجسمانى أو إثبات النسب بناء على أحكام أو وثائق صادرة من جهة الاختصاص دون حاجة إلى استصدار قرار من اللجنة المشار إليها.
وقد ورد حق تغيير بيانات خانة الديانة مطلقاً دون تحديد من المشرع، إلا أن المشروع استوجب مجموعة من الإجراءات والشروط والضوابط والمستندات التى يتعين توافرها حتى تتخذ جهة الإدارة إجراءات إصدار قرار بتغيير الديانة والاسم بشهادة الميلاد وبطاقة تحقيق الشخصية، وهى شروط لا تتعلق بإثبات العقيدة والتى تظل مطلقة بين العبد وربه لا تحتاج لإثبات، ولكنها شروط تتعلق بمقتضيات التنظيم القانونى لإثبات البيانات المحددة بالأوراق الثبوتية للمواطن لترتيب الآثار القانونية للتعالم مع الغير فى العلاقات المتعلقة بمسائل الأسرة كالزواج والطلاق والميراث وهى آثار تختلف حسب الديانة أو الملة، وهذه الشروط هى:
1 تقديم طلب تغيير الديانة على النموذج المعد لذلك بمعرفة صاحب الشأن إلى قسم السجل المدنى المختص.
2 إرفاق المستندات المؤيدة لطلب تغيير الديانة والتى تحددت قانوناً بأحد مستندين: إما حكم بتغيير الديانة من المحكمة المختصة، أو وثيقة تغيير ديانة صادرة من جهة الاختصاص.
خامساً: الواقع التشريعى لا يعرف تنظيماً لمحكمة مختصة بتغيير الديانة ولم ينظم إجراءات لحصول هذا التغيير، ذلك أن المحاكم بدرجاتها المختلفة قد تحدد اختصاصها على سبيل الحصر دون أن تتضمن اختصاصاً لمحكمة مختصة بإصدار حكم أو أحكام بتغيير الديانة.
سادساً: أن تغيير الديانة فى مجال حرية العقيدة وعلاقة العبد بربه لا تحتاج لإثبات، ذلك أن الاعتقاد الدينى مسألة نفسية وهى من الأمور التى تبنى الأحكام فيها على الإقرار بظاهر اللسان، والتى لا يسوغ لقاضى الدعوى التطرق إلى بحث جديتها أو بواعثها ودواعيها، بينما تغيير الديانة وفقاً لنظام الدولة وأوضاعها التشريعية وما يتصل بحقوق الغير والآثار المترتبة على التغيير فى بيانات قيود الأحوال المدنية، فهو دوماً فى حاجة إلى إثبات، إذ إنه عمل إرادى يحكمه النظام القانونى المقرر تشريعياً لتغيير الديانة والذى يحدد الجهة المختصة المنوط بها إجراء هذا التعديل وإصدار الشهادات أو الوثائق الرسمية، بما يمثله هذا التغيير من خروج من دين ودخول فى غيره، وفى ضوء ما تسمح به قواعد النظام العام للمجتمع.
سابعاً: أن واقع الطوائف والهيئات الدينية المعترف بها قد قصر طوائف الأرثوذكس على أربعة طوائف، لكل طائفة منها بطريركاً يقوم على شئونها عُين بأداة قانونية سليمة، ومن ثم تعددت الجهات الدينية بتعدد الطوائف والهيئات، وتشعبت اختصاصات كل منها، وبالنسبة لطائفة الأقباط الأرثوذكس فى مصر بقيت الكنيسة الأرثوذكسية دون سواها هى المعترف بها، حيث اعترفت لها الدولة بالشخصية الاعتبارية كما ظلت رئاستها لبابا الإسكندرية وبطريرك الكنيسة المرقسية وفقاً للقانون رقم 20 لسنة 1971 بشأن الأحكام الخاصة بانتخاب بابا الإسكندرية وبطريرك الكرازة المرقسية للأقباط الأرثوذكس، واعتبرت البطريرك الذى يرأس المجلس العمومى لهذه الطائفة هو النائب والممثل القانونى لها دون سواه، وإن الكنائس والقساوسة العاملين بتلك الكنائس يخضعون لتبعية وإشراف البطريرك وأن علاقة الكاهن لدى الهيئة الكنسية للأقباط الأرثوذكس هى علاقة عمل، إلا أن اختصاصها ليس اختصاصاً عاماً غير محدود وإنما يقتصر على ما وسدته لها القوانين واللوائح ذات الصلة، بحسبان أن للكنيسة ورئاستها وظائف واختصاصات دينية وسدت لهم بمقتضى التشريعات المصرية تتعلق بمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين من أتباع هذه الطائفة، والثابت أن بطريركية الكنيسة المرقسية تتعلق بمسائل الأحوال الشخصية للمسيحيين من أتباع هذه الطائفة، والثابت أن بطريركية الكنيسة المرقسية، ولئن كان لها إصدار شهادات تتعلق بالشئون الدينية للمنتمين لطائفة الأقباط الأرثوذكس ومن يغير طائفته من إحداها إلى سواها، إلا أنها ليست جهة اختصاص فى اتخاذ أى إجراء من أى نوع لتغيير ديانة المسلم إلى الديانة المسيحية، كما أنها ليست جهة اختصاص فى إصدار أية شهادات بحصول هذا التغيير، حيث لم تقرر القوانين أو اللوائح الكنسية أى اختصاص فى هذا الشأن، وعلى ذلك لا يكون المشرع قد حدد جهة مختصة بإصدار وثيقة بتغيير الديانة من الإسلام إلى المسيحية، إذ إنه ولئن كان للبطريركية سلطة الاعتراف الكنسى لمن يمارسون الطقوس الدينية، إلا أنه لا سلطة لها فى تغيير الديانة بإخراج معتنق لعقيدة ما من دينه وفق ديانة غير مسئولة عنها، ولو وفقاً لرغبته، وإدخاله فى ديانة أخرى هى مسئولة عنها ما لم يوسد لها القانون هذا الاختصاص.
ثامناً: أن الشهادة الأولى المقدمة من المدعى بحافظة مستندية بجلسة 4/4/2009 وهى عبارة عن شهادة بعنوان (وثيقة بيانات المعمد) مقدمة من (الكنيسة المقدسة القدس يؤانيس ) التابعة للمطرانية المقدسة بمدينة (ليميسوس) بقبرص، تضمنت بيانات المدعى واسم ولقب الأشبين (بامبوس خر الأمبوس)، وتاريخ العماد (20/9/2005)، واسم الكاهن المعمد (أنطونيوس بابانيقوليس)، وهى شهادة محرر باللغة اليونانية ومرفق بها ترجمة عرفية باللغة العربية، وهى فى مجملها وعمومها، بعيداً عن ما قد يمثله العماد من أثر دينى فى علاقة المعمد بربه، شهادة ساقطة وفاقدة لكل قيمة قانونية فى إحداث أثر تغيير الديانة فى مجال التنظيم القانونى بالمفهوم السالف بيانه للأسباب التالية:
السبب الأول: لكونها بحسب عنوانها وثيقة عماد، صادرة عن كنيسة فرعية لإحدى المطرانيات الأجنبية.
السبب الثانى: لدلالة إجراء العماد خارج الوطن دون إجرائه بالكنيسة المصرية بما قد يحمله من عدم موافقته الأخيرة على إتمام ذلك الإجراء بمعرفتها وهو ما يلقى بالكثير من الظلال حول وسيلة إعداد هذه الورقة وأهدافها.
السبب الثالث: لما تضمنته الوثيقة ذاتها من إقرار بأنها (وثيقة لا يعتد بها) حيث ورد بالبند (1) منها ما نصه: (هذه الوثيقة لا يعتد بها كشهادة عماد حتى تقدم إلى مكاتب المطرانية المقدسة بليميسوس خلال خمسة عشر يوماً لاستخراج شهادة العماد الرسمية التى ستقيد بالسجلات)، وإذا صدرت الورقة بتاريخ 20/9/2005 ومضت الخمسة عشر يوماً المشار إليها بتاريخ 5/10/2005 ولم يستخرج المدعى شهادة العماد الرسمية من مكاتب المطرانية المذكورة ولم تقيد بسجلاتها ومن ثم تضحى تلك الشهادة والعدم سواء.
تاسعاً: إن الشهادة المقدمة من المدعى ضمن حافظة مستنداته بتاريخ 11/4/2009، فهى ورقة مؤرخة 8/4/2009 صادرة عن (مطرانية شبين القناطر وتوابعها للأقباط الأرثوذكس) تضمنت طلباً من المدعى، بناء على شهادة العماد المنعدمة السالف الإشارة إليها، بقبوله بطائفة الأقباط الأرثوذكس تحولاً من (طائفة الروم الأرثوذكس)، وقد صدرت عن كاهن يدعى (القمص ميتاس نصر منقريوس) وتضمنت "أنه تأكد من إيمان وصحة معتقد المذكور"، وهى شهادة كسابقتها ساقطة وعديمة الأثر فى مجال تغيير الديانة للأسباب التالية:
السبب الأول: لأن الكاهن المشار إليه لا يختص بتغيير ديانة أى شخص على أى نحو، ولأنه لا يمثل البطريرك الذى تتبعه جميع الكنائس والقساوسة العاملين بها وإنما يخضع لإشرافه واعتماده فيما يناط به من اختصاصات قررتها القوانين واللوائح والأوامر العليا.
السبب الثانى: لأن الشهادة لا تتعلق بتغيير ديانة وإنما تتعلق إن كان لها ثمة قيمة قانونية بتغير الطائفة، حيث البون شاسع بين هذا وذاك، فالديانة تعنى الرسالة الموحى بها من السماء عن طريق الأنبياء والرسل، بينما الطائفة فهى وحدة اجتماعية داخل الدين والملة الواحدة، وبالتالى لا يعتبر التغيير فى الطائفة تغييراً فى الديانة، ويعد التغيير فى الطائفة وارداً على غير محل طالما لم يثبت تغيير الديانة ابتداءً وفقاً لما تقرره القوانين.
السبب الثالث: لأنه من المقرر أن تغيير الطائفة مثله كتغير الملة لم يتم ولا ينتج أثره بمجرد إبداء الطلب أو الرغبة فيه لأى من الكهان، وإنما يتعين أن يتم ذلك بالدخول فى الطائفة أو الملة الجديدة بموجب عمل إرادى من جانب الجهة الدينية المختصة التى يرغب الشخص الدخول فى طائفتها أو ملتها، ويكون قبول الانضمام إليه صادراً من رئاستها الدينية المعتمدة (البطريرك) وهو ما لم يتم على هذا النحو.
السبب الرابع: لأن الشهادة صدرت من الكاهن اعتماداً على شهادة عماد ليست هى شهادة العماد الرسمية، وفقاً لما هو منصوص بها من أنه (لا يعتد بها كشهادة عماد ما لم تقدم إلى مكاتب المطرانية المقدسة بليميسوس خلال خمسة عشر يوماً لاستخراج شهادة العماد الرسمية التى ستقيد بالسجلات)، وهو ما لم يتقدم به المدعى لا إلى هذه المحكمة ولا إلى الكاهن المذكور.
السبب الخامس: لأن الشهادة لم يوقعها سوى الكاهن المذكور وجاء مكان توقيع كل من صاحب النيافة الأنبا صمؤيل أسقف شبين القناطر خالياً من التوقيع، كما جاء مكان توقيع القمص أومانيوس جمال وكيل مطرانية شبين القناطر وتوابعها خالياً كذلك من التوقيع، فضلاً عن عدم اعتمادها على ما تقدم من الرئاسة الدينية المعتمدة.
السبب السادس: لأن هذه الشهادة لم تقدم إلى السجل المدنى المختص قبل رفع الدعوى الأولى التى أقيمت فى 4/8/2008 أو قبل رفع الدعوى الثانية التى أقيمت فى 21/2/2009، وإنما قدمت لأول مرة أمام هذه المحكمة بتاريخ 11/4/2009، ومن ثم لا تصلح تلك الشهادة سنداً لإثبات تغيير الديانة على النحو المتطلب قانوناً.
وقد انتهت المحكمة فى ضوء ما تقدم إلى أنه:
(( ومتى كانت الشهادتان المشار إليهما قد وردتا فاقدتين لكل قيمة قانونية بما لا يجعل لأى منهما ثمة أثر أو قيمة فى إثبات تغيير الديانة وفقاً للتنظيم القانونى القائم، فإنه وترتيباً على ما تقدم ، يكون قرار الجهة الإدارية برفق الاعتداد بتغيير ديانة المدعى من الإسلام إلى المسيحية، قد صدر صحيحاً قائماً على سنده من أحكام القانون، لتخلف الشروط الشكلية والإجرائية والضوابط الموضوعية التى استلزمها القانون لإثبات تغيير الديانة، وفقاً لحكم الفقرة الثانية من المادة (47) من قانون الأحوال المدنية المشار إليه، والبندين أولاً 1 وثانياً 1 وثالثاً 3 وثانياً 6 من المادة (30) من اللائحة التنفيذية للقانون ذاته. ومن ثم يكون طلب المدعى الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من رفض اتخاذ إجراءات تغيير خانة الديانة بشهادة الميلاد والرقم القومى للمدعى من مسلم الديانة إلى مسيحى الديانة فاقداً سنده وأساسه من صحيح حكم القانون خليقاً بالرفض".
عاشراً: وعن طلب تعويض المدعى بمبلغ عشرة ملايين جنيه عما يدعيه من أضرار مادية وأدبية فقد رأت المحكمة: ((أن الثابت من الوراق أن الطعن على قرار الجبهة الإدارية يرفض اتخاذ إجراءات تغيير خانة الديانة بشهادة الميلاد والرقم القومى للمدعى من مسلم الديانة إلى مسيحى الديانة وخانة الاسم من ماهر أحمد المعتصم بالله إلى بيتر إثناسيوس قد انتهى إلى سلامة ومشروعية القرار المطعون فيه والقضاء يرفض المدعوين، ومن ثم لا وجه لنسبة أى خطأ إلى الإدارة يمكن أن يترتب عليه ثمة ضرر، وبالتالى تنهار المسئولية الموجبة للتعويض، دون حاجة لبحث ركنى الضرر وعلاقة السببية الأمر الذى يضحى معه طلب التعويض غير قائم على سند من صحيح حكم القانون خليقاً بالرفض)).
حادى عشر: إن المحكمة قد أكدت، وهى تعلى قيمتى الحق والقانون، على أن حرية العقيدة لها قدرها من السمو والرفعة بما لا يجوز معه أن تكون محلاً للتلاعب، أو سعياً لتحقيق مآرب دنيا، أو إذكاء لصراع بين الحضارات، أو انتصاراً لديانة على أخرى، أو ضرباً للجذور الراسخة للوحدة الوطنية للبلاد، أو اتجاهاً لإحداث ما سمى "الفوضى الخلاقة" بإحداث فوضى طائفية هدامة، فوحدة عنصرى الأمة المصرية، فرضتها الأديان السماوية وقدستها العاطفة الوطنية وخلدتها المصلحة القومية، وتمثلت فى هذا الوطن المصرى البديع الذى اتسع تاريخياً وإنسانياً ليحتضن على أرضه وفى أعماقه دينين تجاورا لقرون عديدة، وأسهما معاً فى صياغة هويته الحضارية الفردية وفى إثراء تراثه الإنسانى العريق، هذا الوطن هو موضوع السعادة المشتركة لكل أبنائه، ينميه ويستمتع بفصائله كل من شارك مخلصاً فى رفعته وكل من أسهم مبدعاً بفكرة وعرقه ونضاله فى تقدمه، وطعن صيغت ملامحه السياسية والثقافية والحضارية فى العصر الحديث، على أيدى كوكبة من البنائين العظام صانعى جسور التواصل الإنسانى الخلاق بين العقيدة والوطن، وبين العقل والوجدان، وبين المحلى والعالمى، وبين ما هو مطلق ومقدس، وبين أن يفقدوا بوصلة الانتماء الصحيح إلى الوجدان المشترك لهذا الوطن العظيم، فى سماحة ترفض الإقصاء وتنبذ الفرقة، وتحترم النوع وتدين التعصب المقيت.
ثانى عشر: إن المحكمة قد تكشف لها وجود قصور تشريعى، يقصر عن تحقيق الحماية الفعالة لحرية العقيدة، ومواجهة التلاعب بالأديان، لذلك فقد أهابت بالمشرع أن ينهض إلى تحمل التزاماته التشريعية فى ضوء أن تغيير الدين قد تصاحبه الكثير من الضغوط والإغراءات الداخلية والخارجية، كما قد تصاحبه ظروف نفسية واجتماعية يمر بها طالب التغيير، كما قد ينطوى على التلاعب بالأديان، لذلك فقد أهابت بالمشرع أن ينهض إلى تحمل التزاماته التشريعية فى ضوء أن تغيير الدين قد تصاحبه الكثير من الضغوط والإغراءات الداخلية والخارجية، كما قد تصاحبه ظروف نفسية واجتماعية يمر بها طالب التغيير، كما قد ينطوى على التلاعب بالأديان تحقيق أغراض دنيوية دنيا، فاختلاف العقائد حقيقة إنسانية، فضلاً عن كونها مشيئة إلهية، فإن من يعمل على تصادمها كأديان أو ملل فالأديان لا يجوز أن تكون ألعوبة للعابثين، كما أن القضاء لا يجوز أن يكون ساحة للمعتصمين، وحلبة لمشيعى الفتن ما ظهر منهم وما بطن، مما يستوجب أن يكون محط اهتمام المشرع، فالحاجة ماسة إلى تشريع يحمى الأديان من الازدراء أو السخرية ليكون أساساً لحرية العقيدة وحرية الانتقال من دين إلى دين بمراعاة عدم التعارض مع مقتضيات النظام العام، ويبين الجهة القانونية التى يتم فيها إشهار الدين الجديد وشروط هذا الانتقال من ناحية السن والحالة العقلية واتحاد الأبوين فى الدين أو اختلافهما، وما إذا كانت هناك ضغوط تمثل الإكراه أو إغراءات تمثل الزيف، على أن تقرر عقوبة تحول دون هذا العبث، وأن تشدد العقوبة على من كان يسعى إلى الاستقواء بالأجنبى أو الحصول على منفعة من مال أو عمل أو زواج أو طلاق أو موارث عن طريق الاتجار أو التلاعب بالأديان، وأن تراعى ظروف من إصابتهم الحيرة من اختلاف الأبوين فى الدين أن تكون العقوبة فى كل حالة من الأحوال المتقدمة منفصلة عن الحق فى تغيير الدين، وألا تقع بسبب عودته لدينه الأول، بل على دخوله عابثاً مستهتراً فى دين غير مؤمن به، وذلك درءاً لفتنة لا تفتأ أن تطل برأسها علينا من حين إلى حين.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.