«نقل النواب» تناقش موازنة سكك حديد مصر.. و«الإقتصادية» تفتح ملف «قناة السويس»    جامعة حلوان الأهلية تعلن مصروفات كلياتها للعام الجامعي الجديد    كاهن رعية غزة يعبر عن سعادته بالعودة إلى كنيسة العائلة المقدسة    اتفاق على عقد منتدى السياحة الأفريقية بشرم الشيخ «سنويًا»    خامنئى يصلى على جثمان الرئيس الإيرانى الراحل والوفد المرافق له    "يريد اقتسامها مع منافسيه".. جوارديولا يحصد جائزة مدرب الموسم في الدوري الإنجليزي    لمواليد 22 مايو.. ماذا تقول لك نصيحة خبيرة الأبراج في 2024؟    دار الإفتاء توضح أفضل دعاء للحر.. اللَّهُمَّ أَجِرْنِى مِنْ حَرِّ جَهَنَّمَ    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الاربعاء 22-5-2024    خبيرة تغذية تنصح بعدم شرب الماء بعد الوجبات مباشرة    السكة الحديد تعلن تأخيرات القطارات المتوقعة اليوم الأربعاء    استطلاع رأى 82% من المواطنين:استكمال التعليم الجامعى للفتيات أهم من زواجهن    أيرلندا تعترف رسميا بالدولة الفلسطينية مؤكدة: الحل الوحيد للسلام    إسبانيا تلحق بالنرويج وأيرلندا وتعترف بالدولة الفلسطينية    فصائل فلسطينية: استهدفنا ناقلة جند إسرائيلية جنوب شرق مدينة رفح    مصادر إسبانية: الحكومة ستعلن اليوم الاعتراف بدولة فلسطينية    جامعة عين شمس تحصد 3 جوائز لأفضل رسائل ماجستير ودكتوراه    مواعيد مباريات الأربعاء 22 مايو - نهائي الدوري الأوروبي.. ودورة الترقي    اليوم.. انطلاق الدورة الرباعية المؤهلة إلي الدوري الممتاز    التعليم: تشكيل غرفة عمليات بكل مديرية تعليمية لمتابعة امتحانات الدبلومات الفنية    تباين أسعار العملات الأجنبية في بداية تعاملات اليوم | الأربعاء 22 مايو 2024    على البساط الوردى «فرانكلين» و«دوجلاس» فى كان!    طلاب جامعة القاهرة يحصدون المركزين المتميز والأول فى مسابقة جسر اللغة الصينية    هكذا تظهر دنيا سمير غانم في فيلم "روكي الغلابة"    إكسترا نيوز تعرض تقريرا حول ارتفاع الصادرات السلعية بنسبة 10%    وزير الإسكان يتابع موقف مشروعات مياه الشرب والصرف الصحي الجاري تنفيذها    استعدادات مكثفة بموانئ البحر الأحمر.. ورفع درجة الاستعداد بميناء نويبع البحري لبدء موسم الحج البري    5 أسباب رئيسية للإصابة بالربو ونصائح للوقاية    الطالب الحاصل على جائزة «المبدع الصغير» 2024 في الغناء: أهدي نجاحي لوالدتي    حملة لإزالة مزرعة العاشر للإنتاج الحيوانى والداجنى وتربية الخيول والنعام فى الشرقية    باحثة سياسية: مصر تقف حائط صد أمام مخططات التهجير القسري للفلسطينيين    قطع المياه 8 ساعات عن مركز الصف بالجيزة مساء الجمعة لأعمال الصيانة    طلاب الشهادة الإعدادية في الإسكندرية يؤدون امتحان الهندسة والحاسب الآلي    تفاصيل الحالة المرورية اليوم.. كثافات في شارعي رمسيس والهرم (فيديو)    رابط نتيجة الصف السادس الابتدائي 2024 الترم الثاني جميع المحافظات والخطوات كاملة    النقض تنظر طعن "سفاح الإسماعيلية" على حكم إعدامه.. اليوم    51 مباراة دون هزيمة.. ليفركوزن يسعى لمواصلة كتابة التاريخ في موسم استثنائي    المفتي: نكثف وجود «الإفتاء» على مواقع التواصل.. ونصل عن طريقها للشباب    دبلوماسي سابق: الإدارة الأمريكية تواطأت مع إسرائيل وتخطت قواعد العمل الدبلوماسي    بايدن يتهم ترامب باستخدامه لغة «هتلر».. ما السبب؟    عباس أبو الحسن بعد دهسه سيدتين: أترك مصيري للقضاء.. وضميري يحتم عليّ رعايتهما    قرار جديد من الاتحاد الإفريقي بشأن نهائي أبطال إفريقيا    مبلغ صادم.. كم بلغ سعر إطلالة ماجي زوجة محمد صلاح؟    رئيس نادي إنبي يكشف حقيقة انتقال محمد حمدي للأهلي    افتتاح أول مسجد ذكي في الأردن.. بداية التعميم    دراسة: 10 دقائق يوميا من التمارين تُحسن الذاكرة وتزيد نسبة الذكاء    نشرة التوك شو| تفاصيل جديدة عن حادث معدية أبو غالب.. وموعد انكسار الموجة الحارة    «نادٍ صعب».. جوميز يكشف ماذا قال له فيريرا بعد توليه تدريب الزمالك    هل تقبل الأضحية من شخص عليه ديون؟ أمين الفتوى يجيب    الإفتاء توضح أوقات الكراهة في الصلاة.. وحكم الاستخارة فيها    «الثقافة» تعلن القوائم القصيرة للمرشحين لجوائز الدولة لعام 2024    الأرصاد: الموجة الحارة ستبدأ في الانكسار تدريجياً يوم الجمعة    النائب عاطف المغاوري يدافع عن تعديلات قانون فصل الموظف المتعاطي: معالجة لا تدمير    "رايح يشتري ديكورات من تركيا".. مصدر يكشف تفاصيل ضبط مصمم أزياء شهير شهير حاول تهريب 55 ألف دولار    اليوم.. قافلة طبية مجانية بإحدى قرى قنا لمدة يومين    «معجب به جدًا».. جوميز يُعلن رغبته في تعاقد الزمالك مع نجم بيراميدز    هل ملامسة الكلب تنقض الوضوء؟ أمين الفتوى يحسم الجدل (فيديو)    حدث بالفن | فنانة مشهورة تتعرض لحادث سير وتعليق فدوى مواهب على أزمة "الهوت شورت"    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المشكلة ليست التضامن الاجتماعى.. ولكن مع من سيتضامن المصيلحى؟
نشر في اليوم السابع يوم 28 - 05 - 2009

لى تجربة فى الشارع المصرى أتمنى تكرارها مع كل قارئ على صفحات «اليوم السابع».. ففى الشارع سألت الناس عن وزارة التضامن الاجتماعى.. ما هى أهداف هذه الوزارة التى أنشئت من أجل تحقيقها.. ما هو دورها وواجباتها.. وللأسف الشديد لم أجد مواطنا واحدا يعرف القدر الأقل الذى يليق بأى مواطن مصرى أن يعرفه عن أى وزارة فى مصر.. ومن بين كثيرين جدا استوقفتهم وسألتهم.. قال بعضهم إنها وزارة رغيف العيش وكان من الواضح أن ذاكرتهم احتفظت بصورة ولقب الدكتور على المصيلحى أثناء أزمة العيش ومخابزه التى انفجرت مؤخرا.. وبعض آخر منهم قالوا إنها وزارة الحج واستشهدوا فى ذلك بصورة كبيرة للدكتور على مصيلحى فى مختلف الصحف يعلن فيها بدء قبول طلبات حج الجمعيات.. وآخرون قالوا إنها وزارة للتموين.. أو وزارة للقمح المزروع فى مصر وليس المستورد من روسيا.. وغيرهم قالوا إنها وزارة للتأمينات والمعاشات.. وفريق ثالث اختلط عليهم الأمر بين وزارة حالية للتضامن الاجتماعى ووزارة قديمة للشئون الاجتماعية.. لكن الفريق الأكبر والأهم كان هؤلاء الذين لم يعرفوا أصلا أن هناك وزارة فى مصر للتضامن الاجتماعى.
ولا أعتقد أن قارئ «اليوم السابع» سيغدو أكثر حرصا على فهم طبيعة هذه الوزارة ودورها وواجباتها من المواطن العادى الذى التقيته فى الشارع.. كلنا لا نعرف ولا نفهم ولم نشعر أبدا من قبل أننا مطالبون بأن نعرف أو نفهم هذه الوزارة، ولماذا كانت، وما الذى تقوم به على وجه الدقة.. والأسوأ من ذلك أن معظمنا تخيل التضامن الاجتماعى مجرد وزارة من وزارات كثيرة يتم اختراعها فجأة بدون حاجة أو تفسير.. ويتم أيضا اختفاؤها فجأة بدون شرح أو تبرير.. وأدت هذه القناعة إلى أن الناس أصبحت تعرف وتحفظ اسم الدكتور على المصيلحى وصورته بأكثر مما تعرف أو تحتفظ بشىء عن الوزارة التى يشغلها المصيلحى.. واحدة من المفارقات القليلة جدا فى تاريخنا الوزارى التى يصبح فيها الوزير أشهر وأهم وأكثر وجودا وظهورا من الوزارة نفسها.. وهى غالبا حالة لا تحدث إلا حين تصبح الوزارة مجرد كيان وهمى أو غامض أو حدث عارض ومفاجئ وزائل وغير دائم وغير مؤثر وليست له أى قيمة حقيقية على الإطلاق.
ولحسم كل ذلك.. رجعت إلى القرار الجمهورى رقم 421 لسنة 2005.. وهو القرار الذى وقعه الرئيس مبارك فى الثلاثين من شهر ديسمبر سنة 2005.. وبمقتضاه تأسست فى مصر وزارة جديدة اسمها وزارة التضامن الاجتماعى.. ومن مقدمة القرار الجمهورى يتضح أن الرئيس مبارك اضطر للاطلاع على قوانين كثيرة جدا ومراسيم بقوانين.. تموين، وجمعيات أهلية ،وضمان اجتماعى، ونظام العاملين فى الدولة ،وتجارة داخلية، وبنك ناصر.. قبل أن يصدر قراره رقم 421 لينشئ وزارة التضامن الاجتماعى والتى أصبحت بمقتضى القرار الجمهورى مختصة بكثير من الأمور أود التوقف عندها وأمامها بكثير من التمهل والتأمل والتدقيق والمراجعة.. إذ إن هذه الوزارة وفقا للقرار الجمهورى.. وبنصوصه ومفرداته.. أصبحت الوزارة المسئولة عن.. تحقيق الاستخدام الأمثل للموارد والمخصصات المالية والعينية المقررة لدعم فئات المجتمع الأكثر احتياجًا.. تعزيز ودعم دور الأسرة المصرية، والارتقاء بمستويات معيشة أفرادها.. تحقيق التكافل الاجتماعى.. دعم وتعزيز فعاليات المجتمع المدنى.. نشر ثقافة مشاركة المجتمع وإسهام المجتمع أفرادا ومنظمات فى تحقيق التكافل الاجتماعى بالتنسيق بين الجهات المعنية بهم فى الدولة.. وضع السياسات والبرامج الاجتماعية المواكبة للإصلاح الاقتصادى.. تنظيم الأسرة وخدمات طب الأسرة.. تعليم الكبار ومنع التسرب من التعليم.. التوسع فى شبكات الضمان الاجتماعى ومد مظلتها لتشمل كافة المواطنين.. تدعيم حقوق المواطنين الاجتماعية خاصة المرأة والطفل وغير المشتغلين.. تحديد الفئات المستحقة للدعم من خلال البحوث الاجتماعية وإصدار بطاقات الدعم.. توفير السلع الأساسية والمواد الغذائية وتحقيق العدالة فى توزيعها.. ولم ينس القرار الجمهورى أيضا التأكيد على أن وزير التضامن الاجتماعى سيباشر اختصاصات وزارة الشئون الاجتماعية.. أما العاملون بوزارتى التموين والتجارة الداخلية فيتم نقلهم إلى وزارة التضامن الاجتماعى أو وزارة الصناعة والتجارة.. وسيصبح وزير التضامن الاجتماعى هو المسئول عن شئون وأعمال بنك ناصر الاجتماعى.
هذا هو القرار الجمهورى.. وهكذا ولدت وبدأت وزارة التضامن الاجتماعى فى مصر.. وقبل مناقشة كل هذه المهام والواجبات التى تم إسنادها للوزارة الجديدة ووزيرها.. أود التساؤل عن جدوى إلغاء مفاجئ لوزارة التموين.. ووزارة التجارة الداخلية.. ووزارة الشئون الاجتماعية.. ليصبح عندنا فجأة وزارة للصناعة والتجارة.. ويصبح عندنا وزارة للتضامن الاجتماعى.. ولماذا لا يهتم أحد بأن يشرح للناس مبررات ودواعى هذا التغيير، سواء كان ميلادا جديدا أو مواتا وغيابا لما هو قائم بالفعل.. وإذا كان هناك بعض الناس لا يزالون يصرون على ضرورة الإعلان.. الواضح والمباشر.. عن دواعى وأسباب تغيير وزير ما، واستبعاده، وتكليف شخص آخر بالوزارة.. والدولة ترى طول الوقت أنها ليست ملزمة لا بالشرح ولا بالتفسير أو الأسس التى استندت إليها فى الاستغناء أو الاختيار.. فإن الأمر يختلف تماما فى حالة إلغاء وزارة بأكملها، أو استحداث وزارة جديدة من العدم.. فالحكاية هنا تصبح أقرب إلى الارتباك الإدارى والسياسى.. وهذا هو التفسير الأقل وطأة وقسوة من الاستخفاف بالناس والإعلام والرأى العام.
على أى حال.. صدر القرار الجمهورى بإنشاء هذه الوزارة الجديدة، وبكل هذه المهام والواجبات المتشعبة والمتشابكة التى تضمنها القرار.. بل ولم يقتصر الأمر على ذلك.. فقد أضافت وهى الهيئة الرسمية التى لا تنطق عن الهوى أو المجاملة أو المصادفة، أن الوزارة الجديدة مسئولة أيضا عن رعاية ذوى الاحتياجات الخاصة ومساندتهم هم وأسرهم ووضع برامج التأهيل الاجتماعى التى تتناسب مع ظروفهم وواقعهم.. وهو ما يعنى أننا أصبحنا أمام وزارة تمتد مسئولياتها وواجباتها من تعزيز ودعم الأسرة المصرية إلى تنظيم الأسرة وخدمات طب الأسرة.. مواكبة الإصلاح الاقتصادى ومجابهة مخاطره الاجتماعية والتوسع فى شبكات الضمان الاجتماعى.. دعم العاطلين عن العمل أو غير القادرين على العمل حتى إن توافر العمل.. تعليم الكبار ومحو الأمية.. رعاية حقوق المرأة والطفل وذوى الاحتياجات الخاصة.. توفير السلع الأساسية والمواد الغذائية وتحقيق العدالة فى توزيعها.. القيام ببحوث اجتماعية لتحديد المستحقين للدعم وإصدار البطاقات الخاصة بهم والدالة على احتياجهم للدعم.. فما الذى يمكن أن نفهمه من كل ذلك.. وهل تستطيع وزارة واحدة القيام بكل ذلك.. مع ملاحظة أننى بهذه العبارات القصيرة أصبحت كمن أراد التحدث عن وزارة واحدة، فاكتشف فجأة وبعد أن انتهى من الحديث، أنه لم يكن يتحدث عن وزارة واحدة ولكن عن أكثر من وزارة.. وزارة للصحة، وأخرى للتعليم، وثالثة للمرأة، ورابعة للتموين، وخامسة للتجارة.. وهو ما يجعلنى أتساءل: ألم يكن من الأولى إبقاء الوضع على ما هو عليه وتكليف الحكومة كلها.. بوزاراتها وهيئاتها ومؤسساتها.. بمسئولية التضامن الاجتماعى باعتبار أن هذا التضامن الذى كان ينشده القرار الجمهورى، هو واجب حكومى تتقاسم أعباءه والتزاماته مختلف الوزارات، كل حسب دورها وطبيعتها والتزاماتها.. إلا أن أحدا لم يصبر ولم يتمهل قليلا قبل أن تتحول الرؤية الغامضة والجامحة والطامحة إلى واقع حقيقى ومرتبك وشائك.. وأصبحنا بالفعل نملك وزارة للتضامن الاجتماعى.. وياله من اسم رائع وشديد العمق والجاذبية.. وأصبح لدينا وزير جديد مسئول عن هذا التضامن الاجتماعى.. الدكتور على المصيلحى.. الذى سيتم بعد قرابة الشهر من الآن ستين عاما.. والذى قضى حياته العملية كلها فى دوائر الهندسة ونظم المعلومات منذ تخرجه فى كلية الهندسة ثم الكلية الفنية العسكرية.. ومن جامعة براج نال المصيلحى شهادة الماجستير فى تصميم الدوائر المجمعة.. ومن جامعة باريس ماجستيرا ثانيا فى علوم هندسة الحاسبات.. وهو نفس التخصص الذى نال فيه المصيلحى شهادة الدكتوراه من جامعة باريس أيضا.. وواصل التعليم الأعلى والأرقى فى علوم الحاسب من جامعة إيلينوى بولاية شيكاغو الأمريكية.. وبالقياس لكل هذا العلم المتخصص والشهادات الجديرة حقا بالتقدير والاحترام.. فقد كان من الطبيعى ومن المنطقى أن يترك العميد على المصيلحى الفنية العسكرية ليصبح رئيسا لمجلس إدارة الشركة الإقليمية لتكنولوجيا المعلومات.. ثم مستشارا لنظم المعلومات فى مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار التابع لرئاسة مجلس الوزراء.. ويتحول الدكتور على المصيلحى بكل هذا التاريخ العلمى الحافل وهذه الخبرة المعلوماتية، إلى إحدى الأوراق الرابحة المتاحة لحكومة أرادت النهوض واللحاق بعصرها وأوانها وعلوم زمانها ونظم معلوماته وتوافرها وتداولها.. إلا أن الحكومة فجأة قررت أن المصيلحى هو الرجل المناسب لرئاسة مصلحة البريد.. أو الهيئة القومية للبريد.. ومنها إلى هذه الوزارة الجديدة التى هى التضامن الاجتماعى.
وهكذا فجأة.. وجد المصيلحى نفسه مسئولا عن المجتمع المصرى.. وعن التضامن مع النساء والأطفال والعاطلين والمعاقين فى هذا المجتمع.. وبدلا من نظم المعلومات وكيف يمكن اعتمادها وسيلة للحياة فى مصر.. أصبح المصيلحى يصطحب معه الصحفيين ليطوف بهم مخابز وأفران العيش، والتأكد من توافر أرغفته للمواطنين.. وبات من الضرورى أن يحسم حصص الجمعيات الأهلية فى تأشيرات الحج والعمرة.. أما وظيفته الأهم كوزير فكانت الانتهاء من قانون التضامن الاجتماعى تمهيدا لإقراره فى مجلس الشعب.. وهو ما يعنى أننا أصبحنا نواجه مشكلتين وليس مشكلة واحدة.. فالوزارة أصبحت مشكلة.. والوزير أيضا مشكلة.. الوزارة تم اختراعها دون تحديد واقعى ودراسة متأنية لمدى الاحتياج لها.. ووزير كان من الرائع أن نسند إليه مهام وواجبات أخرى ليس من بينها التضامن الاجتماعى.
وقبل الحديث بالتفصيل عن هاتين المشكلتين.. الوزارة ووزيرها.. من الممكن الاستراحة قليلا على أحد أرصفة التاريخ الحكومى فى مصر.. وبالتحديد يوم الحادى والثلاثين من شهر يوليو سنة 1941 حين تم الإعلان عن حكومة جديدة فى مصر برئاسة حسين سرى باشا.. الحكومة الجديدة ضمت الوزارات المألوفة والمعتادة.. ولكنها ضمت أيضا وزارة جديدة كان اسمها وزارة الوقاية المدنية.. وزارة فوجئ بها الناس ولم يفهموا ما الذى تقصده أو تريده الحكومة بوزارة جديدة اسمها وزارة الوقاية المدنية.. وقتها كان لابد أن تشرح الحكومة للصحافة وللناس لماذا هذه الوزارة الجديدة.. ولم يكن ممكنا ذكر السبب الحقيقى لإنشاء هذه الوزارة.. وبسرعة جرى تلفيق أسباب ودواع، وتقديمها للناس.. وقيل يومها أن الوزارة الجديدة ستختص بوقاية المدنيين فى مصر من مخاطر غارات طائرات المحور بعد اشتعال نيران الحرب العالمية الثانية.. ولأن الصحافة وقتها كانت صحافة طويلة اللسان، مسكونة بالفضول وعاشقة للسؤال، ومولعة بالبحث عن الحقيقة.. فقد أشارت الصحف المصرية آنذاك إلى أنه لم يكن هناك داع لتأسيس هذه الوزارة أصلا خاصة أن هناك مصلحة الوقاية المدنية.. القائمة بالفعل.. والتابعة لوزارة الأشغال.. إلى جانب إدارة خاصة بالوقاية تابعة لوزارة الداخلية.. وإدارة أخرى.. خاصة بالوقاية أيضا.. تابعة لوزارة الدفاع الوطنى.. وبالتالى فالمملكة المصرية ليست فى حاجة لوزارة جديدة تقوم بما تقوم به مصالح وإدارات قائمة بالفعل.. ولكن الحكومة كالعادة ردت بسرعة مؤكدة أنها رأت أن المصلحة العامة تقتضى جمع كل هذه الهيئات والإدارات المتناثرة فى وزارة واحدة ضمانا لحسن الأداء وكفاءة العمل.. وهكذا ولدت فى مصر وزارة جديدة.. وبقيت قائمة حتى استقالة الحكومة فى الرابع من شهر فبراير سنة 1942.. ولم تر الحكومة الجديدة أنها فى حاجة لمثل هذه الوزارة الخاصة بالوقاية المدنية فألغتها.. أى أنها وزارة لم تعش فى التاريخ الحكومى المصرى أكثر من ستة أشهر وأربعة أيام بالضبط.. ومضت أيام وشهور قبل أن تتضح الحقيقة ولماذا تشكلت هذه الوزارة أصلا.. دعكم من كل التفسيرات الحكومية التى قيلت للتبرير والتفسير.. فكلها كانت كاذبة ولإشباع فضول الناس والصحافة فقط.. أما الحقيقة فكانت أن حكومة حسين سرى باشا لا تضم السعديين على الرغم من قوتهم البرلمانية.. وحين اشتد هجوم الوفديين على الوزارة.. فقد رأى القصر إعادة تكليف حسين باشا بتشكيل حكومة جديدة على أن تضم السعديين أيضا.. وأن يتم تقسيم الحكومة بالتساوى بين ثلاث قوى.. المستقلين الذين منهم الباشا نفسه رئيس الحكومة.. والأحرار الدستوريين.. والسعديين الذين أراد القصر الاستعانة بهم لمواجهة حزب الوفد.. ولما كانت الحكومة السابقة تضم أربع عشرة وزارة.. فقد جرى البحث عن وزارة جديدة.. أى وزارة بأى اسم وأى دور وأى شكل.. فقط ليزيد عدد الوزارات إلى خمس عشرة وبالتالى يأخذ كل فريق خمس وزارات وتتشكل الحكومة من القوى الثلاث دون أى حساسيات أو خلافات.. وهكذا تأسست وزارة الوقاية المدنية.. وحين سقطت الحكومة.. وجاءت حكومة جديدة لم تكن فى حاجة لهذه التوازنات.. تقرر شطب هذه الوزارة وإلغاء وجودها.
وإذا كان شيخ المؤرخين المصريين فى العصر الحديث.. الراحل الدكتور يونان لبيب رزق.. قد توقف كثيرا عند هذه الوزارة وأطلق عليها وزارة تأدية الواجب.. فإننى يمكن أن اقتبس منه هذا التعبير الجميل الموحى بكثير من المعانى وأصف وزارة التضامن الاجتماعى بأنها وزارة تأدية الواجب.. فوزارة للتموين أو التجارة الخارجية أو الشئون الاجتماعية.. لم تكن لتصلح كواجهة حكومية براقة تنطق بمدى تضامن الحكومة مع الشعب.. وإنما كان لابد من هذا الاسم اللامع والجميل والمؤثر.. التضامن الاجتماعى.. فما الذى يمكن أن يريده الناس أكثر من وزارة تأتى بها الحكومة تؤكد بها تضامنها مع الناس والمجتمع.. ووزير أصبح مكلفا حكوميا ورسميا بالتضامن مع الجميع.. حتى وإن كان الواقع لا يوحى بأى من ذلك على الإطلاق.. فعلى الرغم من وجود وزارة ووزير للتضامن الاجتماعى.. إلا أن وزارة المالية هى التى يجرى تكليفها رسميا بوضع نظام جديد للتأمينات الاجتماعية.. نظام القصد منه هو إصلاح هذا الخلل الفادح فى النظام التأمينى القائم والذى انتهى لأن تبلغ إيرادات التأمينات فى العام الواحد 19 مليار جنيه بينما النظام مطالب بدفع تأمينات لمستحقيها زادت قيمتها على 27 مليار جنيه.. وإذا كانت وزارة المالية هى التى تعد وتدرس النظام الجديد فى غياب واضح وفاضح لوزارة مسئولة عن الناس والتضامن الاجتماعى.. فإن وزارة التنمية الإدارية.. احفظوا هذا الاسم.. هى التى تطلب دراسة اجتماعية للمصريين وشكاواهم وواقعهم الاجتماعى.. التنمية الإدارية هى التى انشغلت بذلك وهى التى قررت تكليف كلية الآداب بجامعة القاهرة رسميا للقيام بها.. ولم تكن وزارة التضامن الاجتماعى هى المهمومة بذلك.. مع أننى حين قرأت نتائج الدراسة.. الموجعة والمحزنة والمهينة لنا ولهم جميعا.. اكتشفت أننى أمام نتائج وواقع يخص وزارة التضامن الاجتماعى بأكثر مما يخص التنمية الإدارية هذا إن كان يخصها أصلا.. فما علاقة التنمية الإدارية بإحساس خمسين بالمائة من المصريين بالظلم.. أو بضرورة الوساطة، والرشوة للحصول على الحقوق.. وأن المجتمع المصرى أصبح فى معظمه ضحية للتناقض بين القول والفعل.. والنفاق والكذب.. والفهلوة ومحاولة الكسب السريع بأى وسيلة أو ثمن.. ما علاقة ذلك كله بالتنمية الإدارية.. ولماذا غابت عن ذلك كله وزارة للتضامن الاجتماعى.. ولماذا لم تهتم هذه الوزارة ووزيرها بالتقرير السنوى لحقوق الإنسان فى مصر والذى أبان أنه من بين أربعة عشر ألف شكوى تلقاها المجلس القومى لحقوق الإنسان فى العام الماضى.. فإن سبعين بالمائة منها كان يخص أزمات اجتماعية أو اقتصادية وليست حقوقا مدنية أو سياسية.. وإذا كانت لدينا وزارة للتضامن الاجتماعى بالفعل.. فإنها مطالبة بالتضامن مع هؤلاء وليس مع أى أحد آخر.
وربما كان الأمر الوحيد الذى يتسق فيه الاسم بالوظيفة والدور.. هو قانون التضامن الاجتماعى الذى سيصدر قريبا والذى أوضح وزير التضامن الاجتماعى أنه سيعمل على توسيع قاعدة المستفيدين من معاش الضمان الاجتماعى من مليون إلى مليونى أسرة.. وزيادة قيمة معاش الضمان الاجتماعى على أن يصدر قرار من رئيس الوزراء بتحديد قيمة هذا المعاش وفقا لعدد الأفراد المستحقين فى كل أسرة.. وأكد المستشار محمد الدمرداش.. مستشار وزير التضامن.. أن التعديلات الجديدة فى القانون سبقتها بحوث اجتماعية أجريت على حالة الأسر المصرية.. وقال الدمرداش إن القانون الجديد ستتسم بنوده بقدر كبير من المرونة وتبسيط الإجراءات الإدارية واستهداف الفئات الأضعف بمزيد من الرعاية.. وبعدما قرأت هذه التصريحات وغيرها سواء على لسان الوزير أو مستشاره.. شعرت للمرة الأولى بالواقع العملى والمعنى الحقيقى للتضامن الاجتماعى.. وأن هذا هو الشكل الحقيقى والمناسب وليست تأشيرات العمرة والحج أو شراء القمح من المزارعين أو فرض الرقابة على المخابز.. كانت المرة الأولى التى لا أرى فيها التضامن الاجتماعى وزارة لتأدية الواجب.. والمرة الأولى التى أرى فيها وزير التضامن الاجتماعى يتضامن بالفعل مع أى أحد.. بشكل جاد وحقيقى وفعال.. وإنسانى أيضا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.