60 دقيقة متوسط تأخيرات القطارات بمحافظات الصعيد.. السبت 18 مايو    أسعار اللحوم والدواجن والخضروات والفواكه اليوم السبت 18 مايو    مصدر أممي: الجزائر وسلوفينيا تطلبان عقد اجتماع لمجلس الأمن الدولي حول رفح    تشكيل الترجي المتوقع لمواجه الأهلي ذهاب نهائي دوري أبطال أفريقيا    جلسات تحفيزية بفندق الإقامة للاعبي الأهلي قبل مواجهة الترجي    طلاب الشهادة الإعدادية بالشرقية يؤدون اليوم امتحان اللغة العربية    الأرصاد تحذر من طقس اليوم وتوجه نصائح لمواجهة ارتفاع الحرارة    أوما ثورمان وريتشارد جير على السجادة الحمراء في مهرجان كان (صور)    أكثر من 142 ألف طالب يؤدون امتحانات الشهادة الإعدادية بالشرقية اليوم    ناقد رياضي: الترجي سيفوز على الأهلي والزمالك سيتوج بالكونفدرالية    بعد حفل زفافهما.. من هو محمد المغازي زوج ريم سامي؟    ذوي الهمم| بطاقة الخدمات المتكاملة.. خدماتها «مش كاملة»!    عادل إمام.. تاريخ من التوترات في علاقته بصاحبة الجلالة    زعيم كوريا الشمالية يشرف على اختبار صاروخ جديد: تعزيز الحرب النووية    عاجل - آخر تحديث لسعر الذهب اليوم في مصر.. عيار 21 يسجل 3150 جنيها    عاجل.. حدث ليلا.. اقتراب استقالة حكومة الحرب الإسرائيلية وظاهرة تشل أمريكا وتوترات بين الدول    زيلينسكي: أوكرانيا ليس لديها سوى ربع الوسائل الدفاعية الجوية التي تحتاجها    نوح ومحمد أكثر أسماء المواليد شيوعا في إنجلترا وويلز    لبلبة تهنئ عادل إمام بعيد ميلاده: الدنيا دمها ثقيل من غيرك    كاسترو يعلق على ضياع الفوز أمام الهلال    عاجل - "تعالى شوف وصل كام".. مفاجأة بشأن سعر الريال السعودي أمام الجنيه اليوم في البنوك    خالد أبو بكر: لو طلع قرار "العدل الدولية" ضد إسرائيل مين هينفذه؟    طبيب حالات حرجة: لا مانع من التبرع بالأعضاء مثل القرنية والكلية وفصوص الكبد    تفاصيل قصف إسرائيلي غير عادي على مخيم جنين: شهيد و8 مصابين    رابط مفعل.. خطوات التقديم لمسابقة ال18 ألف معلم الجديدة وآخر موعد للتسجيل    حلاق الإسماعيلية: كاميرات المراقبة جابت لي حقي    إصابة 3 أشخاص في تصادم دراجة بخارية وعربة كارو بقنا    نصائح طارق يحيى للاعبي الزمالك وجوميز قبل مواجهة نهضة بركان    الأول منذ 8 أعوام.. نهائي مصري في بطولة العالم للإسكواش لمنافسات السيدات    فانتازي يلا كورة.. هل تستمر هدايا ديكلان رايس في الجولة الأخيرة؟    ننشر التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي قضاة مجلس الدولة    مفتي الجمهورية: يمكن دفع أموال الزكاة لمشروع حياة كريمة.. وبند الاستحقاق متوفر    حماية المستهلك يشن حملات مكبرة على الأسواق والمحال التجارية والمخابز السياحية    لبنان: غارة إسرائيلية تستهدف بلدة الخيام جنوبي البلاد    سعر العنب والموز والفاكهة بالأسواق في مطلع الأسبوع السبت 18 مايو 2024    مذكرة مراجعة كلمات اللغة الفرنسية للصف الثالث الثانوي نظام جديد 2024    عمرو أديب عن الزعيم: «مجاش ولا هيجي زي عادل إمام»    بعد عرض الصلح من عصام صاصا.. أزهري يوضح رأي الدين في «الدية» وقيمتها (فيديو)    قبل عيد الأضحى 2024.. تعرف على الشروط التي تصح بها الأضحية ووقتها الشرعي    مصطفى الفقي يفتح النار على «تكوين»: «العناصر الموجودة ليس عليها إجماع» (فيديو)    هل مريضة الرفرفة الأذينية تستطيع الزواج؟ حسام موافي يجيب    مؤسس طب الحالات الحرجة: هجرة الأطباء للخارج أمر مقلق (فيديو)    تعرف على موعد اجازة عيد الاضحى المبارك 2024 وكم باقى على اول ايام العيد    طرق التخفيف من آلام الظهر الشديدة أثناء الحمل    البابا تواضروس يلتقي عددًا من طلبة وخريجي الجامعة الألمانية    حظك اليوم برج العقرب السبت 18-5-2024 على الصعيدين المهني والعاطفي    هاني شاكر يستعد لطرح أغنية "يا ويل حالي"    «البوابة» تكشف قائمة العلماء الفلسطينيين الذين اغتالتهم إسرائيل مؤخرًا    إبراشية إرموبوليس بطنطا تحتفل بعيد القديس جيورجيوس    دار الإفتاء توضح حكم الرقية بالقرأن الكريم    أستاذ علم الاجتماع تطالب بغلق تطبيقات الألعاب المفتوحة    ب الأسماء.. التشكيل الجديد لمجلس إدارة نادي مجلس الدولة بعد إعلان نتيجة الانتخابات    سعر اليورو اليوم مقابل الجنيه المصري في مختلف البنوك    أكثر من 1300 جنيه تراجعا في سعر الحديد والأسمنت بسوق مواد البناء اليوم السبت 18 مايو 2024    دراسة: استخدامك للهاتف أثناء القيادة يُشير إلى أنك قد تكون مريضًا نفسيًا (تفاصيل)    حدث بالفن| طلاق جوري بكر وحفل زفاف ريم سامي وفنانة تتعرض للتحرش    فيديو.. المفتي: حب الوطن متأصل عن النبي وأمر ثابت في النفس بالفطرة    دعاء آخر ساعة من يوم الجمعة للرزق.. «اللهم ارزقنا حلالا طيبا»    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مصطفى بكرى يواصل كشف أسرار الجيش والإخوان.. أزمة القَسَم بعد إعلان فوز الرئيس مرسى فى ظل حل مجلس الشعب.. الرئيس لم يعترف بحكم المحكمة الدستورية بحل المجلس وحاول إعادته للحياة
نشر في اليوم السابع يوم 24 - 04 - 2013

يواصل الكاتب الصحفى مصطفى بكرى كشف العديد من الأسرار والتفاصيل عن التحولات والأحداث السياسية التى شهدتها مصر منذ يوم 25 يناير وما بعدها، فى كتابه «الجيش والإخوان» الذى صدر عن الدار المصرية اللبنانية.. تناول بكرى فى حلقة الأمس الانتخابات الرئاسية بمرحلتيها، ودور المجلس العسكرى وكل من المشير طنطاوى والفريق عنان بالانتخابات الرئاسية، وما يتعلق بما أثير عن وقوع مخالفات فى جولة الإعادة للانتخابات الرئاسية، وفى هذا الفصل يواصل بكرى تسليط الضوء على أزمة القسم للرئيس مرسى بعد فوزه فى الانتخابات.
كان كل شىء يمضى سريعا، حالة الذهول لاتزال تسيطر على الملايين من المصريين الذين وجدوا أنفسهم فجأة أمام متغير تاريخى كبير، إنها المرة الأولى التى يصل فيها مرشح ينتمى إلى تنظيم سرى إلى قمة هرم السلطة فى مصر.
الرئيس نفسه لا يكاد يصدق الخبر، مجموعات العمل الرئيسة بجماعة الإخوان المسلمين كانت قد انهمكت فى الاستعداد لتنفيذ خطة السيطرة على مفاصل البلاد الأساسية، كانوا يسابقون الزمن، يتحسسون لجميع المخاطر وردود الفعل.
لم يبقَ من الوقت سوى ثمانٍ وأربعين ساعة على تسلم الرئيس مرسى مهام السلطة فعليًا، بعد أداء اليمين الدستورية، غير أن الخلاف المطروح فى هذا الوقت، كان يقول إذا كانت هيئة المحكمة الدستورية مصرَّة على أن يذهب الرئيس إلى مبنى المحكمة فى المعادى، فلماذا لا يتم التوصل إلى حل وسط يفضى بعقد الجلسة فى مكان آخر؟!
على الفور طلبت مؤسسة الرئاسة من هيئة المحكمة الحضور إلى قاعة المؤتمرات بمدينة نصر؛ لأداء القسم أمامها بمشاركة أعضاء مجلسى الشعب والشورى والعديد من الشخصيات الأخرى.. لكن المحكمة رفضت الطلب المقدَّم، وأبلغت الرئاسة بأنها لا تعقد جمعيتها العمومية إلا داخل أسوار مبنى المحكمة الواقع على كورنيش النيل بالمعادى.
اضطربت مشاعر الرئيس مرسى، ثار وغضب، ولكن لم يكن أمامه من خيار آخر، لقد رفضت هيئة المحكمة جميع الضغوط التى مورست عليها، وقررت إعمال القانون والقواعد على الجميع ودون استثناء.
كان الرئيس قد وعد قبل ذلك بأداء القَسَم أمام مجلس الشعب، لم يعترف بحكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو بحل المجلس، لقد أخذ على عاتقه مهمة إعادة المجلس إلى الساحة مجددًا، قال ذلك فى أكثر من تصريح انتخابى، لقد رأى أن إصرار المحكمة على أدائه القسم أمامها فقط وداخل مبناها من شأنه أن ينال من وعده ومصداقيته أمام نواب مجلس الشعب «المنحل» وأمام جماعة الإخوان.
حاول القصر الرئاسى إقناع هيئة المحكمة كثيرًا، إلا أنه فشل فى ذلك، تم التوصل إلى فكرة تقول بدعوة عدد من أعضاء مجلس الشعب «المنحل» وبعض الشخصيات الأخرى لحضور أداء القسم أمام المحكمة الدستورية وداخل مبناها، إلا أن المحكمة رفضت الطلب، وأكدت أن جلساتها لا يحضرها سوى أعضائها.
لم يكن أمام الرئيس من خيار آخر، باقٍ من الزمن ساعات قليلة ليتسلم السلطة من المجلس الأعلى للقوات المسلحة، والمحدد له فى الثلاثين من يونيو، أبدى الرئيس موافقته، وقررت المحكمة عقد جمعيتها العمومية فى تمام العاشرة من صباح السبت 30 يونيو، وبدأت الاستعدادات لذلك.
كان المشير حسين طنطاوى يتابع الأحداث أولا بأول، لقد دعا إلى عقد جلسة للمجلس الأعلى للقوات المسلحة فى تمام الحادية عشرة من صباح الخميس 28 يونيو لبحث الإجراءات النهائية لتسليم السلطة للرئيس المنتخب، وخلال الجلسة أجرى الرئيس محمد مرسى اتصالاً هاتفيًا بالمشير طنطاوى، طلب منه فيه حضوره وحضور جميع أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الاحتفال الذى سيقام بالقاعة الرئيسية بجامعة القاهرة ظهر السبت 30 يونيو.
لقد حاول المشير فى حضور المجتمعين الاعتذار عن عدم المشاركة؛ خوفًا من تطاول البعض على القوات المسلحة فى هذا الاجتماع الجماهيرى، كما أنه سيكون فى استقبال الرئيس فى الاحتفال الذى سيقام بمعسكر «الهايكستب» على طريق القاهرة - الإسماعيلية، إلا أن الرئيس قال للمشير: «بضمانتى أنا شخصيًا.. لن يحدث أى تطاول من أحد على القوات المسلحة»، وراح الرئيس يحث على ضرورة الحضور!!
بعدما أنهى الرئيس مكالمته الهاتفية عرض المشير طنطاوى الأمر على أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة، فتقرر حضور المشير ورئيس الأركان وعدد من أعضاء المجلس الأعلى استجابة لرغبة الرئيس.
أدى الرئيس محمد مرسى صلاة الجمعة 29 يونيو بالجامع الأزهر، لقد احتشد الآلاف من أعضاء جماعة الإخوان المسلمين يرددون الهتافات، ذرف الرئيس الدموع حينما راح الدكتور محمد عبدالفضيل القوصى وزير الأوقاف يذكِّر المصلِّين فى خطبته بمشهد دخول الفرنسيين للجامع الأزهر بالأحذية والخيول.
لقد طالب الخطيب رئيس الجمهورية بالعمل على ضرورة تحقيق العدل والديمقراطية والمساواة التى ثار من أجلها الشعب، وكان الرئيس يومئ برأسه، وكأنه يتعهد أمام الجميع بالوفاء بهذه الأهداف والسعى لتحقيقها.
غادر الرئيس الجامع الأزهر وسط هدير من الهتافات الجماهيرية التى تعلن الوقوف خلفه ودعمه ومساندته، كان الرئيس قد قرر إلقاء خطابه الأول بميدان التحرير؛ وفاءً للثورة ولشهدائها الأبرار، احتشدت التيارات الإسلامية وبعض الفصائل الثورية وأنصار الشيخ عمر عبدالرحمن استعدادًا لاستقبال الرئيس مساء اليوم نفسه، كانت الحشود ضخمة، اكتسى ميدان التحرير بلافتات التهنئة والترحيب، وحملت اللافتات مطالب بالسعى للإفراج عن الشيخ عمر عبدالرحمن، وضرورة الثأر للشهداء، وتحقيق أهداف الثورة.
وصل الرئيس إلى ميدان التحرير فى الموعد المحدد، كان حوله رجال أقوياء من الحرس الجمهورى، الذين تسلموا الميدان والمنصة من بعد صلاة الجمعة، بدا الرئيس بسيطًا وهو يصافح بعض مستقبليه، الذين كانوا يتولون الإشراف على المنصة الرئيسية بالميدان، صعد إلى المنصة سريعًا، كانت الحشود هادرة، والهتافات لا تريد أن تتوقف، وكان الرئيس يرتدى حُلة بلا رابطة عنق، أمسك بالميكروفون، ألقى بنظره على الجمع الغفير الذى ظل لعدة ساعات ينتظره فى الميدان، لم يكن قد أعد خطابًا مكتوبًا، أراد أن يُحدِّث الناس من قلبه، وجهًا لوجه.
بدأ خطابه بلغة لم يتعودها الناس من رئيس الدولة عندما يخاطبهم، قال: «أيها الشعب المصرى، أيها الأحباب الكرام، يا شعب مصر العظيم، أيها الواقفون فى ميدان الثورة، فى ميدان الحرية، فى ميدان التحرير، الواقفون فى كل ميادين مصر، فى كل قرى وميادين محافظات مصر، يا من تشاهدوننا فى البيوت، يا من تنظرون إلى هذا الموقف، أيها العالم الحر، أيها العرب، الإخوة والأخوات، الأبناء والبنات، المسلمون فى مصر، المسيحيون فى مصر، أيها المواطنون الكرام، أينما كنتم، أيها المصريون فى داخل مصر وخارج مصر، أهلى وأحبابى، أعزتى»!!
كانت هذه مصطلحات غريبة على المصريين، لقد تعود الناس عندما يخاطبهم رئيس الجمهورية أن يختصر الأمر فى عبارة واحدة تتراوح بين «أيها الإخوة المواطنون، أو يا شعب مصر العظيم، وفقط، أما هذا الرئيس فقد كانت له لغته المختلفة، وحتى عندما تطرق فى خطابه للفئات الاجتماعية، فقد راح يرد الاعتبار لمحافظات سبق أن سقطت منه سهوًا فى خطابه الأول الذى شكر فيه أبناء الشعب بعد فوزه بمنصب الرئيس مباشرة، ومن بين هذه المحافظات: دمياط والبحيرة والقاهرة والجيزة، وكذلك الحال وجّه التحية لفئات اجتماعية أبدت غضبتها لأن الرئيس تجاهلها فى خطابه الأول، ومن بين هؤلاء: أهل الفن والإبداع والثقافة ورجال الأعمال ومتحدو الإعاقة، وهؤلاء سبق لهم أن انتقدوا تجاهل الرئيس لهم فى خطابه الأول فى الوقت الذى لم ينس توجيه التحية فيه إلى الفئات الأخرى كافة، والتى احتفت بذلك، وراحوا يقولون: إن الرئيس تذكر سائقى «التوك توك» ولم يتذكرنا!!
لقد توقف المراقبون فى هذا الوقت عند ذكر الرئيس عبارة: أيها الشعب العظيم، جئت أمامكم لأنكم مصدر السلطة والشرعية التى لا تعلو عليها شرعية، أنتم أهل الشرعية ومصدرها وأقوى مكان فيها، من يحتمى بغيركم يخسر ومن يَسِرْ مع إرادتكم ينجح، جئت إليكم لأننى مؤمن تمامًا بأنكم مصدر السلطة والشرعية، التى تعلو على الجميع، لا مكان لأحد ولا مؤسسة، ولا هيئة ولا جهة فوق هذه الإرادة، الأمة هى مصدر السلطات جميعًا، هى التى تعقد وتعزل، من أجل ذلك أتيت اليوم إلى هنا، الكل يسمعنى الآن، الشعب كله يسمعنى، الوزارة والحكومة، الجيش والشرطة، أقولها وبكل قوة: «لا سلطة فوق هذه السلطة، أنتم أصحاب السلطة، أنتم مصدر هذه السلطة، تمنحونها من تشاءون وتمنعونها عمن تشاءون».
لم تكن الكلمات السابقة مجرد بالونات فى الهواء، أو توصيف لمسلَّمات معروفة، فالشعب حقًا هو مصدر السلطات، هكذا نصَّت جميع الدساتير، إلا أن البعض توقف أمام هذه العبارات وراح يقول: «إنها رسالة على الهواء مباشرة إلى قادة الجيش المصرى الذى لايزال يُمسك بالسلطة من خلال «الإعلان الدستورى المكمل» الذى نال انتقادات واسعة من جماعات الإسلام السياسى وفى مقدمتها جماعة الإخوان المسلمين، وأيضًا من قوى ليبرالية أخرى»!!
لقد أراد الرئيس أن يحتمى بالشعب فى مواجهة أى محاولة للانتقاص من سلطاته، أراد أن يُبلغ قادة الجيش الرسالة واضحة، بل أراد أن يقول لما يسمونه «الدولة العميقة»: «إن الشعب يعلو على القانون والدستور، وسألجأ إليه دومًا فى مواجهة أى محاولة للانتقاص من سلطاتى»؛ ولذلك راح يستكمل خطابه موجهًا حديثه إلى الشعب للحصول على موافقته على مقولاته السابقة عندما قال: «هل ستقفون معى لنحصل على كامل حقوقنا؟ لن ينتقص أحد كائنًا من كان شيئًا من حقوقكم ما دامت هذه إرادتكم بعد إرادة الله»، فكان صوت الناس يدوِّى فى المقابل: نعم «موافقون»!!
كانت الرسالة واضحة، لكن وضوحها تجلى بشكل أكبر، عندما قال الرئيس مخاطبًا المحتشدين بالميدان: «لن أتهاون فى انتزاع أى صلاحية من صلاحيات رئيس الجمهورية، وليس من حقى أن أفرط فى الصلاحيات والمهام التى اخترتمونى على أساسها، هذا عقد بينى وبينكم على ذلك»!!
مرت هذه الكلمات على قادة الجيش مرور الكرام، بل عندما تحدث أحد كبار الضباط مع المشير طنطاوى بقوله: «إن الرئيس يوجه رسائله إلينا، وكأننا اغتصبنا السلطة ومصرون على التمسك بها»، رد عليه المشير بأن الرئيس لا يقصد ذلك، وقد أبلغت الرئيس بأننا غير راغبين فى التمسك بأى سلطة، بما فيها سلطة التشريع التى سنسلمها على الفور إلى مجلس الشعب الجديد عقب انتخابه مباشرة.
أدى الرئيس القَسَم أمام مئات الآلاف فى ميدان التحرير: «أقسم بالله العظيم أن أحافظ مخلصًا على النظام الجمهورى، وأن أحترم الدستور والقانون، وأن أرعى مصالح الشعب رعاية كاملة، وأن أحافظ على استقرار الوطن وسلامة أراضيه».
كان الرئيس بذلك يستجيب لطلب العديد من ائتلافات شباب الثورة بضرورة أن يؤدى القَسَم أمام الميدان وفاءً لأرواح الشهداء، بالضبط كما حدث مع رئيس الوزراء عصام شرف الذى تعهد أمام الميدان بالسعى لتحقيق أهداف الثورة!!
لقد أطلق الرئيس فى هذا الخطاب تعهدات أكد من خلالها أنه سوف يتمسك بها، لقد أزاح من أمامه حرَّاسه وهو يكشف صدره ويقول للمحتشدين: «بابى مفتوح لكم، أنا لا أرتدى قميصًا واقيًا، أؤكد لكم أننى سأعمل معكم فى كل لحظة من ولايتى الرئاسية، وسأغلّب ذلك فى مصالح الوطن العليا، سأرسى مبادئ الحرية والعدالة الاجتماعية وأزيل كل أشكال الظلم والتمييز، واعلموا أن الظلم ظلمات يوم القيامة، وأن الله ليملى للظالم حتى إذا أخذه لم يُفلته، وها نحن نرى أخذ الله للظالمين»!!
كان خطاب الرئيس فى هذا اليوم مبشرًا وداعيًا للتفاؤل، لقد رصدت مراكز الاستطلاع تنامى شعبية الرئيس بدرجة كبيرة عقب هذا الخطاب، بل إن كثيرًا ممن لم يعطوه أصواتهم، راحوا يراجعون أنفسهم، ويبدون تفاؤلهم بالرئيس الجديد، الذى سيتبنى أهداف الشعب والثورة فى النهوض والتقدم إلى الأمام، وسيكون حقًا رئيسًا لكل المصريين، لن يفرق بين الذين قالوا «نعم»، والذين قالوا «لا»!!
نامت البلاد على «حلم» تمنت أن يتحقق، ساد شعور لدى المصريين بأن فترة التوتر سيعقبها هدوء، وبأن حالة الانفلات التى عاشتها البلاد لنحو عام ونصف العام سوف تنتهى على يد الرئيس الجديد، الذى سيلملم الشتات، وينهى حروب التصفيات، ويوحد المصريين جميعًا على قلب رجل واحد!!
كان الفريق أحمد شفيق المرشح الرئاسى الذى نافس الرئيس فى جولة الإعادة قد أعد بيانًا مسجلاً، هنأ فيه الرئيس الجديد بتوليه مهام السلطة فى البلاد، وأعلن قبوله نتائج الانتخابات الرئاسية، لقد أذيع البيان مساء يوم الاثنين 25 يونيو، أى بعد الإعلان عن فوز الرئيس بساعات قليلة.
وفى وقت مبكر من صباح يوم الثلاثاء 26 يونيو غادر الفريق شفيق وبناته الثلاث القاهرة، متجهين إلى دولة الإمارات العربية المتحدة، وقال أحد مساعديه إنه غادر البلاد على متن طائرة تابعة لطيران الإمارات إلى «أبوظبى»، ومنها إلى الأراضى السعودية لأداء العمرة ثم العودة إلى الوطن لتأسيس حزب سياسى جديد.
لقد التقى الفريق شفيق المشير طنطاوى المسؤول الأول فى البلاد حتى هذا الوقت، يوم الاثنين، لاستئذانه فى السفر إلى الإمارات ومنها إلى الأراضى السعودية لأداء العمرة؛ حيث لم تكن هناك أى قرارات بمنع الفريق شفيق من السفر، جرى حوار قصير بين الطرفين، بعدها غادر الفريق شفيق مقر وزارة الدفاع وودع المشير وعددًا من قادة الجيش، ثم مضى، وتم التكتم على الأمر، وفى صباح اليوم التالى فوجئ الكثيرون من رواد مطار القاهرة بوجود الفريق شفيق داخل صالة المطار مغادرًا على متن طائرة الإمارات المتجهة إلى «أبوظبى»، ولكن ما هى إلا أيام قليلة حتى قُدِّم العديد من البلاغات التى توجه إليه اتهامات بالفساد، كان من نتيجتها صدور أمر من قاضى التحقيقات بوضعه وآخرين على قوائم الترقب والوصول والمنع من السفر، ثم إحالته إلى محكمة الجنايات فى أكثر من قضية، لقد كان الفريق شفيق يدرك ما يدبر له، ولذلك فضَّل البقاء فى «دبى» بدولة الإمارات العربية المتحدة، ومن هناك راح يوجه رسائله التى يرد فيها على الحرب المعلنة ضده، وكذلك على بقية المواقف السياسية للنظام.
فى العاشرة من صباح السبت 30 يونيو وصل موكب الرئيس محمد مرسى إلى مبنى المحكمة الدستورية العليا بالمعادى، كان الموكب كبيرًا وضخمًا، انتشرت قوات الحرس الجمهورى فى كل مكان، كان رئيس المحكمة حتى هذا الوقت هو المستشار فاروق سلطان (رئيس اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية)، وكان موعد نهاية خدمته هو الثلاثين من يونيو، إنه اليوم الأخير فى مسيرته القضائية.
وقف الرئيس وسط المستشارَيْن فاروق سلطان (رئيس المحكمة)، وماهر سامى (رئيس المحكمة الذى سيخلف المستشار سلطان بعد ساعات قليلة)، تم عزف السلام الجمهورى، أعقبه أداء الرئيس للقسم، قبيل أن يلقى خطابه أمام الجمعية العمومية لأعضاء المحكمة.
قبيل هذا المشهد كان لدى الرئيس إصرار على عدم نقل أداء القسم على الهواء مباشرة، خاصة أن جماعة الإخوان المسلمين وبعض التيارات الأخرى، قد حذرته من هذه الخطوة، التى تعنى اعترافًا وتعهدًا أمامها باحترام حكمها الذى صدر بحل مجلس الشعب، وأيضًا اعترافًا بالإعلان الدستورى المكمل، الذى تراه هذه القوى بمثابة انتقاص من سلطات الرئيس.
كانت جماعة الإخوان قد دفعت بحشودها إلى ميدان التحرير منذ يوم التاسع عشر من يونيو، لممارسة الضغط على اللجنة العليا للانتخابات الرئاسية التى كانت تُعِدُ لإعلان نتيجة الانتخابات الرئاسية، وأيضًا بهدف الضغط لإلغاء الإعلان الدستورى المكمل.
لقد تعهد الرئيس لمكتب الإرشاد بأن يؤدى القسم أمام أعضاء مجلسى الشعب والشورى الذين سيحتشدون فى الحادية عشرة من صباح اليوم بالقاعة الرئيسية بجامعة القاهرة ومعهم العديد من الرموز والشخصيات الأخرى، لذلك طلب الرئيس تسجيل القَسَم أمام المحكمة وإذاعته فى وقت لاحق، بعد خطابه أمام المؤتمر الذى سيُعقد بعد قليل فى جامعة القاهرة.
تبنت المستشارة تهانى الجبالى (نائب رئيس المحكمة الدستورية) وعدد آخر من المستشارين موقفًا رافضًا فى مواجهة مطلب الرئيس، حيث اكتشفوا الخديعة، وأصروا على إعمال المادة (30) من الإعلان الدستورى المكمل التى توجب على الرئيس أداء القسم أمام المحكمة الدستورية العليا، فى ظل غياب مجلس الشعب، جرت حوارات عديدة، انتصر فيها رأى المحكمة فى نهاية الأمر، وقرر الرئيس أن يؤدى القَسَم وأن يلقى خطابًا قصيرًا تم نقله على الهواء مباشرة.
لقد وجَّه الرئيس مرسى فى خطابه التحية إلى شعب مصر وإلى المحكمة وقال: «التحية من القلب إلى شعب مصر، أتوجه بالتحية الواجبة إلى المحكمة الدستورية ولرئيسها وأعضائها جميعًا، هذا الصرح، هذه المؤسسة التى نحرص عليها جميعًا، شعبًا وسلطة تنفيذية وتشريعية، وأحرص أنا على أن تبقى هذه المؤسسة، مستقلة، قوية، فاعلة، لا تشوبها شائبة».
وقال: «أحترم المحكمة الدستورية، وأحكامها، والقضاء وأحكامه ومؤسساته جميعًا، وهذا ما سنسعى إليه فى المستقبل». وأضاف: «الحمد لله أن لدينا هذه المؤسسات، والحمد لله أن هذه المؤسسات بها رجال مخلصون لوطنهم وحريصون على تحقيق مصلحته ويعرفون ويفهمون معنى احترام الدستور والقانون والأحكام».
كانت الكلمات واضحة، لقد أكد خلالها الرئيس احترامه للقضاء والمحكمة الدستورية ورجالها المخلصين وأحكامها، وتعهد بالحرص عليها: مستقلة، قوية، فاعلة.
أحدث خطاب الرئيس حالة من الارتياح لدى أعضاء الجمعية العمومية للمحكمة ولدى رجال القضاء، ولدى الرأى العام، وأزال من أذهان الكثيرين مواقف الرئيس السابقة التى كشف عن بعضها خلال فترة الترشح تجاه حكم المحكمة الدستورية الصادر فى 14 يونيو بحلّ مجلس الشعب.
قطع الرئيس المسافة بين مبنى المحكمة الدستورية العليا فى المعادى ومبنى جامعة القاهرة بالجيزة فى مدة لم تزد على عشرين دقيقة، لكن يبدو أن الرئيس نسى تعهداته أمام المحكمة الدستورية وراح يعيد إنتاج مواقفه مجددًا أمام جمهور الحاضرين بالقاعة الكبرى لجامعة القاهرة.
قبيل أن يدلف الرئيس إلى قاعة جامعة القاهرة بقليل، دخل إلى المبنى عدد من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة استجابة لرغبة الرئيس، وإذا بهتافات من آخر القاعة تنطلق فجأة: «يسقط يسقط حكم العسكر».
ثار اللواء حسن الروينى، قائد المنطقة المركزية وعضو المجلس الأعلى، نظر إلى د. محمد البلتاجى الذى يبدو أنه كان وراء تحريك هذه الهتافات، وقال له بصوت عالٍ أمام الجميع: «جرى إيه يا بلتاجى.. ده إحنا دافنينه سوا»، كانت العبارة تعنى شيئا ما، وفسر البعض مضمونها فى هذا اليوم بأنها تعنى «أن اتفاقنا لم يكن كذلك وأنك تغدر بالاتفاق»!!
كان معروفا عن محمد البلتاجى أنه اليد التى تحرك مثل هذه الهتافات وحشد التظاهرات، وقد ربطت بين البلتاجى واللواء الروينى علاقة وثيقة خلال تواجدهما بميدان التحرير، خاصة بعد نزول الجيش والإخوان إلى الميدان فى 28 يناير 2011، ويذكر الناس مقولة الروينى الشهيرة للبلتاجى فى موقعة الجمل عندما قال له: «نزِّل الأولاد اللى فوق يا بلتاجى، بدل ما أنزلهم بالرصاص»، كان الروينى يقصد مجموعات من شباب الإخوان اعتلت أسطح العمارات المحيطة بميدان التحرير فى مساء اليومين الأول والثانى لموقعة الجمل، وقد وُجهت إليهم اتهامات بالمسؤولية عن الأحداث فى هذا الوقت.
احتدم الحوار بين البلتاجى والروينى داخل القاعة الرئيسية بجامعة القاهرة، أدرك المرشد العام للجماعة د. محمد بديع، الذى كان حاضرا، أن الأمر يمكن أن يتطور إلى أزمة، ترك مقعده، واتجه إلى حسن الروينى، وقال له: «معلش، أنا سأنهى هذا الموضوع فورًا، أنت عاوز إيه، أنا حخلى القاعة كلها تصفق للمشير بمجرد دخوله»، ثم أمسك بهاتف كان فى يده، همس ببعض كلمات، وبالفعل ما إن دخل المشير إلى القاعة حتى عم التصفيق الحاد، وانطلقت الهتافات «الجيش والشعب إيد واحدة»!!
لقد تسببت الإجراءات فى مشكلات عديدة، فقد حدَّثنى د. محمود كبيش - عميد كلية الحقوق بجامعة القاهرة صباح اليوم ذاته يشكو من هذه الإجراءات الأمنية التى أشعرته بالإهانة، رغم أنه من المدعوين لحضور هذا اللقاء، فقد رفض المشاركة وقام بالعودة إلى منزله.
تنفست الصعداء فى هذا الوقت؛ فقد اعتذرت عن عدم المشاركة فى هذه الاحتفالية، وقررت أن أشارك فى احتفال تسليم السلطة فى «الهايكستب».
قبيل أن يدخل الرئيس مرسى إلى قاعة الاحتفالات بجامعة القاهرة فوجئ شيخ الأزهر الدكتور أحمد الطيب بعدم وجود مقعد له فى الصف الأول شأنه شأن الآخرين، وقف الرجل مندهشًا، يبدو أن أحد الأفراد قرر أن ينزع اسمه من فوق الكرسى المخصص له نكاية فى مواقفه، أو ربما هناك تعمد لإهانة الرجل أمام هذا الجمع من البشر.
حاول البعض أن يبحث له عن كرسى فى أحد الصفوف الخلفية، إلا أن شيخ الأزهر قرر الانسحاب وفضَّل أن يحفظ كرامته ومكانة الأزهر، وألا يعرِّض نفسه والأزهر للإهانة، حيث أدرك أن الأمر كان متعمدًا، وأن استضافته الفريق أحمد شفيق فى منزل العائلة بالأقصر خلال فترة الترشح ربما كانت هى السبب خلف ما جرى، غادر إلى مبنى المشيخة، وكان الحزن يسيطر عليه، وأثار ذلك غضبًا واستياء لدى الرأى العام.
لقد انتظر البعض من الرئيس أن يُجرى اتصالاً هاتفيًا على الفور لترضيته، إلا أن هذا الأمر تأخر لعدة أيام، مما أثار المزيد من الاستياء فى الشارع، كما أن كاميرات التصوير رصدت بعد ذلك مصافحة الرئيس للرموز العسكرية والمدنية التى حضرت حفل تخرج طلاب إحدى الكليات العسكرية، إلا أن الرئيس تجاهل مصافحة شيخ الأزهر رغم تواجده بالصف الأول، وكانت كل هذه المواقف تعنى رسائل موجهة إلى موقفه السابق.
أكد الرئيس محمد مرسى فى خطابه أمام الحاضرين بجامعة القاهرة العديد من المواقف المهمة المتعلقة بالأوضاع الداخلية والخارجية، إلا أن المحللين توقفوا هنا أمام أربعة مواقف تضمنها هذا الخطاب، وهى:
- الأول: الإشادة بالمجلس الأعلى للقوات المسلحة حيث قال عنه: «إنه أوفى بالعهد والوعد الذى قطعه على نفسه بألا يكون بديلاً للإرادة الشعبية، وبأن الجيش المصرى العظيم سوف يعود ليتفرغ لمهمته فى حماية أمن وحدود الوطن، وقال إن القوات المسلحة ستعمل مع باقى مؤسسات الدولة فى إطار الدستور والقانون».
وكان الرئيس يعنى هنا أن القوات المسلحة لابد أن تعود وفورًا إلى ثكناتها، وكان يعنى أيضًا أنه سيلتزم بجميع القوانين والإعلانات الدستورية التى تحدد شكل العلاقة بينه وبين القوات المسلحة فى عملها مع بقية المؤسسات، وهى تعهدات سوف نرى بعد ذلك كيف انقلب الرئيس نفسه عليها!!
- ثانيا: قال الرئيس فى حديثه: «إن البرلمان المنتخب اختار جمعية دستورية وستستعين بجميع الخبراء فى الاتجاهات كافة ليأتى الدستور معبرًا عن التوافق الوطنى ومرسِّخًا للدولة المدنية الديمقراطية الحديثة، ومحافظًا على قيم المجتمع وحارسًا للحريات الخاصة».
وأشار إلى أن «الدستور الجديد سيقوم على الحق والقانون، لينقل مصر إلى مصاف الدول الحديثة التى يكون الحاكم فيها أجيرًا عند الشعب».
هذا هو ثانى الوعود التى أعلنها الرئيس أمام الجمهور المحتشد بجامعة القاهرة، ثم جاء الدستور بعد ذلك مفتقدًا التوافق الذى وعد به الرئيس ووسط رفض شعبى عارم لما تضمنه من مواد انتقائية وانتقامية.
- ثالثا: تعهد الرئيس فى خطابه بعودة المؤسسات المنتخبة لأداء دورها، الأمر الذى كان يعنى عودة «مجلس الشعب»، وكان ذلك يعنى تحديًا واضحًا للحكم الصادر عن المحكمة الدستورية العليا، التى كان الرئيس قد أقسم أمامها قبل قليل على احترام الدستور والقانون، كما تعهد باحترام القضاء وأحكامه، وأثنى على المحكمة الدستورية رئيسًا وأعضاء.
- رابعًا: أعلن الرئيس أمام الكافة «أنه سيكون خادمًا للشعب وراعيًا للدستور والقانون، محافظًا على أمن البلاد واستقرارها، متعهدًا باستكمال الحفاظ على استقلال القضاء وبحيث يكون حكم القانون هو الفيصل، وأن يحصل كل مصرى ومصرية على حقه أمام منصة العدالة العليا».
وهى كلها أمور أكدت الأحداث التالية انقلاب الرئيس عليها وتحصين قراراته فى مواجهتها.
بعد أن أنهى الرئيس مرسى خطابه، مضى متجهًا وبرفقته المشير طنطاوى إلى معسكر «الهايكستب» على طريق الإسماعيلية الصحراوى، حيث كان كبار الضباط والمسؤولين فى انتظاره لحضور مراسم تسليم السلطة إلى رئيس البلاد المنتخب.
فى صباح هذا اليوم السبت 30 يونيو، كنت قد تلقيت اتصالاً من أمين عام رئاسة الجمهورية يؤكد فيه علىّ ضرورة حضور مراسم تسليم السلطة إلى الرئيس المنتخب، كان الموعد المحدد للحضور قبل الواحدة ظهرًا، وكان المكان هو معسكر الهايكستب على طريق مصر - الإسماعيلية الصحراوى.
قبيل الموعد بقليل، كنت قد وصلت إلى هناك، اصطحبنى أحد كبار الضباط إلى قاعة كبار الضيوف داخل المعسكر، كان قادة الأفرع الرئيسية وكبار الضباط بوزارتى الدفاع والداخلية وعدد من كبار المسؤولين قد تواجدوا فى انتظار الرئيس، طال وقت الانتظار حتى بعد الرابعة مساء.
عندما وصل الرئيس وبرفقته المشير حسين طنطاوى، اتجها على الفور إلى المنصة الرئيسة، وبعد السلام الجمهورى تحدث المشير حسين طنطاوى مؤكدًا دور الجيش فى الحفاظ على مصر خلال المرحلة الانتقالية، وقبل ذلك فى حماية الثورة ثم فى إجراء انتخابات نزيهة أثمرت انتخاب رئيس جمهورية ليتسلم السلطة من المجلس العسكرى للقوات المسلحة.
وتحدث الرئيس محمد مرسى بكلمة مرتجلة قال فيها: «إن هذا اليوم سيكون نبراسًا للأجيال القادمة، يرون فيه القوات المسلحة تقف لتقول نعم لإرادة شعب مصر، ويسلمون السلطة فيه بكل ارتياح ورضاء، ليفوا بما عاهدوا الله سبحانه وتعالى هذا الشعب عليه».
وقال الرئيس مخاطبًا أبناء القوات المسلحة: «أشهد بالكثير مما لا يعرفه كثير من الناس، لقد كنتم دائمًا عند حسن ظن شعبكم، أشهد بأنكم كنتم دائمًا تقدرون المسؤولية، وأنكم كنتم دائما الرجال الذين يعتمد عليهم رغم صعوبة الطريق ووعورته، أشهد لكم أمام الله وأمام الشعب ما حييت، وبعد ذلك أمام ربى فى لقاء نسير إليه جميعا، أنكم تحبون وطنكم، وأنكم تحرصون على تحقيق مصلحته وأنكم تعلون من شأنه، وأنكم ستكونون فى قلبى وتحت نظرى».
وقبيل أن يختتم الرئيس خطابه طلب من رجال القوات المسلحة أن يبقوا فى أماكنهم بالداخل وألا يعودوا إلى ثكناتهم فى الوقت الراهن، لأن الوطن فى حاجة إليهم لحين ترتيب منظومة الأمن.
لقد جاء هذا الكلام مناقضًا لخطاب الرئيس فى جامعة القاهرة الذى طالب فيه الجيش بالعودة إلى ثكناته بعد أن أدى دوره بإخلاص.. وكان ذلك مثيرًا للدهشة والاستغراب.
تناولنا الغداء فى هذا اليوم، بعد انتهاء العرض العسكرى، وقبيل أن يركب الرئيس سيارته ليغادر المعسكر كان المشير طنطاوى والفريق سامى عنان يؤديان له التحية، كانت تلك هى المرة الأولى رغم أن الرئيس لم يكن قائدا أعلى للقوات المسلحة بمقتضى الإعلان الدستورى المكمل، الصادر فى 17 يونيو من العام ذاته، وهو أمر كان مثار جدل فى الصحافة ووسائل الإعلام.
مضى ركب الرئيس إلى خارج المعسكر، كان المشير يودع ضيوفه، تقدمت نحوه، شعرت بالانكسار داخله، قال لى: «فُكّها.. كل حاجة حتمشى تمام إن شاء الله»، «لم أعلق على كلماته ومضيت بعيدًا وغادرت المعسكر».
فى اليوم التالى، الأحد الأول من يوليو، كان المشير قد اتخذ قراره، لقد قرر أن يتنحى عن السلطة، إنه يشعر بإنه قام بدوره وأوفى بعهده، لقد ظل ينتظر هذه اللحظة بفارغ الصبر.
لم يكن المشير راغبًا فى السلطة ولا ساعيًا لها، كان قد رفض فى وقت سابق عرضًا من الرئيس السابق حسنى مبارك يوم 29 يناير لتولى منصب نائب رئيس الجمهورية، وقد أصر بعد تنحى الرئيس وتولى المجلس العسكرى مسؤولية الفترة الانتقالية على أن يُصدر بيانًا فى اليوم التالى للتنحى ليؤكد فيه أن المجلس قرر أن تكون مدة الفترة الانتقالية ستة أشهر فقط تُسَلَّم بعدها السلطة لرئيس مدنى منتخب.
كان الكل يعرف العلاقة بين المشير طنطاوى ومدير المخابرات الحربية اللواء عبدالفتاح السيسى، كان يعتبره بمثابة الابن المقرب إليه، كانت لديه ثقة كبيرة فيه، وكان الكثيرون يعرفون أن اللواء السيسى هو وزير الدفاع القادم بلا جدال قبيل تعيينه بفترة طويلة، كانت المعلومة متداولة بين القادة ولم ينفها المشير فى أى مرة، بل لقد فوجئت باللواء عباس كامل وهو ضابط كبير بالمخابرات الحربية يتصل بى فى اليوم التالى لاتهام الإعلامى د.توفيق عكاشة للواء عبدالفتاح السيسى فى هذا الوقت بأنه «إخوانى»، حيث راح هذا الضابط ينفى صحة هذه المعلومة ويقول لى: إن ما أذيع يستهدف قطع الطريق أمام اللواء السيسى لتولى منصب وزير الدفاع الذى يرشحه له المشير طنطاوى.
هكذا كان الأمر متداولا بشكل علنى داخل وزارة الدفاع والهيئات والأفرع التابعة لها، بل عندما سألنى الإعلامى عمرو أديب فى برنامجه القاهرة اليوم على قناة أوربت قبل بدء الانتخابات الرئاسية عن أكثر الناس حظًا لتولى وزارة الدفاع خلفًا للمشير طنطاوى قلت له دون تردد: «إن اللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية هو أكثر المرشحين حظًا لتولى منصب وزير الدفاع خلفًا للمشير وبترشيح منه».
كان ذلك ترديدًا للمعلومات التى كانت متداولة لدى القادة داخل وزارة الدفاع، خاصة أن المشير كان دائم التشاور مع اللواء السيسى فى كل كبيرة وصغيرة، بل كان يعقد معه جلسات منفردة لسماع رأيه فى القضايا المطروحة، كما منحه صلاحيات واسعة فى الاتصال مع القوى السياسية والشخصيات العامة لإجراء حوارات معها حول طبيعة المرحلة الانتقالية ورأيهم فى القضايا المثارة.
وقد سمعت من الكاتب الكبير الأستاذ محمد حسنين هيكل أكثر من مرة إشادة باللواء السيسى وعمق ثقافته وانتمائه الوطنى والقومى الأصيل.
فى أول لقاء لى باللواء عبدالفتاح السيسى فى اجتماعات المجلس العسكرى مع الأحزاب، قلت له: لقد أحببتك قبل أن أراك من كثرة إشادة الأستاذ هيكل بك وبشخصيتك وقدرتك على إدارة الحوار والمصداقية التى تتمتع بها.
فى هذا اليوم الأول من يوليو أبلغ المشير الرئيس بأنه يرغب فى إنهاء خدمته وزيرًا للدفاع ورئيسًا للمجلس الأعلى للقوات المسلحة، بعد أن أدى دوره وسلم السلطة إلى رئيس منتخب.
- يومها سأل الرئيس المشير طنطاوى: ومن سيحل مكانك؟!
- فقال المشير: أنا أرشح لك اللواء عبدالفتاح السيسى مدير المخابرات الحربية وزيرًا للدفاع، وهو بمثابة ابنى وأنا أثق فيه جدًا.
ساعتها طلب الرئيس من المشير البقاء فى منصبه لحين الانتهاء من إعداد الدستور، وبعدها يمكن التفاهم فى هذا الأمر، كانت المعارضة شديدة من الرئيس، وأيضًا من أعضاء المجلس الأعلى للقوات المسلحة الذين طالبوا المشير بالبقاء فى موقعه لحين استقرار الأوضاع.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.