عندما ترى ما يجرى حولنا الآن من انفلات أمنى وأخلاقى وانتهاك لجميع المبادئ الإنسانية، بماذا يمتلئ قلبك؟ بالكآبة أم باليأس؟ بالمرارة أم بالبؤس؟ بالكراهية أم بالمحبة؟ المحبة؟ ولكن هل "للمحبة" مكان فى وسط هذه الأهوال؟!! لا بد أن يكون لها مكان؛ لأنها تسكن القلوب فلا تحتاج لأكثر من ذلك؛ ولأن الكراهية لا تنتج إلا المزيد منها. فالمحبة لا تطلب محبة سابقة حتى تنمو؛ لأن المحبة هى الأصل، أما الكراهية فهى نتاج كراهية أخرى تأجج من نارها، المحبة نتاج القبول والتعايش والتسامح، أما الكراهية فتلد العنف والقتل والدمار، والمحبة تتوافق مع نمط الحياة الطبيعى حيث التعدد والتميز، أما الكراهية فتريد أن تصبغ العالم كله بلون واحد لا تعرف غيره؛ لون قاتم حالك كئيب. هل تتعجب من كم الشحن والاحتقان والقتلى الذين يقتلون نتيجة أسباب مباشرة تافهة وسطحية؟ لا تتعجب، هذا من فعل الكراهية؛ فالكراهية هى تلك الطاقة السلبية التى توجه العنف وتدفعه. هل رأيت يوما إنسان محب وفى ذات الوقت حاقد وعنصرى وحاد الطبع والمشاعر ويلجأ للعنف؟! لا يوجد؛ لأن النور لا يتواجد مع الظلمة أبدا، فإن وجد النور هربت الظلمة واضمحلت. هل من الممكن أن تتحول المحبة لكراهية؟ لا يمكن؛ لأن المحبة طالما وجدت فهى تثمر وتنتج محبة؛ ولأن الكراهية علاجها المحبة، وأما المحبة فلا تنتج كره مطلقا، وعندما يتحول المحب لكاره، يفقد إنسانيته مع محبته. ماذا عن الظلم؟ كيف تواجه المحبة الظلم؟ المحبة تواجه الظلم لا الظالم، وتواجه الكره لا الكاره، وتواجه العنف لا العنيف؛ لأن المحبة تحتمل وتتسامح؛ لأنها لا تتناقض مع نفسها، فهى مادامت محبة فلن تكره أبدا. فالمحبة منهج وتواجه منهج لا أفراد. أى كاره أو حاقد إن ثاب وتاب ورجع، هل سيقبل الله توبته؟ نعم، لو اقتنع إنه كان كارها؛ لأن هذه هى المحبة، فمدام أبوب الله دائما مفتوحة، فالمحبة دائما أبوابها مفتوحة. وماذا عن إنتاجه من الكره والحقد والظلم؟ الله وحده هو من له الحق أن يدينه ويحاكمه ويذيقه من نتاج فعله فى هذه الحياة أو فى الحياة الأخرى. ولكن لماذا يعلو صوت الكراهية وسوطها ومعها الألم وينخفض صوت المحبة؟ لأن الكلمات الموجعة قد تترك أثر داخل الإنسان لسنوات كثيرة، أما الكلمات اللينة فتنسى؛ ولأن المحبة مسكنها القلوب وتنتج حبا فقط، ولكن الكراهية تنتقل من القلب إلى اللسان واليد وتتحول لعنف فتظهر أكثر صخبا ولكنها أكثر ضعفا؛ لأن النار عندما لا تجد شيئا تأكلها تأكل نفسها. فالكراهية تأكل أبناءها، أما المحبة فتجعل من الغريب قريبا وصديقا.