أثارت استقالة الدكتور محمد صابر عرب، من منصبه كوزير للثقافة، استفهامات كثيرة حول دور هذه الوزارة وسياساتها بعد ثورة 25 يناير، فيما يحلو للبعض الدعوة من حين لآخر لإلغاء وزارة الثقافة ككل. فمنذ ثورة يناير عام 2011، تحولت وزارة الثقافة إلى رائدة الاستقالات، وبات المنصب فى حالة تغيير مستمرة، مقارنة بالوزير الأسبق فاروق حسنى، والذى تولى المنصب لمدة 24 سنة كاملة. فمثل هذه الأيام من عام 2011 استقال جابر عصفور بعد أيام من توليه وزارة الثقافة ضمن حكومة أحمد شفيق، وبعده تولى محمد الصاوى لمدة أيام معدودة، قبل أن تتم إقالته بسبب غضب المثقفين عليه، ليتولى من بعده عماد أبو غازى وزارة الثقافة فى حكومة عصام شرف، ثم استقال احتجاجًا على أحداث محمد محمود، قبل أن تتم إقالة حكومة شرف بيومين فقط. وبعد "أبوغازى" تولى شاكر عبدالحميد مسئولية الوزارة، لكن تمت التضحية به فى ظل الخلاف بين مجلس الشعب وحكومة الجنزورى قبيل انتخابات رئاسة الجمهورية، تبعها شغل صابر عرب للمنصب. ورغم أن أغلب المنخرطين فى الجدل حول استقالة الدكتور صابر عرب، لايعرفون على وجه اليقين أسباب تقدمه بها، لكنها فى الوقت ذاته أظهرت عواطف نبيلة وتقديرا مستحقا للوزير المستقيل الذى سعى قدر الإمكان والجهد، للقيام بدوره فى خدمة شعبه والثقافة المصرية. كانت قيادات وزارة الثقافة ناشدت رئيس الوزراء الدكتور هشام قنديل بعدم قبول استقالة الدكتور محمد صابر عرب، حرصا على ما وصفته "باستقرار قطاعات وهيئات الوزارة فى أداء مهامها وإنجاز ماتم إعداده من خطط ومشروعات التطوير". كما ناشدت هذه القيادات الدكتور هشام قنديل توفير الدعم الكافى لوزارة الثقافة بما يسمح بإنجاز خطط ومشروعات التطوير وتحقيق الوزارة لرسالتها فى خدمة الثقافة والمواطنين فى ربوع مصر، فيما أفاد تصريح منشور أن قنديل "رفض ذكر أسباب استقالة وزير الثقافة واكتفى بنفى مانشر حولها قائلا: جميعها أسباب غير صحيحة، وأنا على تواصل مستمر معه". وكان من بين الموقعين على البيان الموجه لرئيس الوزراء، الدكتور سعيد توفيق أمين عام المجلس الأعلى للثقافة، والدكتور أحمد مجاهد رئيس الهيئة المصرية العامة للكتاب، وسعد عبد الرحمن رئيس الهيئة العامة لقصور الثقافة، والدكتور سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون، ومحمد أبو سعدة رئيس قطاع مكتب وزير الثقافة، ورئيس صندوق التنمية الثقافية، والدكتورة كاميليا صبحى رئيس المركز القومى للترجمة. واكدت وزارة الثقافة فى بيان عبر صفحتها الرسمية على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" أن "عرب" لم يدل بأى أحاديث أو لقاءات صحفية أو إعلامية عن أسباب استقالته من منصبه الوزارى. وفى الآونة الأخيرة، تصاعدت دعوات مثقفين مصريين لإعادة هيكلة وزارة الثقافة بما يخدم طرح مشروع ثقافى نهضوى يتفاعل مع ضرورات الحداثة دون تفريط فى الأصالة، فيما جاءت استقالة الدكتور صابر عرب لتثير مجددا فى الصحافة ووسائل الإعلام نقاشات حول أولويات المثقفين ورؤاهم لهذه الوزارة. ولاتخلو الدعوات التى يطلقها البعض من حين لآخر لإلغاء وزارة الثقافة ككل من تعلق بمسألة الأسماء والمسميات واللافتات بعيدا عن الجوهر والمضمون، لأن هذه الدعوات تتفق فى نهاية المطاف على قيام جهة أخرى مثل المجلس الأعلى للثقافة بالدور الرسمى لوزارة الثقافة. وبعيدا عن أى نزعة بلاغية أو إنشائية.. فوزارة الثقافة وهيئاتها من المفترض أنها تتحمل المسئولية الكبرى فى ترسيخ ثقافة ثورة يناير فى كل أوجه ومجالات الحياة المصرية ومواجهة التناقضات فى العملية الثورية وصراع الضرورات وتوجيهها لصالح الشعب، الأمر الذى يتطلب سياسات تنطلق من قيم هذه الثورة وكوادر قادرة على تنفيذ هذه السياسات الثورية الثقافية. وحسب مانشرته بعض الصحف ووسائل الإعلام فى سياق الجدل الذى تجدد مع استقالة الدكتور صابر عرب من وزارة الثقافة، فإن إعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة وتأكيد حرية الإبداع وزيادة الاعتمادات المالية المخصصة لوزارة الثقافة تتصدر أولويات العديد من المثقفين. أكد الكاتب قاسم مسعد عليوة، على أهمية "فلسفة العمل بوزارة الثقافة وأن تكون موجهة للشعب فى عمومه"، وإن كان يحبذ إلغاء هذه الوزارة وتوزيع اختصاصاتها على الهيئات الثقافية على أن تكون تبعية هذه الهيئات للمجلس الأعلى للثقافة على سبيل المثال كما يقول. وفيما تشكل قضية الموارد البشرية داخل وزارة الثقافة بهيئاتها إشكالية كبيرة فيما يتعلق بمدى ملاءمة هذه الموارد للعمل الثقافى، طالب قاسم مسعد عليوة "بتفعيل دور المجلس الأعلى للثقافة ليرتبط بشكل أكبر بالمثقفين فى كل مكان ويبتعد عن الموظفين". وفى الاتجاه ذاته، دعا الناقد والفنان التشكيلى عز الدين نجيب لإعادة هيكلة المجلس الأعلى للثقافة بقانون جديد يناسب العمل فى مرحلة مابعد الثورة، ويمنحه استقلالية أكبر، بجانب الاهتمام بالمؤسسات الثقافية التى تتفاعل مع الجماهير مثل قصور الثقافة لتتخلى عن بعدها عن المجتمع وتقوم بدورها الحقيقى التفاعلى مع الجمهور". وتضمنت مبادرات بعض المجموعات فى الحياة الثقافية المصرية بعد ثورة يناير مطلب تحويل المجلس الأعلى للثقافة إلى كيان مستقل بعيدا عن وزارة الثقافة، فيما أعد الفنان التشكيلى عادل السيوى، اقتراحا يتمثل فى إشراف المثقفين على هذا المجلس عبر انتخابات حرة وبحيث يتحول إلى "كيان حيوى يمكنه وضع الخطوط الرئيسية للعمل الثقافى فى مصر". وتكشف النظرة المقارنة، أن منصب وزير الثقافة يحظى بأهمية غير عادية فى مراحل التحولات الحرجة والحاسمة لبعض الدول، حيث الضرورة تدعو لمثقف كبير ومناضل ثورى ومدافع عن كرامة الإنسان وحقوقه، كما حدث فى خضم الأزمة السياسية الفرنسية عام 1958 عندما استدعى الجنرال شارل ديجول الكاتب والمبدع الثورى أندريه مالرو لشغل منصب وزير الثقافة ليستمر صاحب "قدر الإنسان" فى هذا المنصب على مدى عقد كامل. ومنذ ثورة يناير انطلقت عدة مبادرات من جانب مثقفين سعيا لما يوصف "بتنوير الثقافة وتنشيط هيئاتها وأجهزتها ومن أجل ثقافة جديدة وجريئة"، وظهرت مسميات مثل "جبهة الإبداع للدفاع عن حرية التفكير" و"الدستور الثقافى". غير أن أصواتا داخل هذه الجماعات الجديدة تذهب إلى أن المثقفين ليسوا فى حالة تسمح لهم بالحركة والضغط والعمل الجماعى، فيما تنظر للتشكيلات التى تكونت باعتبارها "أقرب لحالة الدفاع منها لطرح مشاريع جديدة.. فهى تبدو كحركة أشخاص خائفين وليس لديهم أفق إعادة هيكلة وخلق كيانات جديدة". ويعترف الفنان التشكيلى محمد عبلة صاحب مبادرة "جبهة الإبداع للدفاع عن حرية التفكير" بأن فكرة المبادرة كانت قائمة على رد الفعل وليس على القيام بالفعل نفسه.