في الميدان ومقاهي وسط المدينة تناثرت حروف قصائده علي اذان الثوار وشباب ثورة 25 يناير، تارة بصوته السبعيني واخري ل أحمد إسماعيل و لفرقة إسكندريلا وفرقة بهية فرددوا جميعا "مصر النهار يطلقنا في الميادين / مصر البكا / مصر الغنا والطين / مصر الشموس الهالة من الزنازين / هالة وطارحة بدمنا بساتين / مصر الجناين طرحة مين يقطفها / مصر الجناين للي يرفع سيفها / مهما يطول السجن مهما القهر / مهما يزيد الفجر بالسجانة مين اللي يقدر ساعة يحبس مصر. إنه الشاعر الكبير زين العابدين فؤاد، جاء للميدان بمذاق خاص وطعم مختلف للثورة ، الحوار معه يشبه الضحكة الطويلة والممتددة ، حرية قادمة وتفاؤل يرافق ظله دائما هذه مهنته بعد ان تجرد من وصف الشاعر في لحظة فارقة ليرفض اي ادوات أخري ترافق حلمه سوي الشباب، فهناك لقطات ذهنية بعضها يخبئها أعلي كسرة جفنه وكثيرا منها تحويها ذاكرته، وعلى أحد المقاهي الشهيرة في وسط البلد التقته "فيتو" وجري هذا الحوار. حدثنا عن ذكريات عامين من الثورة بين الثوار وشباب الميدان شكلت شهادتك علي إنطلاق ثورة 25 يناير؟ شهادتي لم تكتمل حتي الآن، ومن الصعب إختزال الثورة وهي لازالت في بدايتها، ويوم 25 يناير 2013 يشبه باقي أيام الثورة ولا يختلف عنها إلا في الأمل المتجدد يوما بعد يوم لدي شباب الميادين ، فالحق له ساعة معلومة والثورة ليست مرتبطة بيوم واستكمال اهدافها كتب له يوما جديدا وميعاد اخر هو 25 يناير، لا شهادة عندي سوي شعار اهل الميادين "الثورة مستمرة" ولن تنتهي إلا بتحقيق كافة أهدافها. فهناك أولا "العيش" وفي شريعة الثوار يعني الحياة بكرامة والمساواة التامة بين الرجل والمرأة بين المسلم وغير المسلم فلا تفرقة بين المواطنين بسبب الجنس أو الدين ،وهذا المطلب لم نحقق منه أي شئ سوي التراجع والتحريض علي كراهية الغير وتحريم إلقاء السلام عليه ومباركة أعياده وتهجيره بعد ان كان "مسلم ومسيحي ايد واحده" أهم شعارات الثورة. هناك برنامج طويل جدا ، لم يتحقق منه إلا جزء بسيط من الحرية جعل خيوط السياسة ومصير البلد في أيدي المصريين البسطاء وأصبح هم الوطن خبز يومي كسر حاجز الخوف من السلطة والجنود والسجون والإعلام الفاسد، حتي بعد مجئ السلطة الجديدة برئاسة " بدقن بتخوف الناس بأسم الدين " وإعلام فاسد أيضا، خرجت الناس لتحتج علي سرقة حقها في كتابة الدستور وتزوير الإنتخابات الرئاسية والبرلمانية وهم جميعا مواطنون لم يذهبوا قط لصناديق الإنتخابات في عصر الإخوان المسلمين فقط علموا بأن الدستور وثيقة توافقية للأمة ولكن فرضها حزب اغلبية يحكم باسم الدين و يتاجر به من أجل السلطة لذا كان اللجوء إلى الشارع بمطالب فئوية تعبر عن صوت الثورة وتطالب بالحريات بعد تضيق الإخوان علي حرية التعبير عن الرأي والإبداع ومزيدا من المصادرات الكوارث الإنسانية راح ضحيتها الكثيرون. أما مطلب "العدال الإجتماعية" لم يتحقق منه شئ هو الاخر، البطالة موجودة وبصورتها الأولي ،الإهمال والفساد الإداري هنا وهناك وكأن شئ لم يتغير، ناهيك عن سياسة القمع والمطارادات، فكان لابد من إستكمال الثورة لتطهير الوطن. فالثورة شئ رائع أخذت بيد البسطاء وشباب الوطن للشوارع الميادين ،بدأها شباب رائعين وشارك المواطنين فأصبحنا 20 مليون ثائر يوم 10 فبراير، بنسبة مواطن من كل 4 مصريين وهي نسبة عالية لم يشهدها تاريخ الثورات من قبل. ماهي رؤيتك لما سيحمله 25 يناير القادم؟ 25يناير القادم سيكون شبيها ب 25 يناير 2012 والأخير كان ناجحا ومهما للغاية وشهد حشدا جماهيريا وصل ل 4 مليون مواطن نزلوا للميدان عقب الإنتخابات البرلمانية رافعين شعاراتهم ضد المجلس العسكري والإخوان المسلمين بعد أن نجحوا في تزوير الأصوات ليمتلكوا برلمان إخواني لا يمثل الثورة واهتم بأشياء لا تعني المواطن البسيط، فالشعب المصري الذي تطرق لفكرة الدين والإعتقاد قبل وجود الرسالات السماوية لدرجة وصلت إلى التوحيد علي يد "إخناتون" لا يقبل أن يتهم في عقيدته وإيمانه أو يأتي شخصا يدعي بإنها صاحب توكيل إلهي ليعلم الناس دين الإخوان المسلمين الذي لا يعبر إلا عن الجماعة ،وقلتها في قلب الميدان وسأظل اكررها "محناش كفره غير بالحكام الفجرة". استكمال مسار الثورة هو هدفنا يوم 25 القادم ففي مرحلة الثورة ننكسر ونهزم إلى أن نتصر للحق في الأخير. والثورة علي مدار عامين طورت شعارتها من أرحل في وجه مبارك، إلى "يسقط حكم العسكر "، وفي إنتظار شعار المرحلة القادمة في وجه الإخوان المسلمين. وماذا عن دور الألتراس والمرأة في المراحل القادمة ؟ قلبي معهم شباب الالتراس يوم 26 يناير هم في انتظار امل جديد، يعرفون القتلة جيدا ويعلمون أن القتل في مذبحة بورسعيد كان مدبرا والمفاجأة كانت التلاعب بتقرير لجنة تقصي الحقائق لإطالة الامد وحصر قرارهم بين صدور احكام تأجيل أو استمرار المحاكمات بحجة ان هناك ادلة جديدة وفي كل الحالات اللجنة تحاول التسكين وإضاعة الوقت وهذا الوضع لن يقبله الإلتراس وسيكون الرد قاسي للغاية فهم يريدون القصاص . أما المرأة "نصف الثورة" وعامل قوي في إستمرارها بهذه الروح بفضل مواقفها وسلوكها علي مدار عامين ، لا أنسي مشهد عظيم ل سميرة ابراهيم في 9 مارس 2011 عندما تعمد الجيش إهانتها بإجراء كشف العذرية وكان رد الفعل من فتاة صعيدية واسرة متدينة النزول للشارع إلى أن أصبحت قضية رأي شهدت وقفات نسائية قدرت بحوالي 5000 امرأة لمساندة سميرة إبراهيم. هناك أيضا رابطة نسائية تسمي ب "شقائق الثورة" لمبدعات نزلن للميدان من 28 يناير حتي الآن ، منهن الكاتبة وسيمة الخطيب،وأعداد هائلة من الكاتبات الشابات كان علي رأسهن الكاتبة الكبيرة أهداف سويف، والعديد من المبدعات مثل عفاف السيد، رباب كساب، سعاد سليمان،سحر الموجي ، شرين ابو النجا ،مي التلمساني بتول الحداد و الشاعرة أمينة عبدالله في الأسكندرية، بالإضافة إلي والدة الشهيد خالد سعيد وشقيقته زهرة سعيد، فالمرأة المصرية موجود وبقوة في كل تظاهرة ومليونية وإعتصام وفي إبداعات فاعلية الفن ميدان فهن اصحاب الفكرة والمنظمين والمتطوعين، المرأة المصرية دائما تعلن موقفها من خلال أبسط الإشياء حجابها مثلا المرسوم عليه الشيخ عماد عفت ومينا دانيال ،يزينه شعارا جميلا "مش عايزين يحكمنا عساكر ولا رجاله بالدين بتاجر" أو "قولتوا علينا عورة صوت المرأة صوت الثورة". هل سيكرر الرئيس مرسي تجربة السادات عندما منعك من القاء الشعر وصادر اعمالك؟ قوة الكرسي" هي وجه الشبه الأكيد بين الرئيس الراحل أنور السادات والرئيس محمد مرسي ، السادات استحوذ علي المؤسسة العسكرية والرئاسية مستخدما نفوذه والآن الرئيس مرسي يعيد التجربة ثانية فالرئيس مرسى وبعد صدور قرراته الأخيرة استخدم سلطاته الرئاسية وصنع لنفسه دستورا يمنحه صلاحيات تشبع طموحات الإخوان المسلمين للحصول علي شعبية واسعة تسمح بالاستحواذ على البرلمان مجددًا. المصادرات بإشكاها المختلفة لا تعنيني وليس زين العابدين وأشعاره فقط المعرضين للمصادرات - أنا محدش بيهمني- ولو منعت أشعاري بشكل أو بآخر سواء في التلفزيون أو الصحف ليس أمامي سوي الشارع " هنزل الشارع كل يوم واروح 100 حتة" ولن يكرر الرئيس مرسي تجربة السادات معي طالما أمتلك قلما ورقة بيضاء للكتابة وأقدامي ترضى بجسدي حملا، وشباب واع شعر بالتغيير ولم يسمح بسرقته عن طريق المصادرات. وسط كل اضطرابات اللحظة الإبداعية من أين تمرق القصيدة في ظل هذا الكم الكبير من الكتابات السياسية؟ من أي لحظة.. الثورة مستمرة ولم تنته بصندوق الإنتخاب ونهايتها الحقيقية بتحقيق أهدافها وأن كان هناك جزء صغير تحقق " شئ من الحرية " كسر لدينا حاجز الخوف ونمي أحساسنا بإمتلاك الوطن ورغم كل هذه الإضطرابات النوعية من حولنا تغيب عنا حريات كثيرة أولها حق الطفل وحق التعليم. فالتغيير حدث داخل الناس رغم الحرية المنقوصة ، ودائما الناس في الشارع والميادين لا تنتظر إبداع قدر إنتظارها لحظات الإحتواء من المبدعين وحقيقة لم يكن هناك نقص في الحالة الإبداعية لدي الناس فعاد للشعب وفي زمن قياسي اثنين من الكبار " سيد درويش – الشيخ إمام " وأيضا عادت للميدان شعارات صغتها في 68 ضد عبد الناصر مثل " علي وعلي الصوت .. اللي هيهتف مش هيموت". البعض يقول بان هناك جهات اجنبية تساند الاخوان المسلمين علي رأسها امريكا .. هل توافق علي هذا المبدأ؟ لا اوافق علي هذا المبدأ، دائما الجهات الأجنبية يكون لها مصالح تتغير وتتبدل تلقائيا عندما تقرر هي مع من تتحالف ،الامريكان اخترعوا فكرة المجاهدين " المجاهدين العرب ذهبوا الي افغانستان من أجل الجهاد ضد الشيوعيين الكفار الروس في الحرب الباردة بين الاتحاد السوفيتي وامريكا ،انتهي الموضوع بعد سقوط الاتحاد السوفيتي جزء من المجاهدين رحل الي اليمن وجزء رجع ثانية الي مصر ونفذوا مزيدا من العمليات الارهابية والتفجيرات ، فالتحالفات تختلف وفقا لحاجات امريكا فهم استغلوا جو وفكر سمح بصعود التيارات الاسلامية السلفية بالتحديد لتحقيق حلم الجمهورية الاسلامية تقليدا لايران فقط. قلت سابقا ان الاخوان والسلفين وكلاء الوهابية في مصر .. بمعني ؟ مصر احد منابع الدين في العالم وشيدوا حضارة بفعل معتقداتهم الدينية ثم جاءت صلواتهم ومعابدهم برسوما وتماثيلا وحضارة بنتها الثقافة والفكر الديني معا، لذلك كانت العادات المصرية موجودة بكل تفاصيلها ولم نر تعارض بين الفكر والدين. وثورة 19 شعار لم يحمها شعار – الدين له والوطن لجميع – ولكن الحماية الحقيقية جاءت من ممارسات طويلة لحزب الوفد تتماشي وتماثيل محمود مختار وتمثال النهضة وتماثيل سعد زغلول في شتي انحاء الجمهورية ،تماثيل دفع ثمنها الفلاحين المصريين ولم يصفوها بالاصنام او مرة قالوا عنها مساخيط وحرام ، فكانت متعة العين تشغلهم وذوقهم في الإستماع يرضي اذانهم بشكل اكثر من رائع. وعندما تأتينا اناس تري الرجال بزي ابيض ولحى طويلة والمرأة بحجاب ونقاب بغض النظر عن الممارسات وكأنها تفاهات لاتخصهم في شئ ليفرضوا الرؤية الضيقة جدا للدين فهذا جوهر الوهابية بعينها. والسعودية بدأت علاقها بالإخوان المسلمين تحديدا في 1977 ،ولأول مرة في تاريخ مصر فتحت الأبواب وخرج 5 مليون مصري من القوة العاملة للسعودية ودول الخليج ،خرجوا مدنيين عاديين ، ورجعوا الرجال في زيهم الأبيض المعروف والنساء يغطهن النقاب الاسود. ثم جاءت مرحلة تصدير شيوخ الدين والفتاوي وبدأت بأحد الرموز الدينية المهمة جدا الشيخ متولي الشعرواي عاد من المملكة ليصبح وزيرا للاوقاف، قال وهو صادق انه صلي ركعتين شكر لله علي هزيمة 67 وهذه حادثة تعد كارثة اذا كان صادق فيها. شئ اخر عندما استقالت الوزارة عقب ذهاب السادات للقدس لم يستقل هو رجل الدين الذي بارك نهب أموال المصريين في الخارج بدعوي توظيف الأموال الإسلامية الي ان اصبح رقم واحد في كشف البركة، وبشكل او باخر استخدم او خدم الداعية الاسطورة في نشر الفكر الوهابي في مصر.