تشهد بنوك الدم ومستشفيات وزارة الصحة بالشرقية حالة من الفقر الشديد في الدم؛ حيث تؤكد كل المؤشرات وجود تدهور شديد في المخزون الإستراتيجي للدم، مما يتسبب في معاناة المرضى وذويهم، الذين يجوبون المستشفيات لتوفير كيس دم، وفي حالة عدم توفره يحصلون عليه بأسعار خيالية، ناهيك عن المعاناة الأكبر للحصول على فصيلة نادرة لا توجد إلا بالقاهرة. وفي كل يوم يتعرض المئات من الأسر بالمحافظة للخطر بعد أن عجزت كل المستشفيات عن توفير قطرة دم تنقذ حياتهم؛ لتبدأ رحلة العذاب للأهالي بعد أن حملهم الأطباء عبء البحث عنه في شكل مجموعات تجوب المستشفيات للبحث عنه، ولكن دون جدوى، فقريبا جدا سوف نجد المواطنين يقفون أمام أبواب بنوك الدم يتوسلون من أجل قطرة دم لإنقاذ حياة مرضاهم، وسنجدهم يتجولون في الميادين والشوارع بحثا عن متبرع، وينادون بأعلى صوت (كيس دم يا ولاد الحلال) ينقذ حياة أقاربهم. ولا يقتصر الأمر على الإهمال الشديد الذي يتعرض له المريض داخل المستشفيات الحكومية، ولكن الأمر أصبح تجارة في دماء وحياة الفقراء، ولا شك أن التبرع بالدم عمل إنساني لإنقاذ حياة مريض، ورغم إطلاق المستشفيات الحكومية العديد من الحملات للتبرع بالدم في الشوارع والميادين والجامعات، إلا أن عندما يذهب مريض أو مصاب في حادث ولا يجد كيس دم واحد داخل المستشفيات لإنقاذ حياته، ويتم إجباره على إيجاد متبرعين بالدم وإلا فقد حياته بسبب نقطة دم، فإن ذلك يطرح السؤال "أين تذهب دماء المتبرعين؟"، الأمر الذي أدى إلى تحويل التبرع بالدم إلى تجارة يعمل بها الأطباء والممرضون والممرضات، الذين يقومون بتوفير كيس الدم للمريض بأسعار خيالية. وفي مستشفى صيدناوي الجامعي نجد أن بنك الدم فارغ؛ حيث لم يتم تحويل أكياس دم لهم من بنك الدم الرئيسي بمستشفى الزقازيق الجامعي؛ حيث يتم تحويل الدم لهم بعد إجراء تحاليل الفيروسات وفصل الصفائح الدموية عن الدم. حصلت "فيتو" على قائمة أسعار أكياس الدم: كرات الدم الحمراء للفصائل الموجبة 200 جنيه، كيس الدم الكامل للفصيلة الموجبة 200 جنيه أما الفصيلة السالبة 250 جنيه، والبلازما 45 جنيها، والصفائح الدموية 100 جنيه، وتتكون من 28 إلى 32 سم، ويستخدم لفصل الصفائح عن الدم جهاز ألماني الصنع، وغير موجود إلا بمستشفى جامعة الزقازيق. ذهبنا إلى بنك الدم الخاص بمستشفى الزقازيق الجامعي، ووجدنا سيدة تدعى (هناء) تقف أمام باب بنك الدم تتوسل إلى المواطنين من أجل التبرع بالدم لزوجها المريض بقسم الباطنة، الذي أكد الأطباء أنه يحتاج لأكثر من كيس دم، ولا يوجد أحد معها للتبرع في حين أن المستشفى رفضت أن تبيع لها الأكياس بمقابل مادي؛ لأن الشرط الأساسي للبيع هو تواجد شخص مع المريض للتبرع بالدم، فلم تجد هذه السيدة سوى الوقوف في الشارع واستعطاف المارة والعاملين بالمستشفى من أجل التبرع بكيس دم ينقذ حياة زوجها، وقالت: إن المستشفيات الحكومية تقوم ببيع أكياس الدم للمستشفيات الخاصة بأسعار عالية، رغم احتياج المريض بالمستشفى لنقطة دم من الممكن أن يفقد حياته بسببها. وفي قسم الجراحة سيدة تدعى (سلوى. ع) قالت: "عند دخولي المستشفى لإجراء عملية جراحية رفضت إدارة المستشفى دخولي المستشفى قبل إيداع كيس دم بنفس فصيلتي بالمستشفى ولكن لم يكن معي أحد من أقاربي نفس فصيلتي فعرضت علينا أحد الممرضات أن توفر لي متبرع بمبلغ 120 جنيها للكيس الواحد". ويروي أحد المصابين بقسم الاستقبال معاناته قائلا: "كنت مصابا في حادث سيارة، وعندما تم نقلي إلى مستشفى الجامعة كنت أحتاج إلى نقل دم لكني لم أجد دم في المستشفى وعندما أتى أهلي إلى المستشفى ذهبوا إلى بنك الدم، الذي رفض إعطائهم الدم بحجة أن أكياس الدم الموجودة بالبنك محجوزة للعمليات ومصابين، ولكن بعد ذلك أتت ممرضة وعرضت عليهم أن تبيع لهم كيس الدم مقابل 140 جنيها للكيس في ظل عملية التجارة بدماء الفقراء من أجل زيادة الدخل والكسب الحرام. ويقول آخر: "عند دخولي قسم الاستقبال كنت أحتاج إلى دم وعندما ذهبنا إلى بنك الدم طلبوا متبرعين بحجة أنه لا يوجد دم داخل المستشفى وبعد التبرع أخذوا الكيس ووضعوه في الثلاجة ومنحونا كيسا آخر مما يدل على توافر الدم بالبنك". وأكد مصدر طبي بمستشفى جامعة الزقازيق وجود كارثة في مستشفيات جامعة الزقازيق تتمثل في انخفاض نسبة أكياس الدم الموجودة ببنك الدم إلى أقل من 30 % حتى الآن، مرجحا وصول النسبة إلى أقل من ذلك في أوقات متأخرة من الليل. ويقول مسئول الأمن ببنك الدم بمستشفى الزقازيق الجامعي: إن أعداد المتبرعين في تناقص مستمر، فبعدما كان من الممكن أن يصل عدد المتبرعين بالدم في اليوم الواحد إلى 30 شخصا، أصبح أعداد المتبرعين لا يكمل شخصا أو شخصين في اليوم الواحد، ويرجع هذا إلى سوء المعاملة تجاه المتبرعين والمرضى. وأكد أحد الأطباء في قسم الاستقبال أن بنك الدم غير مجهز، ولا بد من وجود أجهزة على أعلى مستوى، ووجود رقابة على بنوك الدم لضمان عدم التلاعب بأكياس الدم. وفي جامعة الزقازيق تقف سيارة إسعاف تحث الطلبة على التبرع بالدم، دون عمل أي تحاليل طبية تؤكد سلامة دم المتبرع، يقول محمد غريب الطالب بكلية التجارة: إنه يرفض التبرع بالدم إلى المستشفيات الحكومية؛ لأنه يعلم أن الدم مصيره السوق السوداء ولا يستفيد منه المرضى بشيء. ويؤكد محمد علي - طالب بكلية التكنولوجيا والتنمية - أن سيارات الإسعاف الموجودة داخل الجامعة لا تقوم بتحليل عينة من دم التبرع قبل أخذ الدم منه، فمن الممكن أن يكون المتبرع مصابا بفيروس معد أو إيدز أو يكون من مدمني المخدرات، وأضاف: إن الدم الذي يتبرع به لا يذهب للمرضى المحتاجين إليه، ولكن يذهب إلى أصحاب الضمائر المعدومة من الأطباء والممرضات الذين يقومون ببيعه وهو ما يعد تجارة بدماء الفقراء. ويقول الدكتور عاطف عافية - وكيل وزارة الصحة بالشرقية -: "أزمة أكياس الدم بالبنوك وقلتها يرجع إلى قلة أعداد المتبرعين فإن الدم لا يصنع، مضيفا: إن مرضى الحوادث والعمليات أكثر الأشخاص احتياجا للدم، وعندما يحتاجون إلى الدم نقوم بصرف أكياس الدم دون وجود متبرعين. وأكد أن أكياس الدم بالمستشفيات بأسعار محددة من وزارة الصحة، ومن يثبت تجارته بالأكياس وبيعها للمريض بأسعار خيالية في السوق السوداء يتم إحالته إلى النيابة العامة. فيما طالب عافية بضرورة عمل حملات توعية للمواطنين لحثهم على التبرع بالدم.