أعود لحديثين للفريق عبد الفتاح السيسي الحديث الأول أدلى به وزير الدفاع المصري القدير للواشنطون بوست، فرغم رفضه للرئاسة أو الترشح لها، فإنه لم يقل "لا" فقط هذه المرة للجميع بل ألقى بالصفعة تلو الصفعة في وجه كل من الولاياتالمتحدة، والإخوان، والنظام السابق، فالولاياتالمتحدة لا تريد التوقف عن دعم تيار الإسلام السياسي بكثير من الحجج الواهية، والإخوان لا يكفون عن "الشرشحة" في كل تليفزيونات العالم، مستخدمين الأطفال مرة وضاربين عرض الحائط بكل مواثيق حقوق الإنسان والمواطنة وقوانين الأطفال، ناهيك عن استخدام الدروع البشرية من النساء، والإفك المستمر في الإعلام الدولي، أما الأمر الثالث وهو متعلق بخارطة الطريق والالتزام بها، وبالتالي إغلاق الطريق على كل هؤلاء الذين يريدون العودة بمصر إلى الوراء! لكن ما أتوقف عنده هذه المرة أكبر من ذلك بكثير، إنه الحديث الثاني الذي دار بين عبدالله السناري رئيس تحرير الشروق وبين السيسي وزير الدفاع، حين قال له السيسي إن مشكلة مصر الحقيقية "عدم وجود قيادة تتسم بالفكر والإلهام"، وهي قضية استراتيجية عمرها يربو على الأربعين عاما الآن، هذه هي الأزمة الحقيقية لمصر، لقد مات الفكر الخلاق في مصر منذ عقود، لأسباب عدة أهمها، أن اختيار القيادات في مصر هو اختيار ليس له علاقة من قريب أو بعيد بقدرات الشخصية التي سيتم اختيارها، بحيث أصبح مع الوقت هو مجرد اختيار موظفين يستطيعون وضع مصر في التلاجة! يا أصدقائي العقل المصري كله في التلاجة منذ عشرات السنين، وبالتالي أصبحت الدولة كلها في التلاجة، أصبحت معها الدولة المصرية، دولة مومياوات، أو دولة متجمدة، صحيح أن الصديق العزيز د. جلال أمين أطلق عليها الدولة الرخوة، لكن الحقيقة الآن أنها دولة متجمدة، جمدها مجموعة من الموظفين لصالح مجموعة من الموظفين، وكما أشار السيسي أن المسألة أصبحت انتفاء قيادة قادرة على التفكير وبالتالي قادرة على بث الإلهام للناس وتحريكهم، كي ينفضوا عن أنفسهم الغبار الذي سكنهم منذ سنوات! إن أكثر ما يريده المصريون الآن هو البحث عن من يقودهم إلى النور، ومن يستطيع تحريك ملكاتهم العقلية التي يتم إطلاق النار عليها كل يوم عبر الإطاحة بالقانون، وعبر انتفاء العدالة الاجتماعية، وعبر الكبت والإرهاب والتخويف الديني والأمني. المصريون يريدون الحياة والحرية والرفاهية، كيف يمكن أن نمنح لهم ذلك، بإخوان وتيار إسلامي يريد لمصر العودة إلى عصور ما قبل التاريخ، أو بدولة أمنية استطاعت هدم الإنسان في مصر بجدارة منقطعة النظير عبر ممارسات عدة كان من أبرزها إطلاق سراح التيار المتأسلم، والعك في تعليم المصريين، والعك في صحة المصريين، والأكثر ألما العك في مستقبل المصريين!. هذا هو ما يمكن أن أقرأه من كلمة الجنرال السيسي، لقد أشار لعصب المسألة في حياة شعب يخضع من يوم مولده لسياسة من العك والتي أصبحت مع الوقت ضرورة للتلاجة العظيمة للعقل المصري كله، ومن ثم الثلاجة التاريخية للمؤسسة المصرية، لتصبح البيروقراطية والغباء هما المعيارين الأساسيين لاختيار القيادات!.. دعونا نواجه مشاكلنا بتلك الصراحة التي طرحها الرجل، نحن لا نعرف ولا نريد ولا نحلم بمستقبل لمصر، نحن نريد أن تبقى مصر على ما هي عليه وعلى المتضرر اللجوء للقضاء! أنا لا أفهم كيف لبلد تمتلك أكثر من 50% من تراث العالم، و90 مليون من البشر، ولديها تلك الأرض، وتعاني من كل هذه الأمراض، السبب في ذلك أننا خضعنا في العلاج للتمرجي وليس للطبيب، لحاجب المحكمة وليس للقاضي، لفراش المدرسة وليس للمدرس، خضعنا لمن اختارهم لنا قيادات، والأكثر بشاعة أن أغلب هذه القيادات فاسدة بالسليقة والفطرة والتاريخ والممارسة! إنى أنظر لكلمة السيسي على أنها أتت من رجل يعي تماما ماذا تعني كلمات مثل الاستراتيجية والخيال، رجل يعرف كيف يمكنه أن يعيد للتاريخ المصري الأحلام والطموحات على أرض الواقع الصلب، أرجوك يا سيادة الفريق، علمهم كيف يمكننا أن نختار من يستطيعون أن يقدموا أحلاما حقيقية للوطن، علمهم من يمكنه أن يقدم إلهاما للمصريين، علمهم كيف يفكرون للمصريين، علمهم كيف يمكن إزاحة كوابيس الظلام والبيروقراطية!