حى السيدة زينب يتألق بين الأحياء العريقة فى قاهرة المعز، عطر وسحر رائحة الحوارى والأزقة والشوارع تنبئ بالمزاج الصوفى والطراز القاهرى، أولاد البلد، الكرم والشهامة، طبيعة أهل المنطقة، أصالة مصرية خالصة فى حب رئيسة الديوان، أم العواجز، السيدة الكريمة العظيمة الطاهرة الشريفة صاحبة المقام السيدة زينب، رضى الله عنها وأرضاها. هذا الحى كقاهرة المعز، يسبح فى أنوار وحركة لا نهائية، مترف بالطقوس الرمضانية، زينات مشرعة على دروب الحى العتيق، عناقيد النور خضراء كقلوب أهل الحى التى تحتضن دوما صاحبة المقام، وجميع زوارها، يتوافدون على المقام بعشرات الآلاف، يقضون شهر رمضان فى خيام دقوا أوتادها قرب مسجد أم هاشم. كل طريقة صوفية تضرب خيمة لها بجوار المسجد، حلقات إنشاد المدائح النبوية ولآل بيته، الدروس الدينية فى فقه الصيام، الرفاعية والمهدية ومعظم الطرق الصوفية تكتب على خيامها: "لا يوجد جائع فى محراب آل البيت". محبو آل بيت النبى "صلى الله عليه وسلم" يتنافسون على إقامة موائد الرحمن حول مسجد أم هاشم، بل فى جميع شوارع الحى العتيق، جميعهم رفعوا شعار "لا مجال لجائع وهو فى رحاب السيدة الشريفة". وبجانب مسجد السيدة تنتشر مجموعة من الخيام للوافدين من الأقاليم لقضاء شهر رمضان، عسى أن يتعرضوا لنفحات الطاهرة، فهم فى نهارهم صائمون وللقرآن الكريم قارئون، وفى الليل على القيام والتهجد حريصون، لا تفتر أبدانهم، وهم فى مناجاة ربهم فرحون. الباحثون عن السعادة الحقيقية عليهم قضاء يوم كامل فى هذا الحى، لينهلوا من عطر وعبق وسحر حى السيدة زينب. على الجانب الأخر يقبع شارع المعز لدين الله الفاطمى بحى الحسين، هو شارع ذو مذاق خاص بين أحياء مصر كلها، ليس بسبب البوابات الكبيرة التى تحيطه، والتى تمنحك شعورا أن الزمن قد توقف بعد بنائه، خاصة مع احتفاظ الشارع ببلاطه الملصق به، ورفض كل أنواع التغيير من أسفلت وغيرها، ووجود الأسماء التاريخية: الكاتدخانة ومستشفى ابن قلاوون، وبين أسماء الشوارع المجاورة من بدر الجيوشى إلى حمام الملاطيلى إلى بيت السنارى، تشعر وقتها أنك انتقلت إلى عالم آخر أكثر بهجة وإمتاعا. يكتسب شارع المعز فى رمضان ميزات خاصة، فتقام فيه حفلات "المولوية" ببيت السنارى الذى يتوسط الشارع، ودائما تقام تلك الحفلات مجانا، بالإضافة إلى بعض الفرق الموسيقية الأخرى، واللافت هو توافد مئات آلاف السائحين على هذا الشارع للاستمتاع بنهر التراث العربى الأصيل المنساب دوما من شارع المعز لدين الله الفاطمى. يتوسط شارع المعز مقهى أم كلثوم والتى يظهر فى مقدمتها تمثال لكوكب الشرق ويتميز المقهى بجلساته التى تشبه -إلى حد كبير- جلسات الملوك قديما، حيث المجالس المطرزة وخشب الأبنوس الذى تتكون منه الكراسى ومناضد المقهى. وعلى الرغم من ارتفاع أسعار المشروبات فى المقهى، الذى يقترب من أسعار مقهى الفيشاوى، أشهر محال الحسين والذى يبعد عنه عدة أمتار، ولكنه يشهد إقبالا كثيفا عليه، فالطرب الأصيل يصدح فى أرجائه، وسحر المكان له رونق يجل عن الوصف. مسجد "الأقمر" يتوسط شارع المعز، ويتميز بمساحته الواسعة، وهو قبلة للكثير من الناس فى صلاة القيام، وإن كان مسجد الحسين قريبا منه، إلا أن كثيرا من الناس يفضلون الصلاة فى ساحته، التى تشبه كثيرا ساحة الأزهر الشريف. المطاعم قليلة فى شارع المعز وهو ما يسكب على الشارع الهدوء التام، تتجاذب اللمبات الأرضية أطراف الهمس مع سحر الشارع، فيقبل السائحون على هذا المشهد المفعم بالأناقة والجمال، ويحرصون على التقاط الصور التى تنبض بالحياة من فرط حيويتها. ولعل أجمل ما فى هذا الشارع أنه يعد متحفا وحده، ولا يحتاج إلى تأشيرات أو تذاكر، بل إلى روح متعطشة للجمال والفن وبهجة الحياة.