بين عشية وضحاها انقلب الحال، وعادت جماعة الإخوان من النظام الحاكم فى مصر الذى يسيطر على مقاليد الأمور إلى التنظيم السرى من جديد الذى يعمل ضد الحكومة، وعاد أعضاؤها إلى السجون مرة أخرى، وبعدما كانت تتناول التقارير الإخبارية العالمية والإسرائيلية الجماعة الحاكمة فى مصر أصبحت تصفها بأنها الجماعة التخريبية منذ إنشائها، وبدأت تربط بينها وبين الجماعات الجهادية السلفية التابعة لتنظيم القاعدة فى سيناء. وعقب ثورة 30 يونيو والإطاحة بالرئيس الإخوانى المعزول "محمد مرسى" اندلعت الكثير من أعمال العنف فى مصر وسيناء على وجه الخصوص، وآخرها تفجير خط الأنابيب الذى يضخ الغاز المصرى إلى الأردن، وهى المرة الأولى منذ عام كامل، حيث كانت آخر التفجيرات المشابهة فى يوليو الماضى، وكانت المرة الوحيدة فى عهد الرئيس المعزول، ما جعل الكثير من التقارير العالمية تنسبها إلى التنظيم السرى لجماعة الإخوان بالاشتراك مع الجماعات الجهادية السلفية المسلحة فى سيناء انتقاما من الإطاحة ب"مرسى". أجهزة الاستخبارات الإسرائيلية كشفت مؤخرا عن أن مجموعة من الجماعات الجهادية فى سيناء والتنظيم السرى للإخوان المسلمين، وجماعات تابعة لتنظيم القاعدة، وحركة حماس، تنوى الهجوم على أهداف استراتيجية فى مصر بواسطة وحدات تخريبية باستخدام الصواريخ، ومنها الإضرار بالمجرى الملاحى لقناة السويس لعرقلة سير السفن فيه. وأوردت دراسة للسفير الإسرائيلى الأسبق فى القاهرة "تسيفى مازئيل" نشرها المركز الأورشليمى للدراسات، أن الدول العربية تعتبر إنشاء جماعة الإخوان منذ 85 عاما هو أسوأ ما حدث فى العالم العربى فى العصر الحديث، كونها قامت بصراع وصفه ب"التخريبى" خلال ما يزيد على ثمانية عقود فى مصر والعالم العربى وأيضا إسرائيل، وذلك من أجل إحياء نظام إسلامى وفقا للشريعة فى جميع الدول العربية لتخضع جميعها تحت راية خليفة واحد. مازئيل يعتبر جماعة الإخوان حجر الأساس فى إنشاء الإسلام الراديكالى المتطرف فى الدول العربية، حيث نمت بعدها جماعات متطرفة أخرى، مثل الجماعة الإسلامية وتنظيم القاعدة والجهاد وغيرها، مشيرا إلى أن الإخوان كانوا مصدر تهديد للعالم العربى بأسره، وأحد أسباب إنشاء الديكتاتورية العلمانية التى اضطر أصحابها إلى الدفاع عن أنفسهم أمام الإسلام الراديكالى. "ضربة للتنظيم العالمي" ويرى مازئيل أن ثورة 30 يونيو ضربة كبرى للتنظيم العالمى لجماعة الإخوان، مشيرا إلى أن الإطاحة بها من السلطة تسبب فى ضرر كبير على التنظيم العالمى للإخوان، خاصة فى الاتحاد الأوربى والولاياتالمتحدةالأمريكية، خاصة أن معظم التنظيمات الإسلامية العاملة فى أوربا تعمل تحت قيادة الجماعة الأم فى مصر، حيث تعمل بجانب منظمات نسائية وطلابية وجمعيات خيرية، لافتا إلى أنها تابعة لجماعة الإخوان المسلمين، وتزعم بأنها تقوم بعمل صناديق لجمع الأموال لأعمال الخير ولكنها فى حقيقة الأمر موجهة لأسباب سياسية وإرهابية، كما أنها كانت تسعى إلى كسر الديمقراطيات فى الغرب والسيطرة على السلطة بشكل تدريجى. "الإرهاب فى سيناء" فى الآونة الأخيرة وخاصة بعد ثورة 25 يناير سيطرت الجماعات الإرهابية على سيناء بشكل كبير، حيث توسع نشاط الكثير من الجماعات السلفية الجهادية المسلحة وتنظيم القاعدة، ولا سيما فى تفجير خطوط الغاز الواصلة لإسرائيل والأردن أكثر من 10 مرات فى عامين، ما دفع المحلل الإسرائيلى "بنحاس عنبرى" إلى القول بأن تنظيم القاعدة لم يضع إسرائيل هدفا نصب عينيه، وإنما سيناء التى يستخدمها التنظيم فى الإضرار بأهداف استراتيجية إسرائيلية من أجل تعقيد العلاقة بين القاهرة وتل أبيب، ولذلك تعتبر إسرائيل أن أمنها القومى يبدأ من سيناء. الحفاظ على الأمن القومى الإسرائيلى دفع الصهاينة إلى مطالبة الرئيس أوباما بعدم المساس بالمعونة الأمريكية ل"مصر"، حيث كشف مسئول أمريكى رفيع المستوى لوسائل الإعلام الإسرائيلية أن تل أبيب فتحت عدة قنوات اتصال مع الإدارة الأمريكية فى واشنطن، تطالبها فيها بعدم المساس بالمعونة العسكرية الأمريكية ل"مصر" المقدرة ب 1.3 مليار دولار لأنها رأت أن وقفها يضر بأمنها ويهدد اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب. وأشارت التقارير إلى أن محادثات إسرائيلية أمريكية تناولت الأحداث الأخيرة فى مصر التى أعقبت ثورة 30 يونيو، وكانت مجال بحث فى محادثة جرت بين كلٍّ من رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو ووزير الخارجية الأمريكى جون كيرى، وفى أخرى بين وزير الدفاع الإسرائيلى موشيه يعالون ونظيره الأمريكى "تشاك هاجل"، وكذلك بحث مستشار الأمن القومى الإسرائيلى يعقوب عميدور الموضوع مع نظيرته الأمريكية سوزان رايس. ورغم أن بعض التقارير الأمريكية أشارت إلى أن عددا من أعضاء الكونجرس الأمريكى طالبوا الإدارة الأمريكية بوقف المعونة العسكرية عن مصر بعد أحداث ثورة 30 يونيو، إلى أن نواب آخرين رأوا أن وقف المعونة يدفع بزيادة الانفلات الأمنى فى سيناء، ويمكن الجماعات الجهادية منها. وطالبت إسرائيل الإدارة الأمريكية بهذا الطلب بعدما كشفت تقارير تابعة لأجهزة الاستخبارات الإسرائيلية عن احتمالات وقوع هجمات أخرى داخل إسرائيل من سيناء، وأنه من المتوقع أن تندلع حرب ضد الجماعات المسلحة فى سيناء، ولا سيما بعد الاشتباكات التى حدثت بين الجيش المصرى والجهاديين بالقرب من مدينة إيلات، حيث سمع دوى الاشتباكات بشكل واضح فى قاعدة سلاح الجو الإسرائيلى "عوفدا" التى تقع على بعد 40 كيلو شمالى مدينة إيلات، ما جعل الجيش الإسرائيلى يدرس مشاركة الجيش المصرى فى عملية عسكرية لتطهير سيناء من الجماعات الجهادية المتطرفة، فضلا عن السماح للجيش المصرى بإدخال قوات إضافية فى سيناء من أجل السيطرة على الأنفاق الواصلة بين مصر وغزة لمنع تهريب الأسلحة، التى تحكمها حركة حماس التى تعتبر جماعة الإخوان المسلمين الأب الشرعى لها. ومن جانبها كشفت هاجر أبو زيد -الباحثة بالمركز القومى لدراسات الشرق الأوسط- أن دراسة إسرائيلية نشرها المركز القومى فى مجلته أوراق الشرق الأوسط بعددها 59 لسنة 2013 أعدها يورام شفايتزر -الخبير فى شئون مكافحة الإرهاب الدولى، وكبير الباحثين بمعهد دراسات الأمن القومى الإسرائيلى- تحت عنوان "اقتراب الجهاد العالمى من الحدود الإسرائيلية"، أكدت أن التنظيمات الإرهابية استغلت حالة الفوضى بعد اندلاع ثورات الربيع العربى فى بعض دول منطقة الشرق الأوسط لإحياء أنشطتها الإجرامية. الدراسة نبهت إلى أن هدف تلك التنظيمات أبعد من مجرد الإضرار بأمن إسرائيل، بل تصعيد الصراع المسلح بين دول المنطقة، وقسم الباحث التهديدات الإرهابية على الحدود الإسرائيلية إلى ثلاثة أقسام؛ هى التهديد على الحدود الجنوبية الإسرائيلية "سيناء وغزة"، وعلى الحدود الشمالية "سوريا ولبنان"، وأخيرا التهديد المحتمل من الشرق "العناصر السلفية فى الأردن"، مشيرا إلى أن تنظيم القاعدة على مدى سنوات عديدة من عمره ينظر إلى إسرائيل واليهود والولاياتالمتحدةالأمريكية على أنهم العدو الرئيسى للإسلام، وأن القاعدة والتنظيمات الجهادية العالمية التابعة لها تستهدف إجبار الولاياتالمتحدة على الانسحاب من منطقة الشرق الأوسط حتى تتوقف الرعاية الأمريكية ودعمها السياسى والاقتصادى لحلفائها، وهذا بدوره لن يقود وفق ما ذكره بن لادن إلى وضع نهاية للنظم العربية الديكتاتورية التى انحرفت عن مسار الإسلام فقط، وإنما أيضا وضع نهاية لإسرائيل. الباحث "يورام" الذى لفت إلى أن إسقاط نظام الرئيس المصرى الأسبق مبارك كان هدفا استراتيجيا لتنظيم القاعدة وزعيمه الحالى الشيخ أيمن الظواهرى، أوضح أن الفراغ الأمنى الذى شهدته مصر سمح بهروب وإطلاق سراح العناصر الإرهابية من السجون، والتى كانت تقضى عقوبة "المؤبد"، كما سمح لهذه التنظيمات بتجديد صفوفها بعناصر من ذوى الخبرة القتالية، كما أن الفراغ الأمنى فى سيناء ساعد مؤيدى التنظيم الجهادى فى محاولة تأسيس كيان مستقل تحت حكم الشريعة الإسلامية واستغلال غياب السيطرة الفعلية للحكومة المصرية على هذه المنطقة. وكشفت الدراسة أنه منذ يونيو 2004 تم تنفيذ العديد من الهجمات الإرهابية فى سيناء ضد أهداف سياحية فى طابا ومنطقة رأس الشيطان ونويبع وشرم الشيخ على يد نشطاء جهاديين، لكن الحملة العنيفة التى قادتها ضدهم وزارة الداخلية المصرية وضعت حدا لهذه العمليات آنذاك، إلا أن عددا من الجماعات ظهر فى العام التالى لسقوط نظام مبارك، تصنف بأنها مرتبطة بتنظيم القاعدة وتتبنى فكرة الجهاد العالمى وتسعى لفرض سيطرتها على سيناء وتحدى الحكومة المصرية.