الإمام المهدي، المهدي المنتظر، الإمام الغائب، الحجة كلها مسميات فيمن يعتقد المسلمون على مر العصور أنه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل بيت النبي محمد صلى الله عليه وسلم، يؤيد الدين ويظهر العدل ويتبعه المسلمون، ويستولي على الممالك الإسلامية بعد أن تملأ الدنيا ظلمًا ويسمى بالمهدي، ويواكب ذلك خروج الدجال ونزول عيسى عليه السلام. أحد هؤلاء الذين يوصفون بالمهدي المنتظر أو الإمام الغائب هو الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي السادس، الذي حكم مصر في الفترة من 996 إلى 1021 ميلادية، ولد في مصر وخلف والده في الحكم العزيز بالله نزار وعمره 11 سنة، واتسمت فترة حكمه بالتوتر، فقد كان على خلاف مع العباسيين الذين كانوا يحاولون الحد من نفوذ الإسماعيليين، وكان من نتائج هذا التوتر في العلاقات أن قامت الخلافة العباسية بإصدار مرسوم شهير عام 1011 وفيه نص مفاده أن الحاكم بأمر الله ليس من سلالة علي بن أبي طالب. بالإضافة إلى نزاعه مع العباسيين فقد انهمك أيضا الحاكم بأمر الله في صراع آخر مع القرامطة، تميز عهد الحاكم بإصدار العديد من القوانين الغريبة، فقد حرم أكل الملوخية وأمر الناس بأن يعملوا ليلًا ويستريحوا نهارًا. اختفى الحاكم بأمر الله في عام 1021، وبالرغم ترجيح وفاته، إلا أن عقيدة الدروز تؤمن بأنه دخل غيبة كبرى وأنه سيرجع بصفته المهدي المنتظر. عارض المصريون، كأهل السنة، فكرة حلول الله في الحاكم وتأليهه ونقموا على الدعاة الذين أخذوا يبشرون بدعوتهم، فقتلوا محمد بن إسماعيل الدرزي واختفى حمزة الفارسي ثم ظهر مع أتباعه في بلاد الشام، ونقم الحاكم على المصريين لقتلهم داعيته فأحرق مدينة الفسطاط وظهرت من الحاكم تصرفات غريبة فيها تناقض عجيب، فكان يأمر بالشيء ثم يعاقب عليه، وكان يُعلي مرتبة وزير ثم يقتله، من ذلك أنه أعلى مرتبة وزيره (برجوان) ثم قتله، وقتل مؤدبه أبا تميم سعيد الفارقي وهو يسامره في مجلسه، وفعل مثل ذلك في كثير غيره، أمر أهل الذمة بالدخول في الإسلام أو الانتقال إلى بلاد الروم، ومن أراد منهم البقاء في مصر فعليه أن يعلق صليبًا من الذهب والفضة إن كان نصرانيا ويجب أن يعلق تمثال عجل على صدره إن كان يهوديًا. ووجد في إحدى الليالي من سنة 411 ه مقتولًا في ناحية من جبل المقطم، وقيل إنه لم يعثر على جثته وإنما وجدت ملابسه ملوثة بالدم، ويقال إن أخته ست الملك كلفت القائد حسين بن دواس زعيم قبيلة كتامة بقتله فقتله ثم قتلت ابن دواس وقتلت معه من اطلع على سر القتل، ثم أبدت الحزن على أخيها وجلست للعزاء، بتأليه الحاكم وقبوله فكرة حلول الإله في شخصه وهي الفكرة التي أوحاها إليه محمد بن إسماعيل الدرزي وحمزة بن علي الفارسي، تألفت طائفة الدروز وانشقت عن الإسماعيلية وظهرت في بلاد الشام بعد انتقال حمزة إليها مع أشياعه، ولما بلغ حمزة موت الحاكم أعلن أنه لم يمت وإنما احتجب، وأنه سيعود لنشر الإيمان بعد غيبته. يؤمن الشيعة بالغيبة الصغرى، والغيبة لها الكثير من الأبعاد والأبحاث، فبعد إعلان الحاكم عن نفسه والصلاة على جنازة أبيه أمام الملأ وبعدما بدأت السلطة العباسية في الاستقصاء عنه غاب الإمام عن الأنظار. ويرى الشيعة أن الغيبة ليست شيء مستحيل أو غير منطقي فكما غاب عيسى في عقيدة أغلب المسلمين وكما يعتقد أهل السنة أن شخصية المسيخ الدجال شخصية موجودة منذ أكثر من ألف سنة، ولكنها مخفية عن الأنظار، وكما يرى بعض المسلمين أيضا أن الخضر يعيش بين الناس ولكنه مختفي، يرى الشيعة إمامهم غائب منتظر غيبه الله عن الأنظار حفاظًا على الدين وحفاظًا عليه ولحكم لا يعلمها إلا الله. كما يعتقد الشيعة، فإن الإمام، ولمدة 72 سنة، كان غائبًا ولكنه كان يعين نائبًا له يتحدث باسمه ويبلغ الناس عنه وهم أربعة نواب الواحد تلو الآخر، عثمان بن سعيد العمري، محمد بن عثمان العمري، الحسين بن روح، علي بن محمد السمري. أما الغيبة الكبرى حسبما يعتقد الشيعة، فقد بدأت بوفاة السفير السمري سنة 328 أو 329 هجرية، حيث توقفت النيابة وخرجت رسالة من الإمام المهدي على الناس أنه لن يكون هناك نائبًا عنه مباشرًا، وبالرغم من أن البعض ادعى النيابة بعد السمري إلا أنهم لم يلاقوا تجمعًا أو نجاحًا. وأوصى الإمام في فترة الغيبة الكبرى أن يرجع الناس إلى الفقهاء الحافظين والعلماء العارفين وهو ما سيتحول إلى ما يعرف بالمرجعية الشيعية وستبقى هذه الغيبة مستمرة حتى يأذن الله. ينتهج أغلب الشيعة الآن مفهوم الانتظار، فيعتقد الشيعة أنه على الإنسان أن يكون دائما مستعد لظهور الإمام بالبعد عن المعاصي وترقية النفس عن الدنيا والحفاظ على الصلوات والصيام ونشر علوم أهل البيت، وأن يدعو الله دائما بتعجيل الفرج وخصوصًا حين يرى الظلم قد استشرى أو فسادًا. ويقول محمد باقر الصدر في هذا الشأن، (إن الإسلام حوَّل فكرة الخلاص من الإيمان بها في الغيب، ومن فكرة ننتظر ولادتها، ومن نبوءة نتطلع إلى مصداقها، إلى واقعًا ننظر فاعليته وإنسانًا معينًا يعيش بيننا بلحمه ودمه، نراه ويرانا ويعيش مع آمالنا وآلامنا ويشارك أحزاننا وأفراحنا ويترقب اللحظة الموعودة). ولكي تتم عملية الظهور بالشكل المطلوب والفعال لابد من توفر شروط معينة، ومنها إتمام العدل، وذكر ذلك محمد صادق الصدر في موسوعة الإمام المهدي تحت عنوان "شرائط الظهور".