80 طائرة إسرائيلية اخترقت سماء مصر وحاولت ضرب أهداف حيوية الطيارون المصريون لم يغادروا طائراتهم أثناء «إعادة الملء» ليواصلوا القتال قواتنا الجوية أسقطت 15 طائرة للعدو وأصابت 29 أخرى قبل سرد تفاصيل المعارك الجوية التى دارت فى 14 أكتوبر 1973 وقادها اللواء محمد حسنى مبارك والتى عرفت باسم «معركة المنصورة» وأسفرت عن فشل إسرائيل فى تحقيق ما كان يهدف إليه «هنرى كيسنجر» بطلبه وإلحاحه على جولدا مائير، نعرض أولا الموقف العسكرى فى ذلك اليوم نقلا عن تقرير الموقف رقم 9 الصادر عن القيادة العامة للقوات المسلحة، وهذا نصه: «أعاد العدو تنظيم دفاعه على الجبهة المصرية على أساس فكرة الدفاع المتحرك مستخدما الستائر المضادة للدبابات بكفاءة وبالتعاون مع الهليكوبتر بستائر مضادة للدبابات. ويهدف العدو الى استنزاف القدرة الهجومية لقواتنا بإحداث أكبر خسائر فى مدرعاتنا وهو يحتفظ باحتياطياته ليستخدمها بعد إعادة البناء فى ضربات مضادة يطورها ضد رؤوس الكبارى لاستعادة الموقف على القناة، وهو يدفع بعناصر مضادة للدبابات فى اتجاه الجبهة. وقام العدو بقصف جوى ضد تشكيلات برية ومطارات ووسائل الدفاع الجوى وقام بطلعة استطلاع ودمرت له طائرتان للاستطلاع من طراز فانتوم. وفى المقابل قامت قواتنا الجوية بقصف أهداف معادية حتى عمق مائة كيلومتر شرقا وقامت طائراتنا بتقديم المعاونة للتشكيلات المدرعة أثناء التقدم. وقامت قواتنا الجوية بالاعتراض لطائرات العدو وأسقطت له 51 طائرة فى معارك جوية كما قامت قوات الدفاع الجوى بتأمين قواتنا فى رأس الكوبرى حيث أصابت للعدو 92 طائرة منها طائرتا استطلاع». وبالعودة إلى تفاصيل ماجرى فى هذا اليوم المشهود الذى كان أمجد أيام تاريخ القوات الجوية المصرية، باعتراف المعلقين العسكريين العالميين، وباعتراف القادة الإسرائيليين أيضا. نجد أن التشكيلات الجوية المعادية ظهرت بكثافة تضم 08 طائرة اسرائيلية قادمة من الشمال على ارتفاعات منخفضة وموزعة على ثلاث مجموعات وبدأت فى الدخول الى المجال الجوى المصرى من ناحية البحر فى اتجاه رأس البر وبلطيم وجمصة وتم رصدها بواسطة مجموعات المراقبة وإبلاغ اتجاهات هذه المجموعات وخطوط اقترابها. وكان من الواضح أن العدو يهدف بهذا العدد الكبير من الطائرات الى مهاجمة المطارات المصرية فى منطقة الدلتا والتى تنطلق منها أسراب الطائرات التى تهاجم أهدافا معادية على الجبهة وفى العمق، وان يتم ذلك فى وقت واحد بواسطة المقاتلات القاذفة طراز فانتوم وبأسلوب غير متوقع. وكان يأمل فى أن تتفرغ مقاتلاتنا لمحاولة صد الهجوم وتشتبك مع المظلة الاسرائيلية فتفسح المجال بذلك أمام القاذفات الإسرائيلية وبالتالى تتمكن من تحقيق الهدف الخفى للهجوم. وأعد العدو لهذه الخطة تشكيلات جوية أخرى تضم 06 طائرة غير مشاركة فى الهجمة الجوية الكثيفة وتنتظر هذه التشكيلات نجاح الهجمة الجوية الأولي، وانشغال أسرابنا بالمعركة الدائرة مع تلك التشكيلات فتقترب عندما يسنح الوقت وتحين الفرصة للدخول على مجموعتين من شمال شرق وشمال غرب بورسعيد بعيدا عن خطوط الدخول الأولى وبارتفاعات منخفضة لا تزيد عن 0052 مترا وبعضها ينطلق على ارتفاع 005 متر فقط. وكانت بعض طائرات هذه المجموعة المكونة من 06 طائرة تشكل مظلة للحماية يمكنها التدخل ضد المقاتلات الاعتراضية المصرية خلال مراحل القتال الجوى بينما تقوم المقاتلات القاذفة الفانتوم بقصف المطارات وممرات الهبوط للحيلولة دون إمكانية عودة الطائرات المصرية سالمة الى قواعدها، بل وسيكون من الصعب جدا إقلاع طائرات مصرية أخرى من قواعدها أو العودة اليها بعد أن تنجح المجموعة الخفية فى قصف الممرات الجوية وسائر منشآت المطارات المصرية فى منطقة الدلتا، وما حولها. كانت هذه هى خطة العدو التى أعد لها بدهاء مستخدما كل ما تبقى له من قدرة على ابتكار تكتيك جديد. غير أن ذلك كله كان ضمن ما تم تدريسه ومناقشته فى فرق التدريب المتقدم لرجال قواتنا الجوية، ومنهم رجال التوجيه الجوى وغرف العمليات المدربة على إدارة حركة الطائرات من الأرض. لقد كانت هناك طائرات مصرية تحلق فى الجو وتمثل مظلة جوية مستمرة بصورة دائمة ومتجددة لإجهاض أى مفاجأة معادية تأتى عبر خطوط الدخول المتوقعة، فضلا عن وجود تشكيلات أخرى فى درجة الاستعداد القصوى فى مطارات الدلتا. وانطلقت هذه الطائرات لتعزيز المظلة الجوية وتم الدفع بتشكيلات أخرى من قواعد مختلفة لتكون فى المكان المناسب من سماء المعركة فى أقل من دقيقتين. ولم يكن أمام المجموعات الأولى من طائرات العدو سوى التخلص من خزانات الوقود الإضافية والتفرق فى تشكيلات قتالية لتحقيق المناورة والتمكن من التحرك بمرونة فى مواجهة المقاتلات الاعتراضية المصرية. وفى هذه المرحلة تمكنت طائرات الاعتراض المصرية من إسقاط أول طائرة مع بداية الاشتباك وتم الدفع بتشكيل آخر من المقاتلات المصرية ميج 12 للتعامل مع الطائرات المعادية التى بدأت تناور فوق منطقة الهدف المتجهة إليه دون أن تقترب أكثر، تجنبا للمظلة الجوية المصرية المتربصة لها. ونجح الموجهون الأرضيون فى كشف التشكيلات المعادية القادمة من شرق وغرب بورسعيد وتضم 06 طائرة، والتى لم تعد الفرصة سانحة أمامها لتحقيق المفاجأة نظرا لوجود مظلة جوية مصرية فى انتظارها، مع تنظيم كمائن جوية لطائرات العدو تمثل خطرا بالغا على الطائرات المقتربة فى ارتفاعات منخفضة، وهذا ما يطلق عليه رجال الطيران تعبير »ركوب السرب المعادي« مما يجعله فى مرمى نيران وصواريخ طائرات المظلة الجوية. ولعبت غرف العمليات الجوية ورجال التوجيه الأرضى دورا رائعا فى إفساد خطة العدو، كما جاوز المهندسون والفنيون الذين يعملون فى إعادة الملء كل الأرقام المتوقعة. وكان الطيارون المصريون لا يغادرون طائراتهم عند إعادة الملء ليواصلوا المشاركة فى القتال، مما حقق تفوقا كبيرا لطائراتنا، فى حين ساد الاضطراب طيارى العدو نتيجة فشل خطتهم الخبيثة ونتيجة استمرار المعركة لفترات طويلة تستهلك ما لديهم من وقود فى جسم الطائرة بعد أن تخلصوا مبكرا من خزانات الوقود الاضافية عندما فوجؤا بطائرات المظلة الجوية المصرية فى انتظارهم. ومع مرور الثوان كان من المحتم أن تضطرب أعصاب الطيار الإسرائيلى مع كل قطرة وقود يفقدها نتيجة اضطراره الى المناورة هربا من نيران طائرات الميج 12 الاعتراضية وخشية من تدخل تشكيلات جوية أخرى تقلع من المطارات القريبة. ومع ارتباك الطائرات المعادية واضطراب الطيارين الاسرائيليين ومحاولة عدد منهم الخروج من منطقة المعركة والفرار سريعا قبل ان ينفد الوقود لجأ بعضهم الى التخلص من بعض حمولته من القنابل بإسقاطها فى الحقول الخالية. وفى هذه الأثناء انقضت المقاتلات المصرية على طائرات العدو الميراج والفانتوم، ومعها باقى طائرات التشكيلات الجوية التى انطلقت من مطارات أخري. وانحسرت مهارة بعض الطيارين الاسرائيليين فى نجاحهم فى الخروج من المعركة والانسحاب السريع خارج المجال الجوى المصري، بينما كان غيرهم أقل حظا فسقطت به طائرته أو أصيبت وقفز منها بالمظلة الواقية، وأسعده الحظ بأن يكون أسيرا. وانتهت بذلك أطول معركة جوية فى تاريخ الحروب.