جاءت بصحبة زوجها من صعيد مصر؛ إلى قاهرة المعز راجين أن يكون القدر رحيمًا عليهما ويرزقهما عملًا شريفًا يقتاتون منه.. وكغيرهما من البسطاء سكنا غرفة صغيرة بإحدى المناطق العشوائية وراحا يقاتلان للحصول على حقهما في التمتع بعيش حياة كريمة؛ وبعد أعوام من الكفاح رحل الزوج عن الحياة تاركًا «أم سعيد» بمفردها تناضل من أجل تنفيذ وصيته: «أوعي تسيبي ولادنا من غير تعليم». البحث عن الرزق «أم سعيد»؛ هجرت موطنها الأصلي بإحدى قرى المنيا، منذ 48 عامًا وجاءت إلى القاهرة بصحبة زوجها بحثًا عن مصدر للرزق؛ واتخذا من غرفة صغيرة بعزبة خير الله التابعة لحي دار السلام مسكنًا لهما. الزوجان بحثا سويًا عن عمل يوفر لهما متطلبات الحياة وحين خارت قواهما وبلغ اليأس منتهاه، وقفا معًا يبيعان مشروب «التمر هندي» على عربة متواضعة بالطريق الدائري المجاور لعزبة خير الله.
4 أبناء مرت الأيام و«أم سعيد» وزوجها راضيان بالقليل؛ وشعرا أن الأيام ستبتسم لهما حين رزقهما الله بثلاثة أولاد وبنت، ملئوا عليهما الدنيا بهجة وفرحة؛ ولكن القدر أبى أن يتركهما ومعاناة البحث عن لقمة العيش؛ جاءت اللحظة الأصعب في حياة أم سعيد، والتي تصفها بقولها: «جوزي من كتر الشقا المرض هده، ووقع فجأة وبين يوم وليلة بقي في ذمة ربنا، ولقيت نفسي لوحدي ومتعلق في رقبتي مسئولية 4 أبناء وماليش غير ربنا وعربية التمر هندي». «أم سعيد»، لملمت أحزانها سريعًا ونصبت قامتها فوق عربة «التمر هندي» لتكمل مشوار تربية الأبناء الذين رفضت أن يقف واحدًا منهم بجوارها بسبب: «أبوهم كان موصيني إنهم لازم يكملوا تعليمهم وما يتبهدلوش زينا؛ وعشان كده لما كان واحد فيهم بيجي يقولي أساعدك وأقف بدالك على عربية التمر هندي، كنت بشخط فيه وأقوله أنت تركز في مذاكرتك وتعليمك وبس».
شقاء ومسئولية «أم سعيد»؛ مر على وفاة زوجها 10 أعوام ذاقت خلالهم كل أنواع الشقاء وتحملت مسئولية الإنفاق على 4 أبناء ونجحت في أن يتم أكبرهم «مدحت» دراسته الجامعية وتزوج، وكذلك «سعيد» - الذي تكنى به – أتم دراسته الجامعية ويستعد للزواج، و«نادية» خريجة كلية الآداب والتي تزوجت منذ أشهر قليلة؛ ولم يبق سوى «شريف» الذي يدرس بالفرقة الثالثة بكلية الإعلام جامعة حلوان، و«مهدي» صاحب ال 12 عامًا. «أم سعيد»؛ تتلخص كل مطالبها من الحياة في رؤية ابنها الرابع وقد أتم دراسته وحصل على شهادته الجامعية، وأن يتزوج هو وشقيقه وشقيقته ويلتحقوا بعمل لا يكبدهم مر الشقاء والمعاناة كما ذاقت هي: «كل اللي طالباه من ربنا يكرمني في إبني الصغير ويخلص تعليمه ويبقى هو وأخوه وأخته في بيوتهم ومعاهم وظيفتهم اللي تريحهم؛ ولحد ما ده يتحقق هفضل واقفة أبيع التمر عشان أقدر أوفر كل طلباتهم».