يبدأ الشاب المصري مشواره التعليمي بدءًا بالابتدائية مرورًا بالإعدادية والثانوية، أخيرًا الجامعة، آملًا في أن يحصل على وظيفة مرموقة تليق بمؤهله، فدائمًا لا تسير الحياة على وتيرة واحدة. ولكن الحُلم يَختلف من شخص لآخر، وتختلف مُقومات تحقيقه ونجاحه والوصول إليه، فالحُلم يَرقبه أمل يُدعمه ويُشد من أزره، والأمل يحدوه إصرار في استكمال أولى لَبنات الحُلم واشتداد مسعاه في الوصول إلى المرجو والمراد. وأصبح الحديث عن الاعتماد على النفس والإحساس بالذات أضحوكة، أو قصاصات ورق نتناقلها لنسرد بها ماضيًا يَحكي ألمًا، وبعد الوصول إلى مُراده وتحقيق ذاته، يَشعر بأنه قد جَنى ثماره، وفي هذا الصدد التقت «فيتو» بمجموعة من شباب الخريجين بمنطقة العتبة يروون نتاج إصرارهم وجدهم. بطاقة تعارف أصحاب روايتنا هما محمد عباس وابن عمه محمد جمال، كلاهما طالب بالفرقة الثالثة بكلية التجارة بجامعة عين شمس، حيث بدأ "عباس" برفقة جمال رحلة كفاحهما معًا منذ صغرهما، فبعد أن تفتحت أعينهم على الحياة بمُرها وشقائها وهم في سن مُبكرة، الثامنة، وقد توارثا مهنة لم يختاروها، ولم يجدوا بديلًا لمساندة عوائلهم، حيث طغت المسئولية، وفرضت بظلالها عليهما، وأحاطت بهما من جميع الجوانب، وكان سبيلهما في ذلك أن يجدا لقمة عيش تجنبهم هم وذويهم مرار الذل والحاجة، وذلك من خلال مشروع صغير وَفرته لهم الحكومة على هيئة عربة مُتواضعة لبيع بعض مأكولات من اللحوم والمكرونة. لمحَات سريعة وبدأ هذا المشروع الصغير ينمو أكبر فأكبر، ويستمر في تطوره بأفكارهما المُتميزة، وأصبح يَكفُل أسرتين، ولم يتوقف طموحهما عند هذا الحد، وأصبح إصرارهما يغدو أملًا في الوصول إلى واقع أفضل يُلائم أمانيهم، فلم تكن المُشكلة يومًا في عربة صغيرة تحمل كل أمانيهم، ولم تكن في حيز ضيق يواسي أحزانهم، ولكن المُشكلة كانت دومًا ولا تزال في نفوس البشر، فلسنا على السواء، ولسنا أنقياء، يُفسر كل منا ما يُريد وما يتوافق معه حتى يُرضي سريرته التائهة في وحل من الأماني بدون واقع، فنلقي بواقعنا اللافعلي أو بمعنى آخر "غير المُتاح" إلى واقع مستساغ، مُتناسين كيف أن المرء بتحصله على لقمة عيشه حتى ولو كانت بسيطة ولا تناسبه أو غير تقليدية، هي في حد ذاته فخر، حريًا بنا أن نُشجع مثل تلك الأعمال ونعضد مُنفذيها ونُدعمهم ونُعلي من آمالهم وإصرارهم، ونُزيد من طاقاته، فأمة بلا شباب، جسد بلا روح.