يطالب عدد من الدعاة ومشايخ السلفية بضرورة تطبيق الحدود، بحجة أن الحاكمية هي لله وحده، وأن التحاكم للقوانين الوضعية كفر. ويقول هؤلاء إن التحاكم إلي شرع الله جزء من التوحيد، وأمر الله سبحانه وتعالى بالتحاكم إليه وتحكيم شرعه وحرم الحكم بغيره، كما يتضح ذلك في عدد من آيات القرآن الكريم، ومنها ما تضمّنته سورة المائدة التي اشتملت على عدد من الآيات التي تتحدّث عن التشريع والعقيدة والحكم بما أنزل الله: قال تعالي:«إِنَّا أَنزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُواْ لِلَّذِينَ هَادُواْ وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُواْ مِن كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُواْ عَلَيْهِ شُهَدَاء فَلاَ تَخْشَوُاْ النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلاَ تَشْتَرُواْ بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلاً وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ وَكَتَبْنَا عَلَيْهِمْ فِيهَا أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ وَقَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَآتَيْنَاهُ الإِنجِيلَ فِيهِ هُدًى وَنُورٌ وَمُصَدِّقًا لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ التَّوْرَاةِ وَهُدًى وَمَوْعِظَةً لِّلْمُتَّقِينَ وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الإِنجِيلِ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ»المائدة (44-74). عبدالستار فتح الله- من علماء الأزهرالشريف-، قال أن سورة المائدة هي سورة التشريع الإسلامي، ولذلك تبدأ بقوله تعالي «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ مَا يُرِيدُ« فهذه الآية تؤكد أن المشرع هو الله المختص بالتشريع ولا يجوز لأحد من البشر أن يشرِّع، إلا الله سبحانه وتعالي لأنه الخالق، ولذلك لا حكم للناس الذين يقومون بالتشريع في حكم الله، ومن يحتكم في حكم الله فهو كافر بالله. والذي يحكم وهو مشرَّع مثل القضاة، إذا كان لدي القاضي قانوناً وضعه، فإذا حكم القاضي أو المفتي أو العالم بحكم غير حكم الله وهو معتقد بذلك يكون كافراً، والقاضي الذي يحكم بغير شرع الله وأنه غير معتقد يصبح ظالماً، وإذا حكم وهو متمرد وليس بكافر يكون فاسقاً. ولذلك نجد في تفسير ابن العثيمين، أن الله تعالى بيَّن في هذه الآية أن الإنسان الذي لا يحكم بما أنزل الله فإنه يكون كافراً وذلك لأنه أعرض عن كتاب الله، وعما أنزله على رسله إلى حكم طاغوت مخالف لشريعة الله، لكن هذا حسب النصوص مقيد بما إذا كان الحاكم بغير ما أنزل الله يعتقد أن الحكم أفضل من حكم الله عز وجل وأنفع للعباد وأولى بهم، وأن حكم الله غير صالح بأن يحكم به بين العباد فإذا كان على هذا الوجه صار كافراً كفراً مخرجاً عن الملَّة، أما إذا حكم بغير ما حكم الله اتباعاً لهواه أو قصداً للإضرار بالمحكوم عليه أو محاباةً للمحكوم له، ونحو ذلك، فإن كفره يكون كفراً دون الكفر ولا يخرج بذلك من الملَّة لأنه لم يستبدل بحكم الله غيره زهداً في حكم الله ورغبةً عنه واعتقاداً أن غيره أصلح، وإنما فعل هذا لأمرٍ في نفسه إما لمحاباة قريب أو لمضارة عدو أو ما أشبه ذلك. وقال الشيخ محمد صالح المنجد: إن الحكم بغير ما أنزل الله مناف للإيمان والتوحيد الذي هو حقّ الله على عباده، وقد يكون الحكم بغير ما أنزل الله كفرا أكبر وقد يكون كفرا أصغر- بحسب الحال- فيكون كفرا أكبر مخرجا من ملَّة الإسلام في حالات منها: (من شرّع غير ما أنزل الله، تفضيل حكم الطاغوت على حكم الله تعالى، سواء كان التفضيل مطلقا أو مقيدا، أن يجحد أو ينكر أحقيّة حكم الله ورسوله، ومن ساوى بين حكم الله تعالى وحكم الطاغوت، وأن يجوِّز الحكم بما يخالف حكم الله ورسوله أو أن يعتقد أنّ الحكم بما أنزل الله ليس بواجب، أو أنه مخيّر فيه، والإباء والامتناع عن الحكم بما أنزل الله. وبشأن متى يكون الحكم بما أنزل الله لا يُخرج عن الملّة، أشار المنجد إلي أنّ الحاكم أو القاضي يكون حكمه بغير ما أنزل الله كفرا أصغر غير مخرج عن الملّة إذا حكم في واقعة ما بغير ما أنزل الله معصية أو هوى أو شهوة أو محاباة لشخص أو لأجل رشوة، ونحو ذلك، مع اعتقاده بوجوب الحكم بما أنزل الله وأنّ ما فعله إثماً وحراماً ومعصية. أمّا بالنسبة للمحكوم بالقوانين الجاهلية فإن تحاكم إليها عن رضى واختيار فهو كافر كفرا أكبر، مخرجا عن الملّة وأماّ إن لجأ إليها إكراها واضطرارا فلا يكفر لأنه مكره، وكذلك لو لجأ إليها لتحصيل حقّ شرعي لا يحصل عليه إلا بواسطتها مع اعتقاده بأنها من الطاغوت.