«يعيش المثقف على مقهى ريش محفلط مزفلط كتير الكلام عديم الممارسة عدو الزحام وكام اصطلاح يفبرك حلول المشاكل أوام» هذه كلمات للعبقرى أحمد فؤاد نجم يصف بها «زبون» مقهى ريش، الذى نال شهرة واسعة - منذ زمن بعيد- يمتد إلى 401 سنوات، إذ كان يواجه «كراكون» قصر النيل، ويرتاده مراسلو الصحف الكبرى لتغطية أحداث الحرب العالمية الأولى وإرسالها ب«التليغراف» للصحف العالمية التى يراسلونها. ويروى لنا تاريخ المقهى المهندس محمود عباس قائلاً: اسم المقهى مستمد من سلسلة مقاه تحمل ذات الاسم فى باريس وهى تجاور دار الأوبرا الفرنسية، ولها فروع فى تونس والجزائر ومصر، واندثرت جميعاً وظل فرع القاهرة قائماً حتى الآن، ويمتلكه مجدى عبد المالك الذى ورثة عن أبيه. محمود مضيفاً: كان المقهى مكوناً من «بدروم» وطابقين علويين، وقد كان قصراً من أملاك الأمير محمد على توفيق، ثم هدم القصر وتم إنشاء عمارة فى عام 8091 يحتل المقهى أسفل العقار. أسس المقهى رجل الأعمال النمساوى «بيرنارد ستينبرج» فى أكتوبر 4191، ثم باعه لرجل الأعمال الفرنسى «هنرى ريسن» الذى قرر السفر لبلده فباع المقهى لميشيل بوليتس اليونانى فى عام 6191، ثم انتقلت ملكيته ل «ما نولامس» اليونانى عام 6291، وفى عام 2491 امتلكه يونانى ثالث هو «جورج ايفتانوس واسيلي» ثم اشتراه عبد المالك خليل، ويمتلكه الآن ابنه مجدى وهو من صعيد مصر. المهندس محمود عباس اصطحبنى لصورة ضخمة لكوكب الشرق أم كلثوم، وأزاح الصورة فإذا بباب بدروم يفضى إلى جلسة ريفية بسيطة بها بار صغير وعدد من التليفونات العتيقة «سوداء ضخمة بها يد»، ثم باب خلفي، يقول عنه: كان رجال ثورة 9191، يجتمعون بالمقهي ومعهم مطبعة يدوية صغيرة لطباعة بياناتهم، وكان هذا الباب الخلفي مخصصاً لتهريب رجال ثورة 9191 فى حال هجوم البوليس على المقهي، وقد تم اكتشاف هذا الباب بعد زلزال أكتوبر 2991، حينما أصيبت جدران المقهى ببعض التشققات فكان لزاماً ترميم المقهي، وتم اكتشاف وجود منشورات ثورة 9191. فى الطابق العلوى يصدح محمد عبد الوهاب بأجمل أغنياته من خلال جهاز «dvd» ليضفى على المكان عبق الماضى وسحر الفن بالزمن الجميل، ويوجد مكتب مجدى مالك خليل - صاحب المقهى - وبجواره مكتبته التى تضم عدداً من الكتب والصحف القديمة، أما الجدران فمرصعة بصورة عبقرى الرواية نجيب محفوظ وهو بالمقهي، ثم صورة أخرى للشهيد عماد عفت، وصور لعبد المنعم الصاوى ومحمود ذو الفقار وعبد المنعم مدبولى وكثير من المشاهير. ساحة المقهى بها طاولات بسيطة وأنيقة، وحشد من المثقفين والفنانين والأدباء والسياسيين، يدور بينهم النادل بزيه المشابه لخدم محمد على باشا، وعلى الحائط جدارية تضم بورتريهات لأشهر رواد المقهى بشكل متداخل، وعلى الجدار المقابل صورة ضخمة تضم محمد على باشا وأولاده الذين حكموا مصر، أما صورة نجيب محفوظ فقد رصعها بتوقيعه فضلاً عن صورة أخرى لأمل دنقل ونجيب سرور وعز الدين نجيب وإبراهيم منصور ونجيب الريحانى ويحيى الطاهر عبدالله ويوسف شاهين، وقد كانوا جميعاً من رواد مقهى «ريش». وكان المقهى ملتقى الضباط الأحرار قبل قيامهم بثورة يوليو 2591، منهم جمال عبد الناصر وأنور السادات ومحمد نجيب «أول رئيس الجمهورية» إذ كانوا يعدون ويجهزون لسيناريو الثورة. المهندس محمود عباس يضيف: المقهى هو البيت الثانى لكثير من الأدباء والسياسيين، إذ يلتقون به بصفة دورية، منهم سعد هجرس وعمار على حسن وجورج اسحاق وعاصم حنفى ونبيل عبد الفتاح وآخرون، وعن أحداث ثورة يناير يقول: ساندنا شباب الثورة بقوة لأنهم يدافعون عن الحق ويريدون تطهير البلاد من الفساد، وفتحنا المقهى للجرحى وكان يعالجهم طبيب بالمقهي.