تقمص اللواء عمر سليمان مدير جهاز المخابرات المصرية السابق والمرشح المحتمل لرئاسة الجمهورية شخصية الضابط الفاسد خالد صالح في فيلم «تيتو» عندما تحدث عن آلة كشف الكذب التي أطلق عليها مصطلح «الخرارة» التي تستخدمها الأجهزة الأمنية لانتزاع المعلومات من عتاة الإجرام،«سليمان» خرج ليكشف عن «صندوقه الأسود» مؤكدا أنه يمتلك ما لا عين رأت ولا أذن سمعت عن الجميع،تحت يديه «خرارة» يحمل بين جنباته كلمة النهاية لأي إنسان يلقيه حظه السئ في طريق «النائب السابق» للقصر الجمهوري. ومصطلح «الصندوق الأسود «وجد طريقه لعالم السياسة منذ سنوات، يستخدمه الساسة لتهديد أعدائهم ومنافسيهم بوقائع وحكايات لم تجد طريقها للنور،ورغم لونه «البرتقالي» إلا أن اللون الأسود كان يلازمه من البداية لما يحتويه من أسرار خاصة جدا. أما تاريخ اختراع الصندوق الأسود فيرجع إلي عام 1954 حين قام الدكتور «ديفيد وارن» عالم الطيران الاسترالي بالتفكير في نوع من أجهزة التسجيل التي تقوم بتسجيل محادثات طاقم الطائرة، وكذلك قراءات الأجهزة، ويكون ضد الحوادث والتلف ليتم التعرف على حقيقة الأمور والحوادث واستخدام المعلومات المخزنة به لمساعدة فرق التحقيق أثناء البحث و قام «وارن» بطباعة تقرير إلا أنه لم يحظ بالاستقبال المطلوب ووصفته السلطات الاسترالية بأنه عديم الفائدة،وهنا قرر «وارن» عمل نموذج للجهاز المبدئي بمساعدة مدير أعماله «توم كيبل» ومهندس الأجهزة «ت. ميرفيلر» وقاموا بعمل الوحدة، وأسموها «وحدة ذاكرة الطيران لمعامل أبحاث الملاحة الجوية». وفي عام 1958 قام أمين مجلس التسجيل الجوي البريطاني « روبرت هاردينجهام» بزيارة معامل أبحاث الملاحة الجوية بأستراليا، وشاهد مسجل الطيران وتحمس الرجل لإمكانيات الجهاز، ورتب لأن يأخذ «وارن» معه لإنجلترا ليقوم بتقديم هذا الجهاز. وفى عام 1960قام «وارن بمساعدة» من «آلان سير» و«كن فرازر» و«والتر بوسول» بتطوير جهازه المبكر وأصبح النموذج المطور يعمل بدرجة عالية من الدقة وسجل 24 قراءة في الثانية، وقامت الشركة البريطانية (سز دافال وأولاده) بالحصول على حق الإنتاج لمسجل الطيران،حتى قامت شركة «لوكهيد» الأمريكية المصنعة لطائرات «اف 16 المقاتلة» بتطوير الجهاز ليصل إلى درجة اقرب إلى الكمال. يعتقد البعض أن الصندوق الأسود مكون من صندوق واحد والحقيقة أنهما صندوقان متشابهان في المظهر الخارجي ومختلفان في التركيب من الداخل، الصندوق الأول وظيفته حفظ البيانات الرقمية والقيم الفيزيائية مثل سرعة الرياح ودرجة الحرارة والثاني وظيفته تسجيل الأصوات في قمرة القيادة , استنجاد , حوارات ومقاييس الصندوقين يبلغ الطول 20 بوصة والعرض 5 بوصات والارتفاع 7 بوصات ويكون في ذيل الطائرة لزيادة الحماية لهما. ويتم تصنيع الصندوق على شكل مربع مكون من مواد شديدة الصلابة مثل مادة التيتانيوم لحفظ شريحة الذاكرة و لتتحمل صدمات تبلغ قوتها أضعاف قوة الجاذبية الأرضية، كما يتم معالجته لكي يتحمل درجات الحرارة العالية الناتجة عن حرائق الطائرات والتي تصل أحيانا إلى 1000 درجة مئوية ويصمم لتحمل ضغط قوي يعادل ضغط المياه على عمق 20000 قدم تحت البحر. وتغلف الشريحة بمادة تحميها من التآكل وتتحمل تلك المادة مياه البحر شديدة الملوحة لمدة شهر كامل ويبلغ سعره 30 إلى 85 ألف دولار تقريبا. الصندوقان مجهزان لبث إشارات فوق صوتية بذبذبة 37,5 كيلو هرتز للمساعدة على العثور عليهم ويمكن التقاطه في عمق يبلغ 3500 متر وتتضمن الاختبارات التي تجريها شركات الإنتاج إطلاق الصندوق الأسود من مدفع صاروخي تجاه جدار لمحاكاة صدمات سقوط الطائرة وهي تحلق بسرعة تفوق مائة ميل بالساعة. ويقوم «الصندوق» بتسجيل من 30 إلى 120 ساعة وتعمل بطارياته 6 سنوات ويحتفظ بكل ما تعرضت له الطائرة من تغيرات فى منسوب الارتفاع وكفاءة المحركات والعوامل الجوية التي تعرضت لها. مع نجاح التجربة في المجال الجوى انتقلت إلى كل وسائل النقل مثل السفن والقطارات حتى وصلت في السنوات الخمس الأخيرة إلى السيارات ولكن اختلفت إمكانياته حسب نوعيات الحوادث. وإذا كانت تكلفة إنتاج الصندوق الأسود تتجاوز 80 ألف دولار لإنقاذ طائرة .. فماذا سيكلفنا صندوق أسرار الجنرال؟!