فى ظل الاحتقان السياسى الذى تمر به مصر الآن بسبب محاولات تمرير دستور يوصف بأنه «ديكتاتورى»، يعصف بالحريات العامة والخاصة،التقينا الكاتب الكبير صلاح عيسى لإلقاء الضوء على المواد الخاصة بالحريات،لا سيما أنه كان ضمن الوفد الذى كلف من نقابة الصحفيين بمتابعة المواد الخاصة بحرية الصحافة والإعلام مع اللجنة التأسيسية لوضع الدستور . فى البداية يقول صلاح عيسى: إن اول ما يصدمك فى هذا الدستور، هو بابه الاول،الذى ينص على إلغاء المادة المتعلقة بأن المصريين جميعهم متساوون أمام القانون، ولا يجوز التمييز بينهم على اساس اللون، او الجنس، او الدين، هذه المادة تم نسفها تماما من الدستور، برغم وجودها فى كل دساتير العالم، وكذلك كل الدساتير المصرية السابقة، وكانت وجهة نظر السلفيين والاخوان انه لا يجوز المساواة بين المسلم وغير المسلم، كما لا يجوز المساواة بين الرجل والمرأة، وهو الامر الذى يفتح الباب امام المشرع لوضع قوانين تكرس لهذه الحالة من عدم المساواة، مما يؤدى لانقسام بين صفوف المجتمع، وفتنة طائفية لا يعلم أحد مداها، او ما يمكن ان تصل اليه. ويضيف عيسى: إذا انتقلنا الى الباب الثانى من الدستور، والمتعلق بالحقوق والحريات سنجد ان اللجنة كفلت فى كل موادها الحريات لكل مواطن، مما تظن به للوهلة الاولى ان الدستور فعليا اطلق الحريات لكل مواطن، ولكن عندما تتأمل المواد بعمق ستجد حقيقتين : الاولى: هى الذيل الذى تم وضعه فى آخر كل مادة من مواد الحريات، تقول (وفقا لما ينظمه القانون) وهذا الذيل سبق، وان وضعت مثله اللجنة التى وضعت دستور 1923، ولكن بصياغة مختلفة تقول (لحماية النظام الاجتماعى) وهذا الذيل استندت له كل الادارات والحكومات التى عصفت بالصحافة المصرية فى الفترة الملكية حتى ثورة يوليو 1952. الأمر الثانى : خاص بالمادة التى تأخرت الى نهاية الباب، وهى المادة (81) فى الفقرة الاخيرة منها والتى نسفت كل الحريات التى اقرتها المواد السابقة عليها، تقول الفقرة :«تمارس الحقوق الحريات بما لا يتعارض مع المبادئ الواردة فى باب الدولة والمجتمع بهذا الدستور» وهذه الفقرة كانت فى الاصل «بما لا يتعارض مع مبادئ الشريعة الاسلامية» وتم حذف كلمة الشريعة الاسلامية ، و ابقت اللجنة كلمة «المبادئ» فقط لتكون «حمالة اوجه»، اى تحتمل مبادئ الشريعة الاسلامية كما تحتمل مبادئ الدولة، وهذه النقطة تحديدا تفتح الباب امام ديكتاتورية دينية للعصف بكل الحريات الواردة فى الدستور، على الرغم من اننا نبهنا اللجنة الى هذه النقطة اثناء المناقشات بينها وبيننا كوفد لنقابة الصحفيين. وتابع عيسى: المادة التى وضعت فى نهاية الدستور برقم (219) والتى تنص على «مبادئ الشريعة الاسلامية تشتمل على ادلتها الكلية وقواعدها الأصولية والفقهية ومصادرها المعتبرة فى مذاهب أهل السنة والجماعة»، مادة غامضة وغير مفهومة، ناهيك عن خطورة أن تفرض على المشرع التقيد باجتهادات تخطاها الزمن، فالاصول المعتبرة فى الشريعة الاسلامية هى القرآن الكريم والسنة النبوية الصحيحة وما عدا ذلك متروك للاجتهاد بين الفقهاء فى كل عصر وفق مستجدات العصر والظروف التى تمر بهم ، وهذا ما فسرت به المحكمة الدستورية العليا المادة المتعلقة بمبادئ الشريعة الاسلامية فى دستور 1971. مضيفا: خلاصة القول ان هذه المادة (219) مضافة الى المادة (81) تصنع ديكتاتورية دينية فاشية تعصف بكل الحريات والحقوق التى اقرها الدستور. اما عن اغلاق الصحف بأمر قضائى فإنه-بحسب عيسى- يعيدنا للوراء بعد ان كافح الصحفيون لإلغاء كل المواد المتعلقة بتعطيل الصحف ، ومنذ دستور 1923 محظور إغلاق اى صحيفة او تعطيلها فى كل القوانين المصرية، اما ما يتعلق بالإغلاق بحكم قضائى فتم الغاؤه منذ عام 2006 عندما نجح الصحفيون فى إجبار الرئيس المخلوع حسنى مبارك على الغائه واليوم تريد ادارة الرئيس مرسى ولجنته التأسيسية ارجاعنا الى ما قبل عصر مبارك الديكتاتورى. اما ما يتعلق بالصحافة القومية فقد طالبنا-كما يقول عيسى- بإعادة ما حذفته اللجنة من نص المادة الذى اقترحه المجلس الأعلى للصحافة، وهو الذى يقضى بأن يكون استقلال الإعلام القومى عن (جميع السلطات والأحزاب السياسية)، لأن حذفه يفقد هذا الاستقلال تحديده، ويعنى بقاء الصحف القومية تابعة لمجلس الشورى، والإعلام القومى تابعاً لوزارة الإعلام.