حجازي: نتجه بقوة لتوظيف التكنولوجيا في التعليم    وزير الدفاع والإنتاج الحربى يلتقى نظيره بجمهورية الكونغو الديمقراطية    بقدرة 1٫9 ميجاوات| تدشين محطة طاقة شمسية في «سيمنز السخنة»    تكنولوجيا رجال الأعمال تبحث تنمية الصناعة لتحقيق مستهدف الناتج القومي 2030    حديث الناس    حزب الله يشدد على عدم التفاوض إلا بعد وقف العدوان على غزة    بلينكن: نعمل على تحرير الرهائن والسماح بدخول المساعدات إلى غزة بمساعدة مصر    بلينكن: إيران قريبة من تصنيع قنبلة نووية بسبب قرارنا "الأسوأ"    الزناري يواصل برنامجه التأهيلي في الزمالك    المصري يفوز على النصر القاهري بهدفين لهدف وديا استعدادا لمودرن فيوتشر    محلل أداء تونسي يحذر الأهلي من الترجي لهذا السبب    الأمن العام يكشف غموض بيع 23 سيارة و6 مقطورات ب «أوراق مزورة»    تكثيف المراجعات النهائية لطلاب الثانوية العامة بالفيوم.. «إحصاء وإنجليزي»    قرار جديد ضد سائق لاتهامه بالتحرش بطالب في أكتوبر    السيسي لمجلس أمناء مكتبة الإسكندرية: مصر حريصة على وقف نزيف الدم بقطاع غزة    مدير مكتبة الإسكندرية: لقاؤنا مع الرئيس السيسي اهتم بمجريات قضية فلسطين    في عيدها الذهبي| «كتاب ونقاد السينما» تكرم رؤساءها السابقين    كيت بلانشيت ترتدي فستان بألوان علم فلسطين في مهرجان كان.. والجمهور يعلق    أمين الفتوى بدار الإفتاء: سداد الدين مقدم على الأضحية    أستاذ بالأزهر: الحر الشديد من "تنفيس جهنم على الدنيا" (فيديو)    وكيل «صحة الشرقية» يتفقد سير العمل والخدمات الطبية بمستشفى الحسينية    هل وصل متحور كورونا الجديد FLiRT لمصر؟ المصل واللقاح تجيب (فيديو)    شرط مهم حتى تحل له.. طلق زوجته ويريد الزواج من أختها فما رأي الشرع؟    «منقذ دونجا».. الزمالك يقترب من التعاقد مع ياسين البحيري    وزيرة الهجرة: نحرص على تعريف الراغبين في السفر بقوانين الدولة المغادر إليها    عبارات تهنئة عيد الأضحى 2024.. خليك مميز    سامح شكرى لوزيرة خارجية هولندا: نرفض بشكل قاطع سياسات تهجير الفلسطينيين    رئيس الوزراء يتابع موقف منظومة رد الأعباء التصديرية    البنك المركزي يسحب سيولة بقيمة 3.7 تريليون جنيه في 5 عطاءات للسوق المفتوحة (تفاصيل)    جنايات المنصورة تحيل أوراق أب ونجليه للمفتى لقتلهم شخصا بسبب خلافات الجيرة    موقع إلكتروني ولجنة استشارية، البلشي يعلن عدة إجراءات تنظيمية لمؤتمر نقابة الصحفيين (صور)    عاجل| أسوشيتد برس تعلن تعليق إسرائيل خدمات الوكالة في غزة    تأجيل محاكمة 12 متهمًا في قضية رشوة وزارة الري ل25 يونيو المقبل    والدة مبابي تلمح لانتقاله إلى ريال مدريد    «نجم البطولة».. إبراهيم سعيد يسخر من عبدالله السعيد بعد فوز الزمالك بالكونفدرالية    خليفة ميسي يقترب من الدوري السعودي    وزير الري: إيفاد خبراء مصريين في مجال تخطيط وتحسين إدارة المياه إلى زيمبابوي    محافظ أسيوط: مواصلة حملات نظافة وصيانة لكشافات الإنارة بحي شرق    لمواليد برج الثور.. توقعات الأسبوع الأخير من شهر مايو 2024 (تفاصيل)    برلمانية تطالب بوقف تراخيص تشغيل شركات النقل الذكي لحين التزامها بالضوابط    مستوطنون يقتحمون المسجد الأقصى.. والاحتلال يعتقل 14 فلسطينيا من الضفة    محكمة بورسعيد تقضي بالسجن 5 سنوات مع النفاذ على قاتل 3 شباب وسيدة    أمين الفتوى: قائمة المنقولات الزوجية ليست واجبة    جيفرى هينتون: الذكاء الاصطناعى سيزيد ثروة الأغنياء فقط    العثور على جثة طفل في ترعة بقنا    أفضل نظام غذائى للأطفال فى موجة الحر.. أطعمة ممنوعة    «غرفة الإسكندرية» تستقبل وفد سعودي لبحث سبل التعاون المشترك    أفعال لا تليق.. وقف القارئ الشيخ "السلكاوي" لمدة 3 سنوات وتجميد عضويته بالنقابة    وزير الأوقاف: انضمام 12 قارئا لإذاعة القرآن لدعم الأصوات الشابة    الخميس المقبل.. فصل التيار الكهربائي عن عدة مناطق في الغردقة للصيانة    «بيطري المنيا»: تنفيذ 3 قوافل بيطرية مجانية بالقرى الأكثر احتياجًا    يوسف زيدان يرد على أسامة الأزهري.. هل وافق على إجراء المناظرة؟ (تفاصيل)    في اليوم العالمي للشاي.. أهم فوائد المشروب الأشهر    «الشراء الموحد»: الشراكة مع «أكياس الدم اليابانية» تشمل التصدير الحصري للشرق الأوسط    لهذا السبب.. عباس أبو الحسن يتصدر تريند "جوجل" بالسعودية    اليوم.. «خارجية النواب» تناقش موازنة وزارة الهجرة للعام المالي 2024-2025    مندوب مصر بالأمم المتحدة لأعضاء مجلس الأمن: أوقفوا الحرب في غزة    عمر العرجون: أحمد حمدي أفضل لاعب في الزمالك.. وأندية مصرية كبرى فاوضتني    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



حمادة سلطان.. صاروخ النكتة
نشر في فيتو يوم 23 - 04 - 2016

"تن ترارارا تن تن"، قد تكون أشهر جملة موسيقية في مصر والوطن العربي، أبتكرها "حمادة سلطان" لتعقب نكاته السريعة، المرحة، الذكية، التي تنطلق في سيل يكاد لا ينقطع إلا لمشاركة الحاضرين ضحكاتهم، وقهقهاتهم، لتتحول تلك الجملة الموسيقية بعد ذلك إلى جزء أصيل في أي "شو كوميدي"، سواء ببرنامج تليفزيونى أو على خشبة المسرح.
كان محمد عبد الغالي، الشهير باسم حمادة سلطان، ابن محافظة أسوان، كوميديانًا من نوع فريد، أذاقته الحياة منذ الصغر مر صعابها، ليصنع منها في شبابه معسول الكلام، يدخل به الفرح على القلوب، والحكمة إلى الأذهان، والضحكة على الشفاه، ويصبح بعد عشرات السنين "صاروخ الكوميديا" ليس فقط في مصر ولكن في الوطن العربى بأكمله.
"سلطان" أبصر النور عام 1941، في حى شبرا بالقاهرة، بعد أن هاجر والده من "إدفو" شابا إبان الحرب العالمية الأولى، ولكن لم تمهله الحياة كثيرا، فقد باغت الموت والده، ووجد "سلطان" نفسه وجها لوجه أمام الشقاء، فما كان منه إلا أن تقبل وتحمل مسئولية أشقائه الأصغر، وإعانة والدته على متطلبات المعيشة دون غضاضة.
الغناء في عصر العمالقة
بدأ "سلطان" حياته العملية في الطفولة بالطرب، حيث التحق بمسرح "الهواة" بفضل الإعلامي أمين بسيونى دون أن يخضع لاختبارات أداء، وبعمر ال16 ربيعا، قدم أغنية دراويش القاهرة، التي حققت نجاحا كبيرا، وحاز على جائزة الشباب وقتها، فكانت بمثابة انطلاقة في طريق شهرته، ولكن مسيرة "سلطان" كمطرب لم تدم طويلا في ظل وجود عمالقة على الساحة الغنائية في مصر آنذاك مثل: عبد الحليم حافظ، فريد الأطرش، نجاة، ومحرم فؤاد.
انحسار الحكاية المطولة
في الوقت الذي كان للمونولوج وهجة البراق في الأفلام والعروض المسرحية، على يد نجوم مثل: شكوكو، ثريا حلمي، إسماعيل ياسين، وغيرهم، بدأت النكتة تزاحم لخلق مكان لها في قلوب المشاهدين، ويعتبر "سلطان" أحد أهم هؤلاء الذي أخذوا على عاتقهم وضع النكتة في جملة مفيدة على الساحة الفنية.. ونجح.
تعد الفترة ما بين عامى 1967 إلى عام 1973، العصر الذهبى لحمادة سلطان، الذي جنى فيه ثمار جهوده في تعريف المشاهدين على النكتة القصيرة كفن قائم بحد ذاته، وسحب –في سنوات قليلة- البساط من تحت أرجل الحدوتة المطولة أو ما يعرف بالمونولوج على الطريقة القديمة، حيث وجد المشاهدون ضالتهم في النكتة التي أصبحت تتناسب بشكل أكبر مع وتيرة الحياة الآخذة في الإسراع حينها.
تفتحت أبوب الشهرة على مصراعيها، أمام ابن أسوان وأطلق عليه صديقه الفنان سلطان الجزار -مقدم برنامج ساعة لقلبك الذي كان يبث على الإذاعة المصرية آنذاك- اسم فنى "حمادة سلطان"، ليكتب لهذا الاسم أن يسطر في صفحات كتاب تاريخ أهم كوميديانات مصر.
تزايد إقبال المشاهدين على عروض "حمادة سلطان" في عصر ما قبل الإنترنت والقنوات الفضائية، ما جعله ضيفا دائما على خشبة المسرح في حفلات أضواء المدينة، مع محمد الكحلاوي، فايزة أحمد، وعبد الغنى السيد، وغيرهم من النجوم.
فن نظيف
لم يكن انتزاع الضحكات من فوق الشفاه هو الهدف الأوحد لحمادة سلطان من نكاته وقفشاته، بل كان فنانا دائم البحث وراء هدف اسمي، متمثلا في استخدام النكتة والمنولوج لتقويم سلوك في المجتمع، أو انتقاد أوضاع ملتبسة، أو تلخيص درس من دروس الحياة، وذلك في إطار من الاحترام والرقى فمن بين آلاف النكات التي أطلقها "سلطان" لم يلجأ في أي من مراحل مشواره الفنى إلى استخدام ألفاظ خارجة أو خادشة للحياء أو قدرا من الإيحاءات غير الأخلاقية مثل: «آبلة فاهيتا وباسم يوسف وأحمد أدم ومحمد سعد»، ليحتفظ بحب ويحظى بمتابعة ملايين من الأطفال.
"فن الحياة"
"الحياة فن.. والمونولوج فن الحياة"، هكذا عبر "سلطان" خلال استضافته في أحد البرامج الحوارية عن مفهومه الفلسفى حول الحياة، الفن، والمونولوج، رابطا أسباب بقاء واستمرارية الأعمال الفنية بمبدأ الصدق والإخلاص، وما دون ذلك يندثر ويتحلل مع الأيام وينسى الناس أصحابه، غير مأسوف عليهم.
دافع "سلطان" عن قدر وقيمة المونولوج في إصلاح البشر وإرشاد الناس، مؤكدا أنه أحد أنواع الغناء ولكن تعنى موضوعاته بشكل أساسى بقضايا المجتمع دون التقيد بشرطية إضحاكة للناس، فيقول "سلطان" في أحد منولوجاته:"راعى ضميرك وأبعد شيطانك، إن كنت يعنى بأدين طويلة، حصن حياتك بالاستقامة، لا تروح كرامتك بين يوم وليلة".
شغلت قضية الوطن، مساحة وافرة في فن المونولوج لدى "سلطان" وظلت مصر حاضرة في فنه سواء خلال أعوام النكسة الحالكة أو بعد انتصارات أكتوبر 1973، فيقول في أحد مونولوجاته الشهيرة والمحببة إلى الجمهور:" من يوم ما وعيت على الدنيا، وأنا أسمع إن الدينا لها أم واسمها مصر... مخلصة في الود أصيلة، إن تقلت بيها الشيلة، تصبر وتشيل ماهى مصر... جوها بالحب معطر ميه نيلها ولا السكر، وجمال الدنيا في مصر".
النكتة.. مرآة الشارع
"مرة قنبلة وقعت على قهوة عملت بن"، إحدى أشهر نكات سلطان، وتناقلتها الأجيال المتعاقبة لعقود، والمتأمل في تكوينها يدرك أن سبب بقائها كأمن بين كلماتها القليلة، فهى تتمتع ب"القفشة المصرية، القصيرة، الذكية، القريبة والعاكسة لحياه الناس العادية".
امتاز "سلطان" بسرعة إلقاء النكات، حيث أجرت إحدى الصحف الأجنبية أبحاثا أثبتت قدرته على إلقاء نحو 700 نكتة خلال فترة لا تتعدى ال20 دقيقة، ما يعكس تمتعه بمهارات عقلية عظيمة وذكاء حاد، ليس فقط يمكنه من حفظ آلاف النكت وإطلاقها، بل وأيضا تأليفها وأرتجالها، كل ذلك كان مغلفا بخفة ظل وحضور براق على المسرح.
يقول "سلطان" في أحد تصريحاته الصحفية أن النكتة ما هي إلا إنعكاس الواقع وفلتات الشارع.. وإنها سلاح ذو حدين من الممكن استخدامه لنشر إشاعة أو لنشر فضيلة، ويصر على أن فن النكتة خلق ليوظف في إرشاد الناس، مؤكدا أن العديد من النكات التي قام بتأليفها وليدة المواقف الحياتية التي يمر بها سواء في الشارع أو في إطار أسرته وعائلته، ومنهم: "واحد بلديتنا سافر باريس بيعاكس واحدة هناك قالتله سوفايج.. قالها لا سوهاج"، و"واحد بلديتنا لقا سمك بكالاه متعلق في محل، سال البياع بيتعمل ازاى الراجل كتبله الوصفة في ورقة، اشترى السمك ومشى قام كلب خطف منه السمكة..قاله الورقة معايا مش هتعرف تعملها".
قبل ثورة 25 يناير بسنوات قليلة، شارك "سلطان" المواطنين شكواهم من تفشى الفساد فكان لسانهم لسرد ماتعانى منه البلاد من إنحدار أخلاقى وسلوكي، كنتيجة حتمية لفساد النظام الحاكم وضيق المعايش على المواطنين، وأطلق العديد من النكات الجريئة التي رسمت ملامح ذلك العصر، فيقول: "واحد اخترع جهاز للكشف عن اللصوص والبلطجية، راحوا بيه الصين، فاكتشفوا 500 مليون حرامي، وفى الهند اكتشفوا بيه مليون بلطجي، وفى أمريكا لقوا 100 مليون حرامي، ولما جم بيه مصر، الجهاز اتسرق!"، "واحد بيغنى أدام لجنة فبيقول واحد حرامى.. اتنين حرامية تلاثة حرامة قالوا له طيب لو عايزين نقول 10 حرامية قالهم نقول "بلادى بلادى بلادي"، و"واحد مصرى وواحد بريطانى بيتخانقوا مين عندهم ديمقراطية أكتر في بلدهم، فالبريطانى بيقول للمصرى أنا ممكن أقف في ميدان بيكاديلى وأقول يسقط براون، رد المصرى أيه يعنى مأنا ممكن أقف في ميدان العتبة وأقول يسقط براون برضه".
الفقر والموت يغيبان "سلطان"
تبدلت الظروف والأحوال بحمادة سلطان، وعادت الحياة لسيرتها الأولى معه، بعد أن سلم الراية لنجله الفنان "أحمد شو"، فخفت نجمه، وتوارى عن الأنظار، ونفد ماجمعه من مال خلال مسيرته الفنية الطويلة.
تعرض "سلطان" لحادث سير أدى إلى كسر شديد في قدمه اليمني، وتسبب في إصابته بنقص حاد في الصفائح الدموية بجسده، ولم يستطع سلطان وعائلته تدبير نفقات العلاج، فغيبه الموت أواخر شهر مارس من عام 2015، لتزيل بذلك الفاقة والحاجة ابتسامة من أضحك ملايين من البشر لعشرات السنين، وتضع نهاية مأساوية لصاروخ الكوميديا والنكتة حمادة سلطان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.