يعرض الدكتور محمود رمضان خبير الآثار والعمارة الإسلامية، ومدير مركز الخليج للبحوث والدراسات التاريخية، موضوعًا مهمًا بصفحته «الصالون الثقافي» عن (متحف الخزف الإسلامي بالقاهرة) بقلم الدكتور أحمد الصاوي أستاذ الآثار والفنون الإسلامية، في إطار دعوة العالمين الجليلين لنشر الوعي بأهمية التراث الإنساني العالمي والحفاظ عليه. يقول الدكتور الصاوي: بقلب القاهرة وبالتحديد في جزيرة الزمالك الشهيرة، يقع أول وأشهر متحف في العالم يختص بعرض مقتنيات من الخزف الإسلامي حيث يشاهد زواره 315 قطعة من منتجات الخزف الإسلامي. ويشغل المتحف القصر المنيف الذي شيده الأمير "عمرو إبراهيم" أحد أفراد أسرة محمد علي في عام 1943م، وهو قصر شيد على طراز العمارة الإسلامية، ويتم عرض المقتنيات بالطابقين الأرضي والأول من القصر على مساحة 42م2، وقد أتت المعروضات من مصدرين رئيسيين، أولهما متحف الجزيرة (150 قطعة)، وثانيهما متحف الفن الإسلامي بالقاهرة (159 قطعة). وتعود فكرة المتحف إلى منتصف التسعينيات من القرن الماضي بعدما أعيدت مقتنيات متحف محمد محمود من اللوحات الفنية والتي كانت تعرض بالقصر لتعرض بمقرها الأصلي بالجيزة، ومن ثم تم استغلال قصر عمرو إبراهيم لعرض هذه المجموعة المنتقاة من القدور والأطباق والصحون والمزهريات والمشكاوات والفناجين والأكواب والسلطانيات والبلاطات. وتتوزع مقتنيات المتحف تبعًا لطرزها وعصور إنتاجها لتشمل مصر وتركيا بصفة رئيسية، فهناك 116 قطعة من إنتاج مصر في عصورها المختلفة من العصرين الأموي والعباسي، مرورًا بالعصرين الفاطمي والأيوبي، وانتهاء بالعصر المملوكي، ثم 118 قطعة من إنتاج تركيا وخاصة من مدينتي أزنيك وكوتاهية، فضلاً عن 25 قطعة من إنتاج مدينة الرقة بشمال سوريا و49 قطعة من إنتاج مدن إيران المختلفة، وقطعتان من كل من الأندلس وتونس والعراق، وقطعة واحدة من إنتاج المغرب. وقد تمت مراعاة الطرز بدقة في فلسفة العرض المتحفي، حيث أفردت قاعات الطابق الأرضي للخزف المصري، وهناك قاعة للخزف الفاطمي وقاعة للخزف من العصور الأموية والأيوبية والمملوكية، ثم خصصت القاعة الأخيرة من قاعات الدور الأرضي للخزف التركي. أما الطابق الأول فيضم مجموعة من الفاترينات بها الخزف الإيراني، كما خصص حيز مناسب لعرض خزف الرقة من سوريا وباقي الطرز الأخرى. والحقيقة أن جزءًا رئيسيًا من جماليات العرض المتحفي بمتحف الخزف الإسلامي بالزمالك إنما يعتمد على الطراز المعماري والزخرفي لقصر الأمير "عمرو إبراهيم"، والذي يتميز بالمزاوجة بين عدة طرز إسلامية سواء في تغشية الأرضيات وكسوة الجدران والأسقف أوتزيين النوافذ والأبواب. ففي القاعة التي خصصت للخزف الفاطمي نشاهد تصميم القاعة مستطيلة الأبعاد والتي تنتهي بحنية نصف دائرية بصدرها ثلاث نوافذ، الوسطى منها هي الأكبر، وجميعها مغشى بالجص المفرغ بزخارف التوريق العربية (الأرابيسك)، وعلى جانبي النوافذ جلسات من الخشب المبطن بالقطيفة، وهي من أثاث القصر. وبوسط القاعة تم الاحتفاظ بقطعة أثاث أخرى عبارة عن منضدة مستطيلة من الخشب المطعم بالصدف عليها كتابات بالغة التركية، وجدران القاعة تكسوها بلاطات من الخزف التركي حتى ارتفاع 1.5م التي تزدان بزخارف نباتية باللونين الأزرق والأبيض إلى جانب لمسات باللون الأحمر، بينما بقية الجدران مكسوة بالجص المزخرف، وكذلك السقف الذي يزخرف بأشكال الطبق النجمي. وتتخلل الكسوة الجصية كتابات عربية نرى في بعضها اسم «عمرو إبراهيم» صاحب القصر، فضلاً عن عبارة "لا غالب إلا الله" المسجلة فوق مدفأة القاعة الخزفية، وهي شعار بني نصر آخر ملوك غرناطة قبل سقوط الأندلس في أيدي ملوك الإسبان. وتتوسط القاعة منضدة من الرخام، وهي من أثاث القصر، وهذه القاعة كانت معدة لتناول الطعام، ويتوسط المنضدة مجرى للمياه «لجعل الطعام ساخنًا بتسخين هذه المياه»، وقد استغلت لعرض بعض المقتنيات، إذ يوجد عليها 19 قطعة من الخزف «16 طبقًا وثلاثة قدور» مختلفة الأحجام والأشكال والزخارف، وكلها ينتمي إلى العصر الفاطمي. وإجمالاً فإن فلسفة العرض المتحفي تقوم في جانب منها على الاستفادة من المحيط البنائي والزخرفي بقصر الأمير عمرو إبراهيم والذي يتميز بروح إسلامية خالصة. أما أهم مقتنيات المتحف من الخزف الإسلامي فنجدها ممثلة في مجموعة رائعة من خزف البريق المعدني الفاطمي التي يندر توافرها مجتمعة تحت سقف واحد. ومن تلك المقتنيات طبق يبلغ قطره نحو 35 سم وبوسطه رسم لثور بالبريق المعدني الذهبي وتخرج من فمه زخرفة نباتية تدور مع حافة الطبق قوامها فرع نباتي به وريقات نباتية ذات ثلاث أو خمس بتلات، وقد رسم الثور بطريقة مفعمة بالحيوية والتعبير الواضح عن القوة والحركة، ويعود هذا الطبق للقرن الخامس الهجري (11م). وهناك أيضًا طبق من نفس الفترة ملون بالبريق المعدني، بينما حجزت زخارفه باللون الأبيض للأرضية، وقوامها أشكال مراوح نخيلية كاملة بوسط الطبق وأنصاف مراوح على حافات الطبق. ومن القدور المعروضة على منضدة الطعام قدر من خزف البريق المعدني لا يتجاوز ارتفاعه 24سم، وهو يزدان بزخارف هندسية ورسوم طيور أيضًا. ومن الخزف الإيراني يعرض المتحف "قمقم" من خزف البريق المعدني به رسوم أشخاص على أرضية من الزخارف النباتية، وقد استخدم اللون الأزرق الفيروزي في تزيين هذا القمقم الذي يؤرخ بالقرن الثامن الهجري (14م). وتضم قاعة الخزف التركي عددًا من الدوارق المنتجة بمدينة أزنيك في القرنين العاشر والحادي عشر للهجرة (16-17م)، وهي تزدان بزخارف منفذة تحت الطلاء الزجاجي تشمل رسوم زهور وورد مختلفة، فضلاً عن مشكاوات خزفية ذات كتابات عربية بخط النسخ ومجموعة متنوعة من البلاطات الخزفية التركية. وهناك أيضًا مجموعة من أواني الخزف والفناجين التي اشتهرت مدينة كوتاهية التركية بإنتاجها. وبالمتحف بعض من الأطباق التي أنتجت في إسبانيا عقب سقوط غرناطة، وفقًا لتقاليد إنتاج خزف البريق المعدني الأندلسي، وأيضًا عدد من قطع الخزف المملوكي المرسوم تحت الطلاء والفخار المملوكي المطلي.