يقال إن الدول تُقرأ من مطاراتها وموانئها، إذا أردت أن تتعرف على الحالة الديمقراطية والنفسية لبلدٍ ما ومدى احترامه وتطبيقه القانون، فقط انظر لإجراءات دخولك وخروجك من مطاراته، ربما تكون حالة الترقب والحذر التي يشهدها مطار القاهرة الدولى في هذه الآونة، واكتظاظ قوائم الممنوعين من السفر، وامتلاء شاشات ترقب الوصول بأسماء ظنت أنها آخر من يدرج، والمصير المجهول الذي ينتظره البعض، وحالة التعتيم حول أسباب المنع، مرآة معبرة عن مناخ عام متأزم، وإرث ثقيل تركته الأنظمة البائدة، وبات عبئا على حكومات ما بعد ثورة يناير، التي تحاول أن تخطو خطوات بائسة نحو الإصلاح القائم على احترام الدستور والقانون، يدعم الحقوق والحريات، ويعلو قيمة الإنسان. «ممنوع من السفر.. ممنوع من الغنا.. ممنوع من الكلام.. ممنوع من الاشتياق.. ممنوع من الاستياء.. ممنوع من الابتسام وكل يوم في حبّك تزيد الممنوعات».. لعل أبيات القصيدة التي نظمها الشاعر الراحل أحمد فؤاد نجم، تعتبر الأكثر تعبيرًا عن حالة الارتباك التي تعيشها البلاد، تلك الحالة التي يمكن القول إن قرارات المنع من السفر، دون إبداء أسباب قانونية تبرره، واحدة من العلامات التي تؤكد إصابة الجسد الإدارى المصرى بها، قرارات من النظرة الأولى لها، يتضح أنها استهدفت وتحديدا في الآونة الأخيرة فئة معينة من النشطاء الحقوقيين والسياسيين دون سند قانوني. المدقق والمتابع لتاريخ قرارات المنع من السفر يجدها ليست بجديدة -وإن كانت أخف وطأة- فطُبق هذا الإجراء سلفًا بحق الكثير من رجال الأعمال وعدد من المسئولين إبان حكم الرئيس الأسبق محمد حسنى مبارك، وفقًا لأمر قضائى ولأسباب معلنة وصائغة، تتعلق بتورطهم في قضايا فساد ورشوة، لم تكن تستهدف يومًا معارضًا أو صاحب رأي، ولكن عقب قيام ثورة يناير ومع حالة الانفلات الأمني، وتضارب المعلومات، تعسفت الأجهزة الأمنية في استخدام إجراءات المنع من السفر، وتحديدًا عقب 30 يونيو الموجة الثانية من ثورة يناير. ويمكن القول هنا أن 2015 عام الذورة في استخدام عقوبة المنع من السفر التي نالت من حقوقيين ونشطاء السياسيين، بل رجال دين. يعتقد الممنوعون أنها رد فعل انتقامى من أجهزة الدولة، على آراء ومواقف معارضة تبناها هؤلاء ضد نظام الحكم، وهناك من يشير إلى أنها من الممكن أن تكون نوعا جديدًا من ترهيب قوى المعارضة، وبخاصة أن قرار المنع جاء دون أن يتورط أحد في أي قضايا جنائية يمكن من خلالها جهات التحقيق أن تصدر قرارًا بمنعهم من السفر. حدة الاحتقان زادت مع بداية عام 2016م وتحديدًا مع الحديث عن إعادة فتح ملف قضية التمويل الأجنبي، القضية رقم 173 لعام 2011م التي اتهم فيها عدد من منظمات المجتمع المدنى الأجنبية وتم ترحيلها إلى بلادهم على متن طائرة خاصة، ليكتشف النشطاء الممنوعون بإدراج أسمائهم ضمن المتورطين في القضية بعد أشهر طرقوا فيها كل الأبواب والقنوات القانونية لمعرفة أسباب هذا القرار، ولأن المشهد يحمل في طياته الكثير من الألغاز وعلامات الاستقهام قررت «فيتو» أن تحاول فك شفرات هذا اللغز، من خلال المتضررين أنفسهم، علنًا يمكننا وضع تصور منطقى لهذا المشهد الضبابي.