سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.
قرى ترفع شعار: «مفيش حكومة.. إحنا الحكومة».. 24 عزبة صاحبة تاريخ طويل في حوادث القتل.. انتشار المخدرات والسلاح في جزر البدارى وبنى فيز والواسطى.. وتزايد معدلات جرائم الثأر في القوصية
ربما يكون الواقع أكثر حدة وعنفًا مما تصوره السينما المصرية وتنتجه في أفلامها ومسلسلاتها عن الصعيد والثأر والسلاح وتجارة المخدرات فأقرب مشهد لحال العديد من قرى صعيد مصر هو ما كتبه الروائى العالمى والصحفى الكولومبى جابرييل ماركيز في روايته «مائة عام من العزلة» والتي منح عنها جائزة نوبل وبيع منها أكثر من عشرة ملايين نسخة وترجمت إلى لغات عدة. وكان من أبرز مشاهد الرواية أن رائحة البارود ظلت تنبعث من قبر القتيل بالرغم من وضع كميات من الأسمنت عليه ولم تنته إلا عند بدء شركات الموز الأمريكية في استغلال تلك الأراضى وزراعتها. تعكس الرواية تحول المجتمعات إلى المدنية، ولكن الوضع ما زال مختلفًا قليلًا في الصعيد فبالرغم من ارتفاع نسبة التعليم في محافظاته إلا أن تلك المشكلات ومنها مثلث الموت « السلاح والمخدرات والثأر « لم تنته ورغم تحول المجتمع إلى المدنية فما زالت الأعراف القبلية وعادات الثأر صاحبة الكلمة العليا. لا تكاد تخلو عائلة من عائلات الصعيد من قصص وحكايات عن الثأر والسلاح رغم المحاولات الكثيرة للقضاء عليها والجهود الأمنية المكثفة لبسط حالة الأمن والاستقرار في كل مناطق صعيد مصر وجهود اللواء عبد الباسط دنقل مدير أمن أسيوط منذ توليه المنصب لاعادة الأمن والأمان بكل أنحاء المحافظة إلا أن تلك العادة ستظل موجودة إلى أبد الدهر لكونها ترسخت بالعقلية الصعيدية بل وصلت إلى أنها وصمة عار على جبين من لم يأخذ بثأره ولا يأخذ عزاء فقيده حتى الثأر له لتقام الأفراح بعدها. النخيلة كان فيلم الجزيرة للممثل أحمد السقا ومسلسل حدائق الشيطان للممثل السورى جمال سليمان من أكثر الأفلام والمسلسلات الدرامية التي رصدت الواقع الذي ظهر عليه صعيد مصر قبل ثورة 30 يونيو، فالاثنان رصدا ما حدث بجزيرة النخيلة بمركز «أبو تيج» بأسيوط واستقطب عزت حنفى «تاجر السلاح والمخدرات» الهاربين من احكام في شتى محافظات صعيد مصر واستولى على ما يقرب من 300 فدان بالجزيرة وزرعوها بالمخدرات ليصبح قوة تهدد الجميع. ووصل الأمر إلى إطلاق الأعيرة النارية تجاه أحد قطارات الصعيد لإيقافه وحاصرت قوات كثيفة من الشرطة المصرية وتشكيلات أمنية وأكثر من 50 عربة مدرعة و60 زورقا نهريًا وما يزيد على 3 آلاف ضابط وجندى من القوات الخاصة والطائرات الحربية، الجزيرة لما يقرب من أسبوع نظرًا لأن الجزيرة كان اقتحامها أمر في غاية الصعوبة. وتحيط بالجزيرة الأبراج التي ترتفع إلى أكثر من خمسة طوابق والدشم الحصينة التي لا تستطيع طلقات الرصاص اختراقها ووجود عدة خنادق لمواجهة أي قوات، ولم تكتف جزيرة النخيلة بتلك التحصينات بل امتدت تحصيناتها إلى امتلاك تلك العصابة كمية كبيرة من الأسلحة والذخائر بكل أنواعها بالإضافة إلى المدافع الجرينوف والتي تصل قذائفها إلى مدى يقترب من 8 كيلو مترات، وكان الممول الرئيسى لهم هو أبو وردة، أحد أشهر تجار السلاح. وزادت العصابة من تحصيناتها بنصب اسطوانات البوتاجاز على جذوع أشجار النخيل لتفجيرها إذا اقتحمت قوات الأمن الجزيرة ووضعوا الأسلاك الشائكة والعوائق الصناعية بنهر النيل لمنع الزوارق النهرية من الوصول إليهم ومهاجمتهم، مما زاد من صعوبة اقتحام الجزيرة، ويمتد الحصار لما يقرب من أسبوع لتشكل أكبر حرب بين الشرطة ورجال المخدرات في أسيوط خلال العقد الأخير. وساعدت الطبيعة الجبلية والأراضى الزراعية والبعد عن العاصمة وتوارث الكثير من العادات خاصة عادات الثأر، أن تكون النخيلة مركز قوة إستراتيجية. يعد مثلث الدم والمخدرات والسلاح، مصدر قوة بل وتفاخر لكثير من عائلات وشباب الصعيد كون عائلاتهم هي الأقوى وصاحبة السيطرة. تنتشر تلك القرى والجزر في صعيد مصر خاصة مع الطبيعة الجبلية الصعبة والمُناخ ذى درجة الحراراه المرتفعة التي تربى عليها أهالي الصعيد مما شكل لديهم قوة تحمل اشتهروا بها. ويرى علماء النفس أن البيئة القاسية تنتج أناسا ذوى قوة تحمل عالية، وربط بعضهم بين المُناخ والطبيعة الجبلية وقوة التحمل مدللين على ذلك بأن أهالي المدن الساحلية يميلون إلى الهدوء والراحة والبعد عن «الدم والسلاح». جزر البداري تعتبر جزر البدارى «جنوب شرق محافظة أسيوط» وجزيرة بنى فيز، بمركز صدفا والواسطى بمركز الفتح وقرية الشامية بمركز ساحل سليم والقصير والتي تضم ما يزيد على 24 عزبة هي أشهر المناطق التي يوجد بها مثلث الموت «الدم والمخدرات والسلاح»، ويعيش أهالي تلك المناطق منذ ولادتهم في بيئة تحبذ حمل السلاح وأخذ الثأر الذي تتوارثه الأجيال بتلك المناطق، وينتشر بها تجارة المخدرات والتي تتم زراعتها بعيدًا عن أعين رجال الشرطة وبيعها للحصول على السلاح للتسلح ضد العائلات الاخرى والتي غالبًا ما تربطها معها حوادث ثأرية. يمتد التاريخ الدموى الحافل لتلك المناطق بسقوط الكثير من رجالها قتلى سواء خلال اشتباكات مسلحة بين عائلاتها أو خلال مطاردات أمنية مع رجال الشرطة أثناء تنفيذها أعمالًا خارجة على القانون من ترويج المخدرات وبيعها أو تنفيذ صفقات أسلحة. عندما تشتبك العائلات مع بعضها البعض تنتظر الشرطة انتهاء تلك الاشتباكات في احيان كثيرة حتى تتدخل لكن بعد فوات الأوان وفرار كل طرف إلى مخبئه، فتاريخ تلك الجزر وما تمارسه من أعمال إجرامية يمتد منذ إنشاء السد العالى، أما القرى الجبلية فتاريخها يمتد لعشرات السنوات منذ ظهور السلاح وانتشار تجارة المخدرات ودخولها إلى مصر وصارت تلك المناطق أكبر مصدر لتلك السموم وأكبر مستورد للأسلحة في مصر. اعتادت القرى والجزر على استبدال المخدرات التي تتم زراعتها بعيدًا عن أعين رجال الشرطة بتلك الجزر والقرى بالسلاح والذخيرة أو بيعها لشراء ما يحتاجونه من أسلحة متطورة. القوصية نتجه شمالًا إلى مركز القوصية وعزب القصير ال 24 والتي تقع بين الممرات الجبلية وترعة الإبراهيمية في شرق وغرب نهر النيل، وهذه العزب صاحبة تاريخ طويل في حوادث الثأر بذلك المركز. وتمتد الخلافات الثأرية بين عائلات تلك العزب إلى ما يقرب من نصف قرن من الزمان فلم تهدأ أو تنته رغم المحاولات العديدة لعقد المصالحات بين عائلات تلك العزب المتنازعة، والتي تدور فيها اشتباكات مسلحة بين كبار عائلاتها تستمر لعدة أيام بين ما يقرب من 20 عائلة، وأشهر تلك العائلات المصادفة والعكارمة والدوايدة والمساعدة وبيت عبد الوارث وبيت علم الدين وغيرهم من عائلات لم يهدأ نهر الدم فيها عن الجريان بعد خاصة مع توافر كميات من السلاح والذخيرة مما يزيد الأوضاع خطورة ومأساة بتلك العزب. ونظرًا لطبيعة تلك العزب الجبلية وتضاريسها المختلفة واقترابها من حضن الجبل الشرقى وكونها محاطة بنهر النيل في كثير منها وتحصيناتها القوية جعلت منها معقلًا لكثير من البلطجية بعد أن أصبح اقتحامها وتمشيطها أمرا ليس باليسير، فاقتحام تلك العزب يحتاج إلى قوات تأمينية ضخمة وتأمين جوى بالطائرات وأن يتم في سرية تامة لعدم إخبار أي أحد من المقيمين بها وفى ساعات متأخرة من الليل. أي محاولة خلاف ذلك ستكون نتيجتها سلبية، كما أن العديد من عائلات تلك العزب يمتلك ترسانة من الأسلحة تكفيها لتبادل إطلاق النار المستمر لعدة أيام بل لأشهر، كما أن المناوشات بين العائلات ينجم عنها توقف الحياة، فلا محاصيل تحصد ولا زرع يزرع، وتجف الأراضى وتتحول إلى بوار، والأهالي لا يستطيعون الخروج وقد يستمر هذا الحال لأشهر نتيجة تلك العادة الآثمة، فتتم زراعة الأراضى بالنباتات المخدرة وبيعها لشراء السلاح والذي يتم تهريبه عبر الممرات الجبلية من الأراضى الليبية عبر صحراء مصر الغربية ومنها إلى تلك العزب. في الأول من أبريل من العام الجارى تمكنت قوات أمن أسيوط من خلال حملة أمنية شنتها على قرية دير القصير «شرق النيل» التابعة لمركز القوصية في أسيوط من ضبط 60 فدانا مزروعة بالبانجو و16 قطعة سلاح ناري و536 طلقة و5 ورش تصنيع أسلحة و25 متهما هاربا محكوما عليهم في قضايا سلاح ومخدرات بقرية القصير بمركز القوصية. أثناء مباشرة الحملة لمهامها وإحكام حصارها على المنطقة أطلق 4 عاطلين هاربين فور رؤيتهم القوات وابلا كثيفا من الأعيرة النارية صوب القوات حال محاولتهم الهرب من الحصار المحكم الذي فرضته القوات مستقلين جرارا زراعيا محملا عليه عددا من الأجولة تحوى كميات من البانجو المخدر تزن نحو 2.5 طن، مما دعاها إلى مبادلتهم إياها، وأسفر ذلك عن مقتل مسجلين خطر إثر إصابتهما بطلقات نارية. كان اللواء عبد العظيم نصر، مدير أمن أسيوط السابق، تلقى إخطارا أمنيا يفيد تمكن قوات أمن أسيوط برئاسة اللواء خالد شلبى، مدير إدارة البحث الجنائى وقتئذ وقيادات المديرية وباشتراك اللواء مساعد مدير الإدارة العامة للمباحث الجنائية لمنطقة وسط الصعيد ورئيس فرع الأمن العام بأسيوط، وبمشاركة ضباط إدارة البحث مدعومين بمجموعات قتالية عالية التدريب من قوات الأمن المركزي، من خلال الحملة الأمنية المكبرة على قرية دير القصير شرق النيل التابعة لمركز القوصية في أسيوط، من ضبط 60 فدانا منزرعة بنبات البانجو المخدر «ثلاثة أرباع مليون شجرة تقريبًا». زراعة البانجو والخشخاش بلغ حصر الأرض حيث تم التحفظ على 720000 شجرة ومساحة قيراط مزروعة بنبات الخشخاش «الأفيون المخدر» بإجمالى 525 شجرة وكمية من نبات البانجو المخدر المجفف تزن نحو 15 طنا مجزأ ومعدا للبيع، وكمية من بذور نبات الخشخاش المخدر تزن نحو كيلو جرام. كما تم ضبط 16 متهما بحوزتهم 16 قطعة سلاح ناري و47 خزينة آلية، و526 طلقة و5 ورش تصنيع أسلحة كاملة الأدوات والمعدات وضبط 6 متهمين هاربين مطلوب ضبطهم وإحضارهم في 10 قضايا ما بين «قتل وشروع في قتل». وتم أيضا ضبط (3) محكومين عليهم بأحكام جنايات بعقوبات تتراوح ما بين المؤبد والسجن لمدة 3 سنوات في قضايا «سلاح – مخدرات»، وتم نقل المصابين لمستشفى أسيوط الجامعى والتحفظ على الجثث تحت تصرف النيابة. وكشفت تحقيقات فريق النيابة العامة الذي ضم المستشارين (إيهاب الصاوى وعلاء خلاف وضياء العريبى ومحمود بدوى ومحمد أبو حسيبه وعبد العزيز عباس وأحمد الحداد) وكلاء النائب العام برئاسة المستشار طارق بكر أن 12 من المتهمين المقبوض عليهم أطلقوا الأعيرة النارية من أسلحة ثقيلة على قوات الشرطة أثناء مداهمة القرية والقبض على عدد من المطلوبين في أحكام جنائية وتجارة المخدرات. وأوضحت التحقيقات أن 11 آخرين من المتهمين يزرعون مساحات كبيرة من المواد المخدرة "البانجو" تصل ل60 فدانا وسط زراعات البرسيم والحدائق والاتجار بها. وأمرت النيابة بحبس المتهمين واستدعاء مسئولى الزراعة والمساحة بالقرية حول ملكية الأراضى التي تم ضبطها منزرعة بمساحات المخدرات. ورغم هذه المحاولات فإن الأمر لم يتغير بعد ولاتزال تجارة السلاح والمخدرات رائجة وفي عز الظهر.