أمل مصرى عبد العال مخاطبة أباها بلهفة: أهي... يا بابا والله.. بتفتح عينيها أهي..إزاى ما خدتش بالك بس... ؟!! مصرى عبد العال بألم وحسرة شديدين: معلش يا أمل يا بنتى دى حركات لا إرادية بتصدر عن جسدها المريض ما بين فترة والتانية، بتخليك يتهيأ لك إنها فتحت عينيها وبتبص لك كمان، بس بعد كده بتروح في الغيبوبة تانى ربنا يتولاها ويتولانا برحمته... أنا عارف كان مكتوب لنا كل ده فين وإمتى يا ربى ؟!! مجاهد مصرى عبد العال: ما تعملش في نفسك كده يا بابا... إنت راجل مؤمن.. سلم أمرك لله وهو سبحانه وتعالى قادر على كل شئ.. مصرى عبد العال بتسليم كامل: ونعم بالله يا ابني... ويبنما كان مصرى يحتضن ابنه مجاهدالذى كان يحاول التخفيف عنه، كانت أمل تتراقص من شدة الفرح صارخة: بابا.. بابا.. الحمد لله ماما فتحت عينيها وبتبص علينا.. مش قلت لك فاقت.. فاقت أهى والله صحيت.. استيقظت..أحمدك يا رب.. مصرى عبد العال وقد اقترب من شريكة عمره ودموع الفرح تنهمر من عينيه: إيه ده ؟!! أنا مش مصدق نفسي.. انت فقت واستيقظت أخيرا يا محروسة ؟!! حمد الله ع السلامة يا روح قلبي.. صباح الخير يا أم مجاهد... صباح الورد والياسمين على عيونك يا أم أمل... محروسة باستغراب شديد: صباح ال.... إيه ده إنتم مين ؟!! انت مين يا راجل يا كُهْنة إنت ؟!! ومين العيلين المتشردين اللى واقفين جنبك دول ؟!! ومحروسة مين دى أصلا اللى إنت بتنادى عليها ؟!! إنت اتجننت يا جدع إنت ؟!! مصرى عبد العال وقد كاد برج من نافوخه أن يطير: إيه الكلام الغريب اللى انت بتقوليه ده يا محروسة ؟!! _تنظر إليه باستغراب شديد _ أيوه محروسة... إنت محروسة... مستغربة قوى كده ليه ؟!! وأنا جوزك مصرى عبد العال والعيلين دول مجاهد وأمل ولادنا، وانت هنا في المستشفى الخاصة دي، بقالك ييجى أربع سنين من ساعة ما جاتلك الغيبوبة المنيلة إلهى ما يعيدها، ومن ساعتها وأنا عمال أبيع في ميراثى وأرضى اللى ورثتها عن المرحوم والدى في البلد، وبعت البيت اللى سابهولى وكان ساترنا كمان ودلوقتى قاعد فيه بالإيجار، وقعّدت العيال من مدارسهم بتاعة اللغات وقدمت لهم في مدارس حكومية ولحد ما وصلت بى الأمور إنى رهنت عفش البيت عشان أصرف عليكى وتفضلى على الأجهزة اللى كانوا حاطينك عليها دى واللى قالوا لى إنهم لو فصلوها عنك هاتموتي، قلت لأ يا واد اعمل بأصلك وإن شا الله تبيع اللى وراك واللى قدامك.. دى محروسة مراتك وأم عيالك وربنا هايحاسبك عليها في يوم من الأيام، تعمل إيه يوم الموقف العظيم يوم ما يسألك المولى سبحانه وتعالى قدام الخلايق كلهم ويقول لك: إنت سبت محروسة تموت يا مصرى عشان شوية طين وحبة حيطان ؟!! قلت لا يا واد وعنها والحمد لله ربنا قومك لينا بالسلامة والمفروض إنك بعد ما نطمن من الدكتور أكتر عليك.. ترجعى لجوزك وأولادك وأهلك اللى بيحبوكى ويستمنوا التراب اللى انت بتمشى عليه، يقوم أول ما ربنا يمن عليك بالشفا تبصى لنا من فوق لتحت وتشتمينا وتقولى مين العالم الجعرّات اللى واقفين دول ؟ ينفع كده يا محروسة ؟!! ينفع كده يا طيبة اللى انت عملتيه في ولادك وجوزك ده ؟! ما كنش العشم يا أم مجاهد وأمل؟!!!... محروسة بكل صلف وغرور: أووووووف... محروسة.. محروسة... محروسة مين دى يا جدع يا خرفان إنت اللى عمال بتنادى عليها من الصبح وبتكلمها عن قرفك وفقرك الأزلى ؟!! ثم تضغط بكل ما أوتيت من قوة على جرس الاستدعاء للممرضين والأطباء أنا ما اسميش محروسة يا راجل إنت ولا العيال المتشردين دول أولادي... أنا سوسو هانم بنت عبد الستار باشا صبري، وبعدين انت واحد كداب كبير انت أكيد ما دفعتليش ولا مليم، ثم مستشفى كبيرة وغالية زى المستشفى الكبيرة اللى احنا فيها دى واللى أنا مش عارفة إزاى دخلوك فيها أصلا إنت والعيلين الشحاتين دول تقدر عليها منين انت أو همّ ببدلتك المقيحة دى وحالك اللى يصعب على الكافر ده ؟!! يدخل الأطباء والممرضون في اللحظة المناسبة قبل أن تتهور سوسو هانم وتقذف مصرى وأولاده بأى شيء في وجوههم حتى ينكشحوا بعيدا عنها، يخاطب كبير الأطباء سوسو هانم بعد أن نقلت إحدى العاملات كل مادار في الغرفة إليه قبل أن تستدعيهم المريضة عن طريق جرس الطوارئ قائلا: ألف حمد الله ع السلامة يا سوسو هانم أرجوك سامحى الراجل الغلبان ده هو وعياله أصله تعبان في عقله شوية من ساعة ما باباكى الباشا "رّفّده" من شغلته عندكم، أصله كان خولى العزبة الكبيرة بتاعتكم، وكل الكلام اللى قاله ده كان هزار بيسلى معاليك بس زى فقرة الأراجوز أو الساحر في السيرك عشان معاليكى ما تزهقيش من روتين المستشفى وهو هايقولك كده بنفسه... يأخذ كبير الأطباء مصرى عبد العال وأولاده خارج غرفة العناية المركزة ويحرص جيدا على إغلاق الباب حتى لا تسمعهم محروسة من داخلها ليواجههم بالحقيقة المرة قائلا: ألف حمد الله على سلامة الهانم يا مصرى أفندي، أنا عارف أنك مستغرب جدا من كل اللى إنت شفته منها لما استيقظت ومن الكلام الغريب اللى أنا اضطريت أجاريها فيه بس للأسف يا جماعة بعد الغيبوبة الطويلة اللى كانت فيها محروسة واللى صحيت منها فجاة بينما كان الجميع ينتظر رحيلها إلى الرفيق الأعلى، الأمر دا بحد ذاته سبحان الله يعتبر معجزة كبيرة جدا، لذلك فمن المتوقع بل ومن الطبيعى جدا أن العقل نفسه يشخبط ويلخبط زى ما انتم شفتوا كده وتخلط أمور حقيقية بأخرى متخيلة على كام فيلم شافتهم زمان على شوية أحلام بتتمناهم وربنا هو المنجي... مصرى عبد العال وقد ركبه الهم وفرت الدموع من عينيه: لا حول ولا قوة إلا بالله أربع سنين بنقول هتفوق وتستيقظ وربنا هينصفنا ويعوض آخرة صبرنا خير.. يقوم لما تستيقظ بسلامتها... نلاقيها اتجننت ومش عارفة أهلها ولا جوزها ولا عيالها ولا حتى نفسها ؟ حكمتك يا رب ؟!! والموضوع المنيل ده هايفضل معاها قد إيه يا دكتور وهى لازم تكمل علاجها هنا ولا ينفع تكمله عندنا في البيت ؟!! يخبر الطبيب مصرى أفندى أن عليه الانتظار لمدة أسبوع آخر حتى يقنعوا سوسو هانم أن عزبتهم الكبيرة في الشرقية بها بعض الإصلاحات وأنها لا بد أن تذهب مع الخولى وولديه لمنزلهم لأنهم هم المتبقون لها بعد الزلزال الكبير الذي ضرب مصر بينما كانت في الغيبوبة وانهم سيأخذونها إلى عزبتها وباقى أملاكها عندما تتم الإصلاحات، يقنع هذا الكلام الفارغ سوسو هانم وتذهب إلى بيت مصرى أفندى وهى في غاية الاستغراب أن كل الناس الذين يسكنون بجوار بيت مصرى أفندى ينادونها محروسة وأم مجاهد وأمل، وتقول في عقل بالها: يا له من خولى جبان ناكر للجميل هو وأولاده يكذبون الكذبة ويصدقونها.. بل ويسربونها أيضا لجيرانهم، وقد حلمت حلما في أحد الأيام وحكته لزوجها مصرى باعتباره خادمها وخولى عزبتها قائلة: إلا أنا شوفت خير اللهم اجعله خير يا مصرى افندى إن في واحد لابس أبيض في أبيض جاى ياخدنى ويفسحنى وعارف قيمتى كويس وأنا كنت فرحانة وأنا معاه بس مش عارفة كل البشوات والبهوات قرايبنا واللى أنا كنت بعرفهم شفتهم شغالين سواقين وخدامين عنده وبيسوقوا له الحنطور ويلاعبوه ع القهوة ويبيعوا له هدايا وهو فرحان وعمال يضحك وضارب الدنيا صرمة ولا مستعنيهم بالجزمة القديمة دا حتى الهوانم الجامدين اللى أنا أعرفهم كويس كانوا بيغنوا له ويبيعوا له ورد... عمرك شفت كده يا واد يا مصرى ؟!! مصرى ضاغطا على أعصابه: اللهم طولك يا روح.. أبدا ما فيش حاجة.. ابقى اتغطى كويس قبل ما تنامى يا سوسو هانم. وفى أثناء ما كان مصرى ينفذ تعليمات الطبيب بمسايرة محروسة حتى تسترد عقلها، في الوقت الذي كان فيه الجيران يتهامزون ويتلامزون عليه هو وأبناؤه جراء سلوكها البطال الذي كان يكذب فيه الجميع، ساقته قدماه في صدفة عجيبة إلى كوبرى قصر النيل ليفاجأ بزوجته وهى ممسكة بزجاجة خمر كبيرة تحتويها أذرع فتيّة لشباب غير مصريين في سيارة فارهة مكشوفة مطلقة بعض الضحكات المتقطعة الرقيعة بينما كان يغنى لها أحدهم: دى سوسو الوحش اللى عاش يكسر كل الحدود.. مسير الغايب يعود.. ويتنطط زى القرود !!!!