اكتسح حقد الفكر الإسلامي وفقهه المختل، الشمال العراقي وسوريا واليمن، وينتظر إطلاق إشارة التوحش في الشمال الأفريقي، وها هي دمويته تتلصص على مصر، وللأسف الجميع تناسى أنه مجرد فكر أرعن. وعلى الرغم من تكرار المقولة المملة (إنهم لا يمثلون الإسلام)، ولكن هل السلطة السياسية في هذه الدول تمثل الإسلام الحقيقي؟ وأيا كان مَن يمثله، فالإسلام كرسالة في خطر، لأننا قوم ضعاف مثلنا مثل زمن العرب الأول حين ركب أبرهة فيله واتجه صوب الكعبة، فلم يجد رجلا يدافع عن بيت الله. بهذه الصورة السيئة بات حالنا مع إسلامنا (المعاصر) مباحا لكل من هب ودب يتبول عليه من قطران الكلمات وسوء الأفعال. وما العيب في إسلامنا إلا خراب ضمائرنا، والسوداوية التي حلت مكان نصاعة الدين الحنيف القويم الرباني، الذي تحول لشهوة انتقام لكل كائن يمشي على الأرض مخالفا للرأي الذي تقدسه الأغلبية المتبعة في أحط صور الاتباع المريض. يسعى العالم إلى التوحيد، وإصلاح قيمه المختلة بما فيها المعتقد الديني بحالة من التنوير والتطهر بالوصول للنيرفانا والغمس في الإخاء والتعايش الإنساني بعيدا عن الإسفاف والأبواق الهادمة لمعتقدات الآخر. الغريب أن أصواتنا الداعية للإصلاح الإسلامي. ما هي إلا تشتت لم تلتفت للتوحد والاعتراف بالتقصير في التعاطي الجاد للأخذ بيد إنسانيتنا، وفض الصراع أولا ما بين السياسي والديني، وثانيا فض الاشتباك الدموي الجاري من الطمس الثوري.. لم يكن لهذه الأصوات هدف قومي ليحمي ما بقى من شبابنا الطموح، ورد حق الدم للذين ماتوا غدرا بيد (مازالت السلطة تقول عليها) مجهولة.. تركنا كل هذا وتفرغنا للإسلام في هدمه وضرب ثوابته عن تعمد وجهالة.. وهذا ليس دفاعا عن الإسلام؛ فالإسلام له رب يحميه، بل دفاعا عن القيم والأخلاق والعدالة الإنسانية التي سنتها الرسالة الإسلامية بعيدا عن نصوص الفقه وشخصياته المقدسة وأبواقه المختلة. إن طريقة مَن يدعون إلى إصلاح الإسلام في بلادنا، يقلدون بالتمام عنف وقتامة المتأسلمين. كلاهما متطرف. نعم فكرنا الإسلامي معوج لكن لا نستطيع تقويمه هكذا في يوم وليلة ولا بكتابة مقال أو اختراع كتاب، بل الأمر يحتاج إلى سنوات، وفقا لخطة مدروسة موجودة بالفعل عند من سبقونا من مفكرين سواءً أكانوا مصريين..مغاربة..سوريين..لبنانيين.. فقد قدموا كافة الحلول. أزمتنا هي التفاف السلطة السياسية والدينية في بكرة خيط واحدة، فلو أرادت السلطة السياسية فك هذا الارتباط لاستراحت، إنما حالة الحكم العربي تقتات على غيبوبة الدين. وإصلاحه يعني بالضرورة تخلي السلطة السياسية عن أهم مرتكز لها في لعبة الحكم والسيطرة على الشعوب. قد فعلها السيسي وطلب ضرورة التجديد الفكري للفقه الإسلامي، وقد طلبها من قبله كل الإصلاحيين والتنويريين. وهنا مرة أخرى الكرة في ملعب السيسي، بمعنى أن السيسي لو صادق لفعلها بفرض الإصلاح من أعلى؛ حتى تكف الأبواق عن هدم ثوابت الإسلام. أبسط الأشياء أن يفرض خطابا تنويريا في خطب الجُمع والآحاد، وأن يفرض مادة الأديان على طلاب المدارس وتضاف إلى المجموع الكلي، كي يجبر الطلاب على درسها واتخاذها مثل العلوم والرياضيات. وبهذا يخلق جيلا واعيا مناقشا محاورا ناقدا مفكرا.. وهكذا سوف ينصلح حالنا ويُقضَى على الكائن الداعشي بداخلنا. سيادة الرئيس، ارحم نفسك وشعبك من الدواعش الداخلية. وانتبه للتعليم على المدى البعيد سوف تحقق الإصلاح المنشود، أما عجائز الشيوخ وأبواق الإعلام والسينما، وكل مدع لن يصلحوا شيئا، بل يزيدون الطين بلة في عناد ولؤم وحقد؛ لهدم الرسالة الإسلامية. التي تصر أنت على الظهور بها بكل طيبة وتسامح.!