قوات الدفاع الشعبى والعسكرى تنظم ندوات لنشر الوعى بين طلبة المدارس والجامعات    هيئة الشراء الموحد تعلن تخصيص 29 مليار جنيه لشراء الأدوية في موازنة 2024    وزير الاتصالات يفتتح المقر الجديد لشركة «أرتشر» الأمريكية في مصر    ورشة عمل لتطوير المنتجات الحرفية الخاصة برحلة العائلة المقدسة في الشرقية    رئيس «المصرية للمعارض» يفتتح معرض الأثاث والديكور بمركز القاهرة للمؤتمرات    مصرع 4 من حزب الله فى غارة إسرائيلية استهدفت سيارتهم جنوب لبنان (تفاصيل)    «المصريين»: التنسيق المشترك بين مصر والأردن ضرورة لحماية الأمن القومي    ابن ترامب يدخل عالم السياسية رغم صغر سنه.. عُين مندوبا للحزب الجمهوري الأمريكي    مخطط باريس سان جيرمان لحرمان برشلونة من صفقة مدوية    الخطيب يحفز لاعبي الأهلي قبل السفر إلى تونس لخوض النهائي الأفريقي    ظهور أشياء غريبة في السماء لأول مرة.. ماذا يحدث خلال كسوف الشمس المقبل؟    سبب طارئ يؤجل عودة ياسمين عبدالعزيز ل أحمد العوضي    سلوفينيا تعتزم الاعتراف بالدولة الفلسطينية في موعد أقصاه 13 يونيو المقبل    تنفيذ 4 قوافل طبية للقرى الأكثر احتياجا في الدقهلية    نصائح مهمة لتقليل توتر الأبناء في فترة الامتحانات    عضو تضامن النواب تثمن دور القومي للمرأة في استقلالية إدارة المنح والمساعدات    بعد ظهورها مع إسعاد يونس.. ياسمين عبد العزيز تعلق على تصدرها للتريند في 6 دول عربية    فضل ذو القعدة وسبب تسميته وهل هو من الأشهر الحرم؟ معلومات تهمك    وزير الرياضة يلتقي سفير بيلاروسيا لبحث مجالات التعاون المشترك    أبونسب السبب.. أب يفارق الحياة حزنا على ابنه في المنوفية    تحذير عاجل لحاجزي شقق الإسكان.. مهلة شهر لسداد الأقساط المتأخرة    "الخشت" يستعرض زيادة التعاون بين جامعتي القاهرة والشارقة في المجالات البحثية والتعليمية    ثورة الفلاحين .. عرض مسرحي لفرقة قصر ثقافة المحلة    بنك ناصر يرعى المؤتمر العلمي الدولي ال29 لكلية الإعلام بجامعة القاهرة    حزب حماة وطن يكرم الآلاف من حفظة القرآن الكريم في كفر الشيخ    استفز لاعبي الأهلي | نص مرافعة دفاع حسين الشحات في قضية الشيبي    وزير الصحة: دور القطاع الخاص مهم للمساهمة في تقديم الخدمات الطبية    محافظ الغربية يوجه بتسريع وتيرة العمل في المشروعات الجارية ومراعاة معايير الجودة    حكم هدي التمتع إذا خرج الحاج من مكة بعد انتهاء مناسك العمرة    وفد صحة الشيوخ يتفقد عددا من المستشفيات ووحدات الإسعاف وطب الأسرة بالأقصر    تأجيل محاكمة المتهمين في قضية فساد التموين ل 8 يوليو    هل يقترب مدافع الوداد السابق من الانتقال للأهلي؟    الشعب الجمهوري يعقد اجتماعًا تنظيميًا لأمناء المرأة على مستوى محافظات الجمهورية    "العمل": تحرير عقود توظيف لذوي الهمم بأحد أكبر مستشفيات الإسكندرية - صور    وزيرة التضامن تشهد انطلاق الدورة الثانية في الجوانب القانونية لأعمال الضبطية القضائية    حسين فهمي ضيف شرف اليوبيل الذهبي لمهرجان جمعية الفيلم    البيتي بيتي 2 .. طرد كريم محمود عبد العزيز وزوجته من الفيلا    القبض على المتهمين بغسيل أموال ب 20 مليون جنيه    21 مليون جنيه.. حصيلة قضايا الإتجار بالعملة خلال 24 ساعة    لليوم الرابع على التوالي.. إغلاق معبر كرم أبو سالم أمام المساعدات لغزة    ما حكم قطع صلة الرحم بسبب الأذى؟.. «الإفتاء» تُجيب    هل تصح الصلاة على النبي أثناء أداء الصلاة؟.. الإفتاء توضح    السيسي يستقبل رئيس وزراء الأردن    مستشفى العباسية.. قرار عاجل بشأن المتهم بإنهاء حياة جانيت مدينة نصر    إيرادات فيلم "فاصل من اللحظات اللذيذة" بعد 4 أسابيع من طرحه بالسينمات    اكتشفوه في الصرف الصحي.. FLiRT متحور جديد من كورونا يثير مخاوف العالم| هذه أعراضه    دفاع حسين الشحات يطالب بوقف دعوى اتهامه بالتعدي على الشيبي    عاجل| مصدر أمنى رفيع المستوى يكشف تطورات جديدة في مفاوضات غزة    مفاجآت سارة ل5 أبراج خلال شهر مايو.. فرص لتحقيق مكاسب مالية    اليوم.. وزير الشباب والرياضة يحل ضيفًا على «بوابة أخبار اليوم»    جهاد جريشة يطمئن الزمالك بشأن حكام نهائي الكونفدرالية أمام نهضة بركان    مصدر عسكري: يجب على إسرائيل أن تعيد النظر في خططها العسكرية برفح بعد تصريحات بايدن    البورصة المصرية.. «EGX70» يتراجع وحيدًا بمستهل تعاملات الخميس    البورصة تخسر 5 مليارات جنيه في مستهل أخر جلسات الأسبوع    موعد مباراة الإسماعيلي والداخلية اليوم الخميس بالدوري    تامر حسني يقدم العزاء ل كريم عبدالعزيز في وفاة والدته    طقس اليوم: شديد الحرارة على القاهرة الكبرى نهارا مائل للبرودة ليلا.. والعظمى بالعاصمة 36    «أسترازينيكا» تبدأ سحب لقاح كورونا عالميًا    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



فاروق جويدة يكتب:لماذا خلطت الدولة بين الإخوان والطرق الصوفية؟
نشر في الشروق الجديد يوم 23 - 05 - 2010

بداية لابد أن أعترف أننى أشعر بمحبة خاصة لأهل التصوف فقد جلست فى حضراتهم.. وحفظت أورادهم وأشعارهم ورأيت فيهم فئة من الناس سمت أرواحهم وعاشوا الحياة كما أحبوا وأرادوا بعيدا عن صراعاتها ومعاركها واختاروا لأنفسهم طريقا غير ما عرف الناس..
قرأت كثيرا عن الصوفية وحفظت الكثير من أورادها وأحببت رموزها بل إننى تعلمت أوزان الشعر من فرق الإنشاد الصوفى فى الحضرة.. وكان عمرى يومها لا يتجاوز السبع عشرة عاما وأخذت العهد على الطريقة الشاذلية نسبة إلى سيدنا أبى الحسن الشاذلى رضى الله عنه ومازال مزاره فى ربوع مصر واحة تذهب إليها مواكب المتصوفين طوال العام والصوفية عالم فسيح ترى فيه كل جوانب الحياة فيهم الفن الجميل فى الشعر والإنشاد وفيهم الإيمان المطمئن.. والزهد المترفع والاستغناء فى زمن تحكمه المطامع..
ظهور الصوفية في مصر
كل من أحب آل بيت رسول الله عليه الصلاة والسلام وزار مزاراتهم فى مصر أحب الطرق الصوفية.. فى أرض الكنانة توجد أضرحة آل البيت رضوان الله عليهم سيد شهداء أهل الجنة سيدنا الحسين.. والسيدة زينب.. والسيدة نفيسة.. وفى مصر أضرحة عدد كبير من أئمة التصوف.. ابن الفارض.. والمرسى أبوالعباس والسيد البدوى والبوصيرى.. وإبراهيم الدسوقى رضوان الله عليهم وكل هذه العلامات المضيئة فى تاريخ التصوف فى مصر..
مازلت أردد أشعار ابن الفارض الزاهد العظيم وحكمة ابن عربى الفيلسوف المتصوف.. وزهد البوصيرى وشفافية رابعة العدوية..
ولا يوجد تاريخ محدد لظهور الطرق الصوفية فى الإسلام ولكن البعض يرى أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان يخص بعض الصحابة ومنهم سيدنا على كرم الله وجهه بأدعية وأوراد يقرأونها وهؤلاء يعتبرون ذلك بداية تاريخ التصوف..
ولكن الطرق الصوفية الكبرى مثل الشاذلية نسبة إلى أبى الحسن الشاذلى المغربى الأصل والذى يمتد نسبه إلى فاطمة الزهراء ابنة رسول الله عليه الصلاة والسلام تعتبر من أكبر الطرق الصوفية فى العالم الإسلامى وهناك الطريقة البرهانية والرفاعية والقادرية.. والبدوية.. والنقشبندية والتيجانية والجعفرية.. وكل طريقة من هذه الطرق تنسب إلى صاحبها من أهل التصوف..
وهذه الطرق انتشرت فى كل العالم الإسلامى بل إنها ساعدت على نشر الإسلام فى آسيا وأفريقيا والعالم العربى.. وإذا كان بيننا من لا يتعاطف مع الصوفية ويرى فيها موقفا سلبيا من الحياة والبشر فهناك من تأثر بها إلى أبعد حد.. والتصوف ليس قاصرا على الإسلام فقد كان طاغور متصوفا عظيما وكان الحلاج نموذجا للرفض والإصرار والتمرد..
أقول ذلك وقد تعجبت كثيرا من قرارات غريبة أصدرتها الحكومة أخيرا ولا أدرى على أى أساس جاءت هذه القرارات.. وما أسبابها.. ولماذا جاءت الآن؟
قرارات مريبة متعاقبة للدولة
فى الوقت الذى قررت فيه الدولة إلغاء مادة الدين فى مناهج التعليم وقامت بتأليف مادة بديلة اسمها الأخلاق.. فى هذا التوقيت صدرت مجموعة قرارات مريبة.. كان أول هذه القرارات إلغاء الاحتفالات بمولد سيدنا الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة رضوان الله عليهم.. وكانت حجة الدولة فى ذلك الوقت إنفلونزا الخنازير والخوف من التجمعات البشرية التى قد تساعد على انتشار المرض بين رواد هذه المناسبات.
وبالفعل ألغى مولد الحسين والسيدة زينب والسيدة نفيسة وقد تشاءم الكثيرون من هذا القرار الغريب وقالوا إنه نذير شؤم على البلد أن تلغى احتفاليات آل البيت.. وكان من الممكن ان نغض الطرف عن إلغاء الموالد ولكن جاء القرار الثانى ليؤكد سوء النوايا فى القرار الأول فقد تم منع إقامة حضرات الذكر فى المساجد والزوايا الخاصة بالطرق الصوفية وهذه التجمعات تعتبر رحلات روحية مهما كانت تحفظات البعض عليها ولهذا كان قرار الإلغاء شيئا غريبا.
لم تكن صدفة أن تتدخل الدولة فى اختيار المجلس الصوفى الأعلى وكأنه يشبه انتخابات الحزب الوطنى.. فقد فرضت الحكومة المجلس الصوفى الذى تريده.. يمكن ان نفهم كل هذه الإجراءات على أساس أنها ضد التجمعات الكبرى بين المواطنين أثناء مأساة إنفلونزا الخنازير.. ولكن المنع الكامل لحضرات الذكر يحمل أكثر من رسالة وأكثر من معنى..
الصوفية محبة بعيدا عن السياسة
كلنا يعلم أن الطرق الصوفية تضم أناسا تعلو بهم أرواحهم إلى سماء أخرى غير تلك التى نعرفها ونراها.. وان المتصوفة رجال ونساء يحبون الله ورسوله ويعتبرون رحلتهم فى الحياة سفر مع الذات الالهية ومحبة آل البيت وأولياء الله الصالحين.. وهم لا يعرفون الحقد أو الخوف أو الضغائن.. إنهم مسالمون فى كل شىء.. ومن يقرأ تاريخ المتصوفين يجد رموزا كثيرة أضاءت هذا الكون بالتسامح والمحبة..
من يقرأ ابن عربى والحلاج وابن الفارض ورابعة العدوية والمرسى أبوالعباس والبوصيرى والسيد البدوى وكل هؤلاء يجد نفسه فى مكان آخر غير الأرض ويعرف أشياء تتجاوز حدود المعرفة التى اعتدنا عليها بين الإنسان والكون.. رغم كل ما وصل إليه الإنسان من مظاهر التقدم والحضارة مازال هناك شىء غامض يحمله إلى مشاعر تتجاوز الحدود والأشخاص والأماكن.. فلماذا نحرم الناس من أشياء تمنحهم قدرا من الراحة واليقين فى هذا الزمان الصعب المرتبك؟
ليس للمتصوفين دور فى السياسة بل إنهم الوجه المقابل للإسلام السياسى ممثلا فى القيادات الدينية التى حملت رسالة سياسية.. هناك فرق كبير بين أهل التصوف وأصحاب الفكر الدينى وإن كان البعض قد قدم نماذج فريدة جمعت بين الفكر والتصوف كما فعل الفيلسوف الإسلامى العظيم الإمام أبوحامد الغزالى رضى الله عنه فقد بدأ مفكرا متشككا متمردا وانتهى فى مواكب المتصوفين.. وما بين إحياء علوم الدين والمنقذ من الضلال مسافة كبيرة بين الفلسفة والتصوف..
وإذا كان الشيخ حسن البنا رحمة الله عليه قد بدأ متصوفا فإنه لم يمكث كثيرا فى حضرة التصوف وانتقل إلى ساحة الفكر والإصلاح والرفض والسياسة وهذا يعنى أنه لا خوف على الأمن من حلقات الذكر.. ولا خوف على الاستقرار من مريدى الطرق الصوفية.. ولهذا تعجبت كثيرا من قرارات المنع التى شملت حلقات الذكر وموالد آل البيت.. إذا كان ذلك رفضا سياسيا فهو تفسير خاطئ لحلقات الذكر وما يحدث فيها.. وإذا كان قرارا أمنيا فهناك أشياء أخرى كثيرة أحق بالمنع..
إغلاق المساجد وتصاعد دور الإخوان
فى شبابنا كنا نذاكر فى المساجد حيث نجلس ونراجع المواد مع بعضنا وكانت أبواب المساجد مفتوحة طوال الليل ولم يكن أحد يمنعنا من ذلك وفى السنوات الأخيرة بدأت المساجد رحلة المنع أمام تسلل الإخوان المسلمون إلى شباب الجامعات وبدلا من أن يتسلل قادة الحزب الوطنى بالفكر والحوار إلى عقول الشباب أغلقوا المساجد..
وهذا ما تكرر فى الجامعات بدلا من أن يقترب رموز الحزب الوطنى الذى يدعى أنه حزب الأغلبية من الشباب من خلال تجارب سياسية وفكرية وحوار مشترك يقرر الحزب تجريم العمل السياسى بين شباب الجامعات.. هذا التخبط وصل بشبابنا إلى ما هو فيه الآن من التذمر والسطحية وعدم الإقبال على الحياة..
إن الحكومة فى صراع مع جماعة الإخوان المسلمين وهو صراع سياسى لا علاقة له بالدين فالجماعة تعترف أنها تعتنق فكرا سياسيا دينيا.. وهى تضع برامجها على هذا الأساس.. كما أن الجماعة تحمل تاريخا طويلا من الصراع مع عهود مختلفة بدأت مع ثورة يوليو وبقيت حتى الآن..
ومن الخطأ أن يحدث لبس فى نظر الدولة أو تداخل بين الطرق الصوفية والإخوان المسلمين أو أن نعتقد أن منع تدريس مادة الدين أو اختراع مادة جديدة اسمها الأخلاق سوف يغلق الأبواب أمام الإخوان المسلمون، لا أعتقد أن الإخوان ينتظرون مادة فى مناهج أو قرار بإغلاق مسجد لأنهم فى الحقيقة تجاوزوا فى تأثيرهم ودورهم كل هذه الحسابات أمام فشل التجربة الحزبية بكل تياراتها بما فى ذلك حزب الأغلبية..
منع الذكر لن يضر بالإخوان
لا أتصور أن يكون منع حلقات الذكر أو موالد آل البيت أو أولياء الله الصالحين سوف يضر بالإخوان المسلمين أو تحقق به الدولة إنجازا فى صراعها مع الإخوان.. إن الصوفية هم الوجه المتسامح للإسلام الوسطى فهم لا يعرفون العنف ولا يؤمنون بالسيرك السياسى وليست لهم مطامع فى سلطة أو منصب أو مسئولية.. إنهم هاربون من عبث الدنيا إلى راحة البدن والضمير..
لماذا نمنع الصوفية من متعة روحية لا علاقة لها بالسياسة من قريب أو بعيد.. لماذا نمنع الموالد التى اعتاد المصريون أن يحتفلوا بها كل عام فى ذكرى الحسين وأم هاشم والسيدة نفيسة رضوان الله عليهم.. هل هى رغبة فى تكدير حياة المواطنين.. هل هى محاولة لإدانة كل شىء له علاقة بالدين تنفيذا لرغبات مسمومة ورياح فاسدة تتسلل إلينا من الخارج.. ماذا سيحدث إذا جلس المتصوفون فى أحد المساجد يناجون خالقهم ويشكون له ما حدث لهم فى هذا الزمان الكئيب.. وماذا سيفعل رواد ومريدى أضرحة آل البيت وهم يطوفون حبا لهذه الأماكن الطاهرة.. هل هو خوف سياسى.. أم خوف من التجمعات أم هو حصار لا مبرر له أم إنه مجرد استعراض لهيبة الأمن..
منع عبدة الشيطان أولى أم منع الصوفية!؟
هل استطاعت الدولة أن تمنع حفلات الزار وحفلات الرقص والعرى وما يحدث فى النوادى من حفلات صاخبة.. الغريب فى الأمر أن تجد من يدافع عن مطرب إنجليزى شاذ يقام له حفل فى القاهرة ولا تجد من يدافع عن أناس يذكرون الله فى جلسة صوفية..
ما الأولى بالمنع حفلات شباب موسيقى الميتال وعبدة الشيطان وجلسات المجانين وليالى السكر والعربدة أم حلقات الذكر التى يقيمها الصوفية، ما الأولى بالمنع حفلات العرى التى تطارد شبابنا على الفضائيات أم موالد السيدة زينب والحسين؟
إن مريدى هذه الأماكن الطاهرة من فقراء مصر وأهلها البسطاء الذين يتوافدون إليها من أعماق الريف.. هؤلاء الغلابة الذين يحملون همومهم ويلقون بها عند أبواب هذه الأضرحة.. جاءوا هاربين من بنوك التسليف الزراعى التى تطاردهم ومن أسعار المبيدات والأسمدة والبذور والأرض التى أجدبت أمام سياسات خاطئة.
هؤلاء الذين يطوفون حول هذه الأضرحة يطلبون الصبر ويسألون الناس الرحمة هم ضحايا المعاش المبكر وبيع القطاع العام ومصادرة أرزاقهم والذين طردتهم حكوماتنا الرشيدة من أعمالهم وباعتها للمغامرين والنصابين من رجال الأعمال.. هؤلاء الذين يقيمون جلسات الذكر فى الزوايا لم يجدوا شيئا يسعدهم فى الدنيا فهربوا إلى الله يرجون رحمته وغفرانه.
شىء غريب ألا تمنع الدولة حفلات عبدة الشيطان وتمنع جلسات يذكر فيها اسم الله.. شىء غريب أن تفكر الدولة فى إلغاء مادة الدين من مناهج التعليم وتقرر مواد للتربية الجنسية بالصوت والصورة.. شىء غريب أن تغلق المساجد أمام شباب فقير يريد أن يذاكر فيها وتفتح آلاف الأبواب لأغانى العرى والشذوذ فى النوادى والملاهى الليلية لا مانع أن يقام حفل ساهر لمطرب انجليزى شاذ ولا تقام أمسية لأحد رجال الدين الأجلاء.
قطيعة مغرضة مع الدين
لماذا كل هذه القطيعة المغرضة مع الدين.. لماذا نتصور أن هذه الإجراءات هى التى ستحمينا من التطرف والإرهاب.. لم نسمع يوما أن رجلا متصوفا ألقى حجرا وليس قنبلة.. ولم يكن تاريخ الصوفية فى كل مراحله فى الإسلام دعوة للعنف لقد كان دائما دعوة للتسامح والمحبة والزهد؟!
إن البعض يرى أن هناك حالة من الخوف من تسرب المذهب الشيعى إلى مصر وان حصار الصوفية محاولة لمنع الاختراق الشيعى.. وللأسف الشديد هؤلاء لا يدركون أنه لا علاقة بين المتصوفين والشيعة وأن حب آل البيت لا يعنى بالضرورة أن يكون الإنسان شيعيا لأن أكثر جماعات التصوف تنتشر فى الدول الإسلامية السنية.قرارات غريبة تنهال على رءؤسنا وأخشى بعد كل هذه الممنوعات من الموالد وجلسات الذكر أن نجد من يطالب بمنع إقامة الصلاة..
من الخطأ أن نتصور أن إلغاء حصة الدين أو تحويل مادة التربية الدينية إلى مادة اسمها الأخلاق أو منع جلسات الذكر أو منع الموالد أن ذلك يدخل فى مقاومة الإسلام السياسى لأن جميع هذه الأشياء أبعد ما تكون عن الإسلام السياسى مجسدا فى جماعة الإخوان المسلمين، قد تختلف مواقفنا وأفكارنا حول هذه الظواهر ولكن الشىء المؤكد أنها ظواهر دينية وليست سياسية بل هى أبعد ما تكون عن الفكر السياسى.
أمريكا والغرب يحاولان طمس هويتنا
ليس كل ما يطلبه الغرب منا صحيحا.. وليس كل ما تريده أمريكا قرارات لا تقبل الرفض أو النقاش.. لا يستطيع أحد فى العالم كله أن يتدخل فى طقوس الصلاة اليهودية.. ولم يستطع أحد أن يصدر بيانا يدين فيه حوادث الاعتداء الجنسى على الأطفال فى قضية الفاتيكان الشهيرة.. لا أحد منا يقبل الإرهاب باسم الدين.. ولا أحد يقبل التطرف الدينى بكل صوره وأشكاله.. ولا أحد يقبل العنف فى كل الحالات ولكن لا ينبغى أن نصبح نحن الجدار المائل الذى يعبث به الجميع من كل اتجاه..
لقد فرضوا علينا أن نهمل اللغة العربية وكان لهم ما أرادوا حيث أصبحت لغة غريبة بين أبنائها.. وفرضوا علينا أن ننسى كل تاريخنا بكل صفحاته المضيئة.. فالجهاد فى سبيل الله عدوان وهمجية.. والدفاع عن الأرض والعرض عصبية مكروهة والمقاومة سلوك ارهابى مرفوض.. وها هم يفرضون علينا أن نغير مناهج ديننا وأن نغلق كل شىء يذكر فيه اسم الله.. إن هذه المطالب المشبوهة هى التى ستفتح أبوابا جديدة للإرهاب.. وسوف تفرز أجيالا لا تعرف الرحمة.. هذه الأجيال التى ستخرج من أطلال غزة وحرائق وجبال أفغانستان.. وأطلال ما بقى من العراق.
كيف نتحدث بعد ذلك عن الحريات الدينية وبناء الكنائس والمساجد والزوايا ونحن نمنع الناس من ممارسة عقائدهم كما يرغبون وما جدوى هذا الحصار الدينى والفكرى والسلوكى فى وقت يتحدث فيه العالم عن الإصلاح السياسى..
محاولات مستمرة لهدم الثوابت
إن هناك اتجاها مخيفا فى العالم العربى لتدمير كل الثوابت التى تقوم عليها هذه الأمة ابتداء بالفكر وانتهاك بالسلوك.. إذا كانت لدينا بعض مظاهر الفكر أو السلوك التى تحمل سمات التخلف فنحن نعرفها ويجب علينا أن نعالجها ونقاومها ولكن لدينا تراث إنسانى عريق فى الفكر والفن والثقافة.. ولدينا دين سماوى عظيم ورسالة هزت أرجاء هذا الكون..
ولدينا لغة يحسدنا العالم عليها لأنها تجمع مئات الملايين فى ساحتها.. ولدينا تاريخ حافل بأمجاد كثيرة رغم مراحل الانحطاط والانكسار التى نمر بها الآن.. فهل يمكن تحت دعاوى الإرهاب ومعظمها دعاوى كاذبة ومضللة أن ندمر كل هذا التراث ونحطم ما بقى من الشخصية العربية؟.. هذه مطالب مغرضة ولا ينبغى أن يدافع عنها أحد..
لا يستطيع أحد فى هذا العالم أن يناقش الغرب فى لغته أو معتقداته أو سلوكياته أو أن يمنع شيئا من ذلك كله ولكن قرارات المنع تخصنا وحدنا.
قرارات بمنع تدريس الدين فى المدارس.
وقرارات بمنع جلسات يذكر فيها اسم الله.
وقرارات بإغلاق المساجد ليلا.
وقرارات بتدريس التربية الجنسية.
وقرارات بإقامة حفلات للمطربين الشواذ فى بلادنا.
ومطاردات يومية بعرايا الفيديو كليب وحفلات التليفزيون.
وقرارات بمنع موالد أولياء الله الصالحين ومنهم آل بيت رسول الله.
ماذا نسمى ذلك كله.. أليس فى ذلك انتهاك لكل مظاهر السيادة وحقوق الإنسان والحريات، أليس فى ذلك عدوان سافر على معتقدات الشعوب وثوابتها وتاريخها ولغتها؟ نحن نفرط فى أغلى الأشياء عندنا.. وسوف نندم كثيرا ولكن بعد فوات الأوان.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.