منذ الربع الأخير من عام 2014، فرضت حركة "بيغيدا" نفسها على المشهد السياسي الألماني، وهي الحركة المناهضة للإسلام والتي تحذر من "أسلمة الغرب" بفعل "تدفق" المهاجرين إلى ألمانيا. أثبتت "بيغيدا"، والكلمة هي اختصار لحركة "أوربيون وطنيون ضد أسلمة الغرب" اسمها الرسمي في ال22 من ديسمبر، وبشكل قطعي قدرتها على حشد المزيد من المناصرين، ومنذ انطلاق المسيرات أو "الخرجات" كما تسميها الحركة في كل يوم اثنين، يزداد أعداد المشاركين، ومن بضعة مئات خرجوا في أول مسيرة في أكتوبر، وصل العدد الشهر الماضي إلى 17 ألفا و500 متظاهر. وهذا يعني أن الحركة وجدت أرضية لها، وأصابت وترا حساسا لدى بعض الفئات مهما كانت قليلة، وهذا ما أدركته الأحزاب السياسية التي بدأت تخشى من تراجع التأييد لصالح حزب البديل من أجل ألمانيا (AfD) الذي أبدى دعمه الصريح للحركة وللأفكار المعادية للإسلام وللأجانب. ولعل آخر استطلاع للرأي أسكت جميع من يقلل من مدى خطورة هذه الحركة، إذ أظهرت نتائجه، التي نشرت في الأول من يناير 2015، أن شخصا ألمانيًا واحدا من أصل ثمانية مستعد للمشاركة في مسيرة مناهضة للمسلمين إذا ما نظمت في مدينته، أي أن نسبة 13% بالمائة مع "بيغيدا". وشارك في هذا الاستطلاع الذي أجرته مؤسسة فورسا لحساب مجلة شتيرن الألمانية، 1006 أشخاص، واعتبر بمثابة مقياس اختبار لمدى تنامي مشاعر التأييد المتزايدة في ألمانيا، بل حتى في الدول الأوربية الأخرى، للأحزاب والحركات التي تستغل مخاوف الناخبين الذين يعتقدون أن الساسة متساهلون "أكثر مما ينبغي" في مسألة الهجرة، في ظل ارتفاع عدد اللاجئين من سوريا وإريتريا وغيرها من الدول التي تعاني من الحروب والأزمات. وأظهر الاستطلاع أيضا أن 29 في المائة يعتقدون أن الإسلام يؤثر على نمط الحياة في ألمانيا بدرجة تجعل هذه المظاهرات لها ما يبررها. في المقابل، رأى ثلث المستطلعة آراؤهم أن فكرة "أسلمة" ألمانيا مبالغ فيها، مع إبداء القلق في الوقت ذاته بشأن أعداد طالبي اللجوء. وللحد من انتشار أفكار الكراهية التي تروج لها "بيغيدا" عمد الساسة الألمان ومؤسسات وحركات المجتمع المدني إلى التعبير عن موقف رافض للحركة، ومندد بأفكارها مستندين في ذلك على الأسس الديمقراطية التي يقوم عليها المجتمع الألماني التعددي والمتنوع. ومن ثمة ظهرت حركات متعددة سواء عبر مسيرات مناهضة ل"بيغيدا" في الكثير من المدن الألمانية الكبرى، أو على مواقع التواصل الاجتماعي كحركة "ألمانيا الملونة". وفي هذا الإطار أيضا، لم يكن للمستشارة ميركل، أن تتجاهل الحراك الحالي في كلمتها بمناسبة العام الجديد مطالبة الألمان بأن يديروا ظهورهم لهذه الحركة وزعمائها، واصفة إياهم بأنهم عنصريون تملؤهم الكراهية. وقالت المستشارة المحافظة إن ألمانيا صاحبة أكبر اقتصاد في أوربا وعليها الترحيب بالفارين من الصراعات والحروب، بيد أن أصواتا أخرى تطالب بفتح قنوات الحوار مع مناصري الحركة "المغرر بهم" و"ممن يشكون من ابتعاد الأحزاب التقليدية عن تمثيلهم" كما يقول وزير التنمية الألماني غيرد مولير في حوار أدلى به أمس الجمعة، لصحيفة "أوغسبورغر ألغماينه". وحسب مولير، فإن الناس باتوا أمام "أزمات مصيرية وأبعدوا إلى الهامش، وهو ما دفع بهم إلى إطلاق صرخات النجدة". ومن هذا المنطلق ينكب محللون على تفسير دوافع تعاطف قسم معين مع حركة "بيغيدا" في ظل النفور من الأحزاب التقليدية. ولا يستبعد المراقبون أن تكون وحشية تنظيم "الدولة الإسلامية" غير المحدودة في العراق والشام من أسباب تنامي الخوف من الإسلام. ويقول الرئيس السابق للبرلمان الألماني فولفاغنغ تيرزه إنه "من فرط ما يسمعه الناس يوميا في الإعلام وفي نشرات الأخبار المسائية عن الإرهاب الإسلامي، بدءوا يشعرون بالخوف وفقدوا قدرتهم على التمييز بين الإسلام وبين من يستغله لتحقيق مآرب أخرى". فضلا عن ذلك هناك تقارير عديدة تحذر من عودة جهاديين ألمان من العراقوسوريا وإمكانية قيامهم بعمليات إرهابية داخل ألمانيا. في المقابل، يستبعد الخبير في قضايا الثورة ديتر روتش، أن يكون الإسلام أحد الأسباب الفعلية لارتماء بعض الألمان في أحضان "بيديغا"، نظرا لوجود "أرضية متداخلة منذ الأعوام العشرة إلى الخمسة عشر الأخيرة في أوربا، يميزها خوف كبير من المستقبل وخشية فعلية من تدهور اجتماعي في حال فقدان الوظيفة". ويضيف روتش أن حركة "بيديغا" هي بالأساس ظاهرة، لكنها ظاهرة تهدد الأمن الاجتماعي أيضا. ولحسن الحظ أنها لا تجد أي تعاطفا من لدن الأحزاب الكبرى. هذا المحتوى من موقع شبكة ارم الإخبارية اضغط هنا لعرض الموضوع بالكامل