أعلنت حركة النهضة الإسلامية بتونس، أنها ستقف على المسافة ذاتها من جميع المرشحين للسباق الرئاسي، غير أن أنصارها الذين يمثلون رصيدا انتخابيا مهما لن يقفوا على الحياد، إذ يتوقع أن يكون لهم دور في حسم هوية الساكن الجديد لقصر قرطاج. يحمل عماد المرزوقي، وهو شاب يعمل في شركة مقاولات، اللقب ذاته للرئيس المؤقت الحالي المنصف المرزوقي لكن ليس ذلك السبب وحده الذي يدفع عماد لأن يكون متحمسًا للتصويت للمرزوقي، المرشح المستقل والمدعوم حزبيًا، في السباق الرئاسي. ضمان الاستقرار وتحسين ظروف المعيشة. وأشار عماد في حديثه لDW عربية، إلى سببين رئيسيين يدفعانه إلى اختيار المرزوقي بعد أن كان صوت قد لحزبه، حركة النهضة الإسلامية، في الانتخابات التشريعية، وهما يرتبطان بمنافسه الرئيسي ومرشح نداء تونس الباجي قايد السبسي، أولهما عامل السن الذي يرجح كفة المرزوقي، والثاني ارتباط السبسي بجزء من سجله السياسي بمنظومة الحكم السابقة. وأضاف عماد: "لا أعتقد أن طبيعة المرحلة تسمح بإعادة أركان من النظام السابق، لهذا أفضل المرزوقي. لكن بالنسبة لي، من المهم أن يكون ضامنًا للاستقرار وتحسين ظروف عيش التونسيين". وهذا الصراع تؤكده حتى الآن استطلاعات الرأي التي تضع السبسي في المقدمة نسبيًا وخلفه المرزوقي، لكن يتوقع أن تزداد المنافسة شراسة مع صعود نجم مرشح الجبهة الشعبية حمة الهمامي، واقتراب مرشح تيار المحبة الهاشمي الحامدي من دائرة المنافسة. لكن هل ستلتزم حقًا حركة النهضة الإسلامية التي جمعت أكثر من 800 ألف صوت في الانتخابات التشريعية بالحياد على الأرض، ما يعني نظريًا تعبيد الطريق لمرشح نداء تونس للاقتراب من قصر قرطاج؟ في هذا السياق يوضح رمزي الوسلاتي، وهو أستاذ جامعي ورجل أعمال وعنصر ناشط ضمن قواعد حركة النهضة، أن تخلي الحزب عن دعم أي مرشح وترك حرية الاختيار للقواعد لا يعني فعليًا البقاء على الحياد، "فالنهضاوي لن ينتخب الباجي أو حمة الهمامي أو مرشح من المنظومة السابقة"، على حد تعبيره. ويشير الوسلاتي إلى أن المنطق السائد بين أنصار حركة النهضة يحتم "الاختيار بين الدكتور المنصف المرزوقي وأحد المرشحين الآخرين مثل محمد فريخة، أو سليم الرياحي أو حمود بن سلامة وفي الدور الثاني سيجتمع الرأي على منافس الباجي". ويضيف معلقًا: "أخطاء الدستور الجديد بدأت بالظهور من الآن. تمنيت لو تم تحديد المهام حسب المراتب لضمان الديمقراطية وعدم تفرد حزب واحد بالحكم. اقتسام السلطات معمول به في العديد من الديمقراطيات". حياد نسبي وعبرت قادة حركة النهضة بشكل صريح عن مخاوف من استفراد حزب واحد بالسلطات وهو نفس الموقف الذي صدر عن أحزاب أخرى تعرف نفسها بالديمقراطية والاجتماعية لكنها تلقت خسائر مدوية في الانتخابات التشريعية. وباستنثناء حركة النهضة، طرحت هذه الأحزاب إمكانية التوافق حول مرشح واحد لمنافسة الباجي قايد السبسي وقطع الطريق أمام تكرار فوز نداء تونس بالسباق الرئاسي. لكن الملاحظ هو أن الكفة بدت أكثر ميلا إلى المنصف المرزوقي لدى أنصار حركة النهضة وباقي التيارات الإسلامية. وأوضح أنيس الشيحاوي "موظف" ومتدين من ساكني حي الخضراء، أنه ضد هيمنة الحزب الواحد في الانتخابات التشريعية والرئاسية لأنه سيؤدي حتمًا إلى الاستبداد في الحكم. وتابع:ط"لست نهضاويًا لكني ضد عودة رموز التجمع أو أي شخص عمل ولو لمدة صلب هذا الحزب لذلك بعد فوز نداء التجمع في التشريعية سأعطي صوتي للمرزوقي، وهو المنافس الجدي للباجي حتى لا يضيع تصويتي سدى إذا ما منحته لغير المرزوقي". أما بالنسبة لماهر عبد الله، فإن السجل النضالي الناصع للمرزوقي وافتقاده لأي مطامع سلطوية يجعله في نظره الأقرب إلى كرسي الرئاسة، خاصة أنه اتخذ عدة قرارات سابقة كانت عكس مصالح حزبه ودفعه بمصالح الرعية أولا ومساواته بين الجميع بغض النظر عن الانتماءات السياسية والحزبية. ويبدو أن هذا التوجه نحو خيار المرزوقي لدى قواعد النهضة ازداد ترسخًا الآن مع دعوة الأمين العام المستقيل من حركة النهضة الإسلامية حمادي الجبالي بشكل منفرد إلى التصويت لغير مرشح حزب الأغلبية لضمان التوازن بين السلطات السيادية، أي رئاسة الحكومة والبرلمان ورئاسة الجمهورية. تكتيك سياسي وبينما يبدي أنصار حركة النهضة ومن بينهم رمزي الوسلاتي وغيره تفهمًا لموقف الحزب الرسمي من التخلي عن أي دعم صريح لمرشحي الرئاسة واعتباره حنكة سياسية خلال مرحلة لا تحتمل عداءات سياسية مع أحزاب أخرى، فإن خصوم النهضة والمحللين يعتبرونه موقفًا طبيعيًا وتكتيكًا سياسيًا. في هذا الإطار يرى زياد الأخضر، القيادي في الجبهة الشعبية أن حركة النهضة تبدو حيادية في القول لكنها منحازة إلى المنصف المرزوقي، مشيرًا إلى أن "قواعد الحركة يدعمون بالتمام والكمال المرزوقي ويقفون حملته الانتخابية في كل مكان". أما المحلل السياسي الجمعي القاسمي فيرى أن موقف الحياد الذي حدده مجلس الشورى الحركة لم يكن مستغربًا ولا مفاجئًا لأنه يندرج في سياق "تكتيك سياسي" مستمد من الآليات الناظمة لتيار الإسلام السياسي، وخاصة منها "الباطنية" بمعنى إظهار عكس ما يضمر. ويضيف الجمعي بالقول: "يُنتظر أن تكشف حركة النهضة عن موقفها الحقيقي خلال الدورة الثانية، حيث ستعلن بشكل صريح عن دعمها لأحد المرشحين، حتى إذا فاز تكون هي الرابحة من خلال الضغط عليه من زاوية أنه بدون دعمها ما كان له أن يفوز بالرئاسة". ويتوقع المحلل السياسي أن تكون لهذه المناورة السياسية تأثيرات مباشرة على المشهد السياسي الذي سيتشكل على ضوء المفاوضات والمشاورات الجارية للتوصل إلى تفاهمات سياسية وأخرى حزبية تكون مقدمة لتشكيلة الحكومة المرتقبة.