رئيس جامعة المنصورة يهنئ الأقباط بعيد القيامة (صور)    بين القبيلة والدولة الوطنية    بالصور.. صقر والدح يقدمان التهنئة لأقباط السويس    كنائس الإسكندرية تستقبل المهنئين بعيد القيامة المجيد    حزب المؤتمر يهنئ البابا تواضروس بعيد القيامة: نقدر جهودكم في ترسيخ قيم التسامح    محافظ بني سويف لراعي كنيسة الفشن الإنجيلية: مصر ملاذ آمن لجيرانها    برلماني: تقرير فيتش شهادة نجاح للمسار الاقتصادي وطمأنة لأصحاب الأعمال    القاهرة: 37 مركزا تكنولوجيا مجهزا لاستقبال طلبات التصالح في مخالفات البناء الثلاثاء المقبل    1.5 تريليون جنيه لدعم التعليم والصحة في الموازنة المالية للعام المقبل    "خطة النواب": مصر استعادت ثقة مؤسسات التقييم الأجنبية بعد التحركات الأخيرة لدعم الاقتصاد    «سلامة الغذاء»: تصدير نحو 280 ألف طن من المنتجات الزراعية.. والبطاطس في الصدارة    وزير الإسكان: قطاع التخطيط يُعد حجر الزاوية لإقامة المشروعات وتحديد برامج التنمية بالمدن الجديدة    التنمية المحلية: استرداد 707 آلاف متر مربع ضمن موجة إزالة التعديات بالمحافظات    حماس: نحرص على التوصل إلى اتفاق شامل ينهي العدوان الإسرائيلي    إعلام عبري: حالة الجندي الإسرائيلي المصاب في طولكرم خطرة للغاية    نتنياهو: إسرائيل لن توافق على مطالب حماس وسنواصل الحرب    روسيا تسيطر على بلدة أوتشيريتينو في دونيتسك بأوكرانيا    الدفاع المدني الفلسطيني: 68 شهيدا و200 مصاب من طواقمنا منذ بدء العدوان    الزلزولي يكشف كواليس محاولته إقناع نجم برشلونة بتمثيل منتخب المغرب    جوارديولا: هالاند صاحب أهداف استثنائية.. وسعيد بمستواه    تقرير إيطالي: شرطان مثيران للاهتمام في تعاقد ديبالا مع روما    ميسي وسواريز يكتبان التاريخ مع إنتر ميامي بفوز كاسح    وزير الرياضة يتفقد منتدى شباب الطور    اتحاد الكرة يلجأ لفيفا لحسم أزمة الشيبي والشحات .. اعرف التفاصيل    بسبب «غية حمام».. السيطرة على حريق شقة سكنية وسطح عقار بقليوب| صور    في إجازة شم النسيم.. مصرع شاب غرقا أثناء استحمامه في ترعة بالغربية    أمن جنوب سيناء ينظم حملة للتبرع بالدم    التعليم: نتائج امتحانات صفوف النقل والاعدادية مسؤلية المدارس والمديريات    رفع حالة الطوارئ بمستشفيات بنها الجامعية لاستقبال عيد القيامة المجيد وشم النسيم    ماري منيب تلون البيض وحسن فايق يأكله|شاهد احتفال نجوم زمن الفن الجميل بشم النسيم    خلال 4 أيام عرض.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر    توقعات الأبراج اليومية، الإثنين 6-5-2024 أبراج الحمل والثور والجوزاء    أنغام تُحيي حفلاً غنائيًا في دبي اليوم الأحد    بعد انفصال شقيقه عن هنا الزاهد.. كريم فهمي: «أنا وزوجتي مش السبب»    بالتزامن مع ذكرى وفاته.. محطات في حياة الطبلاوي    جناح مصر بمعرض أبو ظبي يناقش مصير الصحافة في ظل تحديات العالم الرقمي    حفل رامى صبرى ومسلم ضمن احتفالات شم النسيم وأعياد الربيع غدا    الإفتاء: كثرة الحلف في البيع والشراء منهي عنها شرعًا    معلومات الوزراء: أكثر من مليون مواطن تلقوا خدمات طبية ببرنامج الرعاية الصحية لكبار السن    رئيس هيئة الرعاية الصحية يبحث تعزيز التعاون مع ممثل «يونيسف في مصر» لتدريب الكوادر    "الرعاية الصحية" بأسوان تنظم يوما رياضيا للتوعية بقصور عضلة القلب    جامعة بنها تنظم قافلة طبية بقرية ميت كنانة في طوخ    لتجنب التسمم.. نصائح مهمة عند تناول الرنجة والفسيخ    فاينانشال تايمز: الاتحاد الأوروبي يضغط لاستبعاد قطاع الزراعة من النزاعات التجارية مع الصين    الاتحاد يواصل تدريباته استعدادًا لمواجهة الأهلي.. وأتوبيسات مجانية للجماهير    الأهلي يجدد عقد حارسه بعد نهائي أفريقيا    ضبط دهون لحوم بلدية غير صالحة للاستهلاك الآدمي في البحيرة    المديريات تحدد حالات وضوابط الاعتذار عن المشاركة في امتحانات الشهادة الإعدادية    قصف مدفعي إسرائيلي على الحدود اللبنانية    رئيس الوزراء الياباني: ليس هناك خطط لحل البرلمان    البابا تواضروس خلال قداس عيد القيامة: الوطن أغلى ما عند الإنسان (صور)    «التعليم»: المراجعات النهائية ل الإعدادية والثانوية تشهد إقبالا كبيرًا.. ومفاجآت «ليلة الامتحان»    «منتجي الدواجن»: انخفاضات جديدة في أسعار البيض أكتوبر المقبل    السيطرة على حريق شقة سكنية في منطقة أوسيم    حكم زيارة أهل البقيع بعد أداء مناسك الحج.. دار الإفتاء ترد    هل يجوز السفر إلى الحج دون محرم.. الإفتاء تجيب    شم النسيم 2024 يوم الإثنين.. الإفتاء توضح هل الصيام فيه حرام؟    رسالة دكتوراة تناقش تشريعات المواريث والوصية في التلمود.. صور    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



توفيق الحكيم.. الساخر الحق
نشر في فيتو يوم 18 - 10 - 2014

توفيق الحكيم هو رائد الرواية العربية والكتابة المسرحية في العصر الحديث؛ وأحد العلامات البارزة في حياتنا الأدبية والفكرية والثقافية في العالم العربي، امتد تأثيره لأجيال كثيرة متعاقبة من الأدباء والمبدعين، ولد توفيق إسماعيل الحكيم بضاحية الرمل بمدينة الإسكندرية عام (1316ه 1898م) لأب ريفى وأم من أصل تركى كانت ابنة لأحد الضباط الأتراك المتقاعدين، وترجع جذوره وأسرته إلى قرية «الدلنجات» بالقرب من «إيتاى البارود» بمحافظة البحيرة، وقد ورث أبوه عن أمه 300 فدان من أجود أراضى البحيرة، في حين كان إخوته من أبيه يعيشون حياة بسيطة ويكدون من أجل كسب قوتهم بمشقة واجتهاد.
عاش توفيق الحكيم في جو مترف، حيث حرصت أمه على أن يأخذ الطابع الأرستقراطي، وقد سعت منذ اللحظة الأولى إلى أن تكون حياة بيتها مصطبغة باللون التركي، وساعدها على ذلك زوجها.
انتقل الحكيم ليعيش مع أعمامه في القاهرة والتحق بمدرسة محمد على الثانوية، وفى تلك الفترة اشتعلت شرارة الثورة الشعبية المصرية سنة (1337 ه 1919م)، فشارك الحكيم وأعمامه مع جموع المصريين في تلك الثورة، فقبض عليهم واعتقلوا بالقلعة بتهمة التآمر على الحكم، وعندما علم أبوه بالخبر أسرع إلى القاهرة وسعى بأمواله وعلاقاته أن يفرج عن ابنه وإخوته، ولكن السلطات العسكرية لم تتساهل ومانعت بشدة الإفراج عن أي من المعتقلين، إلا أنه استطاع بعد جهد كبير أن ينقلهم من معسكر الاعتقال بالقلعة إلى المستشفى العسكري.
بعد أن هدأت الأحداث بدأت السلطات العسكرية تفرج عن المعتقلين، وكان الحكيم وأعمامه من أول من أُفرج عنهم، فخرج من المعتقل، وقد تركت الحادثة أثرا قويا في نفسه بالنقمة على المستعمرين، وشعورا دافقا بالوطنية والوعى التحرري.
عاد الحكيم في سنة (1338 ه=1920م) إلى دراسته، حيث نال إجازة الكفاءة ثم إجازة البكالوريا سنة (1339ه=1921م) وبرغم ميله إلى دراسة الفنون والآداب فإنه التحق بمدرسة الحقوق نزولا على رغبة أبيه، وتخرج فيها سنة (1343 ه=1925م).
مزج توفيق الحكيم بين الرمزية والواقعية في كتاباته على نحو فريد يتميز بالخيال والعمق دون تعقيد أو غموض. وأصبح هذا الاتجاه هو الذي يكون مسرحياته بذلك المزاج الخاص والأسلوب المتميز الذي عرف به.
يتميز الرمز في أدب توفيق الحكيم بالوضوح وعدم المبالغة في الإغلاق أو الإغراق في الغموض؛ ففى أسطورة إيزيس التي استوحاها من كتاب الموتى فإن أشلاء أوزوريس الحية في الأسطورة هي مصر المتقطعة الأوصال التي تنتظر من يوحدها ويجمع أبناءها على هدف واحد، و(عودة الروح) هي الشرارة التي أوقدتها الثورة المصرية، وهو في هذه القصة يعمد إلى دمج تاريخ حياته في الطفولة والصبا بتاريخ مصر، فيجمع بين الواقعية والرمزية معا على نحو جديد.
تتجلى مقدرة الحكيم الفنية في قدرته الفائقة على الإبداع وابتكار الشخصيات وتوظيف الأسطورة والتاريخ على نحو يتميز بالبراعة والإتقان، ويكشف عن مهارة تمرس وحسن اختيار للقالب الفنى الذي يصب فيه إبداعه، سواء في القصة أو المسرحية، بالإضافة إلى تنوع مستويات الحوار لديه بما يناسب كل شخصية من شخصياته، ويتفق مع مستواها الفكرى والاجتماعي؛ وهو ما يشهد بتمكنه ووعيه.
يمتاز أسلوب توفيق الحكيم بالدقة والتكثيف الشديد وحشد المعانى والدلالات والقدرة الفائقة على التصوير؛ فهو يصف في جمل قليلة ما قد لا يبلغه غيره في صفحات طوال، سواء كان ذلك في رواياته أو مسرحياته.
ويعتنى الحكيم عناية فائقة بدقة تصوير المشاهد، وحيوية تجسيد الحركة، ووصف الجوانب الشعورية والانفعالات النفسية بعمق وإيحاء شديدين.
كان قلم الحكيم كالكرباج، يؤلم في أي اتجاه أراد، لا يفرق في ذلك بين قريب وبعيد، ومن بين عباراته المأثورة:
-»انتهى عصر القلم وبدأ عصر القدم لقد أخذ هذا اللاعب في سنة واحدة ما لم يأخذه كل أدباء مصر من أيام اخناتون»
قالها الحكيم عندما قرأ إن بعض لاعبى كرة القدم دون العشرين يقبضون آلاف الجنيهات.
-«إلى التي عاونتنى وساعدتنى في إخراج هذا الكتاب وإنتاجه، لما دبرته لى من جو الهدوء التام بابتعادها عن البيت».
كتبها الأديب المصرى الساخر لزوجته في مقدمة كتابه «سجن العمر» والذي أهداه لها، حيث اعترف ذات مرة بفضل زوجته قائلا «زوجتى تفهمنى جيدًا، وتساعدنى في عملي، فأسافر ولا تعترض، وأقفل الحجرة عليّ عشر ساعات، أقرأ، وأكتب، فلا تسأل كيف ولماذا ولا تتأفف!!». وقد تحدث الحكيم عن مدى سعادته في عشرة زوجته الطيبة، خاصة أنها تحملته كثيرًا ولم تضق به ذرعًا أو تحد من حريته، وروى حكايات طريفة عن زوجته، قائلًا أنه كان يُحثها على مغادرة المنزل وقت انشغاله بالكتابة، فيقترح عليها زيارة أهلها «مش تروحى تشوفى أهلك»، وتتفهم سريعًا هذا الأمر، فتذهب بالفعل لزيارة أهلها وتتركه يعمل في هدوء.
-«إن حب التفكير نقمة.. آه لو علم الناس كيف يعيش الأدباء ورجال الفكر» ساخرا من حال الأدباء والمفكرين وعدم تقدير الناس لهم.
وكان الحكيم يقول: «ليس للنساء عمل في الحياة سوى الحب، أما حياة الرجل فهى حب العمل، ومن هنا بدأ سوء التفاهم»، كما أن «الجمال هو العذر الوحيد الذي يغفر للمرأة كلّ تفاهتها وحماقتها».
ومن عباراته الناقدة «المصلحة الشخصية هي دائما الصخرة التي تتحطم عليها أقوى المبادئ»، و«لا يوجد إنسان ضعيف، ولكن يوجد إنسان يجهل في نفسه موطن القوة».
عاصر الحكيم الحربين العالميتين 1914 - 1939. وعاصر عمالقة الأدب في هذه الفترة مثل طه حسين والعقاد وأحمد أمين وسلامة موسى. وعمالقة الشعر مثل أحمد شوقى وحافظ إبراهيم، وعمالقة الموسيقى مثل سيد درويش وزكريا أحمد والقصبجى، وعمالقة المسرح المصرى مثل جورج أبيض ويوسف وهبى والريحاني.
كما عاصر فترة انحطاط الثقافة المصرية (حسب رأيه) في الفترة الممتدة بين الحرب العالمية الثانية وقيام ثورة يوليو 1939 - 1952. هذه المرحلة التي وصفها في مقال له بصحيفة اخبار اليوم بالعصر « الشكوكي»، وذلك نسبة لمحمود شكوكو.
انزل جمال عبد الناصر الحكيم منزلة الأب الروحى لثورة 23 يوليو، بسبب «عودة الروح» التي أصدرها عام 1933، ومهّد بها لظهور البطل المنتظر الذي سيحيى الأمة من رقادها. ومنحه عبد الناصر عام 1958 قلادة الجمهورية، ولم يذكر أن عبد الناصر منع أي عمل لتوفيق الحكيم، حتى عندما أصدر «السلطان الحائر بين السيف والقانون» في عام 1959،و»بنك القلق» عام 1966، حيث انتقد النظام الناصرى ودافع عن الديمقراطية.
ووصل الأمر أن عبد الناصر كان يستقبل الحكيم في أي وقت وبغير تحديد لموعد. وهو ما أكده الحكيم نفسه في جريدة الأهرام في 15 مارس 1965.
بعد وفاة عبدالناصر عام 1970 وأثناء تأبين الزعيم سقط توفيق الحكيم مغمى عليه وهو يحاول تأبينه وبعد أن أفاق قال خطبة طويلة من ضمنها:
«اعذرنى يا جمال. القلم يرتعش في يدي. ليس من عادتى الكتابة والألم يلجم العقل ويذهل الفكر. لن أستطيع الإطالة، لقد دخل الحزن كل بيت تفجعا عليك. لأن كل بيت فيه قطعة منك. لأن كل فرد قد وضع من قلبه لبنة في صرح بنائك» إلا أن الحكيم في عام 1972 أصدر كتاب «عودة الوعي» مهاجما فيه جمال عبدالناصر بعنف وأعلن في كتابه أنه أخطأ بمسيرته خلف الثورة بدون وعى قائلا:
«العجيب أن شخصا مثلى محسوب على البلد هو من أهل الفكر قد أدركته الثورة وهو في كهولته يمكن أن ينساق أيضا خلف الحماس العاطفي، ولا يخطر لى أن أفكر في حقيقة هذه الصورة التي كانت تصنع لنا، كانت الثقة فيما يبدو قد شلت التفكير سحرونا ببريق آمال كنا نتطلع إليها من زمن بعيد، وأسكرونا بخمرة مكاسب وأمجاد، فسكرنا حتى غاب عنا الوعي. اعتدنا هذا النوع من الحياة الذي جعلتنا فيه الثورة مجرد أجهزة استقبال ويضيف كيف استطاع شخص مثلى أن يرى ذلك ويسمعه وأن لا يتأثر كثيرا بما رأى وسمع ويظل على شعوره الطيب نحو عبد الناصر. أهو فقدان الوعي. أ‎هي حالة غريبة من التخدير.»
توفى توفيق الحكيم في (29 من ذى الحجة 1407 ه=27 من يوليو 1987م) عن عمر بلغ تسعين عاما، وترك تراثا أدبيا رفيعا وثروة هائلة من الكتب والمسرحيات التي بلغت نحو 100 مسرحية و62 كتابا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.