طوابير من حكايات غاضبة.. «الواسطة» كلمة السر ..وغلظة قلوب الأطباء أصعب من عطب الفؤاد ليس كل من دخل للعلاج بمعهد القلب خرج معافى، لكن كل من دخله خرج - إذا ما ظل على قيد الحياة - وقد تعلم الصبر وحصل على درجة الليسانس فى آدابه وعلومه.. لو حالفك الحظ ومررت بمعهد القلب بإمبابة فسترى وتسمع حكايات أغرب من الخيال، تشعرك بأنك تعيش في عصور الظلام بسبب قصص المرضى الجالسين خارج المعهد فى طابور الانتظار الطويل الذى يبدأ مع أول نفس وينتهى بطلوع الروح.. «فيتو» وقفت فى الطابور. أمام باب الطوارئ وقفت .. شابة صغيرة كحلت الدموع عينيها، منتظرة خروج والدها المسن والذى يعانى من انسداد فى الشرايين وعلة أخرى بالكلى.. «نسكن فى شبرا، وليس لدى أشقاء يحملون عنى عناء رعاية أبى المريض الذى يحتاج لأموال كثيرة، لا نملك منها شيئا، فضلا عن التعب والإرهاق الذى يصيب الرجل الكبير جراء رحلة المعاناة التى تتكرر كثيرا». رجل وزوجته وطفلة صغيرة، جلس ثلاثتهم على الرصيف أمام المعهد يستظلون بشجرة وارفه انتظارا للفرج، فقبل خمس ساعات جاءوا بوالدة الزوجة - المريضة بالقلب - للكشف عليها.. «اسمى سناء، والدتى مريضة وجئنا بها هنا من أجل العلاج، لكن أحدا لم يعرناالانتباه، فهم في الداخل يتناولون إفطارهم ويحتسون الشاى لعدة ساعات وليذهب المرضى إلى الجحيم.. فإن لم يكن لديك «واسطة» فمن الأفضل أن ترحل بمريضك ليموت فى فراشة وسط أهله» على بعد خطوات قليلة جلس رجل كفيف على مشارف الستين من العمر، وراح يجول بأذنه هنا وهناك، فقد راح البصر ووهن العظم منه، ولم يبق سوى السمع، وقلب عليل. «أنا عيد عطية عبد الكريم، خدمت لتسع سنوات بالجيش في سلاح المهندسين، لا أمن على وطنى، لكن أيضا حقى أن أعالج لأستعيد بصرى ويسترد قلبى بعضا من صحته.. كنت أول سائق على خط «القصر العينى» ثم سائق تاكسى فيما بعد، لم تقعدنى علة القلب عن العمل، ولما ذهب نور بصرى توقفت دون إرادتى.. طابور طويل لا أستطيع تحمل مشتقة فى كل زيارة للمعهد، ومع ذلك لا أحد يرحم عجزى وشيخوختى.. فحتى الآن لم أتمكن من إجراء التحاليل التى هى أول الغيث، فكيف أنتظر هطول المطر»! بجوار والدتها النائمة، جلست «منى» تلاحق بنظراتها الداخل والخارج علها تعثر على ضالتها وتفوز بنظرة عطف من طبيب يعطيها «الدفتر»، وهى الطريقة الوحيدة كى تصرف علاجا لوالدتها التى أجريت لها جراحة بالقلب تستلزم علاجا طويلا «حضرتك طبيبة.. فقط أريد الدفتر، منذ عامين ونحن على هذا الحال، أحضر أمى المريضة وأظل بالأسابيع أمام المعهد حتى أحصل على دفتر لصرف العلاج». محمد .. طفل عمره عام واحد وصراخه لا ينقطع، ولد بعيب فى القلب، ويحتاج إلى تدخل جراحى.. لم تشتك أمه فحديثها مختلف. «استقبلنا خيراستقبال، قدموا لنا المشروبات الباردة والساخنة، وبدلا من سفر طفلى للعلاج بالخارج وإجراء عملية تكلف مئاف الآلاف من الدولارات، تقرر إجراؤها له هنا بالمعهد.. كل ذلك لأن لدينا واسطة، بينما مثل ولدى يوجد العشرات بل المئات.. ترى من لهم سوى الله.. فالواسطة ليست متاحة للجميع بينما المرض لا يفرق».. أما فاتن فهى شابة عمرها ثلاث سنوات بعد العشرين، ذبلت نضارتها بسبب المرض اللعين الذى حل بقلبها.. يحول الفقر دون حصولها على تذكرة الكشف التى لا يتعدى ثمنها ثلاثة جنيهات.. «حتى الفقر نستطيع تحمله والتغلب عليه.. لكن مايدمى قلبى - أكثر من المرض - هو معاملة الأطباء السيئة .. صحيح أن بعضهم يتحدث معنا بلطف ولين، لكن غالبيتهم ينظرون إلينا بتعال وضيق، وكأنهم يعاقبوننا لأننا مرضى.. فهل اخترنا المرض برغبتنا!». حين ولد فرح سر أهله وأقاموا الأفراح، غير أن فرحتهم لم تدم طويلا فقد اكتشفوا بقلب الطفل الصغير خالد محمد مرضا يحرمه من الحياة بشكل طبيعى ومزاحمة أقرانه في ميادين اللعب. «عمر ابنى الآن 11عاما، اكتشفنا مرضه وهو فى شهره الأول.. المرض لدينا أخف مرارة من معاملة بعض الأطباء.. ذات مرة كان ابنى يتلوى ألما فطلبت من الطبيب أن يكتب له مسكنا يرحمه من الألم، فنظر إلى زميله وقال له ساخرا: اكتب له 2كيلو فاكهة .. ثم انفجرا ضاحكين!».