منحها السادات وسام الشجاعة من الدرجة الأولى كان من المفترض أن نروى سيرتها ضمن صفحة عن البطولات الشعبية، ولكن شاءت الأقدار عرض قضيتها على حارة الغلابة، تدهورت أحوالها .. وحاصرها الفقر.. رغم أنها «شيخة المجاهدات البدويات» فقد قضت الحاجة «فرحانة» سنوات شبابها فى النضال ضد آلة الحرب الإسرائيلية، وكرمها السادات ،ومنحها وسام الشجاعة من الدرجة الأولى، ونوط الجمهورية. الحاجة فرحانة حسين سالم بلغت 85 عاماً، تعيش فى منزل متواضع بمدينة الشيخ زايد، لا تشكو فقراً، أو فاقة ، رغم سيطرته على حياتها، وتأثيره على حالتها، فقد أصبحت أجمل وأقصى أمانيها قبل مفارقة الدنيا حج بيت الله الحرام.. ولذلك يحاول معارفها وجيرانها تعويض ذلك الحلم بمنحها لقب حاجة، وأصبحت دون حج «الحاجة فرحانة». بدأت كفاحها ضد العدو الصهيونى فى سيناء فى الثلاثين من عمرها، بعد أن اضطرت على وقع ضربات الاحتلال إلى الهجرة إلى القاهرة ، ووجدت لنفسها مأوى فى منطقة إمبابة، وهناك دلتها ابنة عمها على الطريق الصحيح للجهاد ضد العدو.. الذى سلب منهم أرضهم. وشردهم وشرد أولادهم. فكانت بداية رحلات الشتاء والصيف من إمبابة إلى سيناء، ومن سيناء إلى إمبابة ، بعد أن دربها رجال منظمة «سيناء العربية» التى أسسها جهاز المخابرات المصرى على حمل القنابل ، وطرق تفجيرها، وإشعال الفتيل ،وتفجير الديناميت ، ونقل الرسائل والأوامر من القيادة إلى رجال المنظمة الذين أنفقوا الغالى والرخيص لكى تعود سيناء حرة. تروى شيخة المجاهدات ل «فيتو» أولى عملياتها الجهادية فتقول: كانت عملية تفجير قطار فى العريش، فقد قمت بزرع قنبلة قبل لحظات من قدوم القطار الذى كان محملاً ببضائع لخدمة الجيش الإسرائيلى وبعض الأسلحة وعدد من الجنود الإسرائيليين وفى دقائق معدودة كان القطار متفجراً بالكامل، ثم توالت العمليات التى قمت بها بعد ذلك وكنت أترقب سيارات الجنود الإسرائيليين التى كانت منتشرة فى سيناء وقبل قدوم السيارة كنت أشعل فتيل القنبلة وأتركها بسرعة أمام السيارة التى تتحول فى لحظات إلى قطع صغيرة محترقة، تستكمل فرحانة: لقد أعطينا الجنود الإسرائيليين دروساً لن ينسوها طوال حياتهم، ولم يتوقع أحد أن تخرج السيدة البدوية إلى ميدان المعركة ناسفة كل التقاليد والأعراف التى تحرم على البدويات حتى مجرد الخروج أمام الرجال. وتروى «فرحانة» أنها كانت تحمل ذات يوم عدداً من القنابل مخبأة بطريقة خاصة، أحضرتها من القاهرة للتوجه بها إلى العريش لتسليمها للمجاهدين من الرجال ، وقامت دورية إسرائيلية بتفتيش القارب الذى كانت على متنه مع عدد من زميلاتها، فأحست فرحانة أن هذه اللحظات هى اللحظات الأخيرة فى حياتها، فالمؤكد أن الإسرائيليين سيكتشفون القنابل المخبأة لديها وسينسفون رأسها بإحداها لكن هدوءها ورباطة جأشها جعلا المفتشة الإسرائيلية تفتشها تفتيشاً سطحياً فلم تعثر على القنابل. وتضيف فرحانة: «بعد واقعة تفتيشنا من قبل القوات الإسرائيلية فى مدخل مدينة العريش وعدم تمكنهم من العثور على ما أخفيته من قنابل ورسائل للمجاهدين تعودت على المجازفة وأصبحت أعصابى قوية جداً ، وقمت بتهريب القنابل والرسائل عشرات المرات بعد أن تم تدريبى جيداً، من قبل خبراء العمليات التى كانت تتم بدقة شديدة جداً ، وفى سرية تامة لدرجة أننا كنا لا نعرف زميلاتنا من المجاهدات.. وإذا صادف أن تواجدنا معاً فى مكان التدريب فى وقت واحد يتم إخفاء كل مجاهدة عن الأخرى، حتى لا ترى إحدانا الأخري، وقد عرفت بعد انتهاء حرب أكتوبر وانتصارنا على العدو الإسرائيلى أن بعض قريباتى كن يقمن أيضاً بتنفيذ عمليات فدائية وقد تم تدريبهن أيضاً فى نفس المعسكرات التى تدربت فيها. تعيش «فرحانة» حياة بسيطة أغنى ما فيها ذكريات الماضى ولا يعلم أحد غير الله كيف يتوفر لها القوت والزاد، ولا تسأل أحداً ثمناً لكونها بطلة مصرية تستحق التكريم.