- «السيسي» يراهن على السلفيين في إنجاز القوانين.. و«الفلول» يعرضون خدماتهم مجانا.. قوى ناصرية ويسارية تشاكس «المشير».. وتشريعات «القمع» تربك تحالف 30 يونيو «مكره أخاك لا بطل».. مقولة تلخص مستقبل العلاقة بين المشير عبدالفتاح السيسي والبرلمان المقبل.. فالجنرال الذي يحظى بشعبية غير مسبوقة يدخل القصر الرئاسى مكبل اليدين محدود السلطات بأمر الدستور الذي منح مجلس النواب والحكومة سلطات كثيرة تزاحم سلطات الرئيس. وربما لا يعرف كثيرون أن صورة الرئيس الفرعون الذي يأمر فيطاع انتهت إلى الأبد وأن السيسي لا يملك خيار اللعب منفردا بعيدا عن البرلمان الذي ستشكل أغلبيته الحكومة وتناطح الرئيس اختصاصات كثيرة، ويعول السيسي في صراعه مع البرلمان المقبل على القوى التي أعلنت تأييدها له في الانتخابات الرئاسية وعلى رأسها حزب النور ثانى أكبر قوى تيار الإسلام السياسي في مصر من خلال هيئته البرلمانية التي ستتبنى خطط السيسي الإصلاحية عبر مشروعات القوانين والتشريعات التي ستطرح تحت قبة المجلس. على مسافة قريبة من السلفيين يقف طابور طويل من النواب المحسوبين على نظام مبارك والذين يعرضون خدماتهم مجانا على السيسي منذ اليوم الأول لإعلانه الترشح للرئاسة وحتى بعد دخوله القصر، وسيكون لكتلة الفلول دور مؤثر في مساعدة المشير على تمرير القوانين التي يحتاجها خصوصا تلك التي تتعلق بالحريات وبتنظيم قوانين التظاهر وتقليل حدة الإضرابات والاعتصامات التي تمثل عبئا على دولة السيسي منذ إعلان فوزه بالرئاسة. بعيدا عن الفلول والسلفيين يواجه المشير صعوبات بالغة في إقناع الأحزاب ذات التوجه اليسارى والناصرى بأفكاره ومشروعات القوانين التي يحتاجها، وتعتبر الهيئة البرلمانية لحزبى المصرى الديمقراطى والدستور من أشرس الهيئات البرلمانية التي سيكون لها دور مؤثر في تعطيل العديد من القرارات والمشروعات المقترحة من السيسي وخصوصا تلك المتعلقة بالتضييق على المتظاهرين والزج بالإخوان في غياهب السجون وغيرها من التشريعات التي ينتوى المشير إنجازها في العام الأول لحكمه. وتحتاج الوعود الكثيرة التي تعهد بها المشير عبد الفتاح السيسي، والتي تصب من وجهة نظره في حل مشاكل البلاد والخروج بها من أزمتها الراهنة لتصل إلى مصاف الدول المتقدمة إلى تناغم مجلس النواب مع رئيس الجمهورية، نظرا للصلاحيات الكبيرة التي منحها الدستور الجديد للبرلمان، وفي حالة حدوث العكس، وجاء البرلمان معارضا لتوجهات الرئيس، فلن يتمكن السيسي من تنفيذ وعوده، وسيكون مضطرا للسير في ركاب البرلمان وليس العكس. وتحدد المادة 101 من الدستور طبيعة العلاقة بين الرئيس والبرلمان بالنص على أن مجلس النواب يتولى سلطة التشريع، وإقرار السياسة العامة للدولة، والخطة العامة للتنمية الاقتصادية، والاجتماعية، والموازنة العامة للدولة، ويمارس الرقابة على أعمال السلطة التنفيذية، كما تنص المادة 124 على أن الموازنة العامة للدولة تشمل كافة إيراداتها ومصروفاتها دون استثناء، ويُعرض مشروعها على مجلس النواب قبل تسعين يومًا على الأقل من بدء السنة المالية، ولا تكون نافذة إلا بموافقته عليها، ويتم التصويت عليه بابًا بابًا. ويجوز للمجلس أن يعدل النفقات الواردة في مشروع الموازنة، عدا التي ترد تنفيذًا لالتزام محدد على الدولة. وإذا ترتب على التعديل زيادة في إجمالي النفقات، وجب أن يتفق المجلس مع الحكومة على تدبير مصادر للإيرادات تحقق إعادة التوازن بينهما، وتصدر الموازنة بقانون يجوز أن يتضمن تعديلًا في قانون قائم بالقدر اللازم لتحقيق هذا التوازن. وفى جميع الأحوال، لا يجوز أن يتضمن قانون الموازنة أي نص يكون من شأنه تحميل المواطنين أعباء جديدة. ويحدد القانون السنة المالية، وطريقة إعداد الموازنة العامة، وأحكام موازنات المؤسسات والهيئات العامة وحساباتها. وتجب موافقة المجلس على نقل أي مبلغ من باب إلى آخر من أبواب الموازنة العامة، وعلى كل مصروف غير وارد بها، أو زائد على تقديراتها، وتصدر الموافقة بقانون. ما سبق يؤكد أن السيسي لن يستطيع تنفيذ سياساته الاقتصادية إلا من خلال برلمان موالٍ له ومقتنع بسياسته الاقتصادية، وإلا أصبحت جميع برامجه وأحلامه الاقتصادية مجرد حبر على ورق. الأخطر كما نصت المادة 127 من الدستور، على أنه لا يجوز للسلطة التنفيذية الاقتراض، أو الحصول على تمويل، أو الارتباط بمشروع غير مدرج في الموازنة العامة المعتمدة يترتب عليه إنفاق مبالغ من الخزانة العامة للدولة لمدة مقبلة، إلا بعد موافقة مجلس النواب، وهذه المادة كفيلة وحدها بشل خطة السيسي وإفشالها تماما في حالة خلافه مع مجلس النواب وحتى وعود السيسي فيما يتعلق بزيادة المعاشات والمرتبات، لا يمكن تحقيقها هي الأخرى إلا من خلال البرلمان أيضا، وفقا للمادة 128 من الدستور التي نصت على أن القانون الصادر بطبيعة الحال من مجلس النواب، يبين قواعد تحديد المرتبات والمعاشات والتعويضات والإعانات والمكافآت التي تتقرر على الخزانة العامة للدولة، ويحدد حالات الاستثناء منها، والجهات التي تتولى تطبيقها. ويستطيع البرلمان أيضا شل إحدى أهم أدوات الرئيس في تنفيذ برامجه، عن طريق سحب الثقة من الحكومة، فوفقا للمادة 131 من الدستور يحق لمجلس النواب أن يقرر سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو أحد نوابه، أو أحد الوزراء، أو نوابهم. ولا يجوز عرض طلب سحب الثقة إلا بعد استجواب، وبناء على اقتراح عُشر أعضاء المجلس على الأقل، ويصدر المجلس قراره عقب مناقشة الاستجواب، ويكون سحب الثقة بأغلبية الأعضاء. وفى كل الأحوال، لا يجوز طلب سحب الثقة في موضوع سبق للمجلس أن فصل فيه في دور الانعقاد ذاته. وإذا قرر المجلس سحب الثقة من رئيس مجلس الوزراء، أو من أحد نوابه أو أحد الوزراء، أو نوابهم، وأعلنت الحكومة تضامنها معه قبل التصويت، وجب أن تقدم الحكومة استقالتها، وإذا كان قرار سحب الثقة متعلقًا بأحد أعضاء الحكومة، وجبت استقالته. . وحتى إعفاء رئيس الجمهورية للحكومة من أداء عملها لا يتم وفقا للمادة 147 من الدستور، إلا من خلال موافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب. كما أنه لا يحق له إجراء تعديل وزاري إلا بعد التشاور مع رئيس الوزراء وموافقة مجلس النواب بالأغلبية المطلقة للحاضرين وبما لا يقل عن ثلث أعضاء المجلس. كما أنه لا يستطيع رئيس الجمهورية وفقا للمادة 152 من الدستور إعلان حالة الحرب، ولا يرسل القوات المسلحة في مهمة قتالية إلى خارج حدود الدولة، إلا بعد أخذ رأى مجلس الدفاع الوطني، وموافقة مجلس النواب بأغلبية ثلثي الأعضاء. وهو نفس الأمر الذي ينطبق على إقرار حالة الطوارئ، حيت نصت المادة 154 «يعلن رئيس الجمهورية، بعد أخذ رأى مجلس الوزراء حالة الطوارئ، على النحو الذي ينظمه القانون، ويجب عرض هذا الإعلان على مجلس النواب خلال الأيام السبعة التالية ليقرر ما يراه بشأنه، وإذا حدث الإعلان في غير دور الانعقاد العادي، وجب دعوة المجلس للانعقاد فورًا للعرض عليه. وفى جميع الأحوال تجب موافقة أغلبية عدد أعضاء المجلس على إعلان حالة الطوارئ، ويكون إعلانها لمدة محددة لا تجاوز ثلاثة أشهر، ولا تمد إلا لمدة أخرى مماثلة، بعد موافقة ثلثي عدد أعضاء المجلس. واذا كان المجلس غير قائم، يعرض الأمر على مجلس الوزراء للموافقة، على أن يعرض على مجلس النواب الجديد في أول اجتماع له. ولا يجوز حل مجلس النواب أثناء سريان حالة الطوارئ». كما أن رئيس الجمهورية لا يستطيع وفقا للمادة 155 من الدستور إعلان العفو الشامل عن العقوبة إلا بعد موافقة أغلبية مجلس النواب، جاء نصها «لرئيس الجمهورية بعد أخذ رأى مجلس الوزراء العفو عن العقوبة، أو تخفيفها. ولا يكون العفو الشامل إلا بقانون، يُقر بموافقة أغلبية أعضاء مجلس النواب». وحتى في غير دور الانعقاد للبرلمان، وفي حالة وجود ضرورة توجب على رئيس الجمهورية اتخاذ تدابير لا تحتمل التأخير، الزمت المادة 153 رئيس الجمهورية بدعوة المجلس لانعقاد طارئ لعرض الأمر عليه. وإذا كان مجلس النواب غير قائم، يجوز لرئيس الجمهورية إصدار قرارات بقوانين، على أن يتم عرضها ومناقشتها والموافقة عليها خلال خمسة عشر يومًا من انعقاد المجلس الجديد، فإذا لم تعرض وتناقش أو إذا عرضت ولم يقرها المجلس، زال بأثر رجعى ما كان لها من قوة القانون، دون حاجة إلى إصدار قرار بذلك، إلا إذا رأى المجلس اعتماد نفاذها في الفترة السابقة، أو تسوية ما ترتب عليها من آثار. وحتى توجيه اتهام للرئيس بتهمة الخيانة جعلها الدستور أيضا من صلاحيات مجلس النواب، ونصت المادة 159 يكون اتهام رئيس الجمهورية بانتهاك أحكام الدستور، أو بالخيانة العظمى، أو أية جناية أخرى، بناء على طلب موقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، ولا يصدر قرار الاتهام إلا بأغلبية ثلثي أعضاء المجلس، وبعد تحقيق يجريه معه النائب العام. وهو نفس الأمر الذي تكرر فيما يخص سحب الثقة من رئيس الجمهورية، فقد منح الدستور مجلس النواب من خلال المادة 161 على أنه يجوز لمجلس النواب اقتراح سحب الثقة من رئيس الجمهورية، وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، بناءً على طلب مسبب وموقع من أغلبية أعضاء مجلس النواب على الأقل، وموافقة ثلثي أعضائه. ولا يجوز تقديم هذا الطلب لذات السبب خلال المدة الرئاسية إلا مرة واحدة. وبمجرد الموافقة على اقتراح سحب الثقة، يطرح أمر سحب الثقة من رئيس الجمهورية وإجراء انتخابات رئاسية مبكرة في استفتاء عام، بدعوة من رئيس مجلس الوزراء، فإذا وافقت الأغلبية على قرار سحب الثقة، يُعفى رئيس الجمهورية من منصبه ويُعد منصب رئيس الجمهورية خاليًا، وتجري الانتخابات الرئاسية المبكرة خلال ستين يومًا من تاريخ إعلان نتيجة الاستفتاء. وإذا كانت نتيجة الاستفتاء بالرفض، عُد مجلس النواب منحلا، ويدعو رئيس الجمهورية لانتخاب مجلس جديد للنواب ومما يزيد الأمر صعوبة على السيسي في حال وجود برلمان معارض له، هو ما نصت عليه المادة 122 من الدستور التي أعطت للرئيس حق اقتراح مشروعات القوانين، ولكنها اشترطت إحالتها إلى اللجان النوعية المختصة بمجلس النواب، لفحصها وتقديم تقرير عنها إلى المجلس، ولا يتم السير في طريق إقرارها إلا إذا أجازتها اللجنة المختصة بالمقترحات، ووافق المجلس على ذلك، فإذا رفضت اللجنة الاقتراح بقانون وجب أن يكون قرارها مسببًا، في هذه الحالة كأن الاقتراح لم يكن، وهو ما يعني مباشرة أن السيسي لا يمكنه تمرير مجرد قانون يخدم مشروعاته وأفكاره إلا من خلال البرلمان. وحتى إذا أراد السيسي وضع نظام انتخابي للمحليات يضمن به مجالس داعمة له، لن يتمكن من ذلك، وهو نفس الأمر لو أراد إجراء تعديلات في قانون انتخابات مجلس النواب، وحتى المتعلقة بالحقوق والحريات، نظرا لأن المادة 121 نصت على أن القوانين المكملة للدستور تصدر بموافقة ثلثي عدد أعضاء مجلس النواب، واعتبرت أن القوانين المنظمة للانتخابات الرئاسية، والنيابية، والمحلية، والأحزاب السياسية، والسلطة القضائية، والمتعلقة بالجهات والهيئات القضائية، والمنظمة للحقوق والحريات الواردة في الدستور، مكملة له. وبحسبة الأرقام داخل مجلس النواب المتوقع أن يكون عدد أعضائه أكثر من 600 عضو، لن يضمن الرئيس من الآن ولاء أكثر من 30 عضوا فقط، وهي النسبة التي نص عليها الدستور كحق لرئيس الجمهورية في تعين 5 % من أعضاء مجلس النواب. وحتى عندما أراد المشرع الدستوري منح رئيس الجمهورية بعض الصلاحيات ومنها حل البرلمان في حال تأكده من أن مجلس النواب معوق له، ولن يستطيع العمل معه، اشترط أن يكون هذا الحل بعد استفتاء شعبي، وليس صلاحية مطلقة للرئيس، فوفقا للمادة 137 لا يجوز لرئيس الجمهورية حل مجلس النواب إلا عند الضرورة، وبقرار مسبب، وبعد استفتاء الشعب، ولا يجوز حل المجلس لذات السبب الذي حل من أجله المجلس السابق. ويصدر رئيس الجمهورية قرارًا بوقف جلسات المجلس، وإجراء الاستفتاء على الحل خلال عشرين يومًا على الأكثر، فإذا وافق المشاركون في الاستفتاء بأغلبية الأصوات الصحيحة، أصدر رئيس الجمهورية قرار الحل، ودعا إلى انتخابات جديدة خلال ثلاثين يومًا على الأكثر من تاريخ صدور القرار. ولخروج السيسي من مطب ضعف صلاحياته، أمام الصلاحيات الكبيرة لمجلس النواب، لن يصبح أمامه، إلا دعم القوى والأحزاب السياسية الموالية له، بهدف حصولها على أغلبية مريحة تمكنه من تنفيذ برامجه الاقتصادية، وخططه التنموية، ووضع تشريعات تسمح له بجذب استثمارات عربية وأجنبية كما وعد، وهو ما سوف يضعه في إشكالية كبيرة، باعتباره رئيسا لكل المصريين ولا يجب أن ينحاز لأحد باعتباره حكما بين السلطات، وفقا للدستور.