لكى تنتصر فى خديعتك ابدأ من ثانيا. هذه فكرة أعجبتنى عندما كتبها الشاعر الفلسطينى مريد البرغوثى ليشرح كيف تفوز إسرائيل عندما تتجاهل النقطة الأولى، وهى احتلالها أرضا وطرد شعبها، لتبدأ من ثانيا حينما أمسك طفل بالحجارة ويضرب الجندى الإسرائيلى دفاعا عن وجوده. خدعة البداية من ثانيا نقلتها السلطات الشرسة لتتهم شعبها دائما بأنهم أشرار يبدؤون بالعنف. والمجلس العسكرى يبدأ من ثانيا. يتجاهل أن الاعتصام حق مشروع، وليس منحة، وأن المعتصمين سلميون، ويبدأ من ثانيا لكنهم عندما اختطف واحد منهم وأغرقتهم قوات الأمن بسلاحى المياه والطوب... لم يعودوا إلى بيوتهم وقرروا المواجهة. وتخرج من بعد هذه النغمة جوقة منظمة تتحدث عن الفوضى والتخريب، يشترك فى هذه الجوقة حزب سلفى، وكتائب التضليل فى ماسبيرو، وإعلاميون فى قنوات يغازلون فيها الأسياد الجدد بعد سقوط الأسياد القدامى. لا أحد يفكر إلا حسب رواية السلطة، رغم اكتشاف كذبها عدة مرات من العباسية إلى ماسبيرو، إن لم يكن من أيام موقعة الجمل. الجوقة تتحدث عن الفوضى وتنسى السؤال: من يصنع الفوضى؟ من أحرق مبنى الحزب الوطنى الذى أثبتت التحليلات أن حرقه تم من أعلى؟ وكيف تحولت مظاهرة السفارة الإسرائيلية إلى محاولة اقتحام وحرق؟ من سرق المدرعة فى ماسبيرو؟ من شن حرب الغازات فى محمد محمود؟ ووسط كل هذه الجرائم، قتل وقنص للعيون ورعب وخوف من كل خطوة بلا عسكر. ويسألون: من صنع الفوضى؟ من صنعها أيها الواقفون فى المؤاتمرات الصحفية والجالسون على مقاعد التوك شو؟ يتحدث اللواء عمارة ويقول: إذا سقطت وزارة الداخلية سيكتمل مسلسل تخريب مصر. ماذا يقصد؟ هل يقصد أن الثورة كانت بداية المسلسل؟ أم أن الثوار يريدون سقوط وزارة الداخلية؟ لماذا؟ هذه الثورة أنقذت مصر من براثن الدولة الأمنية التى حمت عصابة الفساد وخربت كل ما هو صلب وحى فى مصر. الدولة الأمنية خربت مصر وتريد الاستمرار لتخريبها، جرفت ثروتها وكسرت روح شعبها ونشرت الانحطاط ودفعت كل من لا يستحق ليتحكم فى كل صاحب قيمة. يتحدث اللواء والمجلس كله بفخر عن عقيدة حماية الدولة، وينسى أن يقول أى دولة؟ لأن الدولة التى تقتل وتسحل وتدوس على الأجساد بالمدرعات وعلى الكرامة بكل ما تمتلك من ميليشيات غشيمة لا بد أن تسقط.... نريد دولة تحترم الفرد وتقدس حقوقه.. وتحاسب المسؤول فيها وإن علت مناصبه؟ الدولة التى لا تستطيع محاسبة القاتل فيها ليست دولة. الدولة التى تقتل متظاهرين سلميين ليست دولة. الدولة التى تسحل فيها النساء وتعرى أجسادهن فى الشارع ليست دولة. الدولة التى يحرض إعلامها على حرب طائفية ليست دولة. الدولة التى تتردد فى محاكمة عصابة أفسدتها وسرقتها وتحميهم فى منتجعات طرة والمركز الطبى ليست دولة. هذه ليست دولة.... إنها مافيا تحكمها شبكات سرية. إذا أراد اللواء عمارة أن يعرف من يخطط لحرق مصر ومجلس العشب فليسأل ضباط المباحث الذين يجمعون البلطجية من عابدين والسيدة زينب. يسأل من يريد حرق القاهرة على طريقة نظام الملك فاروق فى 1952، مشاركا معه كل عناصر الفاشية والاحتلال؟ ليسأل اللواء من حرق المجمع العلمى بقنبلة مولوتوف سقطت من أعلى، حيث تقف ميليشيات الهيبة التى تتبول على المتظاهرين وتشير إليهم بالإصبع الوسطى؟ من هؤلاء يا سيادة اللواء؟ هل عرفتم من هم؟ نحن نعرف المعتصمين؟ أبناء وزملاء من أطياف سياسية متباينة وطبقات مختلفة لا يقبلون باستمرار دولة أمنية تريد العودة إلى الحكم بعد سقوطها فى الثورة؟ نعرفهم... ونعرف أنهم يتمتعون بشجاعة سنعلمها لكل الأجيال القادمة لكيلا يدخلوا فى بالونات الخضوع والذل مرة أخرى. نعرفهم يا سيادة اللواء... فهل عرفتم من يخرج من بينكم ليحرق مصر؟ هل عرفتم من قتل وسحل وحرق وتبول؟ من أعطى التعليمات ومن يحرك كل مؤسسات الدولة لتختفى الحقائق...؟ سيادة اللوء ابدأ من أولا.. واعرف أن الدولة ليست كيانا غامضا فوق الجميع كما هى الفاشية.. تقتل وتزرع الرعب.... الدولة هى فضاء حياة.. لا ثكنة ولا عنبر مساجين... الثورة قامت لتسقط الدولة الأمنية وتعيد الأمن إلى دولة جعلها مبارك وورثته شعبا من الخائفين. هذه هى أولا التى ينساها المجلس العسكرى دائما.