ماكرون يعلن عن إطلاق سراح فرنسي معتقل في إيران منذ عام 2022    العراق.. حريق هائل بمصفى نفط في أربيل    دويدار: علامة استفهام كبيرة على أداء المنتخب مع حسام حسن.. وصلاح أقوى منه    «آخرساعة» كانت معهم| الحُجاج المصريين بخير.. وكل الأمور ميسرة    عيد الأضحى 2024.. هل يجوز التوكيل في ذبح الأضحية؟    تصل ل«9 أيام متتابعة» مدفوعة الأجر.. موعد إجازة عيد الأضحى 2024    مفاجأة.. لماذا تم رفع اسم محمد أبو تريكة من قوائم الإرهاب؟    في موسم الامتحانات| 7 وصايا لتغذية طلاب الثانوية العامة    طبق الأسبوع| من مطبخ الشيف أحمد الشناوي.. طريقة عمل اللحم المُبهر بالأرز    وزير الأمن القومي الإسرائيلي يوجه له رسالة شديدة اللهجة لنتنياهو    مصرع 4 أشخاص وإصابة 2 في حادث سير بالمنيا    المفاجآت في قضية سفاح التجمع تتوالى| ارتكب جرائمه ببث مباشر عبر «الإنترنت المظلم»    رسميًا.. تعرف على مواعيد صلاة عيد الأضحى 2024 بجميع محافظات الجمهورية (تفاصيل)    كيف رد هشام عاشور على لقب "جوز نيللي كريم" قبل انفصالهما؟    التليفزيون هذا المساء.. الأرصاد تحذر: الخميس والجمعة والسبت ذروة الموجة الحارة    شاهد مهرجان «القاضية» من فيلم «ولاد رزق 3» (فيديو)    المجازر تفتح أبوابها مجانا للأضاحي.. تحذيرات من الذبح في الشوارع وأمام البيوت    محمد عبد الجليل: أتمنى أن يتعاقد الأهلي مع هذا اللاعب    هل يقبل حج محتكرى السلع؟ عالمة أزهرية تفجر مفاجأة    رابطة الأندية تكشف حقيقة مقترح إلغاء الدوري بسبب ضغط المُباريات    "القاهرة الإخبارية": توغل قوات الاحتلال الإسرائيلي غرب رفح الفلسطينية باتجاه الطريق الساحلي وسط إطلاق نار مكثف    أبرزها المكملات.. 4 أشياء تزيد من احتمالية الإصابة بالسرطان    صدمة قطار.. إصابة شخص أثناء عبور شريط السكة الحديد فى أسوان    التعليم العالى المصرى.. بين الإتاحة والازدواجية (2)    حازم عمر ل«الشاهد»: 25 يناير كانت متوقعة وكنت أميل إلى التسليم الهادئ للسلطة    لماذا امتنعت مصر عن شراء القمح الروسي في مناقصتين متتاليتين؟    بعد ساعات من تحديد جلسة محاكمته، عمرو دياب يطرح أغنيته الجديدة "الطعامة" (فيديو)    24 صورة من عقد قران الفنانة سلمى أبو ضيف وعريسها    بث مباشر افتتاح يورو 2024 بين ألمانيا واسكتلندا    محمد الباز ل«كل الزوايا»: هناك خلل في متابعة بالتغيير الحكومي بالذهنية العامة وليس الإعلام فقط    هاني سري الدين: تنسيقية شباب الأحزاب عمل مؤسسي جامع وتتميز بالتنوع    .. وشهد شاهد من أهلها «الشيخ الغزالي»    مؤتمر نصف الكرة الجنوبي يواصل اجتماعته لليوم الثاني    الأعلى للإعلام: تقنين أوضاع المنصات الرقمية والفضائية المشفرة وفقاً للمعايير الدولية    أرمينيا تعلن نيتها الانسحاب من معاهدة أمنية تقودها روسيا    أخبار × 24 ساعة.. الزراعة: مصر من أكبر مصدرى الفول السودانى للاتحاد الأوروبى    الداخلية تكشف حقيقة تعدي جزار على شخص في الهرم وإصابته    انتشال جثمان طفل غرق في ترعة بالمنيا    «رئيس الأركان» يشهد المرحلة الرئيسية ل«مشروع مراكز القيادة»    «الصحفيين» تعلن جوائز دورة هيكل الثانية في «تغطية النزاعات والحروب» (تفاصيل)    سعر السبيكة الذهب الآن وعيار 21 اليوم الخميس 13 يونيو 2024    الأهلي يكشف حقيقة مكافآت كأس العالم للأندية 2025    مهيب عبد الهادي: أزمة إيقاف رمضان صبحي «هتعدي على خير» واللاعب جدد عقده    برج الأسد.. حظك اليوم الخميس 13 يونيو: انصت للتعليمات    أستاذ تراث: "العيد فى مصر حاجة تانية وتراثنا ظاهر فى عاداتنا وتقاليدنا"    صور.. دار الكتب تحتفل بمسار العائلة المقدسة    اتحاد الكرة يعلن حكام مباراتي بيراميدز وسموحة.. وفيوتشر أمام الجونة    «الأهلي» يزف نبأ سارًا قبل مباراة الزمالك المقبلة في الدوري المصري    بعد ارتفاعه في 9 بنوك.. سعر الدولار مقابل الجنيه المصري اليوم الخميس 13 يونيو 2024    أحمد لبيب رئيسًا لقطاع التسويق ب«عز العرب»    فلسطين تعرب عن تعازيها ومواساتها لدولة الكويت الشقيقة في ضحايا حريق المنقف    في في أوج العدوان والمجازر ضد غزة ..رئيس أركان الجيش الصهيونى يلتقى قادة 5جيوش عربية    اعتقال شخصين بالسويد بسبب إطلاق نار قرب السفارة الإسرائيلية    قبل عيد الأضحى.. طريقة تحضير وجبة اقتصادية ولذيذة    احذري تخطي هذه المدة.. أفضل طرق تخزين لحم الأضحية    مسئول سعودى : خطة متكاملة لسلامة الغذاء والدواء للحجاج    الاتصالات: الحوسبة السحابية واحدة من التكنولوجيات الجديدة التي تؤهل للمستقبل    هل يجوز للأرملة الخروج من بيتها أثناء عدتها؟ أمين الفتوى يُجيب    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



اصعد للطابق الخامس واصرخ!
نشر في التحرير يوم 19 - 12 - 2011

على رأى عمنا الكبير طه حسين: «هذه قصة ليس فيها شىء من الخيال». تخيل أنه يقولها بصوته الفخم المهيب الذى يعامل الحروف العربية كأنها مجوهرات. صحيح أن القصة مرعبة فعلا، لكن هذه هى الحقيقة. وما الجديد؟.. كل طفل يعرف أن هذا يحدث.. الجديد هو أن هذه القصة تحدث لطبيب وزوجته، كليهما مدرس فى كلية الطب التى يتعاملان مع مستشفاها.
د.وليد، ود.دينا زوجته، قضيا فترة لا بأس بها فى بعثة خارجية بكندا، وهناك تعلما اكتشافا غريبا هو أن الإنسان له قيمة، وحياته ليست كحياة صرصور. لما عادا دفعهما الحظ العاثر إلى قيادة السيارة فى تلك المنطقة بطنطا التى يطلقون عليها (الكورنيش) أو المرشحة -بتشديد الشين- ليريا مشهدا يصعب نسيانه. من الطابق الرابع لإحدى البنايات سقط ذلك الصبى الصغير صارخا جوار السيارة بالضبط..
أصيب الاثنان بهلع شديد.. كانا على يقين من أن الصبى مات، لكنه كان حيا بمعجزة ما. وهكذا وقفا مع مجموعة من أهله وأبيه المصدوم، وبدأ الاتصال بالإسعاف.. تكرر النداء عدة مرات فلم يستجب أحد. جربوا الاتصال بشرطة النجدة لكن الخط مشغول للأبد.
كيف يمكن نقل هذا الصغير للمستشفى؟.. هناك احتمال لا بأس به أن يكون عموده الفقرى قد تهشم، ومعنى هذا أن أى محاولة خرقاء لنقله قد تقتله أو تبقيه مقعدا طيلة حياته.
لما مر الوقت الثمين تعاون الطبيب مع أهل الصبى لصنع محفة بدائية تسمح بتثبيت ظهر الصبى، ثم وضعه فى سيارته، وركب معهما الأب، وانطلق الطبيب لا يلوى على شىء نحو المستشفى وهو لا يرفع يده عن آلة التنبيه.. كانت الساعة الثالثة عصرا والزحام فى ذروته.
من الممكن لمن يقدر أن يجرب مستشفى خاصا، لكن ليس هذا هو الحل بالتأكيد.. غالبا لن تجد هناك سوى طبيب امتياز يصيبه الذعر إذا رآك، ومهمته الوحيدة استدعاء واحد من كبار الأطباء، والتأكد من أنك دفعت مبلغا ضخما على الحساب.. الطبيب الكبير يصل بعد ساعتين على الأرجح. الحقيقة أن المكان الوحيد الذى تضمن أن تجد فيه أساتذة الجراحة العامة مع أساتذة التخدير مع أساتذة العظام مع جهاز الأشعة المقطعية.. إلخ.. جنبا إلى جنب هو المستشفى الجامعى.. لهذا اتخذ د.وليد قراره بأن يتجه إلى مستشفى الطوارئ الجامعى.
تقول د.دينا إن سيارتهم تلقت الكثير من السباب وهى تشق طريقها وسط الزحام، بينما راحت هى تصيح من النافذة: «معنا صبى مصاب!». أى أنها قامت بدور سرينة الإسعاف تقريبا.
عندما وصل الطبيب للمستشفى توقع أن مشكلاته انتهت.. هذا هو عالمه ومملكته. لكنه فوجئ بأنه لا يوجد تروللى يضع عليه الصبى. على من يريد أن ينقل الصبى أن يضعه على المقعد المتحرك. المقعد المتحرك معناه القضاء عليه.
كانت هناك سيارتا إسعاف تقفان أمام المستشفى، فطلبا من المسعفين أن ينقلوا الصبى بالمحفة.. لكن المسعفين رفضوا فى كبرياء وقالوا إن محفتهم المقدسة لا تخص مستشفى الطوارئ.
تعاون الطبيبان مع أقارب الصبى -الذى بدا أنه مصمم على أن يظل حيا رغم كل شىء- وصنعوا محفة بدائية تحمى عموده الفقرى، وحملوه إلى غرفة الطوارئ.
هنا وجدوا المشهد الذى يصفه كل من دخل غرفة طوارئ فى كل مكان فى مصر.. سوق الثلاثاء بما فيه من فوضى وشجار وضوضاء وجنون.. لا أحد تكلمه على الإطلاق ولا أحد يعبأ بك.. هناك أطباء امتياز لكنهم لا يملكون خبرة بالطبع. وجف حلق الدكتورة دينا وهى تخبر الناس بشخصيتها ومنصبها.
أما عن سرير الكشف فلا يوجد سرير كشف.. هناك صبى يموت لكن ليس من حقه أن يجد فراشا يموت عليه، وقد نصحهم طبيب الامتياز بأن يرقدوه على أريكة خشبية هناك.
ثم إنه طلب أن يجلبوا تذكرة للصبى ليكتب عليها العروض.
سألته د.دينا: «أين الطبيب المقيم النوبتجى؟».
قال طبيب الامتياز: «إنه مشغول فى الجراحة بالطابق الخامس..».
لما امتد الوقت وتعبت ويئست.. وأدركت أن إنقاذ الصبى مستحيل اتجهت إلى أبيه، وهو يبدو من الفتوات القادرين على الشجار، فقالت له ببساطة:
«اصعد للطابق الخامس واصرخ!».
هذا ليس عنوان رواية لويلكى كولنز، لكنه الحل الأخير الذى وجدته وهى تنصرف مع زوجها يائسين، والأهم أنهما عجزا عن مساعدة الصبى فى مملكتهما الخاصة ذاتها. وفى البيت أجرت عددا من المكالمات، ودخلت ال«فيسبوك» لتفتح موضوعا فى منتدى أعضاء هيئة التدريس هو:
مقترحات لحل مشكلة مستشفى الطوارئ
وبالفعل جاءتها مجموعة من الاقتراحات المفيدة. هناك عميد جديد لطب طنطا، وهو شاب يشهد له الجميع بالنشاط والحماسة، ولسوف يغير الكثير حتما. وبالتأكيد لم يتسع له الوقت بعد، لكن من المفيد أن يسمع أبعاد المشكلة واقتراحات الأطباء فى هذا الصدد.. دعك بالطبع من أن المشكلة ليست مشكلة طنطا بل هى مشكلة كل غرفة طوارئ فى مصر كلها كما قلت.
أعتقد كذلك أن هذه القصة تهز بعض قناعاتى... مثلا أنا أتهم معظم أهل المرضى -بعد الثورة بالذات- بهواية البلطجة والاعتداء على الأطباء، لأن قبضة الأمن تراخت. لكن ماذا أفعل لو وجدت نفسى فى هذا المأزق؟.. حتى الطبيبة الراقية المهذبة لم تجد سوى أن تنصح أبا الصبى بالشجار والصراخ..
فعلا هى دائرة شديدة التعقيد من الفقر.. فقر المرضى والأطباء والمستشفيات.. الفقر يؤدى إلى الإهمال وقلة الاكتراث.. تولد العدوانية والمشاجرات وأخلاق الزحام.. لا أستطيع كذلك أن ألقى باللوم على الطبيب المقيم، فلربما هو فى غرفة الجراحة فعلا، لا يستطيع التقاط أنفاسه من كثرة العمل. أذكر عندما كنت أعمل فى الطوارئ وكان المريض زيد يتشاجر معى ويتهمنى بالإهمال، لأننى مشغول بعبيد. إنها لعبة الورق التى يخسر فيها الجميع.
أن يستطيع المواطن العادى إنقاذ ولده الذى سقط من الطابق الرابع.. هذا هو ما يريده المواطن فعلا، وهذا هو التغيير الذى يصبو إليه، ومن أجله يذهب للانتخابات. يوم تحل الثورة مشكلة كهذه هو يوم نجاحها الحقيقى.. أما الصراعات الفرعية التى أنهكتنا فلا تهمه فى شىء.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.