منذ أن تولى المجلس العسكرى إدارة شؤون البلاد بعد أن نجح الشعب فى ثورته العظيمة فى خلع الرئيس الفاسد حسنى مبارك، وهو يحاول أن يمسك بالسلطة ويبسط نفوذه وارثا سلطات الرئيس المخلوع.. ورغم ارتباكه فى البداية فى السيطرة من خلال جنرالاته الذين انشغل بعضهم بتقديم أنفسهم عبر الفضائيات، فإنه مع مرور الوقت وامتداد الفترة الانتقالية حاول بسط نفوذه بتبريد الثورة والثوار والوصول إلى تشويه وإطلاق تهم جزافية كما حدث من جنرالاته مع ثوار حركة «6 أبريل» باتهامهم بالخيانة والعمالة والتمويل من الخارج فى نفس الوقت الذى غض فيه بصره عن تمويل قوى سياسية -تحالف معها- من الخارج، وقد بدا ذلك واضحا فى الصرف على العملية الانتخابية، فمن أين هذه الأموال التى تصرفها تلك الجماعات وهى جديدة على العمل السياسى؟ إن المجلس العسكرى أراد -وفعل من أجل ذلك الكثير- أن تكون الثورة التى قامت ضد نظام فاسد ومستبد، أراد لها أن تكون عملية نقل سلطة وببعض الإصلاحات ذات الشكل الديمقراطى، وليست ثورة شعبية من أجل الحرية والعدالة والكرامة الإنسانية.. واستعان المجلس بمستشارى السوء ليعيد إنتاج النظام القديم بعد إجراء عمليات تجميل يرضى بها البعض، كما استعان ببعض الإعلاميين لتقديم جنرالاته والتسويق لهم على أنهم من حموا الثورة.. بل إنهم الثوار فى الوقت الذى لم يتحمل فيه مطالب الثوار فى تنفيذ تعهدهم بتحقيق أهداف الثورة، وحاربوا ائتلاف شباب الثورة الذين لم يتنازلوا عن أهداف الثورة فى اجتماعاتهم.. فما كان من المجلس، وعلى طريقة النظام القديم من تشكيل مئات الائتلافات الشبابية التى تدعى أنها ائتلافات ثورية للتخلص من ائتلاف الشباب الأصلى الذى ظل متمسكا بأهداف الثورة، ولم تثنه لقاءات الجنرالات فى الصالونات الفاخرة. وحاول المجلس البحث عن شرعية لإدارته شؤون البلاد، مع أنه كانت معه الثقة الكبيرة من الشعب الذى منحها له من أول يوم نزل فيه الجيش إلى الشارع، وأعاد تأكيدها بعد خلع مبارك، فكان من الاستفتاء على ترقيعات دستورية، لنفاجأ بالفقيه القانونى الجنرال ممدوح شاهين يخرج علينا ويخبرنا بأنه كان استفتاء على شرعية حكم المجلس العسكرى للبلاد، واستمر المجلس العسكرى فى الالتفاف على مطالب الثورة، وللتذكير فإن بعض هذه المطالب كانت متمثلة فى: - إلغاء الطوارئ. - إلغاء مجلس الشورى. - إلغاء نسبة العمال والفلاحين فى مجلس الشعب. وهى أهداف لم تتحقق حتى الآن.. وحتى الأهداف التى عمل على تحقيقها وجاء بعض ضغط شعبى ومليونيات ميدان التحرير وميادين مصر، ومع ذلك جاءت مشوهة.. ولا يمكن أبدا أن تعبر عن سياسة ثورة عظيمة، على سبيل المثال محاكمات رموز النظام السابق وعصابة حسنى مبارك فى الداخلية، والتى بدت رغم عظمتها مسرحية هزلية، ولا أحد يعرف مصيرها بعد التشكيك فى أمور كثيرة تتعلق بها. أيضا قانون الانتخابات الذى صدر بشكل مشوه ولا يعبر أيضا عن الثورة.. وها نحن نحصد نتيجة ذلك عبر الانتخابات التى تجرى حاليا.. فمن دون شك سيكون البرلمان المقبل مشوها ومطعونا عليه.. وربما لن يستمر. قانون العزل السياسى ومحاكمة الفاسدين سياسيا.. والذى صدر بعد أن استعان ببعض منهم فى مناصب مهمة.. وصدر بشكل معقد لا يمكن به محاسبة أى فاسد.. وفى نفس الوقت لم يتمكنوا من استعادة أى من الأموال المهربة والمنهوبة ولم يستعيدوا مترا واحدا من الأراضى التى استولى عليها رجال النظام السابق.. وعندما طالب الثوار بحكومة إنقاذ وطنى تعنتوا وأصروا على الإبقاء على حكومة أحمد شفيق الذى عينه مبارك قبل خلعه، ولكن أمام إصرار الثوار على الإطاحة به استجابوا لترشيح عصام شرف الذى وافق عليه الميدان، ولكن حاربوه وفرضوا عليه وزراءه والتفوا على ما دعا إليه شرف من إصلاحات.. لكنهم كانوا الأقوى وجعلوا الوزارة بمن فيها شرف وكأنها سكرتارية للمجلس العسكرى.. حتى استقال الرجل ولم يستمعوا إلى نداء الميدان والثوار بحكومة إنقاذ وطنى حقيقية بصلاحيات كاملة تستطيع أن تضع مصر من جديد على عتبة الانتقال الحقيقى إلى دولة ديمقراطية مدنية حديثة.. لكنهم أتوا من التاريخ بالدكتور الجنزورى ليستكمل أداء حكوميا مترهلا وبوزراء خاضعين للمجلس العسكرى، وهكذا أصبح الجنزورى نفسه فى حاجة إلى إنقاذ، رغم الكلام الكبير الذى أطلقه فى بداية تكليفه. ونأتى إلى المجلس الاستشارى الذى بدأ الحديث عنه فى الأيام الأخيرة ردا على المطالب بمجلس رئاسى مدنى يشارك فيه العسكر لإدارة شؤون البلاد بعد الفشل الذريع الذى حققه المجلس العسكرى خلال الشهور العشرة الطويلة من المرحلة الانتقالية التى كان قد حددها بستة أشهر.. لكن الطمع فى السلطة جعلهم يلتفون ويدورون حول أهداف الثورة.. ويطرحون الآن المجلس المدنى بشكل استشارى عسكرى!! فعلى إيه الآن مجلس استشارى عسكرى؟ إنه التفاف جديد من المجلس العسكرى لمد فترة وجوده.. يا أيها المرشحون ل«الاستشارى العسكرى».. احذروا.