قالت لى فى نهاية اللقاء (ينفع تطلبى أن الولاد يروحوا بيوتهم ويكملوا محاكمتهم وهمّ فى بيتهم، وإنهم يتحاكموا محاكمة عادية، بلاش محاكمة الطوارئ دى). المفترض أن هذه الجملة عادية ومتوقعة من أم ألقى القبض على ابنها يوم أحداث سفارة إسرائيل ضمن المجموعة الوحيدة التى تم تحويلها إلى أمن الدولة الطوارئ، الذين كان من ضمنهم فادى مصطفى السعيد وبعض الشباب تم الإفراج عنهم لأنهم طلبة، حرصا على مستقبلهم. وبقى ياسر ومعه مجموعة أخرى فى سجن طرة لأنهم ليسوا طلبة. سببت لى الجملة الأخيرة ألما أشد من كل كلام أم ياسر المؤلم. لأنها كانت طوال اللقاء متماسكة، حريصة على أن تضبط ما يظهر من انفعالاتها، وعند هذه الجملة فقدت السيطرة. تغير صوتها وشكل وجهها ولاحت دموع خفيفة فى عينيها. فتأثرت حتى كدت أبكى بدلا منها. أم ياسر مهندسة على المعاش، كانت تعمل مديرة إدارة هندسية فى إحدى الوزارات، وياسر أكبر أبنائها عمره 38 سنة، أب لأربعة أطفال أكبرهم فى القبول يعيش مع أسرته فى أسوان، كانوا جميعا فى إجازة بمناسبة عيد الفطر. حكت لى: السنة اللى فاتت ماجاش، أنا اللى صممت السنة دى أنه يقضى معايا العيد، طول الوقت شغل ومافيش إجازات، قلت له لازم تنزل الإجازة دى، باندم ندم إنى عملت كده، هو بيشتغل فى جهة تابعة لوزارة الزراعة بعقد، وبيشتغل بعد الضهر فى مكتب والده، والده عنده واحد من أكبر المكاتب الاستشارية فى أسوان، المهم إنى حاسة إنى أنا السبب لأنى ضغطت عليه ينزل القاهرة ويقضى الإجازة معانا، وهو -ياسر- قالى فى آخر زيارة إنه حاسس إن ربنا بيعاقبه لأنه زعلنى واتخانق معايا، تخيلى باس إيدى وقالى سامحينى عشان ربنا يرضى عنى، قلت له إنت ذنبك إيه؟ أنا هازعل منك إزاى؟ أنا زعلانة عليك، وقتها أنا ماكنتش عايزاه يروح عند السفارة، لأنى لما شفت منظر الورق اللى بيترمى من شباك السفارة حسيت أن فى حاجة غلط، وقلت له ماتروحش، قال لى أنا مش عيل صغير هتمنعينى، أنا عندى أربع عيال، وكان الكلام قدام عياله، انفعلت عليه أكتر وقلت له ماتنزلش، زعق لى، ونزل غصب عنى، هو فاكر إنى لسه زعلانة منه لأنه زعق لى، ياسر مهذب جدا، وطريقته فى التعامل مع كل الناس محترمة وله حدود بيحاول يحافظ فيها على صورته، وده تقريبا كان سبب القبض عليه، لأنه نزل من عربيته بعد ما كل حاجة خلصت عند مديرية أمن الجيزة وصور بالكاميرا بتاعته صورة لواجهة المديرية فيها واضح أن الشارة مدمرة، أخوه كان معاه وهو اللى حكى لى، فى واحد لابس عادى قرب منه وقال له عيب لما تصور الصورة دى، ياسر فهم أنه ظابط من طريقته، وقال له أنا ممكن أمسح الصورة لو مضايقاك، فقاله لا اتفضل معايا جوة نشوف الصور ونمسحها فى دقيقتين، فراح معاه، ورفض الظابط يدخل أخوه وقاله استناه دقيقتين بره، ومن ساعتها، قعدنا لتانى يوم أربعة العصر لما عرفنا مكانه، لما شفته فى أول زيارة، قلت له ليه ماجريتش منه، قال لى هاجرى ليه يا ماما أنا ماعملتش حاجة أصلا، وهو كان بيعاملنى بمنتهى الاحترام فأنا رديت عليه بنفس الاحترام، هو ده ياسر. بعد كل اللى شفته الأيام اللى فاتت باقول أنا كنت أتمنى أن يكون ياسر له موقف سياسى أو نشاط سياسى، لكن فى الحقيقة هو مالوش غير شغله وبس.. وأربعة أطفال.