لا أعرف بالضبط سر تمسك الأحزاب المصرية بالقائمة النسبية فى انتخابات الشعب القادمة، العقل يقول إن التمسك بالقائمة ينبع من قوة كبيرة لهذه الأحزاب تجعلها تطالب بهذا المطلب، لأنها تعلم جيدا أن قواعدها المنتشرة فى كل مكان فى المعمورة تجعلها تحصد مقاعد كثيرة فى البرلمان القادم، وكل متابع للحركة السياسية بعد قيام الثورة وبداية الحديث عن الانتخابات يعلم أن قيادات الأحزاب القديمة والحديثة كادوا يلطمون عندما قدم المجلس الأعلى للقوات المسلحة اقتراحا بأن تكون نسبة القائمة للفردى 50%، لطموا الخدود وذهبوا إلى الفضائيات يبكون ويؤكدون أن هذه النسبة سوف تضيع الأحزاب وسوف يلتهم الفردى المتهم بأن كل من يصل إلى كرسيه يصل بالبلطجة والمال والفلول وعبر ولولة قادة تلك الأحزاب وبعض الخبراء السياسيين كان الإحساس العام عند العامة فى مصر أنه لا بد أن تعدل هذه النسبة لكى نساعد تلك الأحزاب للوصول إلى البرلمان. لم يكن يعرف كثيرون من هؤلاء العامة أنهم أمام أحزاب كرتونية قديمة من صنع أمن الدولة وأنا فى غاية الاستغراب من قيادات الأحزاب القديمة الذين استغلوا ثورة يناير العظيمة ليركبوا الموجة، ويؤكدون أنهم أبطال الثورة مع أنهم تعاملوا وتحالفوا مع النظام السابق وأصابوا الحياة السياسية بالشلل، ومن الغريب والطريف أنهم صدقوا أنفسهم وتخيلوا أنهم أحزاب حتى كبيرهم حزب الوفد الذى تخيل فى لحظة أنه بالفياجرا ممكن أن يعيش ويرفع صوته مع أنه يعلم تماما أن صوته مات من الشارع، لذلك عندما جاء ليتقدم بقوائمه لم يجد إلا الفلول يتصدرون تلك القوائم، بل من المضحك المبكى أنه كان يرجو قيادات الفلول أن تنضم إليه، هذا هو الحزب الكبير الذى أمطرنا طوال سنوات مضت بأنه أقوى أحزاب المعارضة وأن كوادره ورجاله موجودون بكل مكان فى مصر، وأن النظام السابق هو السبب فى عدم وجوده بالبرلمان، وتناسى هو وصاحب الفياجرا أنه تحالف مع «الوطنى» فى الانتخابات السابقة، وكانت كل قراراته فى أثناء المعركة الانتخابية قرارات متخبطة وليست على مستوى من يدعون أنهم الأقوى فى المعارضة، لذلك فى النهاية لم يجد صاحب الفياجرا إلا التوسل لفلول «الوطنى» للوجود فى قوائمه، وتصل الفاجعة يوم تقديم الأوراق إلى أن أحد أعضاء الهيئة العليا للحزب فى إحدى محافظات الوجه البحرى قَبَّل رأس مرشحة لأنها هددت بسحب أوراقها من القائمة لأنهم لم يدفعوا لها الألف جنيه رسوم التقديم فى مشهد يندى له الجميع، وأمام كل الحاضرين فى القاعة «هذا هو الحزب القوى الشرس المعارض». ونجد على الطرف الآخر حزبا يدعى حزب اليسار، وأنه الصوت المعبر عن الغلابة والمهمومين فى مصر، نجد هذا الحزب الذى صدق نفسه أنه حزب وجلس مع أمن الدولة ليعطيه فتاتا من مقاعد مجلس الشعب والمجلس المحلى، ولولا أمن الدولة ما استطاع هذا الحزب أن يصل إلى مقعد واحد، سواء فى الشعب أو المحليات، وتفرغ رئيسه عبر كتاباته فى الصحف وكتبه الغريبة بأوامر من أمن الدولة، تفرغ لمهاجمة جماعة الإخوان المسلمين، وأكد كثير من المراقبين أن هذا الرئيس الغريب إذا كان تفرغ لقيادة حزب كان فعل معه الكثير بدلا من التفرغ لقضية يخدم بها الحزب الحاكم، هذا الحزب لم يقدر حتى على أن يستجدى الفلول للانضمام إليه، فذهب إلى حزب جديد أنشئ منذ شهور ليستجدى رئيسه الملياردير «ليأخذه تحت إبطه»، حتى ينجح فى تقديم عشرات من كوادره على قوائم هذا الحزب ولتكتشف الصاعقة التى ليس بعدها صاعقة أن كوادر الحزب الجديد المكون منذ أشهر قليلة تتصدر القائمة وحزب اليسار يشرف فى ذيل القائمة، وعندما تبحث عن كوادر هذا الحزب تجدهم على المقاهى منتشرين يتحدثون بكل فجاجة عن آرائهم الفظيعة فى السياسة القادرة على تغيير الواقع المصرى من واقع أليم إلى واقع جميل. أما الأحزاب الجديدة، فمن الصعب أن نوجه إليها اللوم، فالوقت الذى تكونت فيه لا يمكن بأى حال من الأحوال أن يكون كافيا لأى حزب أن يكون قائمة لتقديمها فى الانتخابات، وهذا ما أحزننا، وكنا نتمنى أن يكون الوقت موجودا ليتمكن هؤلاء من تكوين القوائم. لكن من الغريب والطريف أننا وجدنا بعض تلك الأحزاب الجديدة ينشر سماسرته فى كل مكان على المقاهى المحيطة بالمحاكم فى مصر من أجل البحث عن مرشح يدخل على قوائم، لأنه لم ينجح فى إعداد كوادره لخوض الانتخابات، ومن الغريب أن بعض هذه الأحزاب دفعت لمرشحين مبالغ خيالية لدخول القائمة. وأختتم بمشهد غريب حدث فى إحدى محافظات مصر فى أن مجموعة من أعضاء مجلس الشعب السابقين «فلول» استدعوا أمين حزب جديد «فلول أيضا» ليطلبوا منه أن يطلب رئيس الحزب الجديد «فلول» ويؤكد له أنهم مستعدون لتكوين قائمة لهم فى المحافظة والدخول بها مقابل مليون جنيه لكل واحد منهم، واستغرب أمين الحزب الجديد بالمحافظة، لأنه يعلم جيدا أن هؤلاء الأشاوس لن يحصلوا إلا على أصوات قليلة، ونجحوا سابقا بالتزوير، واتصلوا برئيس الحزب الذى وافق على المبدأ واختلف على المبلغ، وطلب من أمينه أن يضمنهم على الأقل فى مقعدين، فرفض الأمين أن يضمنهم ووصل المبلغ المعروض إلى 150 ألف جنيه لكل واحد، ورضى النواب السابقون بذلك ثم اختلفوا على الترتيب وانفض الاجتماع. وسلموا لى على الأحزاب الجديدة والقديمة كمان.