حضرت إلى مهرجان أبو ظبى السينمائى فى دورته الخامسة بعد أربعة أيام من بدايته، وكأن الله قد قدر لى أن أحضر قبل يوم من عرض الفيلم المصرى «أسماء» بطولة هند صبرى وإخراج عمرو سلامة.. كان العرض صاخبا ومبهجا كونه العرض العالمى الأول للفيلم.. حضره وائل غنيم الذى جلس فى الصف الأخير دون أى رغبة فى لفت الانتباه، وحضره محمود عبد العزيز ويسرا وخالد أبو النجا وعمرو واكد والمخرج مروان حامد.. بكت هند صبرى عندما تحدثت عن نهاية الفيلم. وبدأ عمرو سلامة كلماته ب«تحيا مصر» لتزيد عليه هند بقولها: تحيا مصر وتونس، لينتصر ماجد الكدوانى -بطل الفيلم- عليهم جميعا بقوله: تحيا مصر وتونس وتحيا الأمة العربية، لينال تصفيق الجميع. لماذا انتظر الجميع فيلم «أسماء»؟ لأنه فيلم كتب مخرجه السيناريو الخاص به فى ثلاث سنوات، ولأنه الفيلم المصرى الوحيد المشارك فى مسابقة آفاق جديدة بمهرجان أبو ظبى، ولأنه أيضا الفيلم المصرى الأول الذى يتناول مأساة امرأة مريضة بالإيدز. امرأة أربعينية كادحة.. عادية الشكل.. فقيرة المظهر.. تسعى لإجراء جراحة لاستئصال المرارة.. ما الجديد هنا؟! إنها امرأة مصابة بالإيدز.. أسماء.. كانت شابة مفعمة بالحياة.. تعيش مع والدها.. شجاعة وجريئة، حتى إنها، وهى الفتاة الريفية، تقرر أن تختار زوجها بنفسها.. تقتحم رجولته وتكاد تخطفه من بين أقرانه.. لا يجد أمام جرأتها إلا أن يطلب يدها ويتزوجها.. استقلالها وعنفوانها يكون سببا فى سجنه وسببا أيضا فى إصابته داخل السجن بمرض الإيدز. يموت الحبيب والزوج «هانى عادل» وتصاب أسماء أيضا بالمرض.. بعد أن أنجبت منه طفلة سليمة.. تتعايش أسماء مع المرض.. تربى ابنتها وتعيل والدها المحبط والهارب من إصابة ابنته بمرض لا شفاء منه. فى إطار من السرية وداخل غلاف الحياة الكئيبة تلك. يقرر المخرج عمرو سلامة أن يصدمنا فى قيم مجتمعنا وفى أخلاق تعاملنا مع المرضى وفى علاقتنا ببعضنا بعضا.. البطلة ربما تموت بسبب المرارة.. لا بسبب الإيدز.. ربما يقتلها الناس قبل أن يقضى عليها المرض الذى تحمله. أسماء مريضة بالإيدز.. لا ترغب فى الإفصاح عن سبب حملها لمثل هذا الفيروس المعدى والمهين لحامله فى مجتمع مثل مجتمعنا.. وإضافة لهذه الإهانة.. هى أيضا تعانى آلام المرارة.. كل الأطباء رفضوا إجراء جراحة لها عقابا على مرضها بالإيدز.. حتى الطبيب الذى وافق على إجراء الجراحة، طلب أن يعرف -مبدئيا- هل كان سبب إصابتها أخلاقيا أم لا؟ وكأن سؤال الطبيب أخلاقى من الأساس! ظهر فساد الجميع فى التعامل مع حالة مرضية.. أنكرها الأطباء ولفظها أرباب العمل، وحاول الإعلام استغلالها لعمل «شو» جذاب للمشاهدين. فيلم «أسماء» فيلم ميلودرامى من الطراز الأول.. وثائقى بدرجة كبيرة.. حاول عمرو سلامة المخرج وكاتب سيناريو الفيلم أن يقدم سردا مختلفا فيه، ولكن فيلم «678» للمخرج محمد دياب سبقه بسنة واحدة.. حتى إننى كدت ألمح فى طيات الفيلم تفاصيل فيلم دياب عن التحرش الجنسى، لدرجة أن بشرى الممثلة المساهمة فى إنتاج الفيلم وبطلة فيلم «678» قد ظهرت فى لقطة خاطفة وهى تنزل من الأوتوبيس فى فيلم «أسماء»! وكأن الفيلم تكملة لمآسى النساء فى مجتمعنا.. كما أن تحول البطل الرجل فى «678» لم يختلف كثيرا عن تحول البطل الرجل فى «أسماء».. ضابط الشرطة غير المهتم سوى بعمله فى الفيلم الأول، تحول تماما عندما رزق بطفلة، ومذيع التليفزيون المحترف فى «أسماء» تبرع بثلاثمئة ألف جنيه لإجراء عملية البطلة فى نهاية الفيلم، وللمصادفة.. جسد ماجد الكدوانى الشخصيتين فى الفيلمين! قوة القصة وجودتها، وبراعة أداء البطلة هند صبرى، لم تمنع كون الفيلم مفتقدا لعناصر الصورة السينمائية الجذابة، ولمفردات اللغة السينمائية بصريا، فالفيلم المأخوذ عن قصة حقيقية جعل المخرج أسيرا للفكرة وللهدف النبيل للفيلم على حساب الصورة السينمائية. ولكن ورغم ذلك.. لا يجوز أن نتحدث عن فيلم «أسماء» دون الإشادة بالأداء المتميز لماجد الكدوانى فى دور المذيع ولسيد رجب فى دور والد أسماء، ولا يجوز أيضا أن نشيد ب«أسماء» دون أن نشيد بالكاتب والمخرج الذى نقل قصة واقعية عن مريضة بالإيدز، ليحولها إلى فيلم سينمائى.. صحيح أنه افتقد إلى الخيال السينمائى لصراعه طوال الفيلم مع الواقع، إلا أنه لم يفتقد إطلاقا ميزة أن يجعل فيلمه مهما ومؤثرا.