يقول المولى عز وجل: «واعلموا أن الله يعلم ما فى أنفسكم فاحذروه» ( البقرة: 235)، فعلى الإنسان أن يتفحص دخيلة نفسه ليرى ما توسوس به، ويحاذر من أن يتعدى حدود الله، فقد قال سبحانه: «ومن يتعد حدود الله فقد ظلم نفسه» (الطلاق: 1)، فالإنسان فى الحقيقة يظلم نفسه قبل أن يظلم غيره، ولكن أكثر الناس لا يعلمون. وقد جاء فى «مجموعة القصور العوالى» للإمام أبى حامد الغزالى: «عليك بالحذر من النفس، فإنها أضر الأعداء وعلاجها أعسر الأشياء، لأنها عدو من الداخل، واللص إذ كان من أهل البيت عزت الحيلة فيه وعظم ضرره، ولأنها أيضا عدو محبوب، والإنسان عم عن عيوب محبوبه لا يكاد يرى عيبه ولا يبصره، ثم الحيلة فى أمرها أن تلجمها بلجام التقوى والورع». فمن اليسير على الإنسان أن يرى عيوب الآخرين، وأن يبحث عنها، وربما يواجههم بها ويحاسبهم عليها، ففى ذلك تصغير من شأن الآخرين، وبالتالى تعظيم للنفس. أما رؤية الإنسان لعيوبه أو بحثه عنها فأمره عسير، والتخلص منها أشد صعوبة، ولذا يقول المسيح عليه السلام: «ولماذا تنظر القذى الذى فى عين أخيك، وأما الخشبة التى فى عينك فلا تفطن لها، أم كيف تقول لأخيك دعنى أخرج القذى من عينيك وها الخشبة فى عينك، يا مرائى أخرج أولا الخشبة من عينك وحينئذ تبصر جيدا أن تخرج القذى من عين أخيك» (إنجيل متى- الإصحاح 7- الآيات 3 و4 و5). وصاحب البصيرة لا تخفى عليه عيوبه، وتتركز مجاهدته فى علاجها. أما من أراد أن يعرف عيوب نفسه فله، كما يرى الغزالى أربع طرق: الأولى، أن يجلس بين يدى خبير بصير بعيوب النفس مطلع على خفايا الآفات، ويتبع إشاراته فى مجاهداته. الثانية، أن يطلب صديقا صدوقا فينصبه رقيبا على نفسه ليلاحظ أحواله وأفعاله. الثالثة، أن يستفيد معرفة عيوب نفسه من ألسنة أعدائه. الرابعة، أن يخالط الناس وكل ما رأه مذموما ينسبه إلى نفسه، فالمؤمن مرآة أخيه، يرى فى عيوب غيره عيوب نفسه، ويعلم أن الطباع متقاربة فى اتباع الهوى. وقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه، يقول: «رحم الله امرأ أهدى إلىّ عيوبى» فلا بد للإنسان من تزكية نفسه بصفة مستمرة. إذ إن منبع الشرور هو رضاء الإنسان عن نفسه وتوقفه عن تطهيرها. ولذا يقول ابن عطاء الله: «أصل كل معصية وغفلة وشهوة الرضا عن النفس، وأصل كل طاعة ويقظة وعفة عدم الرضا عنها، ولأن تصحب جاهلا لا يرضى عن نفسه خير لك من أن تصحب عالما يرضى عن نفسه. فأى علم لعالم يرضى عن نفسه، وأى جهل لجاهل لا يرضى عن نفسه». ويقول النفرى فى المواقف: «وقال لى أعمال أهل الأرض الحرص والغفلة. فالحرص تعبدهم لنفوسهم والغفلة سكونهم إلى نفوسهم». ومن ثم ففى كل لحظة من لحظات الحياة فرصة عظيمة لمن يحاسب نفسه ويجاهدها.