بقالى كام يوم كده عايز أبعد عن الموضوع السياسى اللى عامل زى بيت جحا ده شوية؛ على سبيل الإستراحة يمكن، على سبيل الملل من التكرار جايز، ويمكن كمان على سبيل الرجوع للأوّل خالص! تعالوا نبدأ كلام عن الأخلاق بتعريفها؛ الأخلاق أوّلا هى الوعى الإنسانى بطريقة التصرّف المُثلى فى المواقف المُختلفة، الأخلاق هى «ما يجب فعله»، هى المبادئ المُحدّدة للّى يصَح يتعمل واللى مايصحّش يتعمل. أنا بالمناسبة عندى غرام بالكلمتين دول فى العامية المصرية؛ يصح ومايصحّش، لإنّهم طالعين من جدر الأخلاق، من قلب فكرتها؛ مابيجيبوش سيرة القانون أو العقاب، مابيجيبوش سيرة الحرام والحلال، بل بيرسموا الكلمتين دول خط فاصل بيقسّم الأفعال كُلّها إلى «يصح أو مايصحّش»؛ مافيش قانون بيقول إنّك لو خبطت فى حد وانت ماشى فى الشارع لازم تقولّه «آسف» بس يصح إنّك تعمل كده، مافيش قانون بيقولّك لو لقيت حد واقع على الأرض حتتعاقب لو سيبته ومشيت، لكن مايصحّش تعمل كده. فيه كتير من الناس بيشوفوا إن الأخلاق مصدرها الأديان، وده من وجهة نظرى مش صحيح أبدا، الأخلاق مصدرها الطبيعة البشرية والفطرة الإنسانية أوّلا، فمصدرها الإله اللى خالق تلك الطبيعة آه، لكن مش الأديان؛ الأسد العجوز مثلا بيجيله أسد أصغر وأقوى منّه، يتعارك معاه ولو كسب المعركة يطرده من أرضه اللى عاش عليها سنين، ويتنحّى الأسد العجوز جانبا ويفضل يحاول يعيش فى سلام لحد ما يموت؛ أمّا البنى آدم فهو فى كل ثقافات الأرض بشكل عام كده بيَحنو على الكبير وبيساعده وهكذا. والأخلاق اللى مصدرها طبيعة البنى آدم دى الأديان طبعا دعمتها عبر تاريخ البشرية، لكن مصدرها كان دايما طبيعة البنى آدم وفطرته؛ والأخلاق اللى مصدرها طبيعة البنى آدم دى بتيجى دايما على قمّة الهرم فى النسق الأخلاقى، لإنّها جاية من طبيعته، من اصله، ودى هى نفسها الأخلاق اللى بتدعمها كُل أديان الأرض حتّى الأديان اللى عملها البنى آدم بنفسُه. والنوع ده من الأخلاق تُقارب أن تكون مُطلَقة، لإنّها موجودة -بفعل الطبيعة- فى كل دساتير البنى آدم الأخلاقية؛ زى الحفاظ على ممتلكات الناس مثلا، زى كراهية الظلم، زى تبجيل الكِبار، مكانة رجال الدين، وحتّى قواعد الحياء المُجتَمَعى العام (على إختلاف طبيعته من مجتمع للتانى) وهكذا. تانى مصدر لأخلاق البنى آدم هو الإتّفاق، الأخلاق موضوع أيضا توافقى، وهنا بقه بتبدأ طبيعة المجتمعات المختلفة والفروق بينها تتدخّل بقوّة فى بناء منظومتها الأخلاقية. والتأثير بتاع إتّفاق الجماعة على الكود الأخلاقى تأثير عظيم الشأن لإنّه فى أحيان كتير بيبقى فى تضاد مع الأخلاق المُطلقة اللى مصدرها الطبيعة والفطرة؛ فتلاقى عند البنى آدم عبر تاريخه الطويل مئات الأمثلة عن مجموعات من الناس صَغُرت أو كَبُرت عندهم فى منظومتهم الأخلاقية عادات بيراها أغلب الناس على إنّها أفعال شاذة وغريبة، ومع ذلك بيبقى عندها مَن يؤمن بيها ويُدافع عنها؛ زى وأد البنات فى الجاهلية مثلا، أو زى حبس البنات ومعاملتهم معاملة الحيوان الأليف، مش فى الجاهلية ولا حاجة، مثلا برضه! ويُلاحَظ هنا إن النوع ده من المبادئ الأخلاقية اللى مصدرها إتّفاق الجماعة دايما دايما يلاقى حتّى من بين نفس الجماعة مَن يرفضه أو يهاجمه أو يحاول تغييره، عكس المبادئ الأخلاقية اللى مصدرها طبيعة البنى آدم وفطرته وأصله، فهى بطبيعتها غير مُطلقة وغير مُتّفق عليها من الجميع. الأخلاق هى مبادئ فى التعامل، ولأنّها مبادئ فهى لازم دائما وأبدا -عشان تبقى أصيلة وأصلية- تبقى مُنسَجِمة مع كل تصرّفات المؤمن بيها؛ فماينفعش تبقى حرامى الصبح وشَريف بالّيل، ماينفعش تبقى مُتسلّط الصُبح وديمقراطى آخر النهار، ماينفعش تبقى كريم السّنادى وبخيل السنة الجاية، ماينفعش تدافع عن حريّتك دون حريّة الآخرين، وهكذا. لازم دائما تتّسق الأفعال الى بتَصدُر عن أى شخص مع كوده الأخلاقى، مع المبادئ اللى هوّ نفسُه مؤمن بيها. ومن الجدير بالذكر ان الأخلاق عبارة عن مبادئ، ومن صفات المبادئ أنّها لا تلتوى. ممكن المبدأ يتغيّر طبعا؛ ممكن يتخلّى عنّه صاحبه ويستبدله بمبدأ آخر، لكن يَبقى لزاما على أى شخص أن تتّسق أفعاله وتصرّفاته «كلّها» مع كوده الأخلاقى (طالما كنّا بنتكلّم عن أخلاق «حقيقية» مش مُصطنعة). موضوع الأخلاق موضوع كبير أوى، كنت بحاول بس أتلَمّسُه كده معاكو، وبصراحة وبالرغم من إنّى فعلا بحاول أنسلخ شوية اليومين دول عن الشأن السياسى، إلّا إنّى لازم أعترف إنّى طول ما انا بفكّر فى مسألة الأخلاق دى وانا عينى على العلاقة بينها وبين الدستور. عشان الدستور ما هُو إلّا الكود الأخلاقى للأمّة كُلّها، الدستور هو مبادئ إيه يصح وإيه مايصحّش. الدستور طريقة الأمم فى تسجيل ما هُو «مُطلَق» من مبادئ الأخلاق، وعشان كده لازم يصدّقه الجميع ويؤمن بيه الجميع لكى يذود عنه دفاعا الجميع. ومافيش وسيلة لتحقيق حكاية «الجميع» دى، إّلا بإن الدستور يكون عينُه على الجميع وهو بيتكتب؛ يدافع عن حقوقهم المكفولة لهم بالفطرة والطبيعة، يحمى «حريّاتهم» جميعا، ويقر مبادئ العدل والحق والخير فيما بينهم. الدستور مش شغلته ينتصر لأى أيديولوجية على أخرى، ولا يخلّى ناس تفرض على أى حد ما يرونه حقّا، بل الدستور هو الحق فعلا «هُوَ ميثاق الحق المُتّفق عليه من جميع الجميع». (غالبا حنكمّل كلام فى الموضوع ده بعدين)، سلامات.