كان «العقرب» يقف على إحدى ضفتى النهر.. يائسا.. حزينا.. يفكر فى كيفية العبور إلى الضفة الأخرى من النهر.. وفجأة.. رأى «ضفدعا» يقفز فى ماء النهر أمامه سعيدا بأوبشناته التى وهبها الله له (ع الأرض شغال.. فى الميه شغال).. ابتهج العقرب.. وأشار بزبانه إلى الضفدع.. «صباح الفل يا ضفدع».. فأجابه الضفدع بحرص واقتضاب وهو يواصل قفزه على أوراق الأشجار الطافية على سطح ماء النهر.. «صباح الفل يا عقرب».. خاطبه العقرب بلهجة حميمية.. «إيه يا عم الضفدع.. مالك بترد عليَّا من تحت ضرسك ليه.. دا احنا أصحاب يا جدع».. فأجابه الضفدع وهو يقفز.. «بص يا عقرب.. مبدئيا أنا ماليش ضرس عشان أرد عليك من تحته.. ثانيا.. إحنا مش أصحاب.. ولا عمرنا حنبقى أصحاب».. مسح العقرب بزبانه دمعة حزن وشجن انهمرت من عينه.. «بقى كده برضه يا ضفدع.. تهون عليك العشرة.. دا احنا ولاد غابة واحدة يا صاحبى.. إزاى مش أصحاب.. يا شماتة حيوانات الغابة اللى جنبنا فينا».. مع نهاية الجملة كان لزاما على العقرب أن يلتقط ورقة شجر صغيرة من جانبه ليجفف بها دموعه التى بدأت تنهمر بغزارة من عيونه.. وبدأت فى تكوين بركة صغيرة من حوله.. توقف «الضفدع» عن القفز.. ونظر إلى العقرب متأثرا بدموعه وحزنه وشجنه.. «خلاص بقى يا عقرب.. ما تعيطش.. إحنا أصحاب يا معلم».. انفرجت أسارير العقرب.. وتوقف عن البكاء.. وهو يشير للضفدع ليقترب منه أكثر.. قفز الضفدع على ورقة شجر طافية على الماء قفزة جعلته فى مواجهة العقرب.. «أؤمر يا عم العقرب».. اقترب العقرب أكثر من الماء وبدأ فى الحديث.. «أيوه.. أهو كده نعرف نتكلم مع بعض.. بص بقى يا عم الضفدع.. أنا وقعت من السما.. وإنت استلقيتنى».. تراجع الضفدع قليلا للوراء.. «خير.. فيه إيه يا عقرب.. قلقتنى».. فأجابه العقرب.. «بص.. أنا حاجيبلك من الآخر.. أنا لازم أكون على ضفة النهر التانية فى خلال 5 دقايق من دلوقتى.. ومش عارف أعمل إيه».. أجابه الضفدع.. «طب وأنا إيه علاقتى»؟!.. أجابه العقرب.. «يانهار إسود.. إلا إيه علاقتك.. دا إنت الوحيد اللى ممكن يساعدنى».. أجابه الضفدع.. «إزاى»؟!.. أجابه العقرب.. «زى الناس.. حتاخدنى على ضهرك.. وتعدينى الناحية التانية.. ولاَّ إحنا صحاب كلام وبس».. تردد الضفدع قليلا قبل أن يجيبه بشك وريبة وحيرة.. «إزاى بس يا عقرب.. ما أنا لو شيلتك على ضهرى.. حتلدغنى».. بدأت الدموع تنهمر من عيون العقرب مرة أخرى.. «بقى كده برضه يا ضفدع.. وأنا اللى باقول عليك نبيه.. مبدئيا.. لازم تعرف إنى ما أقدرش ألدغك لسببين مهمين جدا.. أولهم.. إزاى ألدغ صاحبى وابن غابتى.. تانيهم.. إنى لو لدغتك حنغرق ونموت إحنا الاتنين.. إطمن يا ضفدع».. فكر الضفدع لبرهة فى كلمات العقرب.. واقتنع بها.. وبدأ فى الاقتراب من ضفة النهر التى يقف عليها العقرب.. واستدار.. فصعد العقرب على ظهره.. وبدأ الضفدع فى العوم باتجاه ضفة النهر الأخرى.. وبدأ الشك والخوف يتبخران من عقله بعد أن اقتنع أنه ظلم العقرب فى البداية.. وبينما هما يتجاذبان أطراف الحديث أثناء عبور النهر.. توقف فجأة العقرب عن الكلام.. وشعر الضفدع بدموع العقرب الحارة تسقط على ظهره.. فأدار رأسه بقلق تجاه العقرب الواقف يبكى على ظهره.. «فيه إيه يا عقرب.. مالك».. انفجرت الدموع من أعين العقرب وهو يخاطب الضفدع بنبرة حزينة.. «أنا آسف يا صاحبى.. سامحنى».. ومع إنهاء جملته الأخيرة.. كان زبانه السام مغروسا فى عنق الضفدع.. الذى جحظت عيناه وهو لا يصدق ما يحدث.. أخذ الضفدع يتابع دماؤه الحارة تملأ ماء النهر من حوله.. وشعر بقواه تخور.. وقبل أن تختفى رأسه تحت الماء.. خاطب العقرب بكلمة واحدة هى التى استطاع أن ينطقها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة.. «ليه»؟!.. كانت الدموع تنهمر من أعين العقرب.. وكان يقترب هو الآخر من سطح الماء.. وقبل أن تختفى رأسه.. رد على الضفدع بكلمة واحدة هى التى استطاع أن ينقطها قبل أن يلفظ أنفاسه الأخيرة هو الآخر.. ويغرق.. «طبعى»! تلك الحكاية الشهيرة من حكايات الحكيم «إيسوب» تثبت وتؤكد بما لايدع مجالا للشك أن الطبع غلاب.. فالضفدع لا يستطيع أن يعيش بدون أن يقفز.. والعقرب لا يستطيع أن يعيش بدون أن يلدغ.. وفى قفزة هذا.. وفى لدغة ذاك.. تكمن نهايتهما معا.. تلك النهاية المليئة بالرومانسية والروعة.. والدراما!