د. مجدي العفيفي (1) تجاوز الإطار القطري ليصبح مفكرًا إسلاميًّا له شأن عظيم، واتخذ من الشعر سبيلا لتأكيد رؤيته، وتثبيت أطروحاته، ونشر رسالته حتى علا شأنه وصار رمزًا من رموز النهضة الإسلامية المعاصرة، في وقت كان الصوت الغربي أقوى، وكان المد الاستعماري في عنفوانه، وكان المفكر الباكستاني «محمد إقبال» يشكل موجة إسلامية تكسرت عليها شلالات ذلك الطوفان المتوحش، وفي منظومة ودعوة الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني لإعداد المجتمع الإسلامي المعاصر بغض النظر عن المنهج الثوري أو المنهج الإصلاحي، وهل يبدأ من القمة أم من القاعدة؟ (1) تجاوز الإطار القطري ليصبح مفكرًا إسلاميًّا له شأن عظيم، واتخذ من الشعر سبيلا لتأكيد رؤيته، وتثبيت أطروحاته، ونشر رسالته حتى علا شأنه وصار رمزًا من رموز النهضة الإسلامية المعاصرة، في وقت كان الصوت الغربي أقوى، وكان المد الاستعماري في عنفوانه، وكان المفكر الباكستاني «محمد إقبال» يشكل موجة إسلامية تكسرت عليها شلالات ذلك الطوفان المتوحش، وفي منظومة ودعوة الإمام محمد عبده وجمال الدين الأفغاني لإعداد المجتمع الإسلامي المعاصر بغض النظر عن المنهج الثوري أو المنهج الإصلاحي، وهل يبدأ من القمة أم من القاعدة؟ حمل محمد إقبال الفيلسوف والمصلح والشاعر دعوة قيام دولة باكستان، وكان يحلم بإقامة دولة إسلامية تكون بمثابة «المعمل الذي يثبت فيه الإسلام صلاحيته لتكوين المجتمع الصالح وتنظيم الحياة الاجتماعية، وحل المشكلات الاقتصادية، وتوجيه المدنية توجيها صالحًا، والتطبيق بين العقيدة، والعمل والروح والمادة، والفرد حمل محمد إقبال الفيلسوف والمصلح والشاعر دعوة قيام دولة باكستان، وكان يحلم بإقامة دولة إسلامية تكون بمثابة «المعمل الذي يثبت فيه الإسلام صلاحيته لتكوين المجتمع الصالح وتنظيم الحياة الاجتماعية، وحل المشكلات الاقتصادية، وتوجيه المدنية توجيها صالحًا، والتطبيق بين العقيدة، والعمل والروح والمادة، والفرد والجماعة تطبيقًا يثير العجب، والإعجاب، ويحمل قادة الأقطار الإسلامية على التقليد، أو يحمل المفكرين في العالم على التفكير في أسلوب جديد». هكذا قال محمد إقبال في خطبته التي ألقاها عام 0391 وظل الرجل يسعى لإنشاء هذه الدولة حتى قامت عام 7491، وظل الحلم الكبير يراود زعماء باكستان، وهو ما عبر عنه رئيس وزرائها «لياقت علي خان» في عام 0591 بقوله «لقد أردنا معملا نقيم فيه دولة مؤسسة على مبادئ إسلامية لم يعرف العالم أفضل منها» غير أن التحديات كانت أقوى من الحلم واستمراره. (2) ويذكر للفيلسوف الباكستاني محمد إقبال أنه كان من الداعين للاستفادة من الغرب دون الاستسلام له، ويتجاور في هذا الاتجاه مع جمال الأفغاني ومحمد عبده في مصر وخير الدين التونسي في تونس.. وقد عبر محمد إقبال عن موقفه في ديوانه «أرمغان حجاز» بعد عودته من رحلة الدراسة العليا في إنجلترا وألمانيا فقال: «ها أنذا كسرت طلسم العصر، وأبطلت مكره، التقطت الحبة وأفلت من شبكة الصياد.. ويشهد الله أنني كنت في ذلك مقلدًا للنبي إبراهيم فقد خضت النار بثقة واطمئنان وخرجت منها محتفظا بهويتي» والفيلسوف محمد إقبال اتخذ من القرآن الكريم مصدراً لكتابه «تجديد الفكر الديني في الإسلام»، ويرى أن القرآن يتسامى بشعور الإنسان نحو الرحمن ونحو كل ما هو محيط به في الكون»، ومن أهم المقومات التي تشكل مذهب إقبال في الدعوة إلى تقويم الفكر الإسلامي والحث على أخذ المسلمين بمبدأ يصلح به حالهم في دنياهم، أن يوقفوا بما أودعه الله نفس الإنسان من قوة يقتدر بها على تكييف مسلكه وتدبر أمره، وما تردد في شعره ذكر شيء ما تردد، ذكر تلك النفس أو الذات الإنسانية التي يرى فيها نعمة آثر الله الإنسان بها على خلقه فكانت أمارة على علو منزلته عند ربه». (3) ويذكر الباحثون لإقبال أنه شاعر الفكر والمعنى «حسين مجيب المصري- إقبال والقرآن»، وأنه بوأ الشعر منزلة لم يتبوأ مثلها على يد شاعر سواه فقد حمله على محمل الجد وما قاله إلا كي يطوعه لما فيه الصلاح لأمر الدين والدنيا، وما استثنى من ذلك فلسفة ولا تصوفا إلا سياسة وهو يستلهم القرآن الكريم، فالقرآن كان محددا لشعره، يستمد منه معانيه ويدعو إلى ما ورد فيه، بحيث يهدى العقل بالدين ويسمو بالروح إلى ذروة الإيمان مستشهدًا بمضامين الآيات: لك القرآن كالمرآة فانصب ونفسك دع إذا غيرت واهرب لما قدمت ميزانا لتصنع وفي الماضي قيامات لتطلب وكان إقبال معتزا بهويته الإسلامية، داعيا إلى نبذ كل خلاف: من له الأسلاف والأرض ادعى «لم يلد» ينس «ولم يولد» معا ويقول: تهجر القرآن! أصبحت الأذلاّ وبلوم الدهر أمسيت المملا وكان إقبال يستلهم القصص القرآني ويضمنه شعره، ففي كتابه «جاويد نامة» فصل بعنوان «محكمات العلم القرآني» يضمن بيتا من الشعر جزءا من آية قرآنية يستمد منها دليلا على شرف الإنسان، أو بالتحديد ما يعرف عند الصوفية «بالإنسان الكامل». قول «إني جاعل» تقديره بين أرض وسما تفسيره يومئ إقبال إلى ضرورة أن يستمسك المسلمون بعروة الدين الوثقى، وبهذا وحده يصلح أمرهم، وينكشف عنهم كربهم: يظهر الياقوت من صخر الطريق «يوسف» يخرج من جب عميق ومن ريح القميص فنل نصيبا تنسم من ضفاف النيل طيبا (4) وعند إقبال أن كل ذرة في هذا الكون هي جزء من الذات الإلهية فالله متجل في كل مظهر من مظاهر الكون، لأنه يصر على فصل الخالق عن الخلق: عين موسى رؤية الدنيا أرادت وإليها رغبة التحقيق ساقت «لن تراني» إنها المعنى الدقيق فلتضع في ذلك البحر العميق ومن استلهاماته القرآنية الجميلة في مناجاة الله: إن قرب الروح من «إني قريب» من حياة الخلد للمرء النصيب ومن أبياته الحكيمة المقتبسة من نور آيات القرآن: أهل حرص أي شيء أنفقوا «لن تنالوا البر حتى تنفقوا» وتتجلى في دعوته التوحيد لدى العالم الإسلامي يقول إقبال: إنما التوحيد رمز نذكر في «أتى الرحمن عبدًا» مضمر مسلمون عند أولاد الخليل من «أبيكم»! إن شئت الدليل.