رئيس جامعة حلوان يتفقد كلية التربية الرياضية بالهرم    وزيرة الهجرة تستقبل أحد أبناء الجالية المصرية في كندا    لجنة القيد تحت التمرين.. بداية مشوار النجومية في عالم الصحافة    سعر اليوان الصيني مقابل الجنيه اليوم الأربعاء 29-5-2024    تداول 60 ألف طن بضائع عامة ومتنوعة بموانئ البحر الأحمر    الحكومة توضح موعد وقف خطة تخفيف الأحمال نهائيًا    بنمو 83.1%.. بنك التعمير والإسكان يحقق 2.4 مليار جنيه صافي ربح بالربع الأول من 2024    مصر تشارك في اجتماعات مجموعة بنك التنمية الإفريقي لعام 2024 بكينيا    مصر للطيران تسير اليوم أولى رحلات الجسر الجوى لنقل حجاج بيت الله الحرام    أستاذ اقتصاد: هناك طفرة اقتصادية في العلاقات بين مصر والصين في عهد السيسي    متحدث الرئاسة: قمة مصرية صينية ببكين اليوم    الاتحاد الأوروبى يبحث الخسائر البشرية فى حرب غزة    جوتيريش يدين الغارات الإسرائيلية على مخيمات النازحين فى رفح الفلسطينية    القوات الروسية تدمر أحد أكبر مخازن استلام الأسلحة الغربية فى أوكرانيا    نجم الأهلي يصدم الزمالك في الميركاتو الصيفي بسبب مارسيل كولر (خاص)    مواعيد مباريات الأربعاء 29 مايو - كأس مصر.. ونهائي دوري المؤتمر الأوروبي    دوري المحترفين، القناة يجدد الثقة في أحمد العجوز للموسم الجديد    كأس مصر، موعد مباراة الجيش وبورفؤاد والقناة الناقلة    كريم فؤاد: موسيماني جعلني أمر بفترة سيئة.. ومستوى إمام عاشور بعيد عن أي لاعب آخر    الأرصاد تحذر المواطنين.. تغيرات في الحرارة تؤثر على الطقس حتى نهاية الأسبوع    مصرع مسنة صدمتها سيارة أثناء عبورها الطريق فى البلينا بسوهاج    «تعليم بني سويف» يحذر الطلاب من اصطحاب التليفونات في امتحانات الدبلومات الفنية    تفاصيل إحالة عاطل متهم بسرقة هواتف المواطنين فى الوايلى للمحاكمة    ضبط سلع غذائية منتهية الصلاحية بالفيوم    فرقة aespa ترد على رسائل شركة HYPE للتخلص منها    «السبكي» يستقبل رئيس «صحة النواب» في زيارة تفقدية لمستشفى شرم الشيخ الدولي    جامعة القاهرة: قرار بتعيين وكيل جديد لطب القاهرة والتأكيد على ضرورة زيادة القوافل الطبية    وزير الصحة يبحث مع نظيره السعودي سبل التعاون بين البلدين بالقطاع الصحي    الصحة تناقش مع وزير الصحة السعودى الموقف التنفيذى لمشروعات التعاون المشترك    حظك اليوم وتوقعات الأبراج 29 مايو 2024: تحذير ل«الأسد» ومكاسب ل«الجدي»    بعد ترميمه.. "الأعلى للآثار" يفتتح مسجد الطنبغا الماريداني بالدرب الأحمر    عاجل| إعلام فلسطيني: مروحيات إسرائيلية تنقل جنودا مصابين جراء معارك غزة لمستشفى ببئر السبع    الري تتابع الموقف التنفيذي لمشروع تحديث أنظمة وأجهزة التشغيل والتحكم في قناطر إسنا الجديدة    توريد 223 ألف طن قمح لشون وصوامع البحيرة    بعد مجزرة المخيم.. بايدن: عملية إسرائيل في رفح الفلسطينية لم تتخط الخطوط الحمراء    وزارة الصحة تكشف نصائح لمساعدة مريض الصرع على أداء مناسك الحج بأمان    لهذا السبب.. مي نور الشريف تتصدر تريند "جوجل" في السعودية    متظاهرون مؤيدون لفلسطين يحاولون اقتحام سفارة إسرائيل في المكسيك (فيديو)    3 دول أوروبية تعترف رسميا بدولة فلسطين.. ماذا قال الاحتلال الإسرائيلي؟    محمد فاضل: «تجربة الضاحك الباكي لن تتكرر»    أفضل دعاء الرزق وقضاء الديون.. اللهم ارزقني حلالًا طيبًا    تنسيق الشهادة الإعدادية 2024.. شروط المدارس الثانوية العسكرية والأوراق المطلوبة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29-5-2024    صلاة الفجر من مسجد الكبير المتعال فى بورسعيد.. فيديو وصور    رابط نتيجة الصف الثالث الإعدادي برقم الجلوس 2024.. موعد إعلانها وطريقة الاستعلام    وظائف السعودية 2024.. أمانة مكة تعلن حاجتها لعمالة في 3 تخصصات (التفاصيل والشروط)    حج 2024| ما الفرق بين نيابة الرجل ونيابة المرأة في الحج؟    مواقيت الصلاة اليوم الأربعاء 29 مايو في محافظات مصر    حج 2024| هل يجوز حلق المحرِم لنفسه أو لغيره بعد انتهاء المناسك؟    نصف شهر.. تعرف على الأجازات الرسمية خلال يونيو المقبل    «كان زمانه أسطورة».. نجم الزمالك السابق: لو كنت مكان رمضان صبحي ما رحلت عن الأهلي    جوزيف بلاتر: أشكر القائمين على منظومة كرة القدم الإفريقية.. وسعيد لما وصلت إليه إفريقيا    رئيس رابطة الأنديةل قصواء: استكمال دوري كورونا تسبب في عدم انتظام مواعيد الدوري المصري حتى الآن    أسماء جلال تكشف عن شخصيتها في «اللعب مع العيال» بطولة محمد إمام (تفاصيل)    إبراهيم عيسى يكشف موقف تغيير الحكومة والمحافظين    رسائل تهنئة بمناسبة عيد الأضحى 2024    أحمد دياب: فوز الأهلى والزمالك بالبطولات الأفريقية سيعود بالخير على المنتخب    اليوم.. محاكمة المضيفة المتهمة بقتل ابنتها في التجمع الخامس    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



شاعر الإسلام وفيلسوف الشرق .. محمد إقبال
نشر في محيط يوم 08 - 11 - 2007


شاعر الإسلام وفيلسوف الشرق
محيط - شيرين صبحي
محمد إقبال
" إن الخضوع والاستكانة للأحوال القاهرة من شأن الضعفاء والأقزام أما المؤمن القوي فهو قضاء الله الغالب وقدره الذي لا يرد ..." لقبه الغربيون بالفيلسوف .. تنطلق نظرته الإنسانية من قواعد دينية وأخلاقية وروحية، بغرض الارتقاء بإنسانية الفرد والجماعة ... أشار إلى انه لا أمل للإنسانية في تحقيق السلام إلا بأن تعمل على التوفيق بين عقل الغرب وقلب الشرق والنهوض من أجل إقامة الدعائم لعالم جديد تسوده معاني الحب والعدالة والأخوة. . هو المفكر الإسلامي والأب الروحي لباكستان المعاصرة وبلدان الهند الإسلامية .. شاعر الإسلام وفيلسوف الشرق محمد إقبال .
وُلد محمد إقبال ببلدة سيالكوت بإقليم البنجاب في 9 نوفمبر 1877م ، بحسب أغلب المصادر، من أسرة برهمية كشميرية الأصل, اهتدى أحد أسلافه فيها إلى الإسلام قبل حكم الملك المغولي الشهير" اكبر " ونزح جده إلى سيالكوت التي نشأ فيها إقبال في أسرة متوسطة الحال ملتزمة بالدين ، فكان والده ورعاً ويخشى الله في كل كبيرة وصغيرة ويعلي من قيم الروح، حتى اعتبره بعض الباحثين “صوفيا من غير تصوف".
تعلم مبادئ القراءة والكتابة مبكراً على يد والده، حفظ القرآن وتلقى تعليمه الابتدائي في بلدته، والتحق بمدرسة البعثة الاسكتلندية للدراسة الثانوية، ودرس في هذه المدرسة اللغتين العربية والفارسية. التحق بجامعة لاهور واتصل بالمستشرق الإنجليزي توماس أرنولد، بعدها انضم إلى جمعية “حماية الإسلام وكانت بمثابة فترة التكوين الحقيقي والعميق.
سافر إلى لندن عام 1905م" وبدأ دراسته بكلية اللاهوت , جامعة كامبردج، واستطاع أثناء تواجده في إنجلترا أن يمارس القانون أيضا، ولم يكتف بالدراسة في كامبردج , بل تابع دراسته في جامعة ميونيخ وهناك حصل على درجة الدكتوراه في الفلسفة بأطروحة حملت عنوان " تطور الميتافيزيقيا في بلاد فارس".
عاد إقبال إلى شبه القارة في شهر يوليو 1908م ومكث في لاهور، وقدم طلب لتسجيله محاميًا لدى القضاء الرئيسي، وتم تسجيله بالفعل، ولكن في مايو 1909 عُيِّنَ أستاذًا في للفلسفة في كلية لاهور، ولم توافق المحكمة في أول الأمر على أن يتولى منصبين في الحكومة، ولكنها في نوفمبر 1909م وافقت على تعيينه، وصدر قرار تحت عنوان : "الموافقة على تعيين محامٍ في المحكمة كأستاذ مؤقت في كلية الحكومة، وكان ذلك استثناءً لإقبال، وهذا يصور لنا مدى أهمية إقبال ومكانته في البلاد.
واستمرت هذه الثنائية حوالي عامين ونصف استقال بعدها من العمل بالتدريس؛ ليكون أكثر تفرغًا للمحاماة وممارسة القانون .مرض إقبال في السنوات الأخيرة من عمره، فقد ضعف بصره لدرجة أنه لم يستطع التعرف على أصدقائه بسهولة، وكان يعاني من آلام وأزمات شديدة في الحلق؛ مما أدى إلى التهاب حلقه، وأدى بالتالي إلى خفوت صوته، مما اضطره إلى اعتزال مهنة المحاماة، وفكر في أن يقصد فيينا طلبًا للعلاج إلا أن حالاته المادية لم تسمح بذلك، وتدخل صديقه رأس مسعود؛ حيث اقترح على يهوبال الإسلامية أن تمنحه راتبًا شهريًا من أجل أطفاله الذين ما زالوا صغارًا وحدث ذلك بالفعل واستمر الراتب حتى بعد وفاة إقبال.
تزوج إقبال ثلاث زوجات ماتت إحداهن هي وابنتها بعد الولادة، وكان من أولاده: ابنه آقتاب إقبال المحامي وابنه أجاويد القاضي بمحكمة لاهور العليا، وابنته منيرة باتو.
وفي 21 من إبريل 1938 وفي تمام الساعة الخامسة صباحًا توفي إقبال، وكان يومًا عصيبًا في حياة جماهير الهند عامة والمسلمين منهم خاصة؛ فعطلت المصالح الحكومية، وأغلقت المتاجر أبوابها واندفع الناس إلى بيته جماعات وفرادى، ونعاه قادة الهند وأدباؤها من المسلمين والهندوس على السواء.
كان يقول :

إنما يبقى الحياة المقصد ... جرس في ركبها ما تقصد
سر عيش في طلاب مضمر ... أصله في أمل مستتر
أحي في قلبك هذا الأملا ... لا يحل طينك قبرا مهملا
في صباه
يخفق القلب به بين الصدور ... هو في صدرك مرآة تنير

روى إقبال قصة تلخص علاقته بالفكر الإسلامي وتكشف عن أحد الأسرار المؤثرة في حياته والتي فرضت عليه بعدا جديدا لم يكن يتوقع أن يكون عليه في يوم من الأيام، وهذه الحادثة التي وقعت له وكان لأبيه دور مؤثر فيها تركت في نفسه عدة نتائج إيجابية فقال: "وقع على بابنا سائل وقع القضاء ورفع صوته كأنه نحيب غراب وأخذ يهز الباب. ولما آلمني تصايحه وإلحاحه خرجت إليه وهويت على رأسه بضربة بعثرت ما بيده، مما جمعه طوال يومه. فلما رأى والدي تلك الحادثة اصفر وجهه الأحمر وانحدرت الدموع نهرا على خديه. وقال كلاما لازمني طوال حياتي ولم أنس حرفا منه وكنت كلما تذكرته تدمع عيناي، إذ قال لي : تذكر يا بني جلال المحشر يوم تجمع أمة خير البشر".
شاعر الإسلام

أشعرن القلب الله الصمد ... تخلصن من قيد أسباب وحد
ليس عبد الله عبد السبب ... ما الحياة الحق دور اللولب
ليس غير الله يرجو المسلم ... وهو للناس جميعا سلم
لا تبثن شكاه أحدا ... لا تمدن إلى الخلق يدا

قال وهو يناجي الرسول صلي الله عليه وسلم (يا من منح الكردي لوعة العرب، اسمح للهندي أن يمثل بين يديك ويتحدث بأشواقه وأحزانه إليك، إنه يحمل قلبا حزينا وكبدا مقروحة، لا يعلم أصدقاؤه وزملاؤه ما يعانيه من حزن ألم انه لا تنقطع ألحانه المشجية كالعود الذي لا راحة له ولا انقطاع ، إنني كحطب في الصحراء مرّ به ركب فأشعل فيه النار وأعجل الركب السير فمضى وخلّفه وبقي الحطب يشتعل وينتظر ركبا جديدا ليستهلكه ويأتي على بقيته فمتى يمر به ركب جديد في هذه الصحراء الموحشة المظلمة؟)
قرض إقبال الشعر في مرحلة مبكرة من حياته ، وشجعه في ذلك صديق والده السيد مير حسن - الذي يعد أستاذه في نظم الشعر، وكانت أشعاره باللهجة البنجابية التي كانت سائدة في محافظته ، وبينما كان إقبال ما يزال في أوروبا بدأ بكتابة الشعر باللغة الفارسية , وكان اختياره للغة الفارسية كونها قادرة أن توصله إلى جمهور أوسع في إيران وأفغانستان , لكنه لاحقا وبتوجيه من السيد مير حسن قرر أن يكتب بالأوردية بعد أن اكتشف أن معظم شعبه الأصلي من الهنود لا يفهمون الفارسية، غنت له أم كلثوم إحدى قصائده و هي "حديث الروح" .

من إحدى قصائده يقول :

مؤمناً بالغيب غير غافل ... كارهاً كالسيل قيد الساحل
أعل عن ذا الطين غصناً ناضراً ... وصل الغائب واغز الحاضرا

تناول في الكثير من أشعاره الشخصيات الدينية، فقال واصفا خليل الله سيدنا إبراهيم - عليه السلام :

نحت أصنام آزر ... صنعة العاجز الذليل
والذي يطلب العلا ... حسبه صنعة الخليل

ويذكر إقبال سيدنا علي ( كرم الله وجهه ) في الكثير من أشعاره، لأن علياً عند إقبال صورة الإنسان القرآني الذي يرنو إليه محاولاً إقتداءه والتأسي .
قال في السيدة فاطمة الزهراء :

والنجم يشرق من ثلاث مطالع ... في مهد فاطمة فما أعلاها
هي بنت مَن ، هي زوج مّن ، هي اُم مّن ... مّن ذا يداني في الفخار أباها

ومن أقواله في مسجد قرطبة قصيدة يضعها بعض الباحثين بين روائع الأدب العالمي
يقول فيها :

نسيمك عذب رقيق الهبوب ... أيا جامعًا فيك جمع القلوب
أيًا جامعي خصني بالنظر ... أنا المؤمن الحق فيمن كفر
لكم حسن شوقًا لرب العباد ... وإيمانه زاد دومًا وزاد

لم يقتصر شعر إقبال علي التغني بحب الإسلام ، بل تناول الكلام في العشق حتي أنه رد علي الذين أنكروا عليه ذلك في قصيدة بعنوان " إيه يا منكرا أحاديث عشقي " قال فيها :

إيه يا منكرا أحاديث عشقي ... ليس بي حرقة تكون بغيري

ويقول في قصيدة " نغمات المرء عزف المرأة "

نغمات المرء عزف المرأة ... هو من محنتها في عزة
كست الذكران ربات الحجال ... إن ثوب العشق من نسج الجمال

دولة لمسلمي الهند .. حلم بعيد
بعد عودة إقبال من الخارج إلى بلاده اشتغل بالسياسة والفلسفة، وانتخب عضوًا بالمجلس التشريعي بالبنجاب، وكان
موقع باكستان
وثيق الصلة بأحداث المجتمع الهندي حتى اصبح رئيسا لحزب العصبة في الهند ، وأخيرًا رئيسًا لحزب مسلمي الهند، وكان العضو البارز في مؤتمر الله أباد التاريخي حيث نادى بضرورة انفصال المسلمين عن الهندوس ورأى تأسيس دولة إسلامية اقترح لها اسم باكستان، ولذلك فهو يعد الأب الروحي لباكستان المعاصرة وبلدان الهند الإسلامية، حيث كان يحلم بإنشاء وطن للمسلمين في شبه القارة الهندية لتحفظ للمسلمين عقائدهم وحضارتهم في شبه القارة ذات الأغلبية الهندوسية.
ولكن اقبال لم يعش حتى يرى ما كان يتمناه ويحلم به حقيقة؛ إذ توفي قبل أن تظهر دولة باكستان التي انفصلت عن الهند في 14 أغسطس 1947م وتألفت من جناحين: جناح غربي يسمى باكستان الغربية، يضم ولايات: السند، والبنجاب الغربية، بلوشستان، ومقاطعة الحدود الشمالية الغربية. أما الجناح الشرقي فيضم : البنغال الشرقية، ومقاطعة "سِهلت" ويعرف باسم باكستان الشرقية. وبين الجناحين مسافة كبيرة تصل إلى 1600 ميل تشغلها دولة الهند، وليس بين الجناحين اتصال إلا عن طريق الجو.
وصف حال المسلمين في الهند ذات مرة قائلا :

هذا هو المسجد الذي لا يقربه أحد منهم
لكن إذا أخذ أحد منه حجرا قاموا بثورة
زار إقبال عددًا من بلدان العالم، وكان في كل أسفاره يعمل على نشر الإسلام، وقد أثر بشعره وأسلوبه في كثير من الأوروبيين ومنهم موسوليني الذي وجه له دعوة عقب مشاركته في مؤتمرات المائدة المستديرة في لندن عامي (1930 1931)، وذهب بالفعل إلي إيطاليا والتقى بموسوليني وألقى محاضرة، في روما يبين فيها الفرق بين مذهب كل من الحضارة الغربية والشيوعية والحضارة الإسلامية
زار إقبال أسبانيا في عام 1932م بعد أن حضر مؤتمر الدائرة المستديرة الثالث، وحرص على مشاهدة المعالم الإسلامية هناك ومما قاله في قرطبة :

لحورية الغرب وجه جميل ... وجناتها أذنت بالرحيل
على العين والقلب كن ذا حذر ... سماؤك فيها جمال القمر

وزار أفغانستان على إثر دعوة وجهها له نادر شاه ملك أفغانستان، ومر في إحدى رحلاته على مصر، وقابل بعض شبابها وأعجب بشاب مصري، ويقول: إن الشاب فرح جدًا عندما علم أن إقبال مسلم ويقرأ القرآن، وقيل: إن إقبال لبس الطربوش بسبب المحادثة التي دارت بينه وبين هذا الشاب، ويذكر الأستاذ أبو الحسن الندوي أنه زار فلسطين في سنة 1931، ومما قاله وهو في فلسطين :

ولما نزلنا منزلاً طله الندى ... أنيقًا وبستانًا من النور حاليا
أجد لنا طيب المكان وحسنه ... مني فتمنينا فكنت الأمانيا

ومن أقواله في افتتاح المؤتمر الإسلامي عام 1930 " على كل مسلم عندما يولد ويسمع كلمة لا إله إلا الله أن يقطع على نفسه العهد على إنقاذ الأقصى".
فلسفته الدينية
"حاولت بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناء جديداً آخر يعني الاعتبار المأخوذ في فلسفة الإسلام إلى جانب ما جرى على المعرفة الإنسانية من تطور في نواحيها المختلفة".
يعد إقبال من ابرز مفكري الإسلام في العصر الحديث, وتمتاز كتاباته بالعمق والشمول, فإنتاجه الفكري الفريد " تجديد الفكر الديني في الإسلام " , الذي يضع في بدايته هدفا يبدو غريبا على مجال التداول الإسلامي في زمنه ألا وهو محاولة بناء الفلسفة الدينية الإسلامية بناءا جديدا.
أما المنهج القرآني عند إقبال فهو تجريبي، يقول "إن ظهور منهج الملاحظة والتجربة في الإسلام لم ينشأ عن توافق بين
ديوان جناح جبريل - من أعماله
العقل الإسلامي والعقل اليوناني بل كان راجعا إلى صراع عقلي طويل المدى، والواقع هو أن اليونان الذين وجهوا جل عنايتهم إلى النظري المجرد دون الواقع المحسوس, اتجه تأثيرهم على الأكثر إلى حجب أنظار المسلمين واستقلاله خلال قرنين من الزمان على الأقل. ولهذا فإني أود أن استأصل تلك الفكرة الخاطئة التي تزعم أن الفكر اليوناني شكل طبيعة الثقافة الإسلامية".
أما التجربة الروحانية الإلهية فيعتبرها إقبال على نفس المستوى من الواقعية مثل بقية التجارب البشرية، كما وقف إقبال عند مشكلة الحرية الإنسانية مبينا أن تعاليم الإسلام قد أكدتها ولكن غلبة الأغراض السياسية ألحقت بالجماعة الإسلامية أضرارًا بليغة .
الإعلاء من شأن الاجتهاد
أطلق إقبال مقولة في كتابه "تجديد التفكير الديني في الإسلام" اعتبر فيه أن الاجتهاد هو مبدأ الحركة في الإسلام، هذه المقولة توقف عندها العديد من الباحثين والمفكرين، والذين رجعوا إليها وجدوا فيها مضموناً ودلالات مهمة، فالمستشرق البريطاني "هاملتون جيب" يرى في كتابه "دعوة تجديد الإسلام" إن إغلاق باب الاجتهاد وضع حداً فعالاً لمبدأ الحركة في الإسلام، وحسب رواية "فضل الرحمن" فان "إقبال" تخلى عن فكرة كتاب حول الاجتهاد كان يزمع تأليفه بعد نصيحة سمعها من السيد "سليمان الندوي"، فإقبال كما يذكر "فضل الرحمن" كان يستمع في بعض الأحيان إلى مشورة العلماء، بل ويطلبها. ويري المفكرون أن إقبال كان دقيقاً في مقولته فقد استعمل مفهوم الحركة بحسب المدلول الذي يعطى له في الفلسفة، ويقصد منه انتقال الشيء من القوة إلى الفعل على سبيل التدرج.
ويشدد اقبال على أن القرآن الكريم يعنى بالعمل اكثر مما يعنى بالرأي,الا انه يؤكد على اهمية النظر والاستدلال في إطار من التكامل والشمول في فهم النص والواقع .
وفي مجال الإلهيات, يظهر قدرة فائقة على الاستشكال والاستدلال، وذلك من خلال الرد على جملة البراهين التي قدمها "ديكارت" حول إثبات آخر ما توصل إليه العلم في عصره, معتمدا على القرآن الكريم باعتباره لا يناقض المعارف الثابتة.

عبد الإنسان أصنام البشر ... فهو في عدم وذل محتقر
قيصر العسف وكسرى قيدا ... منه جيدا ثم رجلا ويدا

لعل إقبال أول من استخدم مصطلح التجديد الديني بدلا من الإصلاح الديني - وان كان بصيغة إعادة البناء في مرحلة النهضة الإسلامية المعاصرة .
فيلسوف الشرق

إن خطمت الصعب قدت العالما ... نافذ الأمر عليه حكما
مشرقا في الأرض ما دار الفلك ... فترى الملك الذي يخلد لك

لقبه الغربيون والألمان تحديداً بالفيلسوف، ومن النادر أن يطلق الغربيون مثل هذا الوصف على مفكر ديني من الشرق.
يقول: "لقد صرفت أغلب أوقات حياتي في دراسة الفلسفة الغربية. وغدت رؤية هذه الفلسفة شيئا مألوفا لدي الآن. وعن وعي، و عن لاوعي أيضا، أخضع وقائع الإسلام إلى التحليل من زاوية نظر هذه الفلسفة. وكان من نتيجة ذلك أنني قد لاحظت في العديد من المرات أنني لا أستطيع التعبير عن هذه الإشكاليات بلغة الأوردو." عبارات أفصح مما يمكن أن تقوله مجلدات بأكملها!
عمل إقبال على إعادة الاعتبار للفلسفة, وذهب إلى حد القول إن للفلسفة حقا في الحكم على الدين، حيث أكد مرارا على إن الصلة بين الفلسفة والدين هي من نوع الصلة بين الفكر والبداية فكل منهما يعمل على تكميل الأخر ولا يناقضه, كونهما ينبعان من اصل واحد، حيث يقول : "عندما تتهيأ الفلسفة للحكم على الدين لا تستطيع ان تفرد له مرتبة دنيا بين الموضوعات التي تتناولها فالدين ليس أمرا جزئيا, ليس فكرا مجردا فحسب, ولا شعورا مجردا بل هو تعبير عن الإنسان كله"
يصوغ إقبال نظرية فقهية تلخص رأيه في القدر فيقول: "إن الزمن ككلية عضوية هو ما يعنيه القرآن بعبارة القدر؛ عبارة غالبا ما تم تأويلها على وجه الخطأ سواء داخل العالم الإسلامي أو خارجه. إن القدر ليس شيئا آخر غير الزمن منظورا إليه في ما قبل انكشاف إمكانياته المتعددة وإن قدر شيء ما ليس قضاء ثابتا متحجرا يفعل فعله من الخارج مثل مربي صارم متعال، بل هو المدى الداخلي لشيء ما ومجمل إمكانياته القابلة للتحقق، وإذا ما كان الزمن شيئا واقعيا فإن كل لحظة من لحظات الحياة الواقعية ستكون أصيلة إذن وتتمخض عما هو جديد حقا وغير متوقع سلفا. وفي القرآن يرد ما معناه أنّ الله له في خلقه في كل يوم شأن جديد. إن الوجود داخل الزمن الواقعي يعني إعادة خلق الزمن في كل لحظة، وأن يكون المبدع حرا حرية مطلقة وأصيلا في خلقه. إن الكون في مجمله عبارة عن حركة إبداع متحررة من كل القيود."
مؤلفاته
ترك إقبال ثروة ضخمة من علمه قلما تركها أحد مات في مثل سنه وما وصل إلينا منها عشرون كتابًا في مجال الاقتصاد والسياسة والتربية والفلسفة والفكر وترك أيًضا بعض الكتابات المتفرقة وبعض الرسائل التي كان يبعث بها إلى أصدقائه أو أمراء الدول، ذلك إلى جانب روائعه من الشعر والتي استحق أن يسمى بسببها (شاعر الإسلام).
من أهم مؤلفاته بالإنجليزية :
- تطور الفكر الفلسفي في إيران، وترجمه إلى العربية حسن الشافعي ومحمد السعيد جمال
الدين، ونشر بالقاهرة عام 1989م.
- تجديد الفكر الديني في الإسلام، وترجمه عباس العقاد إلى العربية.
ومن أشهر دواوينه :
- ديوان أسرار إثبات الذات.
- ديوان رموز نفي الذات.
- وديوان رسالة المشرق.
- ديوان ضرب الكليم.
وقد ترجم عبد الوهاب عزام هذه الدواوين إلى العربية.
قالوا في فيلسوف الإنسانية :
يقول عنه " طاغور- شاعر الهند " : لقد خلفت وفاة إقبال في أدبنا فراغًا أشبه بالجرح المثخن الذي لا يندمل إلا بعد أمد طويل، إن موت شاعر عالمي كإقبال مصيبة تفوق احتمال الهند التي لم ترتفع مكانتها في العالم".

الشيخ " أبو الحسن الندوي" : من دواعي العجب أن كل هذا النجاح حصل لهذا النابغة، وهو لم يتجاوز اثنين وثلاثين عامًا من عمره .
"مرتضى مطهري" : إقبال من الذين لم ينقلبوا على هويتهم الدينية مع شدّة احتكاكه بثقافات الغرب وفلسفاته.

"فضل الرحمن" : ليس من قبيل الصدفة ألا تعرف الحداثة الإسلامية أي طالب جادّ للفلسفة في طول العالم الإسلامي وعرضه، يمكن الافتخار به سوى محمد إقبال" .

حسن أبو هنية : محمد إقبال أحد أهم المفكرين المعاصرين البارزين, الذين قاموا باستثمار الثقافة الإسلامية الأصيلة في التعامل مع الثقافة الغربية, إفادة لها وتقويما من خلال دعوته إلى تجديد الفكر الديني إلا أن دعوته لم تلق الاستجابة اللائقة .
حسين عمر حمادة : محمد إقبال فيلسوف الذات وشاعر العشق .


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.