مياه سوهاج تشارك بالمعرض الدولي الأول في مصر لتكنولوجيا معالجة مياه الصرف وتنقيتها وتحليتها في دورته الثامنة    رئيس جهاز الشروق يقود حملة مكبرة ويحرر 12 محضر إشغالات    مصادر تكشف ل الشروق تعديلات حماس على ورقة وقف إطلاق النار    إعلام عبري: حزب الله هاجم بالصواريخ بلدة بشمال إسرائيل    ليفاندوفسكي يحسم موقفه من الانتقال للدوري السعودي    تشكيل الإسماعيلي المتوقع أمام الأهلي في الدوري    14 درجة مئوية.. الأرصاد تحذر من انخفاض الحرارة ليلًا (فيديو)    «التعليم» تحدد موعد امتحانات نهاية العام للطلاب المصريين في الخارج 2024    3 ألحان ل حميد الشاعري ضمن أفضل 50 أغنية عربية في القرن ال 21    الخميس..عرض الفيلم الوثائقي الجديد «في صحبة نجيب» بمعرض أبو ظبي للكتاب    إحالة فريق تنظيم الأسرة و13 من العاملين بالوحدة الصحية بالوسطاني في دمياط للتحقيق    هيئة سلامة الغذاء تقدم نصائح لشراء الأسماك المملحة.. والطرق الآمنة لتناولها في شم النسيم    بالفيديو.. خالد الجندي: هناك عرض يومي لأعمال الناس على الله    مفاجأة بأقوال عمال مصنع الفوم المحترق في مدينة بدر.. تفاصيل    بالفيديو.. خالد الجندي: القرآن الكريم لا تنتهي عجائبه ولا أنواره الساطعات على القلب    تويتر الآن بث مباشر مباراة الهلال والاتحاد في نصف نهائي كأس الملك    "تضامن النواب" توصي عدم الكيل بمكيالين واستخدام حقوق الإنسان ذريعة الأهداف سياسية    النائب العام يقرر إضافة اختصاص حماية المسنين لمكتب حماية الطفل وذوي الإعاقة    دعاء ياسين: أحمد السقا ممثل محترف وطموحاتي في التمثيل لا حدود لها    موقف طارق حامد من المشاركة مع ضمك أمام الأهلي    خطوة واحدة تفصل ليفربول عن ضم الصخرة    وفد سياحي ألماني يزور منطقة آثار بني حسن بالمنيا    هيئة الرقابة النووية والإشعاعية تجتاز المراجعة السنوية الخارجية لشهادة الايزو 9001    القوات المسلحة تحتفل بتخريج الدفعة 165 من كلية الضباط الاحتياط    غرق بمياه ترعة.. العثور على جثة شخص في الصف    طرد السفير الألماني من جامعة بيرزيت في الضفة الغربية    90 محاميا أمريكيا يطالبون بوقف تصدير الأسلحة إلى إسرائيل    كتائب القسام تفجر جرافة إسرائيلية في بيت حانون ب شمال غزة    "بتكلفة بسيطة".. أماكن رائعة للاحتفال بشم النسيم 2024 مع العائلة    زاهي حواس يوضح سبب تجاهل الفراعنة لوجود الأنبياء في مصر.. شاهد    جامعة طنطا تُناقش أعداد الطلاب المقبولين بالكليات النظرية    موعد إجازة عيد العمال وشم النسيم ل القطاع الخاص 2024    الآن داخل المملكة العربية السعودية.. سيارة شانجان (الأسعار والأنواع والمميزات)    كرة سلة – قمة الأهلي والزمالك.. إعلان مواعيد نصف نهائي دوري السوبر    رئيس غرفة مقدمي الرعاية الصحية: القطاع الخاص لعب دورا فعالا في أزمة كورونا    وزير الأوقاف : 17 سيدة على رأس العمل ما بين وكيل وزارة ومدير عام بالوزارة منهن 4 حاصلات على الدكتوراة    الشوري القطري والبرلمان البريطاني يبحثان علاقات التعاون البرلماني    غدًا.. «بيت الزكاة والصدقات» يبدأ صرف الإعانة الشهرية لشهر مايو    مجهولون يلقون حقيبة فئران داخل اعتصام دعم غزة بجامعة كاليفورنيا (فيديو)    رموه من سطح بناية..الجيش الإسرائيلي يقتل شابا فلسطينيا في الخليل    تعرف على إيرادات أفضل الأعمال السينمائية التنافسية في شباك التذاكر العالمية    الليلة.. حفل ختام الدورة العاشرة ل مهرجان الإسكندرية للفيلم القصير    كراسي وأحذية وسلاسل بشرية.. طرق غير تقليدية لدعم فلسطين حول العالم    "بحبها مش عايزة ترجعلي".. رجل يطعن زوجته أمام طفلتهما    سرعة جنونية.. شاهد في قضية تسنيم بسطاوي يدين المتهم| تفاصيل    19 منظمة حقوقية تطالب بالإفراج عن الحقوقية هدى عبد المنعم    "دمرها ومش عاجبه".. حسين لبيب يوجه رسالة نارية لمجلس مرتضى منصور    كيف تجني أرباحًا من البيع على المكشوف في البورصة؟    الصحة: الانتهاء من مراجعة المناهج الخاصة بمدارس التمريض بعد تطويرها    استشاري طب وقائي: الصحة العالمية تشيد بإنجازات مصر في اللقاحات    إلغاء رحلات البالون الطائر بالأقصر لسوء الأحوال الجوية    مفتي الجمهورية مُهنِّئًا العمال بعيدهم: بجهودكم وسواعدكم نَبنِي بلادنا ونحقق التنمية والتقدم    وزير التموين يعلن تفاصيل طرح فرص استثمارية جديدة في التجارة الداخلية    التأخيرات المتوقعة اليوم فى حركة قطارات السكة الحديد    اليوم.. محاكمة 7 متهمين باستعراض القوة والعنف بمنشأة القناطر    هل ذهب الأم المتوفاة من حق بناتها فقط؟ الإفتاء تجيب    نجم الزمالك السابق: جوميز مدرب سيء.. وتبديلاته خاطئة    برج القوس.. حظك اليوم الثلاثاء 30 أبريل: يوم رائع    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«المرأة ذات الوزن المرح».. رانية خلاف تبدع وتزيح الخوف من طريقها
نشر في التحرير يوم 16 - 02 - 2020

الشاعرة رانية خلاف: تأثرت بالأدب الغربي والصوفي.. والإيروتيكية تأمل فلسفي في جماليات الرغبة الجنسية والحب الرومانسي.. ومؤمن سمير: شعرها يزيح من طريقه كل غلالات الخوف وتعاليم المجتمع والواقع المحافظ
تحكي الشاعرة رانية خلاف عن ديوانها الشعري الجديد الصادر عن دار "أزمنة" بالأردن 2020 "المرأة ذات الوزن المرح.. نصوص إيروتيكية"، فتقول: الشعرُ كما أراه، هو التقاء إنساني –عارٍ من التنميق المقصود- مع الحياة، تفاعل مع الأشكال المادية والروحية التي نواجهها، الشعر هو اليومي، هو الحميمي. أن أكتب شعرا يعني أن أقبل التعري، أن أنفتح، أن أختلط بالمرئي.
وتكمل: "بالنسبة لي أن أكتب شعرا مرادف لاندماجي في اللون واللوحة والموسيقى والدراما والصورة، اندماجي مع أفكار مادية، مع العنف والقسوة، مع الفاجعة وتتسائل الشاعرة هل هي محاولة لاستعراض الجرأة؟ أو تعبير عن جوع جنسي؟ محاولة لهدم الوجه المحافظ والبارد للموجودات والأفعال والعلاقات ما بين الأشياء؟ ربما لهذا
وتكمل: "بالنسبة لي أن أكتب شعرا مرادف لاندماجي في اللون واللوحة والموسيقى والدراما والصورة، اندماجي مع أفكار مادية، مع العنف والقسوة، مع الفاجعة وتتسائل الشاعرة هل هي محاولة لاستعراض الجرأة؟ أو تعبير عن جوع جنسي؟ محاولة لهدم الوجه المحافظ والبارد للموجودات والأفعال والعلاقات ما بين الأشياء؟ ربما لهذا السبب أو ذاك.. حينما أكتب فأنا أكتب كما أرى الأشياء، أنا لا أخون المشهد الداخلي أو الخارجي، أجدني مدفوعة بحسية لا أفهمها غالبا، بحس ساخر يملؤني، برغبة في ممارسة شروطي للحب والجنس، وبرغبة في الضحك، هكذا أنا خليط من المتناقضات، الخجل والجرأة، الخير والشر، الرغبة والانزواء، الوحشية والتصوف".
وتضيف الشاعرة والقاصة المتأثرة بالشعر الغربي رانية خلاف: "شيء آخر، ربما، تعريفي للإيروسية، أرى الإيروتيكية حياة بكاملها، تعبير عن جماليات الجنس، الذي هو جزء أصيل من تكوين الكائن الحي، الإيروتيكية هي تأمل فلسفي في جماليات الرغبة الجنسية والحب الرومانسي، كيف يتنافر الشعور بالحسية مع الحياة؟ كيف يكون منفرا؟ كيف يكون بغيضا للبعض؟ أندهش كثيرا".
وحول تاثرها بالأدب الغربي، تقول: "أجد نقاط تقاطع مع جويس منصور، الشاعرة المصرية الفرنسية (1928-1986) التي عرفت بسيرياليتها وبإيروتيكية أشعارها، والشاعرة الأمريكية لينور كانديل (1932-2009) التي نشرت عام 1966 ديوانها بعنوان الإيروتيك المقدسHoly Erotica أتبعته عام 1967 بكيمياء الكلمة Word Alchemy"
وتستفيض الشاعرة: "عادة حينما أكتب، برغم ذلك، أصادف صوتا ساخرا بداخلي. يسخر من إيروسيتي الخائبة. من رغبتي اللا نهائية في تتبع الإيروتيك في كل مشهد يصادفني. طفل يبني بيتا من الرمال على الشاطئ فأراه رجلا يزرع قضيبا تعلوه نجمة. حارس أمن يقوم بالمناوبة، فأورطه بمعاندة في مشهد جنسي مضحك. أضيف عقربا ثالثا لعقربي الساعة ليعمل كقضيب بين جسدين محبين في مشهد جنسي حميم. هكذا أفعل بلا وعي. هكذا أكتب بلا مراقبة. عفوا، بلا اعتبار لقارئ متوقع، أكتب تكويني الشخصي، أكتب سيرياليتي الحميمة، وعيي الذي تشكل في الفراغ، في حياة مزدحمة ولكنها ليست إيروتيكية كما أرغب. هكذا تخرج النصوص ببراءة ليست مصطنعة. تخرج كلعبة أمارسها مع وجود لا يسع رغباتي المعلنة".
وتصف الشاعرة رانية خلاف، نصوصها الشعرية، بالقول: "نصوصي هي حوار ما بيني وبين اللذة والمرح. ما بيني وبين المشهدين الداخلي والخارجي معا تستعير النصوص -بلا وعي أيضا- من الرغبة الجنسية والفعل الجنسي دفقته السريعة أحيانا فتخرج في نصوص موجزة كشعر الهايكو، تستعير الغموض، والمرح، والتدفق، والتلقائية، الارتجال، الاستسلام والمحبة. أليس الأمر ممتعا حقا؟".
وعن الديوان يقول الشاعر والناقد الكبير مؤمن سمير: "يبدأ الديوان الصادرة طبعته الأولى عن دار (أزمنة) بالأردن 2020، بعتبة الغلاف الذي يقدم معادلا بصريا دالا للعنوان، حيث نتلمس روح أنثى تنبت لها أجنحة فيخف ثقل جسدها الفعلي وترتدي وزنا آخر رمزيا هو خفة الفن وحريته في التحليق عبر التخييل وعبر الأفكار ،أو في محاولته لاختراق كثافة الجسد وثقله وكسر مركزيته الرمزية وإعادة صياغته جماليا من جديد.. وبعد العنوان الكبير نلتقي بعنوان أصغر يصرح بأن هذا الديوان عبارة عن قصائد إيروتيكية بالتحديد، وبهذا تتكامل الدلالة بين اللافتتين وينكشف الهم والمقصود والمعنى المراد إيصاله وهو أن مجلى الفن الذي ستتحقق الذات عبره ومن ثَمَّ تظهر خفتها وسعادتها، هو الشعر ولا شيء آخر، الشعر الحسي القريب الذي يزيح من طريقه كل غلالات الخوف وتعاليم المجتمع والواقع المحافظ بنيةً وبنيانا، وذلك كما يشير أوكتوفيوباث في (اللهب المزدوج) إلى أن: «الشعر يضفي الإيروتيكية على اللغة والعالم معًا لأنه هو نفسه ضرب من الإيروسية في طريقة اشتغاله»".
وتابع: "ثم ننتقل إلى عتبة الإهداء الذي يحدد أن الكتابة في هذا الديوان ما هي إلا محاولة استعادية للحظات السعادة التي هي لحظات الحب بمعنى الاتحاد والاندماج ولمس الداخل والتعاطي معه، وأن الأماكن والأزمان التي وشمها الحب هي التي تبقى كأثر في المخيلة وفي الروح.. أثر أو وشم ثابت في حفره واختراقه لكنه خفيف في تماهيه مع قيم أخرى ليكشفها ويعيد تشكيلها من جديد.. بعد ذلك تحمل القصيدة الأولى ما يمكن اعتباره إعلان الشعرية الأوضح أو ما يعد تمثيلا رمزيا لقيامها بأخذ يد القارئ نحو سكة الكتابة وتهيئةً وعييةً تمكنه من التعاطي مع ألعابها التي ستظهر على هيئة قصائد".
ويكمل سمير: "إنها تقدم أنثى تعيد اكتشاف ذاتها عن طريق الفن وتدرك وتلمس بالقصيدة، كيف أنها تدلف إلى العالم من منظور أنثى تتوق للحب والتواصل الإيجابي مع الآخر عن طريق اللقاء الحسي أياً كانت صورته وهيئته وتجلياته، حيث يزيل الحواجز التي خلقتها الأقدار ويعري الأوهام ويضع البشر أمام مراياهم.. وهكذا ندرك أن الفن هنا كاشف ومجلى للذات وأن الداخل المختبئ خلف السطوح لن يتموضع في هذا الوجود إلا عن طريق تلك القصائد وأن اللعب الفني المرتبط بهذا الشعر يهدف لغاية الكشف التي ستستتبع تحررا ودلوفا من بوابة البصر إلى قصر البصيرة".
ويضيف الناقد: "تطوف بنا الشاعرة عبر تجليات عدة لهذه الذات الأنثوية التواقة للانطلاق ومن ثَمَّ التحقق والاكتمال فحينا نراها ملاكةً تتقمص أرواح الشياطين بعدما صاروا عجائز وتمارس أدوارهم وتكشف أن إحساس الجحيم والجنة ما هو إلا أوهام تحلق بين طرفين متحفزيْن للتساؤل والإشارة لصراع الذي هو طورٌ من أطوار العلاقات وطريق للتعرية والكشف بما يسمح به من حالة العصف وتبادل الأدوار والتقمص واللعب حتى لو تزيَّا بزي وجودي. وتارة تكون الشاعرة نخلةً تحتاج مداعبة تنأى بها عن الخشونة والفظاظة، تحتاج قدرا من الرقة حتى نلمس قلبها المملوء بالجمار وبالطاقة التي تهب اللذة العارمة، ولكن فقط لمن يستطيع فك الشفرات وهدهدتها".
ويتابع سمير، عبر رؤيته النقدية: "حينا تكون سمكةً دائخة في المسافة بين التأهب وبين لذة الوصول للالتهام الذي هو الالتحام الكامل حد التلاشي أو زجاجةَ نبيذ تضئ الدنيا عندما ينجح الآخر في أن يمسِّد أسرارها ومداخل كينونتها أو نجمةً مؤرقة تشهد على انحسار الرحيق وتوثقه بالدم أو شمسا تتصلب على جسدٍ ترهقه الرغبة لحد انكشاف الروح إلخ، لنعدو وراء كل هذه الوجوه ونلمس في كل مرة طرفا صغيرا من اكتناز مفهوم الأنوثة الخالقة تارة والمخلوقة تارة أخرى، الفاعلة حينا والتي ترضى في أحيانٍ بدور آخر ملغز وملئ بالمساحات القادرة على دفع عربة الحياة وتلوينها أو حتى دفعها دفعاً نحو المقصلة".
يقول مؤمن سمير، إن الإيروتيكية هنا ليست علاقة بين طرفين هما الذكر والأنثى ولكنها حالة وحشة وجودية عارمة تمتلئ بها الأيام وتؤدي بها إلى أن تكون دائماً على وشك الانفجار، الانفجار الذي يُعَقِّبُ لهاثاً عالي الصوت يدوم بعد إفراغ النار الحارقة التي تلهب الأحشاء، البطلة هنا جزء من حالة قمع عامة تجعلها تتوق للتعري الدائم، من ملابسها التي هي رمز لرغبة الثقافة في كبت أشواق الجسد والروح، ومن جلدها ذاته، ذلك الذي فصَّلته الميثولوجيا من طبقات تاريخية سميكة تحمل أعمارا من المراقبة والتلصص على رغبات الذات التي هي صنو تنفسها وكينونتها.. كل هذا يخلق من البطلة عينا تراقب على الدوام، وأنفاً تشم ويدا تلمس لتجمع سَلَّة الملامح والتفاصيل آخر الليل وتخلق منهم بشراً تتسلى بتنفيذ رغباتهم وحينا بقتلهم وتمزيق لحمهم لتقبض على مشاعرهم البكر وتلمس صدقهم قبل أن يتلوث أو يتحور:.
"إن التعامل مع العالم بحسية وحساسية مشاعرية وروحية لا ينبع فقط من حالة أنثى تتوق لذَكَرها البعيد سواء كان بعيدا حقا أو كان وهو الأصعب -قريباً بعيداً معا-، وإنما من حالة أعمق وأقدم ترجع فيها الإيروتيكية إلى عهد الكهوف والأساطير والتراث الشفاهي والمدون والمصور، وللجرأة في التعامل مع الطبيعة والكائنات التي تتنافس مع الإنسان وترافقه أيضا وصولاً للذة الاكتشاف وخرق الغموض الذي يحيط بالأفكار والأحلام نحو تلمس النور الحقيقي" كما يرى مؤمن سمير.
ويواصل: "إن نظرات تلك الأنثى عندما تخترق المكنون وتخلع رداءً تلو الآخر، تكافئ من يحفر ويحفر ليصل إلى الكنز ويلمس الجوهرة.. لماذا لا يمزق الآخر كل الزيف والمسافات والأفكار المتراكمة ليلمس مكنون تلك الأنثى أو بالأحرى هذه الذات المؤرقة؟ لماذا لا يتقمص ولو في أحيانٍ خاطفة روح الصياد الأسطوري العظيم الذي يذوب ريشها أمام عَرَقه المُضمَّخ بالحنان الخام، ليتيح لها الاندماج في الكون وطفولته واستعادة الجدات أو الإلاهات اللاتي لا يغيب وشمهن أبدا على الجلد والروح؟ إن الأنثى هنا هي الروح التي تجوب الكون لتجد عزاءها وتسليتها وطمأنينتها واكتمالها، والآخر ما هو إلا هذا الجسد الذي يظل ناقصاً طالما غابت عنه روحه النابضة".
لكن كما يرى مؤمن سمير، هذه الذات لا تكتفي بصيغة المتعامِلة الدائمة مع دقائق ونبضات الكون بحسية عارمة أملا في إرضاء نهمها للاكتشاف والتحقق والارتواء والنظر وإعادة النظر، وإنما تعود مرة بعد أخرى للثورة على تلك الأنوثة في صيغتها الأرق وتقلب عملتها للوجه المضاد، للصيغة التي تميل لامتلاك ناصية الفعل بالكامل، والتي يحلو لها النظر للحياة بوصفها غابة وحلبة للصراع حيث الحب معركة هزلية لأنه لا ينتهي لثمة يقين، وحيث الآخر مجرد محارب ذابت أكاليل غاره عندما دخل في قلب الأتون.. معركة دائمة، المصلوب فيها أبدي والجلاد ساخرٌ عظيم ومُسْتَلَب، والأحدث -دفعا لملل يهل دائما وطول الزمن- أن يكون الصراع ثلاثيا فيكون هناك رجل وامرأتان تتحدان لترجح كفة الميزان، فالآخر أمام هذا الجسد الواحد ذو الأذرع الأربعة والسوأتان والعيون المتناثرة، لا بد سيراجع دوره التاريخي ويعيد تأويله وينحني أمام وجهٍ يتماهَ مع الجبروت ،الناعم الحاد في الآن ذاته".
"لكنك عندما تدير وجهك لكل هذه الدراما الموَّارة ستجد وجهاً آخر وأصيلاً في هذه الذات الأنثوية الحقة ،إنه وجه الحزين القابع في قوقعته العظمية مُبعداً كل إرادة وقوة فاعلة على طول ذراعه وملتحفاً بنفسه المكتفية والمتوحدة فتنعي هنا أطفالاً ضائعين سقطوا من رحمها إلى ظلام البالوعات وبؤسها، لنلتقي بأنثى تحول صراعها مع آخر متعين إلى صراع مع وضعية الأنثى في تكوينها البيولوجي، سواءً أكانت الأنثى إلهة تجلب الفصول للأرض أو مجرد امرأة، فتبرز أمام أعيننا في القصائد أو في وعينا بالأحرى، قضايا البكارة التي ترمز للثقافة التي تضع الأنثى تحت سؤال دائم ومرعب، وأسئلة المرة الأولى للجنس وأتون الخصوبة والحمل والولادة والدورة الشهرية الخ، كخلفية لا فكاك عنها، تؤكد أصالة الجسد وواقعيته بالنسبة للمحاربة العظيمة أو لهذه الشاعرة التي تتزيَّا بالقصائد لتعيد الرسم من جديد أو حتى لتلك الروح الباحثة عن مجرد تربيتةٍ في ليلةٍ شتوية، بحسب مؤمن سمير.
ويضيف الشاعر والناقد: "للاختيار التشكيلي نصيب لافت في الحضور الإيروتيكي بمعناه الواسع ومتعدد الطبقات في هذا الديوان ولا عجب في ذلك فالإيروتيكية وجدت مجلىً واسعا لها منذ العصور الموحشة في الحفريات الجريئة على الكهوف ثم على معابد بعض الديانات مروراً بالتماثيل الإغريقية وليس انتهاء بلوحات التصوير الزيتي في القرون الحديثة، فالإبداع التشكيلي بما هو خلق، فهو كشف للمستور وهتك للمحرمات في محاولة نفسية لإعادة صياغة الأجساد والأرواح عبر لملمة الأجزاء والأفكار والخيالات والأحلام المتناثرة ودمجها مرة ثانية عبر منظورات مختلفة، فتقدم الشاعرة في قصيدة "بين جناحيْ نعامة" المتماهية مع عمل للخزاف خالد سراج، نصاً يدخل بحالة الأنوثة المفتقدة لدفء الاحتواء ،حيث اختارت البطلة الوقوف عارية بين جناحي نعامة، لكنها لم تتمكن من الطيران ولا الارتواء، بالضبط كالنعامة التي تمتلك جناحين لكنها لا تطير، وبالرغم من أن النعامة وهمية إلا الفزع القديم والخوف الدائم حقائق لا سبيل للتملص منهما، والشظايا التي تتكون منها نفسية الذات المضطربة، ملموسة وتدمي للآن".
ويضيف: "كذلك قصيدة «المرأة ذات الوزن المرح» التي تفاعلت بها مع لوحة للفنان حسام صقر، حيث تبني مرآةً متخيلة لنفسها وتحدق، فترى أرطالاً من اللحم تصفه بالنيء الذي لم ينضج على نار الارتواء والشبع، وتلمس روحها كذلك كيف أن الرجال عجزوا عن فك شفرات هذا الجسد والدخول من بوابته المدفونة بين الساقين، المقموعة والمختفية في المسافة ما بين ستائر اللحم وتجاهل أو جهل ذلك الآخر، مما يخلف الندوب التي لا تنمحي أبداً.. و قصيدة «كالبرتقالي في ألفته» التي تفاعلت بها مع عمل آخر للفنان حسام صقر وكشفت فيها بجلاء عن رؤيتها لوضعيتها في هذا الكون وفي سر غرامها بالعالم الذي يتأتى على هيئة تشكيل، فعندما تترك نفسك لِلَونٍ ما فإن هذا اللون يستعير دور الآخر الفاعل الذي تتوق إليه حتماً ويصيبك ساعتها باللذة وهي لذة آمنة وقابلة للتحوير الدائم والخلق، وعندما تمتلك تلك القدرة على الولوج في ذلك العالم الواقع بين التخييلي والواقعي فإنك تكون قادرا على التفكيك، تفكيك أجزاء نفسك المبعثرة، بداية من الأعضاء المنقوشة على الكهوف إلى الأعضاء الحية التي قد تموت إذا لم يحدث لذراتها البناء الهادئ وفق كتالوج التعافي الروحي المتوهج على الدوام".
في النهاية يتسائل مؤمن سمير: "هل الاستسلامُ الكامل لشبق الأجساد والأرواح يُقدّمُ للشاعرة الدّفءَ والأمان، ويصنع لها حياةً تماثل ما تتمناه لنفسها حيث تحقق وتلمس ما تراه اكتمالا ويخلق لها واقعا لا يضغط على كوامن الإنسانية داخلها فيجعلها تصطدم بفكرة أنها قيمة مهدرة وسط مجتمع مهووس بالقمع؟ الإجابة هنا هي النفي، حيث الاكتمال الوقتي الممتع لأقصى حد، والذي ترصده القصائد بشغفٍ عبر الولوج للتفاصيل وإحصاء الذبذبات والدقات- من المحتم ستظهر حقيقته كمجرد نتوء وسط نهر الحياة، كقيمة عابرة تجرح أكثر مما تساهم في الالتئام لأنها تفتح أفق التساؤل المر: لماذا لا يدوم الإحساس باللذة ولماذا يبدو الاكتمال على الدوام قصير العمر.. تقع الشاعرة على الدوام وسط موجات الملل الحاد وتحت ضغط الشعور بآلية قاسية حقا، لأنها بروحٍ منزوعة، لتعاني حيناً من الإحساس بالافتقاد والبحث الممض عن ترطيبٍ حيٍّ لأحاسيسَ تشرق على الدوام حتى أنها تُجهدها، وحيناً آخر من لحظات الاكتمال العظيمة في حد ذاتها لكنها لا تعدو إلا أن تكون رقصاتٍ بديعةً في فراغٍ بارد:.
واستضاف مساء أمس جاليري المشربية حفل توقيع الديوان الشعري الجديد المراة ذات الوزن المرح وناقش الديوان الباحث والناقد الأدبي الدكتور محمد الشحات والشاعر والناقد مؤمن سمير بحضور الفنانين التشكليين حسام صقر وخالد سراج.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.