الآن، مصر مسرح كبير للأحداث الساخنة. أكثرها ألعاب مخابراتية من طراز فريد. مصر كالجسد العليل يتعافى بعد استئصال الورم الخبيث، دخول الميكروبات سهل والتخلص من الصديد ما زال يتم. واللافت للنظر هذه الأيام بالتحديد هو هذا الهجوم الإعلامى الرهيب على الدولة. بالطبع يتم فى غياب تام من الإعلام المصرى الحكومى المشبوه بالتبعية السياسية من النظام السابق اللعين. فخلال خمسة أشهر تقريبا ظهرت قنوات فضائية بشكل مكثف. ماسورة قنوات وانفتحت يا محترم. جميل لا ضير فى ذلك التنوع الإعلامى، فهو مطلوب فى دولة خارجة لتوها من تجربة ديكتاتورية مريرة. لكن اللافت للنظر هذه الأيام بالتحديد هو هذا الرجل، الذى يدعى محمد أمين. كل من يعرف الرجل عن قرب يتحدث دائما عن أدبه وكرمه المبالغ فيه خصوصا على مائدته فى بورتو مارينا. فجأة افتتح الرجل ثلاث قنوات فضائية هى «cbc الأولى والثانية والدراما» بتكلفة أولية 350 مليون جنيه، وجمع الرجل فيها كل الفلول الإعلامية وعلى رأسهم لميس الحديدى، أم الفلول على رأى أسامة سرايا عندما استضافته فى رمضان. وعندما أطلقت الشائعات عن التمويلات خرج الرجل علينا بإعلانات مدفوعة الأجر فى كبريات الصحف المصرية أنه لا يوجد تمويل خارجى لقنواته، وبالمرة شرح لنا دوره الوطنى فى الاقتصاد الوطنى على شاكلة النعى «ويبيع ساعات». وهدأت الدنيا فبدأ الرجل فى التحرك السريع اشترى حصة ابن صفوت الشريف فى جريدة «اليوم السابع» ثم -خد بالك من اللى جاى- اشترى مجموعة «مودرن» الفضائية ومجموعة شبكة «النهار» الفضائية، وفى طريقه لشراء قنوات «بانوراما» وجريدة «الفجر» الأسبوعية وتحويلها إلى جريدة يومية، وشبكة الأخبار العربية «ana» التابعة لمجموعة الخرافى، وبهذه المناسبة أو هذه الصفة الأخيرة ذهب الرجل وبصحبته حامد عز الدين إلى سجن طرة لزيارة أسامة الشيخ فى أوائل الأسبوع الماضى لاستشارته فى صفقة شبكة الأخبار العربية، حيث كان الشيخ أحد المشاركين فى إنشائها ووعدوا الشيخ فور حصوله على البراءة أن يترأس الشبكة. لكن الحكم الأخير وغير المتوقع لكثيرين سيحرم الشيخ من المنصب المنتظر. هذا ما اشتراه الرجل. وإلى جانب تلك المجموعات أنشأ الرجل الأسبوع الماضى شركة للإنتاج الفنى تمتلك استوديوهات وتنتج أفلاما سينمائية وأفلاما تسجيلية إلى جانب إصدار جريدة يومية جديدة باسم «الأيام» تحت قيادة مجدى الجلاد رئيس تحرير «المصرى اليوم». ولأن الشىء بالشىء يذكر، اثنان من المساهمين فى الجريدة هما زوجتا مجدى الجلاد وخيرى رمضان. هذا ما نعرفه عن الرجل إلى الآن فى البزنس الإعلامى. مش غريبة شوية كل هذه الأموال التى ظهرت فجأة بل وظهور الرجل فجأة فى الحياة الإعلامية، هذا الرجل كانت كل سفرياته خلال الأشهر الماضية إلى دولتين هما السعودية والكويت، وهما الدولتان الأشد عداء للإخوان المسلمين بل وتربطان حجم المساعدات المالية بمصر بوصول الإخوان إلى الحكم، «إخوان نو» عداء واضح وصريح. ترى هل هى صدفة؟ أم الرجل يا ترى فجأة أحب الإعلام وأصبح رجلا إعلاميا وليس له أى أغراض سوى تسلية المواطن المصرى المطحون، ويريد أن يكافئه على سنين العذاب مع صفوت الشريف ومن بعده أنس الفقى. ترى الرجل وجد معه شوية فلوس وقال بدل ركنتهم أشغلهم فى الإعلام. لا يمكن أن أصدق فى عالم المال الضخم والإعلام الضخم أن يتم فيه أى شىء صدفة! بل هذا الحجم من الأموال والوسائل الإعلامية الضخمة لا بد أن تكون لأجهزة ما يد عليا فيه يتم توجيهه حسب الخطط المرسومة له. لكن أى أجهزة الله وحده أعلم ومحمد الأمين. أما على الجانب الآخر فقد أعلنت قناة «شبابيك» الفضائية عودتها إلى البث مرة أخرى بعد توقفها لتعثر مالى، وقدم العاملون فيها بلاغات لقسم مصر الجديدة وصلت إلى خمسين بلاغا لعدم حصولهم على مرتباتهم، أعلنت القناة فجأة العودة إلى الحياة بشبكة جديدة تضم ست قنوات دفعة واحدة، ومن أهم المقدمين فيها جمال نصار أحد كوادر الإخوان المسلمين ببرنامج يومى أعلنوا عنه بالفعل. وأحد الممولين فيها أحمد أبو بركة. ترى ما الربط بين الأمين- ميردوخ- الإعلام المصرى الجديد والقنوات ذات التمويل الإخوانى الآتى مباشرة من التنظيم الدولى للإخوان المسلمين. إذن يبدو أن هناك صراعا إعلاميا على أرض مصر بين الاتجاه الذى يبدو علمانيا والإعلام الذى يبدو إسلاميا أو بالأدق إخوانيا. والمزنوق يا ولداه بين التيارين هو المواطن المصرى الغلبان المحتار بين ما تم من ثورة وحياته التى تسوء يوما بعد يوم، ويستحيى أن يلعن الثورة لكرهه مبارك وابنه ونظامه. ويرى الملايين تروح وتجىء أمام أعينه وهو يكتفى بالفرجة وفى انتظار الفرج الثورى. الأمر جد خطير وينذر بخطورة ما هو آت. هناك تحضير لشىء ما لشخص ما لا يمكن أن يكون للبرادعى، أو الفل عمرو موسى، أو البسطويسى، أو العوا، أو أبو إسماعيل، أو أى مرشح آخر لا يمكن أن نصدق. هناك شىء ما يدبر بعناية فائقة تعد له العدة من الآن. حرب تهيئة المناخ لما هو قادم، دول خارجية تتدخل وسلاحها الإعلام، القوة الناعمة المؤثرة فى عقول الناس، وقد اقتربت الساعة. اقتربت جدا.