تذرعت بالأمس بحلول شهر الصوم الكريم، واستأذنت فى راحة قصيرة من منغصات دراما السياسة فى الواقع المعيش واعدا نفسى والقراء بمتعة التقاط السياسة من بعض إبداعات الحكى والدراما.. وفى زاوية الأمس نفذت وعدى وأكمل اليوم بمسرحية رائعة للكاتب والروائى الفرنسى الكبير ألبير كامو (1913-1960). أظن أن شبابنا المخلص النبيل الذى يضطر هذه الأيام إلى استخدام أسلحة نضالية عدة بهدف الضغط من أجل استكمال أهداف ثورة شعبنا ضد الظلم والفساد والطغيان، فى أمس الحاجة لأن يتمثل المعنى الإنسانى الراقى الذى قالته هذه المسرحية بصراحة ووضوح ومباشرة قد يعتبرها نفر من المتحذلقين عيبا ينال من الفروق الواجبة بين المحاضرة أو الدرس السياسى وبين العمل الفنى الإبداعى. صحيح أن شبابنا يتوسل بأسلحة نضال كلها سلمية وغير عنفية بينما مسرحية «العادلون» موضوعها «العنف الثورى»، لكن ذلك الاختلاف فى طبيعة الأسلحة لا يؤثر كثيرا فى أهمية الرسالة التى أراد كامو (كفنان ملتزم وصاحب موقف نضالى أيضا) أن يبثها وينقلها على لسان الشخصية المحورية فى المسرحية إلى جمهور القراء والمشاهدين. هذه الرسالة باختصار، أن الوسائل لا بد أن تتسق شرفا ونبلا مع غاياتها، وأن أسلحة الثوار يجب أن تبقى مثلهم، طاهرة نقية وبريئة من أى استخدام خاطئ أو عشوائى يجعلها كبندقية عمياء لا تميز بين العدو والحبيب أو الخصم والصديق. أما أبطال مسرحية «العادلون» التى تدور أحداثها فى روسيا القيصرية مطلع القرن الماضى فهم إيفان، واستيبان، والفتاة دورا، وقد كلفوا من قيادة منظمة ثورية فوضوية ينخرطون فى عضويتها تدعى «الاشتراكى الثورى» بمهمة اغتيال الدوق سيرج. وتبدأ المسرحية بحوار تمهيدى يدور بين الثلاثة يكشف دوافعهم المختلفة للقبول بهذه «المهمة الثورية»، إذ يقول إيفان إنه اختار العمل الثورى «لأننى أحب الحياة»، غير أن استيبان يرد عليه معترفا بأنه لا يحب الحياة «بل أحب العدالة وأراها أسمى من الحياة بكثير»، وعندما يأتى دور البوح على دورا تؤكد ما قاله استيبان وتزيد واصفة حالها وحال رفاقها: «إننا قوم عادلون ولهذا نحن محكومون بأن نكون دائما أكبر من ذواتنا ومتعالين على عواطفنا». بعد هذا الحوار تنتقل بنا المسرحية إلى حيث يكمن الثوار الثلاثة على طريق سيمر منه موكب الدوق، وفيما يظهر إيفان متخذا وضع الاستعداد لإلقاء قنبلة على الموكب يكون استيبان ودورا فى الخلفية يعملان على تغطيته وحماية ظهره فى أثناء تنفيذ العملية.. لكن فى اللحظة التى تلوح فيها عربة الدوق وهى تتهادى على الطريق ثم تمر فعلا أمام إيفان فإن هذا الأخير يفاجئ رفيقيه بأنه لم يفعل شيئا ولم يقذف القنبلة على الموكب.. لماذا؟! يسأله استيبان ودورا بدهشة وغضب فيرد عليهما بأن الدوق سيرج كان يصطحب معه أولاد أخيه الأطفال، و«لا قضية فى الدنيا تبرر قتل أطفال أبرياء».. هكذا قال إيفان. يعاود إيفان ورفيقاه الكرة بعد يومين وتنجح عملية قتل الدوق، ويقع إيفان وحده فى قبضة البوليس، وهناك فى سجنه تزوره الدوقة أرملة سيرج (التى يبدو أنها علمت بتصرفه فى المحاولة الأولى) وتصارحه بأنها عازمة على إنقاذه من عقوبة الإعدام، بيد أن الشاب الثائر يرفض بحزم هذا العرض قائلا للدوقة: إنه يريد أن يدفع حياته ثمنا لمعتقداته، «لأننى إذا لم أمت فسأتحول من ثورى إلى قاتل