المائدة التي بلغ طولها أربعة آلاف متر وشهدت حضور أكثر من أربعين ألف فرد لن تدخل موسوعة «جينيس».. صاحب الفكرة: هدفنا كان لم الشمل.. والأهالي: «حكاية حلوة بس مش متنظمة».. «أطول مائدة في العالم بمدينة العاشر من رمضان».. شعار رفعه القاصي والداني داخل المنطقة الصناعية الأبرز على مستوى محافظة الشرقية، بعدما أخذت العالمية مكانتها داخل عقول الجميع بالمدينة فور الإعلان على الاستعداد لتنظيم مائدة بطول يتخطى الستة آلاف متر، والتي كان مُعدا لها استقبال نحو اثنى عشر ألفًا من أهالي المدينة، لكن الأحداث التي تلت ذلك أتت على الأحلام وبخرتها في طرفة عين، بل إن الأمر تخطى «العالمية» فيما آلت إليه المائدة من عدد حضور وصل إلى أكثر من خمسة أضعاف المتوقع. الموافقات الأمنية، التي أُعلن عنها قبل 72 ساعة على الحدث، كانت بشأن تنظيم المائدة بطول ستة آلاف متر في الطريق العام الممتد من مبنى شركة موكيت «ماك» القريب من مدخل المدينة ناحية طريق «بلبيس» الصحراوي، وحتى المعهد التكنولوجي للهندسة القريب من سنترال المدينة بمنطقة «الأردنية»، الموافقات الأمنية، التي أُعلن عنها قبل 72 ساعة على الحدث، كانت بشأن تنظيم المائدة بطول ستة آلاف متر في الطريق العام الممتد من مبنى شركة موكيت «ماك» القريب من مدخل المدينة ناحية طريق «بلبيس» الصحراوي، وحتى المعهد التكنولوجي للهندسة القريب من سنترال المدينة بمنطقة «الأردنية»، لكن ما هي إلا ساعات قليلة إلا وعقدت اللجنة المنسقة لإقامة المائدة اجتماعًا لوضع اللمسات الأخيرة، والذي شهد التأكيد أن المائدة ستضُم ألف «ترابيزة» طاولة، كل واحدة منها تستوعب ستة أشخاص، وهو ما ينزل بسقف الحضور إلى ستة آلاف فقط، فيما لخص أيمن فرج، صاحب الفكرة والمنسق العام للفاعلية سبب ذلك في أن «الأمن مشغول وعليه أعباء كبيرة». وعن موسوعة «جينيس» للأرقام القياسية، أوضح صاحب الفكرة أن المائدة لن تدخل الموسوعة العالمية أو تُقيد بها؛ منوهًا بأن سبب ذلك يعود لمحاولة تواصل جرت بينه وبين عدد من المسئولين بالموسوعة، والتي لخصها الطرف الآخر بأن هناك شرطا واجبا توافره قبل محاولة تسجيل أي شيء، والذي ينص على إبلاغ المسئولين هناك بالحدث قبل أكثر من شهرين على حدوثه، بدعوى التنسيق والترتيب وإفساح مجال وتحديد موعد، وهو ما لم يتوافر في «مائدة العاشر». عدم دخول العالمية كان سببًا أدعى لاستكمال خطوات التنظيم والتحضير لحدث سيكون الأول من نوعه في المدينة والمحافظة بأسرها، وهو ما اتفقت عليه آراء عدد من رجال الأعمال والعمل المجتمعي في المدينة، ليتم في الساعات الباقية الاستقرار على آلية التنظيم وتوزيع الأدوار، بل وحجز الوجبات وحصص كل مشارك وأهميته، وانتهت الاستعدادات مساء الأربعاء ب«بروفة» حيث تم صف المائدة بالكامل ومعرفة حدودها وبدايتها ونهايتها، واستعد الجميع للتنفيذ. الساعات الأولى من صباح الخميس شهدت إعادة صف المائدة وطاولاتها الألف بالكامل، حيث ضمت ألف «طاولة» كل واحدة بطول ثلاثة أمتار وعرض 70 سنتيمترا، بها ستة أماكن، فيما قدرت المساحة الفاصلة بين كل طاولة بنحو متر وربع، وسط تأكيدات أن الهدف من ذلك جمع كل الطبقات من أهالي المدينة على مائدة واحدة تضم جميع المستويات والفئات باختلاف الدرجات، وذلك لإضفاء البسمة على وجوه الناس من أهالي المدينة وخارجها؛ دلالةً على التعبير عن الأسرة المصرية بشكل عام. حضر أعضاء فريق التنظيم، يترأسهم مواطن مسيحي، بالتزامن مع الانتهاء من صف طاولات المائدة، فيما بدأ توافد الضيوف مع دقات الساعة الرابعة، وهو ما بدأ قليلًا حتى بلغ الأمر منتهاه قبل دقائق من انطلاق مدفع الإفطار، إذ قدر عدد الحضور بنحو أربعين ألفًا، منهم أربعة وثلاثون ألف مواطن لم يحصلوا على وجبات أو حتى «تمرة» يشقون صيامهم عليها، وعن ذلك يوضح «المنسق العام» أن الأمر فاق توقعاتهم بكثير، فالمائدة جرى الإعداد لها لتكفي ستة آلاف مواطن، فضلًا عن خمسمائة وجبة إضافية تمت الاستعانة بها تحسبًا لحضور المزيد، لكن الواقفين على جانبي المائدة تخطت أعدادهم الوجبات الإضافية بمراحل. مع دقات الساعة الخامسة بدأت الموجة الأولى من سيارات الطعام ووجبات الإفطار والعصائر وزجاجات المياه الاصطفاف على مقربة من المائدة، حيث بدأت عملية التوزيع على مراحل انتهت بأن جلس ستة آلاف من الحضور على الكراسي المُعدة لاستقبالهم، فيما تمكن أغلبهم من حجز وجبته كاملة، لكن الموجة التالية للسيارات كانت مخالفة لسابقتها؛ إذ بدأ الموطنون ممن لم تسعفه الظروف لحجز وجبته مبكرًا في الاصطفاف والتجمهر بالتزامن مع توقف السيارات. ما إن فتحت أبوابها تزاحم الجميع طالبًا حصته، في مشهد كما لو كان مأخوذًا من عملية توزيع السلع الغذائية، فيما تهافت المئات على السيارات في صراع انتهى بحصول بعضهم على كميات من العصائر تفوق حاجتهم، ومن لم يستطع الحصول على شيء تصارع مع آخرين على عبوات عصير انتهى بها الأمر مُحطمةً على أرصفة المائدة. بعيدًا عن الصراعات كان الأمر جليًا بمقاعد المائدة، والتي شهدت قيام عدد من الأطفال بأخذ وجباتهم التي تحصلوا عليها إلى منازلهم، قبل أن يعود بعضهم عسى أن ينجح في الحصول على وجبات إضافية، فيما اقترب أحد الشباب ممن تولوا عملية التنظيم، ويُدعى إسلام، من مراسل «التحرير» بنظرات مُتلهفة سبقت حديثه، والذي تلخص محاولات كثيرة لدفع تهمة الفشل عن كاهل المنظمين، قبل أن يصف السبب من وجهة نظره في «ثقافة الناس اللي مش هتتغير». كلمات متناقضة وشعور متأرجح ما بين الفشل والنجاح لخص المشهد النهائي لما آلت إليه الأمور في حفل الإفطار على المائدة، حيث بدا الأمر كما لو كانت الليلة أشبه بالبارحة، والمقصد هنا ما حدث بالمائدة التي سبق تنظيمها بمحافظة الإسكندرية، والتي شهدت هي الأخرى صراعًا على «الوجبات» كما لو أن المصريين اعتادوا النزاع على طعامهم ليس إلا. ورغم ما شهدته المائدة من حالات استهجان واستياء بين من لم يستطع تناول الإفطار أو الحصول على وجبات وعصائر، فإن بادرة من الأمل والتفاؤل ظلت ثابتة على وجوه عدد من الأهالي ومن حضروا التنظيم والتنسيق، ومنهم السيد شمس، أحد المنسقين، الذي شددَّ على أن الفكرة وما شهدته من حضور أمر بالغ الأهمية ويبعث على تكرارها بصورة أكبر العام المُقبل، موجهًا الشكر لكل من أسهم في ذلك سواء بالحضور أو التبرع. التقط أيمن فرج، صاحب الفكرة، أطراف الحديث من جديد، ليوضح ل«التحرير» أن العدد الذي حضر في المائدة أمر تخطى طموحه وخياله وقت التفكير والإعداد للتنفيذ، قبل أن يشير إلى أن أقصى توقعاته كانت حضور عشرة آلاف، لكن الحضور بلغ أربعة أضعاف ذلك، لكنه عاد وأكد أن العام المُقبل قد يشهد تكرار الفكرة وتنفيذها بطول يصل العالمية ويتلافى ما حدث هذا العام، حيث ستكون المرة القادمة عن تجربة سابقة يتم الالتفات إليها ووضعها في الحُسبان. الأمر المُبهج أن أهداف المائدة حدثت بالفعل؛ إذ ضمت تجمعات و«جروبات» لأصدقاء حضروا برفقة بعضهم البعض يفطرون وينظمون المائدة لاستقبال ضيوفها وجيرانهم، وهو ما عبرت عنه «مريم» إحدى الفتيات المشاركة في عملية التنظيم، والتي بالكاد أتمت ربيعها الخامس عشر، إذ أكدت أن نزولها رفقة أسرتها جاء للمساهمة في إضفاء البسمة على وجوه الصائمين والسعي إلى ثواب الإفطار، فيما أكدته تعليقات أغلب المنظمين باختلاف أعمارهم، وبينهم طفل يُدعى «زياد» في السادسة من عمره، حضر مع والدته «علشان يفطر الناس». تجربة هذا العام وما شهدته كانت إشارة ضمنية من المنسقين والمنظمين، لكنها كانت واقعًا ملموسًا و«بهجة» ودَّ الجميع تمامها؛ حيث سعت العشرات من الأسر إلى نقل مائدتهم من البيت إلى الشارع ومشاركة الآلاف من جيرانهم بالمدينة في المائدة الأطول، لكن الأمر انتهى بأن جلس من حجز مكانًا على المائدة، فيما اتسع الرصيف ليضُم الآلاف رجالًا وشيوخًا وأطفالا، بعضهم نجح في الحصول على وجبته وتناولها واقفًا أو مستندًا على سيارة، والبعض الآخر اكتفى بالتشدق بعبارات الدعاء واحتساب اليوم سوء تنظيم ليس إلا. شيء آخر لا يجب إغفاله، وهو الوجود الأمني، حيث اكتفت سيارات الشرطة بالمرور عبر الطريق العام المجاور للمائدة في خط سير ثابت ذهابًا وعودة حول المكان تلاحظه ب«سرينة» يتبعها ضوء أزرق من أعلى السيارات، وذلك دون أدنى وجود أو مشاركة فعلية قريبة بصورة أكثر من المائدة.