حلت لغة الشارع بديلا عن اللغة العربية الفصحى.. وأصبحت تستخدم مصطلحات مثل "قشطة يابا.. صباحك بيضحك.. أنا مش في المود.. ريح الجمجمة" التي أصبحت رئيسية في قاموس الشباب "أَنا البَحرُ في أَحشائِهِ الدُرُّ كامِنٌ.. فَهَل سَاءلوا الغَوّاصَ عَن صَدَفاتي.. فَيا وَيحَكُم أَبلى وَتَبلى مَحاسِني.. وَمِنكُم وَإِن عَزَّ الدَواءُ أَساتي"، كانت تلك الكلمات التي عبر بها الشاعر الكبير حافظ إبراهيم في قصيدته "اللغة العربية"، هي الأكثر واقعية وتأثيرا وتعبيرا عن واقع لغتنا وما تعانيه. لسنوات طويلة ظلت اللغة العربية تتربع على عرش اللغات ومحور فخر واعتزاز للكثير من البلدان العربية، إلا أنها شهدت انحدارا كبيرا مع بدايات مراحل الانفتاح على الثقافات الغربية واللغات الأخرى. حالة التردي الذي وصلت إليه اللغة العربية ظهر جليا وواضحا في كل الأشكال والصور، من خلال اهتمام البلدان العربية بضرورة ربط فرص العمل بتعلم اللغة الإنجليزية، إلى جانب تداول لغة الشارع في أغاني المهرجانات والدراما والأعمال الفنية، وأسهم التطور التكنولوجي بدوره في تطور لغة الشارع من خلال الإتيان بكلمات ومصطلحات حالة التردي الذي وصلت إليه اللغة العربية ظهر جليا وواضحا في كل الأشكال والصور، من خلال اهتمام البلدان العربية بضرورة ربط فرص العمل بتعلم اللغة الإنجليزية، إلى جانب تداول لغة الشارع في أغاني المهرجانات والدراما والأعمال الفنية، وأسهم التطور التكنولوجي بدوره في تطور لغة الشارع من خلال الإتيان بكلمات ومصطلحات جديدة على آذان المواطن العربي، فضلا عن الانفتاح على الثقافات الغربية التي تسببت في استقطاب معان ومصطلحات جديدة على الثقافة المصرية. لغة الشارع لذلك لم يكن من المستغرب أن تحل لغة الشارع بديلا عن اللغة العربية الفصحى والعامية في الفترة الراهنة، وأن تستخدم مصطلحات مثل "قشطة يابا.. يا برنس.. يا زميلي.. صباحك بيضحك.. أنا مش في المود.. ريح الجمجمة.." وغيرها من الألفاظ، التي أصبحت رئيسية في قاموس الشباب، وهو ما يعكس حجم الانحدار والتدهور الذي شهدته اللغة خلال السنوات الماضية. تطورات الزمن وأحداثه جعلت مصطلحات مثل "عفوا .. اسمحلي.. أشكرك" تندثر، لتتحول إلى "تسلم يا كبير.. حبيبي يا غالي.. تسلم يا نجم.. ربنا يخليك يا زعيم.. متشكرين يا برنس"، لتصبح ثقافة الشارع صاحبة اليد العليا والأكثر تأثيرا في الأجيال الحالية والقادمة. على المحك أصبحت لغة الشارع أشبه بالفيروس الذي ينهش في مجتمعاتنا، وهو ما جعل اللغة العربية الأصلية "الفصحى" على المحك، وظهرت اللغة العامية المتدنية لتفرض سطوتها، لتدخل اللغة العربية نفقا مظلما ودوامة من الأزمات لا نهاية لها. إحصاءات رسمية ووفقا لإحصاءات رسمية، ارتفع عدد الطلاب الدارسين للغة العربية من سنة 2002 حتى سنة 2006 بنسبة 126.5% ليصل إلى 23974 طالبا في الولاياتالمتحدة، وهي اللغة العاشرة الأكثر طلباً في المستوى الجامعي، وتعد اللغة العربية هي اللغة الثالثة الأكثر انتشاراً في الأرجنتين، كما يتحدث نحو مليون شخص العربية جميعهم من أصول عربية، وفي بلجيكا تحتل اللغة العربية المركز الرابع في بروكسل من حيث عدد المتحدثين. وتشير تقديرات الأممالمتحدة عام 2015 إلى أن العربية هي اللغة الأم لأكثر من 290 مليون نسمة في العالم، معظمهم في العالم العربي، يضاف إليهم 130 مليونا يتكلمونها كلغة ثانية، نفس الإحصائيات تتوقع أن يصير عدد المتحدثين بها نحو 647 مليونا سنة 2050، أي ما سيشكل 6.94 في المئة من سكان العالم. صوت العرب وحسب تقرير لصحيفة "إيكونوميست" البريطانية، فإن اللهجة العامية المصرية بدأت تتراجع فى العالم العربى بشكل لافت، بعدما كانت على مدى السنوات القليلة الماضية "صوت العرب"، على حد وصف الصحيفة. وأسندت الصحيفة البريطانية أسباب التراجع فى تقرير لها بعنوان "قصة صعود اللهجة العامية المصرية وهبوطها"، قائلة إن أسباب عدة قادت إلى ذلك التراجع، من بينها الانفتاح الذى تشهده منطقة الشرق الأوسط على ثقافات وعادات وتقاليد كل الشعوب. وألمحت الصحيفة فى تقريرها إلى أن هذا التراجع يأتى بالتزامن مع انطلاق معرض القاهرة للكتاب، الذى تحمل دورته لهذا العام اسم "القوة الناعمة.. كيف؟"، موضحة أنه فى بعض الأحيان يمكن النظر إلى اللغة العربية على أنها "أسرة لغوية" وليست لغة واحدة بفضل تعدد اللكنات العربية. ورغم أن الدستور ينص في مادته الثانية على أن "الإسلام دين الدولة، واللغة العربية لغتها الرسمية، ومبادئ الشريعة الإسلامية المصدر الرئيسى للتشريع"، إلا أن إهانة اللغة أصبحت على المشاع، بل أصبحت الثقافات الغربية الوافدة الأكثر رسوخا وتماسكا. وتمثل اللغة محور اعتزاز وفخر للكثير من الدول وتحرص على استخدامها، بل إن بعض الأقليات لا تزال متمسكة بلغتها وجذورها، بينما في مصر أصبحت الثقافات الوافدة لها مكانتها ويتناقلها الكثير. السوشيال ميديا ليس ذلك فحسب، بل باتت لغة الشارع هي اللغة الرئيسية لرواد مواقع التواصل الاجتماعي، واختفت اللغة الفصحى نهائيا من قاموس السوشيال ميديا. حظيت اللغة العربية بأهمية كبرى منذ بدايتها، كونها لغة القرآن الكريم، وهو ما يعتبر بدوره أعظم وأشرف أهمية للغة العربية، حيث اختارها الله من بين لغات الأرض ليكون بها كلامه الخالد، وهو ما جعل اللغة العربية تحظى بمكانة متفردة منذ ظهورها، وتأتي اللغة العربية حاليا في المرتبة الرابعة في ترتيب اللغات الأكثر انتشارا في الكرة الأرضية بعد الإنجليزية والفرنسية والإسبانية، وبذلك تعد العربية من أكثر اللغات تداولا في العالم، حيث يتحدث بها أكثر من 467 مليون نسمة، ويتوزع متحدثوها في الوطن العربي، وهي إحدى اللغات الرسمية الست في منظمة الأممالمتحدة، ويُحتفل باليوم العالمي للغة العربية في 18 ديسمبر كذكرى اعتماد العربية بين لغات العمل في الأممالمتحدة. وفي النصف الثاني من القرن العشرين بدأت معاهد تعليم اللغة العربية بالظهور، لكن واجهت هذه المعاهد مشكلة، فلم يكن هناك خبراء لإعداد المناهج المناسبة، واستمر الوضع هكذا حتى بدأت معاهد جديدة تُفتح في أواسط السبعينيات لحل هذه المُشكلة، مثل "معهد الخرطوم الدولي للغة العربية"، وقد نجحت المعاهد في علاج المشكلة نوعا ما في البلدان العربية، لكن تعليم العربية خارج الوطن العربي ما زال يواجه المشكلة نفسها. أسباب الانتشار يري عبده إبراهيم حسن، عميد كلية اللغة العربية بجامعة الأزهر، أن لغة الشارع أصبحت هي السائدة في الوقت الراهن، لعدة أسباب، أبرزها أن الإعلام هو من شكل وجدان الشارع اللغوي، وما أفرزه الإعلام ظهرت آثاره واضحة في التوقيت الراهن، إلى جانب إهمال الدولة العناية باللغة الفصحى، فلم تعد موجودة في المدارس أو الكليات المتخصصة، فضلا عن أن سوق العمل أوجب على المتقدمين للوظائف أن تكون اللغة الأجنبية في المقام الأول بدلا من اللغة العربية. "للأسف، لافتاتنا في الشوارع، أصبحت مليئة باللغة العامية المتدنية"، يكمل عميد كلية اللغة العربية، مشيرا إلى أنه تم إهمال النماذج المضيئة، وأصبح هناك عناية واهتمام بالمبدعين غير المثقفين عربيا، فضلا عن إهمال التعليم الابتدائي. يكمل: الأسباب سالفة الذكر جعلت لغة الشارع هي السائدة، منوها بأنه لم يعد من المستغرب أن يكون هناك اعتماد كبير على اللغة الأجنبية في مصر، بخلاف دول الغرب التي ترفض أن تنافس لغتها لغة أخرى أو تجاورها في المكانة. الاستعمار "لغة الشارع أصبحت هي اللغة الدارجة.. وثقافة الاستسهال أصبحت هي المؤثرة"، هكذا يرى الدكتور أحمد سعد غربية، الأستاذ بكلية الآداب جامعة المنوفية، منوها بأنه أصبح هناك حالة استهجان للغة العربية وهو سبب تراجعها، رغم أنها اللغة التي اصطفاها الله لتكون لغة القرآن من بين كل اللغات. ونوه بأن أي دولة تريد أن يكون لديها شأن رفيع عليها أن تهتم باللغة العربية، منوها بأن الاستعمار نجح في مصر عن طريق هدم اللغة العربية، مشيرا إلى أن الاستعمار كان يعلم أن هدم اللغة العربية سينعكس بدوره على ابتعاد الشباب عن القرآن والسنة.