أعلنت جامعة"هارفارد"عن إصدار أول قاموس للهجات الأمريكية الشهر الحالي، تطلب إعداده جهودا مضنية استغرقت خمسين عاما أمضاها الباحثون في جمع الكلمات العامية الإقليمية من جميع أنحاء الولاياتالمتحدةالأمريكية، التي وصل عددها إلي حوالي ستين ألف كلمة جديدة تضمنها ذلك القاموس. بدأ التفكير في هذا العمل لأول مرة سنة1962، حين تم تعيين فريد كاسيدي رئيسا لتحرير قسم اللهجات الأمريكية بجامعة ويسكونسن، وللحصول علي الكلمات المطلوبة بدأ أولا في صياغة 1600 سؤال تشمل جميع نواحي الحياة اليومية، عندما انتهي منها سنة1965 كلف ثمانين باحثا ظلوا يجوبون أنحاء البلاد لست سنوات في استبيان استطاعوا من خلاله جمع 2777 وثيقة من حوالي الف مجتمع عمراني عبر الولاياتالمتحدةالأمريكية، استغرق بحثها ووضعها في خريطة لغوية مع إضافة مواد أخري تعود إلي فترة الإستعمار حتي وقتنا الحالي حوالي أربعين عاما حتي يتم التوصل إلي هذا القاموس الذي يقول عنه جون هيوستون هول رئيس التحرير الحالي:"انه يكذب الأسطورة الشعبية القائلة أن اللغة الإنجليزية الأمريكية أصبحت متجانسة بفضل وسائل الإعلام والتحرك السكاني داخل البلاد". كلمات جديدة و أضاف:"لايزال لدينا كم هائل من التباين الإقليمي، نعم هناك تغير في اللغة، وهو شيء طبيعي، إلا أنه لم يحدث بنفس الطريقة وبالوتيرة ذاتها في جميع أنحاء البلاد، فبالرغم من إقحام بعض المصطلحات التجارية في اللغة، إلا أن هناك كلمات جديدة تماما، تلك التي نتبادلها مع الأسرة و الأصدقاء، الكثيرون ليسوا علي دراية بها". يبين القاموس كيف أن المناطق المختلفة تعبر عن نفس الشيء بطرق متنوعة. وحين تبدأ في تصفح هذا القاموس تجد نفسك متشوقا لمعرفة المزيد، وسوف تظهر النسخة الرقميه له العام القادم مع التحديث المستمر لما يستجد من الكلمات. سيطرة العامية القاهرية تري ما رأي أساتذة الأدب و اللغة في هذا المشروع؟ هل يمكن تطبيقه علي اللهجات المصرية المتعددة؟ أو الاستفادة من منهجه للمشاركة في حفظ ملامح الشخصية المصرية؟ الدكتور علاء فاروق أستاذ اللغة العربية بآداب القاهرة يعلق علي ذلك قائلا إن موضوع تعدد اللهجات المصرية لم يلتفت اليه أي من الباحثين، فعند الكتابة عن اللهجات تتم مقارنتها بالعامية القاهرية وحدها دون أي عامية أخري، كما لم تخطط لجنة اللهجات بالمجمع اللغوي لبحث ذلك الموضوع، وبالرغم من انه كانت هناك دعوات للبحث في اللهجات المصرية أيام عباس العقاد، إلا أنه ظل هناك اتجاه ضد تأصيل العامية، بل وإحساس بالقلق من العامية القاهرية بالذات، لذا لم يكن البحث في اللهجات داخل ضمن الإتجاه الثقافي العام. وأضاف: لايمكن إغفال وجود بعض المهتمين بموضوع اللهجات إلا انه انحصر علي مستوي البحث فقط، فالدكتور عبد العزيز مطر له كتب عن بعض لهجات الخليج العربي، كما اهتم بالكتابة و البحث في لهجة منطقة مريوط القريبة من الإسكندرية وبعض اللهجات الأخري، كما أن للدكتور السعيد بدوي كتب عن مستويات العربية المعاصرة في مصر، إلا ان ذلك لم ينتج عنه قاموس لكل لهجة علي حدة، بل اكتفي بإخراج قاموس عربي انجليزي للهجة العامية المصرية فقط، وهناك اهتمام وحيد بهذا الموضوع لباحث هولندي هوالدكتور فويتش وله كتاب بعنوان "الأطلس اللغوي و اللهجات" يستند بالأساس إلي اللهجات المصرية العامية. » لبشة قصب« أما الباحث والكاتب عبد العزيز جمال الدين فيقول: أن القواميس في مصر وما حولها من الدول مشكلة قديمة، ففي الوقت الذي ظلت فيه الجهود الأهلية والشعبية في تطوير اللغة المصرية مستمرة في الأغاني والحكم و الأمثال و الحكايات، نجد أن في المصرية التي نتكلمها حاليا عددا لا يحصي من الكلمات المتداولة منذ زمن الفراعنة واستمرت في الكتابة حتي وقتنا هذا مثل:سُك الباب، اديني، فوطة، أوطة، لبشة قصب، إلا أن القواميس الموجودة حاليا مثل لسان العصر والوسيط و المحيط و غيرها لا تستخدم اللغة المتداولة بين الناس الذين هم منتجو اللغة بالأساس، وكل ما تحتوية من حصيلة أغفل فيها التطور الواقعي لدي الناس في استخدام الكلمات، فهي مصنوعة من كلمات عفا عليها الزمن، لا نستخدم منها سوي عشرة بالمائة علي الأكثر، ولأنها تجمع كلمات من عصور مختلفة تم تصنيفها عل أساس انها قواميس تاريخية، ولا يزال علينا تنقية القواميس من كثير من الألفاظ، فهناك كلمات أسهل في التداول غير مدرجة داخلها مثل كلمة"زبالة" الأسهل كثيرا في ايجاد مرادف لها مثل زبال و يزبل، عن كلمة"قمامة" التي يصعب أن يشتق منها كلمات أخري، وكلمة التليفزيون بدلا من المرناة...وهكذا وقد استخدم المصريون عبر تاريخهم كمية هائلة من الألفاظ الواردة اليهم عبر لغات أخري خاصة الفترة الفاطمية و الأيوبية، استوعبوها ووضعوها في سياقات لغوية وتفعيلات و أوزان خاصة بهم، ولأن المصريين لديهم ثقافة عريقة تمتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام فإن لديهم القدرة علي اسكان المفردات المستقاة من شعوب أخري في أوزان أو تفعيلات خاصة بهم، كما أن الحكي المصري يحبه العرب لاحتوائه موسيقي ونغما، وهذا سبب تأليفنا الأغاني و المسرحيات و غيرها منذ أيام خيال الظل. و أضاف أن مؤسساتنا العلمية منشغلة بالتعليم دون أن تتاح لها أي فرصة للإبداع و بالتالي لم تجد وقتا لانتاج مثل هذا القاموس، كذلك المجمع اللغوي". الخطأ الشائع أفضل وأكد الدكتور عبد العزيزعلي ضرورة وجود قواميس جغرافية لغوية لجميع اللهجات المصرية، وأخري للصناعة، و التجارة، و الفنون الشعبية، والفلسفة، و القانون: "لاحتياجنا لتلك القواميس في حياتنا العادية ، ففي التجارة يجب تحديد إسم المنتج المطلوب استيراده أو تصديره بدقة، فلا يعقل أن أكتب بدلا من كرسي متحرك، كرسي مدولب، وبدلا من المكرونة أكتب المدودة، فالخطأ الشائع أفضل من الصحيح المهجور، وهناك كلمات ضرورية غير موجودة في القاموس مثل"سركي"، وفي الحياة السياسية يخلو القاموس من بعض الكلمات الهامة مثل المعني الحقيقي لكلمة دستور و التي تعني في القاموس القديم نظام، و كلمة"مواطن" الغير موجودة أصلا في القاموس القديم لإنها مرتبطة بالدولة المدنية وصادفها الجبرتي مع دخول الحملة الفرنسية ولم يجد كلمة"الرعية" مناسبة لها فاختار أن يكتبها"سيتوين" المشتقة من"سيتيزين" بالفرنسية، كما كتب كلمة"التسوية" بدلا من المساواة التي حل مشكلتها فيما بعد رفاعة رافع الطهطاوي. فضل الأمية علي اللغة وأضاف:"أن اللغة المصرية تمكنت في النهاية من البقاء و الإستمرار و التطور بعد أن أثخنت بالكثير من الجراح التي تمثلت بداية من إجبار المصريين علي كتابة ترجمة يونانية للنصوص المصرية في المداولات الرسمية والآثارية، و انتهاء بكتابة اللغة المصرية بحروف يونانية في أغلبها عرفت باسم الخط القبطي... إلا أن الأمية الكتابية التي كانت سائدة بين الشعب المصري في ذلك الحين أدت إلي عدم وصول المفردات اليونانية الي لغة المصريين . كما أنه في نفس الوقت الذي ظلت فيه الجهود الأهلية و الشعبية في تطوير اللغة المصرية مستمرة في الأغاني و الحكم و الأمثال و الحكايات و مآثر الشهداء المصريين قبل وبعد انتشار المسيحية....، فإن قواعد و ترتيب الكلام في لغتنا المصرية لم تتغير منذ القدم". جهود لجنة اللهجات من المعروف أن هناك لجنة للهجات بالمجمع اللغوي التي بدأت منذ إنشائه ضمت الشيخ محمد الخضر حسين رئيسا و الشيخ ابراهيم حمروش، وفيشر و وحسني عبد الوهاب و الأب انستلس ماري الكرملي وعيسي اسكندر معلوف وليتمان ثم قرر المجمع في جلسته الثانية في فبراير 1941 اعادة تشكيل اللجنة من الشيخ حمروش و أحمد أمين، وحاييم ناحوم، و علي الجارم والشيخ محمد الخضر حسين و الدكتور منصور فهمي برئاسة فارس نمر باشا، وأمانه سر عباس محمود العقاد. بحثت اللجنة العديد من الموضوعات المهمّة، مثل: طريقة جديدة لكتابة نصوص اللهجات العربية الحديثة بحروف عربية، والأطلس اللغوي، ودراسة اللهجات العربية والقراءات القرآنية، ودراسة العاميَّات وردّ الصحيح منها إلي أصوله في اللغة العربية، والتقريب بين الفصحي ولهجاتها، والدعوة إلي إزالة الفوارق بين لهجات البلاد العربية والسمو بها جميعًا إلي اللغة الفصحي، كما أخذت اللجنة علي عاتقها دراسة الفصائل اللغويَّة، وركَّزت علي فصيلة اللغات السامية؛ لأنَّ دراستها تعدُّ تعميقًا لدراسة الفصحي وتوضيحًا وحلاًّ للكثير من مشكلاتها وقضاياها. وشرعت اللجنة في إعداد معجم للمصطلحات اللغوية، وصل إلي حرف D وللجنة دراسات حول كتابة الأعلام الأجنبية بحروف عربية، إلي غير ذلك من البحوث ذات العمق العلمي الأكاديمي، التي تحلُّ الكثير من مشكلات الفصحي وقضاياها، وبخاصَّة بعد تعديل اللجنة إلي "لجنة اللهجات والبحوث اللغوية".