رغم الغطرسة التركية وانتهاكها القوانين الدولية فيما يتعلق بالحقوق السيادية، فإن قبرص نجحت في كسر تعنت أردوغان، خاصة في المنطقة الاقتصادية الخالصة. بالأمس، أعلنت شركة إيني الإيطالية التزامها باستكمال تنقيبها عن الغاز قبالة سواحل الجزيرة الواقعة شرقي البحر المتوسط، وذلك بموجب عقود للتنقيب الاستكشافي في 6 مناطق. الخطوة التي أقدمت عليها قبرص بالسماح لشركة "إيني" بالقيام بمهامها، كانت بمثابة صفعة جديدة لأنقرة وتحد للسلطان العثماني الذي هدد مرارًا وتكرارًا باستخدام القوة تجاه جيرانه. تحركات تركيا لم تكن إلا مدخلًا لتأجيج الخلافات مع جيرانها، خاصة بعد اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بين مصر واليونان وقبرص، حيث ترفض أنقرة الاعتراف بالاتفاقية في مسعى منها لنهب ثروات البحر المتوسط. لكن يبدو أن قبرص حصلت على الدعم الكافي من أجل تنفيذ مخططها، خاصة من حليفتها مصر التي سارعت للتأكيد على الاتفاق المبرم بين البلدين من أجل تصدير الغاز من نيقوسيا إلى القاهرة، وذلك عبر مصانع الإسالة الموجودة بمصر. هذا ما ظهر من خلال زيارة سامح شكري وزير الخارجية إلى قبرص، أمس، وتأكيده الاهتمام الذي توليه مصر لتطوير التعاون مع قبرص في مجال الغاز الطبيعي، وأهمية إنهاء الإجراءات الخاصة بالتوقيع على الاتفاق الحكومي لمد خط أنابيب بين البلدين، لما سيساهم به في تحفيز الشركات الدولية الراغبة في مد هذا الخط بعد توفير المظلة الحكومية لعمل تلك الشركات. مساعي مصر لاستكمال قبرص تنقيبها عن الغاز، جاءت من أجل تطوير القطاع البترولي، وتحويل البلاد إلى مركز إقليمي لتجارة وتداول الغاز والبترول ليكون بمثابة مركز إقليمي استراتيجي للطاقة. وبينما تبذل مصر وقبرص جهودا مريرة من أجل استكمال خطط التنقيب عن الغاز في البحر المتوسط، خرجت تصريحات من مالكي حقوق التنقيب الإسرائيليين بجوار حقل غاز "أفروديت" القبرصي، تطالب حكومة بنيامين نتنياهو بالتدخل من أجل منع توقيع قبرص اتفاقًا مع مصر بهدف استيراد القاهرة للغاز من الجزيرة في جنوب شرق المتوسط. المثير في الأمر أن إسرائيل تزعم بأن الاتفاق بين مصر وقبرص في البحر المتوسط سيؤثر على مصالحها من ناحية، وسيسحب الغاز أيضًا من الجانب الإسرائيلي. ما تُروج له إسرائيل بشأن غاز المتوسط، ما هو إلا مزاعم واهية لا يمكن أن تتحقق، خاصة أن تل أبيب اعترفت في وقت سابق بأن كمية الغاز في الحقل الإسرائيلي زهيدة ولا يمكن استخراجها، حسب موقع إيلاف. الحقيقة، أن تل أبيب تريد الضغط على السلطات القبرصية لضمان حقوقها بعدم تصدير الغاز من حقل أفروديت إلى مصر إلا بعد موافقة الجانب الإسرائيلي. السؤال الذي يطرح نفسه هنا.. هل تستفيد مصر من حقل أفروديت؟ ولماذا تتخوف إسرائيل وتركيا من الاتفاقية الموقعة بين مصر وسلطات نيقوسا بشأن غاز المتوسط؟ من المتعارف عليه أن السوق المصري من أكبر الأسواق المحلية في إفريقيا، إضافة إلى امتلاكها تسهيلات التخزين والمنتجات البترولية والبتروكيماوية وخيارات نقلها شرق وغرب الخليج والبحر المتوسط، وهو ما يجذب استثمارات أخرى ولاعبين من دول مجاورة في كافة مجالات الصناعة البترولية، وفقًا للوزير طارق الملا. وكالة بلومبرج كشفت عن اقتراب مصر من اتفاق مع قبرص على شراء الغاز من حقل أفروديت، وهي خطوة في الطريق لتحويل مصر إلى مركز إقليمي للطاقة. وأوضحت الوكالة أن تلك الخطوة تأتي في ضوء مساعي مصر أن تصبح مركزًا إقليميًا للطاقة. ما يجب الإشارة إليه، أن شرق البحر المتوسط هو المورد الأساسي للغاز الطبيعي بالنسبة للمنطقة ولأوروبا، وأن قبرص تعتزم القيام بدور محوري في ذلك الأمر بدعم من مصر، وهو ما يعرضها إلى مضايقات من قبل تركيا وإسرائيل. كانت سفن حربية تركية منعت الشهر الماضي منصة نفطية تابعة لشركة "إيني" الإيطالية من الوصول إلى منطقة جنوبي شرق قبرص من أجل التنقيب عن الغاز.