انطلقت فعاليات مهرجان الجونة السينمائي وسط ترحيب كبير بالحدث سواء في الوسط السينمائي أو الإعلامي، أو بين الجمهور المصري الذي زهد متابعة المهرجانات الفنية خلال السنوات الأخيرة، بسبب ما يشوبها من أزمات تنظيمية، بل وفضائح متنوعة أحيانًا. نقلت الفضائية الرسمية للمهرجان فعاليات حفل الافتتاح، تابعه من خلالها الملايين في مصر والمنطقة العربية باحتفاء كبير، ظهرت أصداؤه على وسائل التواصل الاجتماعي، حيث عكس الحفل أفضل درجات التنظيم والأناقة، التي طالما تمنى الجميع أن يكون عليها حدث ثقافي، يمثل واجهة مشرفة لمصر والفن المصري أمام العالم. أكد المهندس نجيب ساويرس في تصريح سابق له أنه يرغب في الانطلاق بالجونة إلى العالمية كوجهة سياحية تضاهي شاطئ كان من خلال المهرجان. يُلاحظ بالفعل أن بروموهات المهرجان التي تعرضها القنوات التليفزيونية تضم لقطات كبيرة الحجم للمدينة وجمال منتجعاتها، والأمل معقود في أن يوفر المهرجان مزيجًا من السياحة الثقافية والسياحة الترفيهية، بما قد يضاعف أعداد السائحين ومن ثم انطلاق مزيد من الاستثمارات، وإعادة فتح كثير من المشروعات السياحية التي توقفت بسبب الأحداث التي عانت مصر منها خلال السنوات الأخيرة. شابت تلك الأجواء الاحتفالية المبشرة أزمة تنظيمية أدت إلى غضب عدد كبير من الصحفيين والإعلاميين المصريين الذين حضروا لتغطية المهرجان، فقد قررت الشركة المنظمة فجأة اقتصار دعوات حضور حفل الافتتاح على عدد محدود من النقاد والصحفيين، مع توفير إمكانية لمتابعة فعاليات الحفل وفيلم الافتتاح من خلال شاشة موجودة بالفندق الذي يقيم فيه أغلبية الصحفيين المصريين. كما نظم المهرجان أيضًا حفل عشاء خاص لضيوف المهرجان، بينما كان هناك عشاء مختلف للصحفيين في مكان آخر. أثار ذلك القرار عددا كبيرا من الصحفيين على أثره كتبوا بيانا شديد اللهجة، اتهم إدارة المهرجان مجموعة اتهامات، كانت حيثياتهم لإعلان انسحابهم والسفر إلى القاهرة صباح اليوم التالي. حاولت إدارة المهرجان بدورها تدارك الأمر، فقد هرع الناقد انتشال التميمي، مدير المهرجان فور انتهاء حفل الافتتاح إلى مقر تجمع الصحفيين لتأكيد عدم قصدية الإساءة، ونجح بالفعل في إقناع البعض وإنهاء الأزمة، بينما أصرت مجموعة أخرى على موقفها. كما يتردد أن الشركة المنظمة تنوي عقد مؤتمر صحفي للاعتذار الرسمي وشرح سبب قرارها، لكن ذلك ليس مؤكدا حتى وقت كتابة هذه السطور. نمى إلى علمي أن ذلك القرار أتى بسبب دعوة الشركة المنظمة لعدد كبير من رجال الأعمال وكبار القيادات الاقتصادية في مصر لحضور حفل الافتتاح، وذلك من أجل تشجيعهم على المشاركة في رعاية الدورات المقبلة للمهرجان، مما جعل حضور العدد الهائل من الصحفيين لحفل الافتتاح مستحيلًا بسبب عدم كفاية مقاعد المسرح؛ لا يمكن أيضًا تجاهل فكرة أن عائلة ساويرس ترتبط بعلاقات عمل وثيقة مع تلك القيادات الاقتصادية تحتم دعوتهم للاحتفال بالتجربة الجديدة للعائلة، التي تمزج بين الاستثمارين الثقافي والسياحي. لم تألف الصحافة المصرية بعد مفردات البيزنس في المهرجانات السينمائية، فجميع الفعاليات الفنية والثقافية في مصر إما من تنظيم وزارة الثقافة، أو مؤسسات مجتمع مدني تقيم فعالياتها تحت رعاية الوزارة، ومن هنا جاء اختلاف وجهات النظر. يخلق منظمو مهرجان الجونة السينمائي مفردات مختلفة، ولهم كامل الحق في خوض تجربتهم وبحث إمكانيات تطوير فرصها، مما سينعكس بالضرورة على تثبيت أقدام المهرجان، لكنه كان لزامًا عليهم أيضًا أن يفصحوا للمدعوين عن خطة العمل التي تتضمن أن دعوات الافتتاح الخاصة بالإعلاميين ستكون قاصرة على عدد محدود من النقاد والصحفيين، وهنا يمتلك باقي الحضور قرار قبول ذلك من عدمه. من جهة أخرى، توزع ضيوف المهرجان على أكثر من ٦ فنادق، مما قلص من إمكانية التواصل بين جموع الحاضرين، ولا يخفى عن إدارة المهرجان أن التواصل وبناء العلاقات من أهم أهداف حضور المهرجانات السينمائية، لكن أيضًا جاءت استجابة سريعة من إدارة المهرجان بتوفير عدد معقول من السيارات يسهل انتقال الضيوف بين أماكن الإقامة والفعاليات. أخطاء التجربة الأولى لا تغفل الجهد التنظيمي الواضح بكل تفاصيله، وأن فيلم الافتتاح "شيخ جاكسون" الذي انطلقت به أفلام المسابقة الرسمية كان اختيارا موفقا من الإدارة الفنية للمهرجان، يؤكد أن السينما المصرية الجديدة قادرة على التنافس والمقارنة مع باقي سينمات المنطقة والعالم. وعليه، فإنه من الظلم البين التوقف عند أزمة دعوات حفل الافتتاح، أو عند جرأة أحمد الفيشاوي في الحديث بتلقائية سببت صدمة للبعض وهو يقدم فيلمه، بينما يتم تجاهل أن مهرجان الجونة السينمائي في دورته الأولى أحدث دويًّا مؤثرًا ومحببًا، يُرجى أن يكون أيضًا فاعلًا في الواقع السينمائي المصري، وللحديث عن فعاليات المهرجان بقية.